[ ص: 282 ] nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30nindex.php?page=treesubj&link=28980_32011_29434وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهؤون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=31اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=32يريدون أن يطفؤوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=33هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون تقدم في الآية ( 29 ) السابقة لهذه الآيات أن
أهل الكتاب المراد بهم
اليهود والنصارى لا يؤمنون بالله تعالى على الوجه الحق الذي جاءت به رسله من توحيد وتنزيه لذاته وصفاته ، ولا باليوم الآخر - على الوجه الصحيح من أن الناس يبعثون بشرا كما كانوا في الدنيا ، أي أجسادا وأرواحا ، وأنهم يجزون بإيمانهم وأعمالهم ، وعليها مدار سعادتهم وشقائهم ، لا على أشخاص الأنبياء والصديقين - ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله إلى كل منهم إيمانا وإذعانا ، وعملا ، ولا يدينون دين الحق أي: إنما يتبعون تقاليد وجدوا عليها آباءهم وأحبارهم ورهبانهم . فلما بين تعالى هذا في سياق قتالهم وما ينتهى به إذا لم يؤمنوا بما جاء به رسول الله وخاتم النبيين ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو أداء الجزية بشرطها - عطف عليه ما يبين مبهمه ، ويفصل مجمله ، ويبين غايته ، وهو هذه الآيات الأربع فقال عز وجل :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30وقالت اليهود عزير ابن الله إلخ نبدأ في تفسير هذه الآية بذكر شيء من تاريخ
عزير هذا ، ومكانته عند القوم ثم ببيان من سموه ابن الله من
اليهود ، ونقفي على ذلك بذكر قول
النصارى :
المسيح ابن الله وتفنيده ، ثم من قال بمثل
[ ص: 283 ] هذا القول من الوثنيين القدماء ، وهو من معجزات القرآن : وقد تقدم هذا مفصلا في تفسير سورتي النساء والمائدة .
عزير هذا هو الذي يسميه
أهل الكتاب (
عزرا ) والظاهر أن يهود العرب هم الذين صغروا بالصيغة العربية للتحبيب وصرفوه ، وعنهم أخذ المسلمون ، والتصرف في أسماء الأعلام المنقولة من لغة إلى أخرى معروف عند جميع الأمم ، حتى إن اسم "
يسوع " قلبته العرب فقالت "
عيسى " وهو كما في أول الفصل السابع من السفر المعروف باسمه
عزرا بن سرايا بن عزريا بن حلقيا - وساق نسبه إلى
العازار بن هارون ( عليه السلام ) .
جاء في دائرة المعارف اليهودية الإنكليزية ( طبعة 1903 ) أن عصر
عزرا هو ربيع التاريخ الملي لليهودية الذي تفتحت فيه أزهاره وعبق شذا ورده . وأنه جدير بأن يكون هو نشر الشريعة ( وفي الأصل عربة أو مركبة الشريعة ) لو لم يكن جاء بها
موسى ( التلمود ، 21 ب ) فقد كانت نسيت ولكن
عزرا أعادها أو أحياها ، ولولا خطايا
بني إسرائيل لاستطاعوا رؤية الآيات ( المعجزات ) كما رأوها في عهد
موسى اهـ . وذكر فيها أنه كتب الشريعة بالحروف الأشورية وكان يضع علامة على الكلمات التي يشك فيها - وأن مبدأ التاريخ اليهودي يرجع إلى عهده .
وقال الدكتور
جورج بوست في قاموس الكتاب المقدس :
عزرا ( عون ) كاهن يهودي وكاتب شهير سكن
بابل مدة ملك (
ارتحششتا ) الطويل الباع ، وفي السنة السابعة لملكه أباح
لعزرا بأن يأخذ عددا وافرا من الشعب إلى
أورشليم نحو سنة 457 ق . م ( عزرا ص7 ) وكانت مدة السفر أربعة أشهر .
( ثم قال ) وفي تقليد
اليهود يشغل
عزرا موضعا مهما يقابل بموضع
موسى وإيليا ويقولون : إنه أسس المجمع الكبير ، وأنه جمع أسفار الكتاب المقدس ، وأدخل الأحرف الكلدانية عوض العبرانية القديمة ، وأنه ألف أسفار الأيام
وعزرا ونحميا .
( ثم قال ) ولغة سفر
عزرا من ص4 : 8 - 6 : 19 كلدانية ، وكذلك ص7 : 1 - 27 وكان الشعب بعد رجوعهم من السبي يفهمون الكلدانية أكثر من العبرانية اهـ .
وأقول : إن المشهور عند مؤرخي الأمم حتى
أهل الكتاب منهم أن
nindex.php?page=treesubj&link=31912_32420التوراة التي كتبها موسى عليه السلام ووضعها في تابوت العهد أو بجانبه ( تث 31 : 25 ، 26 ) قد فقدت قبل عهد سليمان عليه السلام ، فإنه لما فتح التابوت في عهده لم يوجد فيه غير اللوحين الذين كتبت فيهما الوصايا العشر كما تراه في سفر الملوك الأول ، وأن (
عزرا ) هذا هو الذي كتب التوراة وغيرها بعد السبي بالحروف الكلدانية واللغة الكلدانية الممزوجة ببقايا اللغة العبرية التي نسي
اليهود معظمها . ويقول
أهل [ ص: 284 ] الكتاب : إن (
عزرا ) كتبها كما كانت بوحي أو بإلهام من الله . وهذا ما لا يسلمه لهم غيرهم وعليه اعتراضات كثيرة مذكورة في مواضعها من الكتب الخاصة بهذا الشأن حتى من تآليفهم كذخيرة الألباب للكاثوليك وأصله فرنسي ، وقد عقد الفصلين الحادي عشر والثاني عشر لذكر بعض الاعتراضات على كون الأسفار الخمسة
لموسى ، ومنها قوله : ( 7 - جاء في سفر عزرا 4 ف 14 عد 21 ) أن جميع الأسفار المقدسة حرقت بالنار في عهد
نبوخذ نصر حيث قال : " إن النار أبطلت شريعتك فلم يعد سبيل لأي امرئ أن يعرف ما صنعت " اهـ . ويزاد على ذلك أن
عزرا أعاد بوحي الروح القدسي تأليف الأسفار المقدسة التي أبادتها النار وعضده فيها كتبة خمسة معاصرون . ولذلك ترى
ثرثوليانوس ، والقديس
ايريناوس ، والقديس
ايرونيموس ، والقديس
يوحنا الذهبي ، والقديس
باسيليوس وغيرهم يدعون
عزرا مرمم الأسفار المقدسة المعروفة عند
اليهود اهـ .
ثم أجاب المؤلف عن هذا الاعتراض بأن السفر الرابع من سفر
عزرا ( كذا ) ليس بقانوني ، وأن نسخ الكتاب المقدس لم تكن كلها " محفوظة في الهيكل أو في
أورشليم ، وأن الآباء القديسين الذين استشهد المعترضون بأقوالهم إنما يؤخذ بتعليمهم لا برأيهم ، قال " يستحيل أن يكون رأيهم غير التعليمي غير مصيب ; إلا أن الأظهر أنهم إذ سموا
عزرا مرمم الأسفار المقدسة إنما أرادوا أن هذا النبي بعد السبي البابلي جمع كل ما تمكن من جمعه من نسخ الكتاب المقدس ، وقابلها وجعل منها مجموعا منقحا مجردا عن الأغلاط التي كانت قد اندست فيه اهـ . ونقول : إن هذه الأجوبة تأويل لأقوال القديسين المذكورين لا تدل عليه ، ولا نسلم أن تعليمهم كان مخالفا لرأيهم ، واحتمالات ودعاوى في أصل المسألة ، دليل عليها ; إذ لم ينقل أحد أنه كان يوجد قبل
عزرا كتاب اسمه الكتاب المقدس ، ولا أن أسفار
موسى كان يوجد منها نسخ متعددة ، وفي التاريخ أن ما كتبه
عزرا منها قد فقد أيضا ، وكان يوجد فيه الألوف من الألفاظ البابلية - وعبارات كان
عزرا يشك فيها - وأغلاط كثيرة متفق عليها عند
أهل الكتاب ، يتمحلون في الأجوبة عنها ، فنسخة
عزرا ليست عين الشريعة التي كان كتبها
موسى قطعا .
وقد جاء في ص167 من الجزء الأول من إظهار الحق ( طبعة
الآستانة ) بعد نقل نحو مما ذكر عن سفر
عزرا وإحراق التوراة وجمع
عزرا لها بإعانة روح القدس - ما نصه : " وقال
كليمنس اسكندر يانوس : إن الكتب السماوية ضاعت فألهم
عزرا أن يكتبها مرة أخرى اهـ . وقال
ترتولين : المشهور أن
عزرا كتب مجموع الكتب بعد
[ ص: 285 ] ما أغار
أهل بابل بروشالم ( ؟ ) اهـ . وقال
تهيوفلكت : إن الكتب الإلهية انعدمت رأسا ، فأوجدها
عزرا مرة أخرى بإلهام اهـ . وقال
جان ملنر كاتلك في الصفحة 115 من كتابه الذي طبع في بلدة
دربي سنة 1843 : " اتفق أهل العلم على أن نسخة التوراة الأصلية وكذا نسخ كتب العهد العتيق ضاعت من أيدي عسكر
بخت نصر ، ولما ظهرت نقولها الصحيحة بواسطة
عزرا ضاعت تلك النقول أيضا في حادثة
أنتيوكس ، انتهى كلامه بقدر الحاجة اهـ .
ثم إن صاحب إظهار الحق ذكر في بحث إثبات تحريف كتبهم ( ص235 - 39 ) ما في تواريخهم المقدسة ( سفر الملوك وسفر الأيام ) من خبر ارتداد أكثر
بني إسرائيل من آخر مدة
سليمان ، الذي كان أول من ارتد وعبد الأوثان وبنى لها المعابد بزعمهم ، وولديه اللذين اقتسما ملكه فكان مملكتين ، مملكة
إسرائيل المؤلفة من عشرة أسباط ، ومملكة
يهوذا المؤلفة من السبطين الآخرين ، وغلبة الوثنية وعبادة الأصنام عليهما معا ، وإن كانت على الأولى أغلب . وامتد ذلك زهاء أربعة قرون ، لم يعد للمملكتين فيها حاجة إلى التوراة ، إلى أن جلس
( يوشيا ) بن ( آمون ) على سرير السلطنة فتاب من الشرك ، وأراد إعادة دين
موسى إلى الشعب ، ولكنه لم يجد نسخة من التوراة إلى سبع عشرة سنة من ملكه ; إذ ادعى حلقيا الكاهن في السنة الثامنة عشرة أنه وجد نسخة من شريعة
موسى في بيت الرب ( ويقول صاحب قاموس الكتاب المقدس في هذه النسخة ربما كانت " سفر التثنية " وحده ) ويدعون أن العمل جرى على تلك النسخة مدة الثلاث عشرة سنة التي بقيت من ملكه ، وقد ارتد من بعده من الملوك ، وسلط الله على أولهم ملك
مصر ، وعلى ثالثهم
بخت نصر ، ولم تذكر نسخة الشريعة من بعده فلا يعلم أحد ما أصابها .
وأما ما كتبه
عزرا فقد أيضا في أثناء استيلاء
انطويوكس ملك سورية على
أورشليم كما تقدم وقد وضحه بقوله في ( ص238 ج 1 ) فقال : " لما كتب
عزرا عليه السلام كتب العهد العتيق مرة أخرى على زعمهم وقعت حادثة أخرى جاء ذكرها في الباب الأول للمكابيين هكذا " .
" لما فتح
انتيوكس ملك ملوك الإفرنج ( كذا )
أورشليم ، أحرق جميع نسخ العهد العتيق التي حصلت له من أي مكان بعدما قطعها ، وأمر أن من يوجد عنده نسخة من نسخ كتب العهد العتيق أو يؤدي رسم الشريعة يقتل ، وكان تحقيق هذا الأمر
[ ص: 286 ] في كل شهر ، فكان يقتل كل من وجد عنده نسخة من كتب العهد العتيق ، أو ثبت أنه أدى رسما من رسوم الشريعة ، وتعدم تلك النسخة " انتهى ملخصا .
وذكر أن هذه الحادثة كانت سنة 161 ق . م ، وامتدت إلى ثلاث سنين ونصف كما فصلت في تواريخهم وتاريخ
يوسيفوس . ( قال ) فانعدمت في هذه الحادثة جميع النسخ التي كتبها
عزرا كما عرفت في الشاهد 16 من المقصد الأول من كلام
جان ملنر كاتلك . ثم ذكر أنه في حادثة استيلاء
الإمبراطور تيطس الرومي على
أورشليم وبلاد
اليهود ، أتلفت نسخ كثيرة كانت عندهم وذلك بعد المسيح كما بينه
يوسيفوس وغيره من المؤرخين .
نكتفي بهذا البيان هنا ولنا فيه غرضان : ( أحدهما ) أن جميع
أهل الكتاب مدينون
لعزير هذا في مستند دينهم ، وأصل كتبهم المقدسة عندهم . ( وثانيهما ) أن هذا المستند واهي البيان متداعي الأركان . وهذا هو الذي حققه علماء أوربة الأحرار ، فقد جاء في ترجمته من دائرة المعارف البريطانية بعد ذكر ما في سفره وسفر نحميا من كتابته للشريعة : أنه جاء في روايات أخرى متأخرة عنها أنه لم يعد إليهم الشريعة التي أحرقت فقط ، بل أعاد جميع الأسفار العبرية التي كانت أتلفت ، وأعاد سبعين سفرا غير قانونية [ أبو كريف ] ثم قال كاتب الترجمة فيها : وإذا كانت الأسطورة الخاصة
بعزرا هذا قد كتبها من كتبها المؤرخين بأقلامهم من تلقاء أنفسهم ، ولم يستندوا في شيء منها إلى كتاب آخر - فكتاب هذا العصر يرون أن أسطورة
عزرا قد اختلقها أولئك الرواة اختلاقا [ انظر ص14 ج 9 من الطبعة الرابعة عشرة سنة 1929 ] .
وجملة القول : أن
اليهود كانوا وما زالوا يقدسون
عزيرا هذا حتى إن بعضهم أطلق عليه لقب ابن الله ، ولا ندري أكان إطلاقه عليه بمعنى التكريم الذي أطلق على
إسرائيل وداود وغيرهما ، أم بالمعنى الذي سيأتي قريبا عن فيلسوفهم (
فيلو ) وهو قريب من فلسفة وثني
الهند التي هي أصل عقيدة
النصارى . وقد اتفق المفسرون على أن إسناد هذا القول إليهم يراد به بعضهم لا كلهم ، وهو مبني على القاعدة التي بيناها في تفسير بعض آيات سورة البقرة التي تحكي عنهم أقوالا وأفعالا مسندة إليهم في جملتهم ، وهي مما صدر عن بعضهم ، وهي أن المراد من هذا الأسلوب تقرير أن الأمة تعد متكافلة في شئونها العامة ، وأن ما يفعله بعض الفرق أو الجماعات أو الزعماء منها يكون له تأثير في جملتها ، وأن المنكر الذي يفعله بعضهم إذا لم ينكره عليه جمهورهم ويزيلوه يؤاخذون به كلهم ، وبينا في تفسير قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=25واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ( 8 : 25 ) أن
nindex.php?page=treesubj&link=33924من سنن الاجتماع البشري أن المصائب
[ ص: 287 ] والرزايا التي تحل بالأمم بفشو المفاسد والرذائل فيها لا تختص الذين تلبسوا بتلك المفاسد وحدهم ، كما أن الأوبئة التي تحدث بكثرة الأقذار في الشعب وغير ذلك من الإسراف في الشهوات تكون عامة أيضا .
وأما الذين قالوا هذا القول من
اليهود فهم بعض يهود
المدينة ، كالذين قال الله فيهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ( 5 : 64 ) الآية ، والذين قال فيهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=181لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء ( 3 : 181 ) ردا على قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=245من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا ( 2 : 245 ) ؟ ويحتمل أن يكون قد سبقهم إليه غيرهم ، ولم ينقل إلينا .
روى
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال : أتى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ
سلام بن مشكم ونعمان بن أوفى وأبو أنس وشاس بن قيس ومالك بن الصيف فقالوا : كيف نتبعك وقد تركت قبلتنا ، وأنت لا تزعم أن
عزيرا ابن الله ؟ وإنما قالوا هو ابن الله من أجل أن
عزيرا كان في
أهل الكتاب وكانت التوراة عندهم يعملون بها ما شاء الله تعالى أن يعملوا ، ثم أضاعوها وعملوا بغير الحق ، وكان التابوت فيهم ، فلما رأى الله تعالى أنهم قد أضاعوا التوراة ، وعملوا بالأهواء رفع عنهم التابوت وأنساهم التوراة ونسخها من صدورهم ( وذكر الراوي حكاية إسرائيلية قال في آخرها : إن
عزيرا صلى ودعا الله أن يرد إليه الذي كان ذهب من جوفه من التوراة فاستجاب له فصار يعلمهم إياها ، ثم نزل التابوت عليهم فعرضوا عليه ما علمهم
عزير فوجدوه مثله ) .
فنحن نأخذ بما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رواية عمن جاءوا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من
اليهود وقالوا ما قالوا ، فإنه رواية عن شيء وقع في زمنه فأخبر عما رأى وسمع ، وأما ما حكاه من سبب قولهم فما هو إلا رواية عن بعضهم كذبوا فيه عليه أو على من حدثه به ، والظاهر أنه مما سمعه من
nindex.php?page=showalam&ids=16850كعب الأحبار إذ روى عنه كثيرا من الإسرائيليات ، فقد أخرج
أبو الشيخ عن
كعب أنه قال : دعا
عزير ربه عز وجل أن يلقي التوراة كما أنزل على
موسى عليه السلام في قلبه ، فأنزلها الله تعالى عليه فبعد ذلك قالوا:
عزير ابن الله .
وقد ذكر
السيوطي في الدر المنثور روايات أخرى إسرائيلية خرافية في هذا المعنى ، منها ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة وابن المنذر عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وملخصه أن الله سلط
بخت نصر على
بني إسرائيل فحرق التوراة ، وخرب
بيت المقدس وعزير يومئذ غلام فلحق بالجبال يتعبد فيها ، وأن الدنيا تمثلت له في صورة امرأة فأخبرته بأنه سينبع في مصلاه عين ماء ، وتنبت فيه شجرة فإذا شرب من العين ، وأكل من الثمرة جاءه ملكان - ( إلى أن قال ) فجاء الملكان ومعهما
[ ص: 288 ] قارورة فيها نور فأوجراه ما فيها فألهمه الله التوراة . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم هذه الخرافة عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي بأطول مما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وما ذكرنا هذا إلا لنبين للناس أنه من شر الخرافات الإسرائيلية التي كان يغش الناس المسلمين بها
nindex.php?page=showalam&ids=16850كعب الأحبار وأمثاله مما ليس في كتب
اليهود ، وقد راجت على أكثر المفسرين لعدم اطلاعهم على كتب العهد العتيق ، ولا سيما سفر الأيام الثاني ، وسفري
عزير ونحميا ، ولا على غيرهما من كتبهم ، ولا على تاريخ
يوسيفوس اليهودي وغيره من التواريخ ، دع كتب أحرار الإفرنج ومؤرخيهم مما لم يكن في زمنهم .
ومن المعلوم أن بعض
النصارى الذين قالوا إن
المسيح ابن الله كانوا من
اليهود ، وقد كان (
فيلو ) الفيلسوف اليهودي الإسكندري المعاصر
للمسيح يقول : إن لله ابنا هو كلمته التي خلق بها الأشياء - فعلى هذا لا يبعد أن يكون بعض المتقدمين على عصر البعثة المحمدية قد قالوا إن
عزيرا ابن الله بهذا المعنى .
[ ص: 282 ] nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30nindex.php?page=treesubj&link=28980_32011_29434وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=31اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=32يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُواْ نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=33هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ تَقَدَّمَ فِي الْآيَةِ ( 29 ) السَّابِقَةِ لِهَذِهِ الْآيَاتِ أَنَّ
أَهْلَ الْكِتَابِ الْمُرَادَ بِهِمُ
الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْوَجْهِ الْحَقِّ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ رُسُلُهُ مِنْ تَوْحِيدٍ وَتَنْزِيهٍ لِذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ ، وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ - عَلَى الْوَجْهِ الصَّحِيحِ مِنْ أَنَّ النَّاسَ يُبْعَثُونَ بَشَرًا كَمَا كَانُوا فِي الدُّنْيَا ، أَيْ أَجْسَادًا وَأَرْوَاحًا ، وَأَنَّهُمْ يُجْزَوْنَ بِإِيمَانِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ ، وَعَلَيْهَا مَدَارُ سَعَادَتِهِمْ وَشَقَائِهِمْ ، لَا عَلَى أَشْخَاصِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصِّدِّيقِينَ - وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَى كُلٍّ مِنْهُمْ إِيمَانًا وَإِذْعَانًا ، وَعَمَلًا ، وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ أَيْ: إِنَّمَا يَتَّبِعُونَ تَقَالِيدَ وَجَدُوا عَلَيْهَا آبَاءَهُمْ وَأَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ . فَلَمَّا بَيَّنَ تَعَالَى هَذَا فِي سِيَاقِ قِتَالِهِمْ وَمَا يُنْتَهَى بِهِ إِذَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِمَا جَاءَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ وَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَهُوَ أَدَاءُ الْجِزْيَةِ بِشَرْطِهَا - عَطَفَ عَلَيْهِ مَا يُبَيِّنُ مُبْهَمَهُ ، وَيُفَصِّلُ مُجْمَلَهُ ، وَيُبَيِّنُ غَايَتَهُ ، وَهُوَ هَذِهِ الْآيَاتُ الْأَرْبَعُ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ إِلَخْ نَبْدَأُ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ بِذِكْرِ شَيْءٍ مِنْ تَارِيخِ
عُزَيْرٍ هَذَا ، وَمَكَانَتِهِ عِنْدَ الْقَوْمِ ثُمَّ بِبَيَانِ مَنْ سَمَّوْهُ ابْنَ اللَّهِ مِنَ
الْيَهُودِ ، وَنُقَفِّي عَلَى ذَلِكَ بِذِكْرِ قَوْلِ
النَّصَارَى :
الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ وَتَفْنِيدِهِ ، ثُمَّ مَنْ قَالَ بِمِثْلِ
[ ص: 283 ] هَذَا الْقَوْلِ مِنَ الْوَثَنِيِّينَ الْقُدَمَاءِ ، وَهُوَ مِنْ مُعْجِزَاتِ الْقُرْآنِ : وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا مُفْصَلًا فِي تَفْسِيرِ سُورَتَيِ النِّسَاءِ وَالْمَائِدَةِ .
عُزَيْرٌ هَذَا هُوَ الَّذِي يُسَمِّيهِ
أَهْلُ الْكِتَابِ (
عِزْرَا ) وَالظَّاهِرُ أَنَّ يَهُودَ الْعَرَبِ هُمُ الَّذِينَ صَغَّرُوا بِالصِّيغَةِ الْعَرَبِيَّةِ لِلتَّحْبِيبِ وَصَرَفُوهُ ، وَعَنْهُمْ أَخَذَ الْمُسْلِمُونَ ، وَالتَّصَرُّفُ فِي أَسْمَاءِ الْأَعْلَامِ الْمَنْقُولَةِ مِنْ لُغَةٍ إِلَى أُخْرَى مَعْرُوفٌ عِنْدَ جَمِيعِ الْأُمَمِ ، حَتَّى إِنَّ اسْمَ "
يَسُوعَ " قَلَبَتْهُ الْعَرَبُ فَقَالَتْ "
عِيسَى " وَهُوَ كَمَا فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ السَّابِعِ مِنَ السِّفْرِ الْمَعْرُوفِ بِاسْمِهِ
عِزْرَا بْنِ سَرَايَا بْنِ عِزْرِيَا بْنِ حِلْقِيَا - وَسَاقَ نَسَبَهُ إِلَى
الِعَازَارِ بْنِ هَارُونَ ( عَلَيْهِ السَّلَامُ ) .
جَاءَ فِي دَائِرَةِ الْمَعَارِفِ الْيَهُودِيَّةِ الْإِنْكِلِيزِيَّةِ ( طَبْعَةَ 1903 ) أَنَّ عَصْرَ
عِزْرَا هُوَ رَبِيعُ التَّارِيخِ الْمِلِّيِّ لِلْيَهُودِيَّةِ الَّذِي تَفَتَّحَتْ فِيهِ أَزْهَارُهُ وَعَبَقَ شَذَا وَرْدِهِ . وَأَنَّهُ جَدِيرٌ بِأَنْ يَكُونَ هُوَ نَشْرَ الشَّرِيعَةِ ( وَفِي الْأَصْلِ عَرَبَةَ أَوْ مَرْكَبَةَ الشَّرِيعَةِ ) لَوْ لَمْ يَكُنْ جَاءَ بِهَا
مُوسَى ( التِّلْمُودَ ، 21 ب ) فَقَدْ كَانَتْ نُسِيَتْ وَلَكِنَّ
عِزْرَا أَعَادَهَا أَوْ أَحْيَاهَا ، وَلَوْلَا خَطَايَا
بَنِي إِسْرَائِيلَ لَاسْتَطَاعُوا رُؤْيَةَ الْآيَاتِ ( الْمُعْجِزَاتِ ) كَمَا رَأَوْهَا فِي عَهْدِ
مُوسَى اهـ . وَذُكِرَ فِيهَا أَنَّهُ كَتَبَ الشَّرِيعَةَ بِالْحُرُوفِ الْأَشُورِيَّةِ وَكَانَ يَضَعُ عَلَامَةً عَلَى الْكَلِمَاتِ الَّتِي يَشُكُّ فِيهَا - وَأَنَّ مَبْدَأَ التَّارِيخِ الْيَهُودِيِّ يَرْجِعُ إِلَى عَهْدِهِ .
وَقَالَ الدُّكْتُورُ
جُورْجْ بُوسْتْ فِي قَامُوسِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ :
عِزْرَا ( عَوْنٌ ) كَاهِنٌ يَهُودِيٌّ وَكَاتِبٌ شَهِيرٌ سَكَنَ
بَابِلَ مُدَّةَ مُلْكِ (
ارْتَحْشِشْتَا ) الطَّوِيلِ الْبَاعِ ، وَفِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ لِمُلْكِهِ أَبَاحَ
لَعِزْرَا بِأَنْ يَأْخُذَ عَدَدًا وَافِرًا مِنَ الشَّعْبِ إِلَى
أُورْشَلِيمَ نَحْوَ سَنَةِ 457 ق . م ( عِزْرَا ص7 ) وَكَانَتْ مُدَّةُ السَّفَرِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ .
( ثُمَّ قَالَ ) وَفِي تَقْلِيدِ
الْيَهُودِ يَشْغَلُ
عِزْرَا مَوْضِعًا مُهِمًّا يُقَابَلُ بِمَوْضِعِ
مُوسَى وَإِيلِيَّا وَيَقُولُونَ : إِنَّهُ أَسَّسَ الْمَجْمَعَ الْكَبِيرَ ، وَأَنَّهُ جَمَعَ أَسْفَارَ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ ، وَأَدْخَلَ الْأَحْرُفَ الْكَلْدَانِيَّةَ عَوْضَ الْعِبْرَانِيَّةِ الْقَدِيمَةِ ، وَأَنَّهُ أَلَّفَ أَسْفَارَ الْأَيَّامِ
وَعِزْرَا وَنِحْمِيَا .
( ثُمَّ قَالَ ) وَلُغَةُ سِفْرِ
عِزْرَا مِنْ ص4 : 8 - 6 : 19 كَلْدَانِيَّةً ، وَكَذَلِكَ ص7 : 1 - 27 وَكَانَ الشَّعْبُ بَعْدَ رُجُوعِهِمْ مِنَ السَّبْيِ يَفْهَمُونَ الْكَلْدَانِيَّةَ أَكْثَرَ مِنَ الْعِبْرَانِيَّةِ اهـ .
وَأَقُولُ : إِنَّ الْمَشْهُورَ عِنْدَ مُؤَرِّخِي الْأُمَمِ حَتَّى
أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْهُمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=31912_32420التَّوْرَاةَ الَّتِي كَتَبَهَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَوَضَعَهَا فِي تَابُوتِ الْعَهْدِ أَوْ بِجَانِبِهِ ( تث 31 : 25 ، 26 ) قَدْ فُقِدَتْ قَبْلَ عَهْدِ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَإِنَّهُ لَمَّا فُتِحَ التَّابُوتُ فِي عَهْدِهِ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ غَيْرُ اللَّوْحَيْنِ الَّذَيْنِ كُتِبَتْ فِيهِمَا الْوَصَايَا الْعَشْرُ كَمَا تَرَاهُ فِي سِفْرِ الْمُلُوكِ الْأَوَّلِ ، وَأَنَّ (
عِزْرَا ) هَذَا هُوَ الَّذِي كَتَبَ التَّوْرَاةَ وَغَيَّرَهَا بَعْدَ السَّبْيِ بِالْحُرُوفِ الْكَلْدَانِيَّةِ وَاللُّغَةِ الْكَلْدَانِيَّةِ الْمَمْزُوجَةِ بِبَقَايَا اللُّغَةِ الْعِبْرِيَّةِ الَّتِي نَسِيَ
الْيَهُودُ مُعْظَمَهَا . وَيَقُولُ
أَهْلُ [ ص: 284 ] الْكِتَابِ : إِنَّ (
عِزْرَا ) كَتَبَهَا كَمَا كَانَتْ بِوَحْيٍ أَوْ بِإِلْهَامٍ مِنَ اللَّهِ . وَهَذَا مَا لَا يُسَلِّمُهُ لَهُمْ غَيْرُهُمْ وَعَلَيْهِ اعْتِرَاضَاتٌ كَثِيرَةٌ مَذْكُورَةٌ فِي مَوَاضِعِهَا مِنَ الْكُتُبِ الْخَاصَّةِ بِهَذَا الشَّأْنِ حَتَّى مِنْ تَآلِيفِهِمْ كَذَخِيرَةِ الْأَلْبَابِ لِلْكَاثُولِيكِ وَأَصْلُهُ فَرَنْسِيٌّ ، وَقَدْ عَقَدَ الْفَصْلَيْنِ الْحَادِيَ عَشَرَ وَالثَّانِيَ عَشَرَ لِذِكْرِ بَعْضِ الِاعْتِرَاضَاتِ عَلَى كَوْنِ الْأَسْفَارِ الْخَمْسَةِ
لِمُوسَى ، وَمِنْهَا قَوْلُهُ : ( 7 - جَاءَ فِي سِفْرِ عِزْرَا 4 ف 14 عَدْ 21 ) أَنَّ جَمِيعَ الْأَسْفَارِ الْمُقَدَّسَةِ حُرِّقَتْ بِالنَّارِ فِي عَهْدِ
نُبُوخَذْ نَصْرَ حَيْثُ قَالَ : " إِنِ النَّارَ أَبْطَلَتْ شَرِيعَتَكَ فَلَمْ يَعُدْ سَبِيلٌ لِأَيِّ امْرِئٍ أَنْ يَعْرِفَ مَا صَنَعَتْ " اهـ . وَيُزَادُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ
عِزْرَا أَعَادَ بِوَحْيِ الرُّوحِ الْقُدُسِيِّ تَأْلِيفَ الْأَسْفَارِ الْمُقَدَّسَةِ الَّتِي أَبَادَتْهَا النَّارُ وَعَضَّدَهُ فِيهَا كَتَبَةٌ خَمْسَةٌ مُعَاصِرُونَ . وَلِذَلِكَ تَرَى
ثِرْثُولْيَانُوسْ ، وَالْقِدِّيسَ
ايرْيَنَاوْسْ ، وَالْقِدِّيسَ
ايْرُونِيمُوسْ ، وَالْقِدِّيسَ
يُوحَنَّا الذَّهَبِيَّ ، وَالْقِدِّيسَ
بَاسِيلْيُوسَ وَغَيْرَهُمْ يَدَّعُونَ
عِزْرَا مُرَمِّمَ الْأَسْفَارِ الْمُقَدَّسَةِ الْمَعْرُوفَةِ عِنْدَ
الْيَهُودِ اهـ .
ثُمَّ أَجَابَ الْمُؤَلِّفُ عَنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ بِأَنَّ السِّفْرَ الرَّابِعَ مِنْ سِفْرِ
عِزْرَا ( كَذَا ) لَيْسَ بِقَانُونِيٍّ ، وَأَنَّ نُسَخَ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ لَمْ تَكُنْ كُلُّهَا " مَحْفُوظَةً فِي الْهَيْكَلِ أَوْ فِي
أُورْشَلِيمَ ، وَأَنَّ الْآبَاءَ الْقِدِّيسِينَ الَّذِينَ اسْتَشْهَدَ الْمُعْتَرِضُونَ بِأَقْوَالِهِمْ إِنَّمَا يُؤْخَذُ بِتَعْلِيمِهِمْ لَا بِرَأْيِهِمْ ، قَالَ " يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ رَأْيُهُمْ غَيْرُ التَّعْلِيمِيِّ غَيْرَ مُصِيبٍ ; إِلَّا أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهُمْ إِذْ سَمَّوْا
عِزْرَا مُرَمِّمَ الْأَسْفَارِ الْمُقَدَّسَةِ إِنَّمَا أَرَادُوا أَنَّ هَذَا النَّبِيَّ بَعْدَ السَّبْيِ الْبَابِلِيِّ جَمَعَ كَلَّ مَا تَمَكَّنَ مِنْ جَمْعِهِ مِنْ نُسَخِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ ، وَقَابَلَهَا وَجَعَلَ مِنْهَا مَجْمُوعًا مُنَقَّحًا مُجَرَّدًا عَنِ الْأَغْلَاطِ الَّتِي كَانَتْ قَدِ انْدَسَّتْ فِيهِ اهـ . وَنَقُولُ : إِنَّ هَذِهِ الْأَجْوِبَةَ تَأْوِيلٌ لِأَقْوَالِ الْقِدِّيسِينَ الْمَذْكُورِينَ لَا تَدُلُّ عَلَيْهِ ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ تَعْلِيمَهُمْ كَانَ مُخَالِفًا لِرَأْيِهِمْ ، وَاحْتِمَالَاتٌ وَدَعَاوَى فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ ، دَلِيلٌ عَلَيْهَا ; إِذْ لَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ أَنَّهُ كَانَ يُوجَدُ قَبْلَ
عِزْرَا كِتَابٌ اسْمُهُ الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ ، وَلَا أَنَّ أَسْفَارَ
مُوسَى كَانَ يُوجَدُ مِنْهَا نُسَخٌ مُتَعَدِّدَةٌ ، وَفِي التَّارِيخِ أَنَّ مَا كَتَبَهُ
عِزْرَا مِنْهَا قَدْ فُقِدَ أَيْضًا ، وَكَانَ يُوجَدُ فِيهِ الْأُلُوفُ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْبَابِلِيَّةِ - وَعِبَارَاتٌ كَانَ
عِزْرَا يَشُكُّ فِيهَا - وَأَغْلَاطٌ كَثِيرَةٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا عِنْدَ
أَهْلِ الْكِتَابِ ، يَتَمَحَّلُونَ فِي الْأَجْوِبَةِ عَنْهَا ، فَنُسْخَةُ
عِزْرَا لَيْسَتْ عَيْنَ الشَّرِيعَةِ الَّتِي كَانَ كَتَبَهَا
مُوسَى قَطْعًا .
وَقَدْ جَاءَ فِي ص167 مِنَ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ إِظْهَارِ الْحَقِّ ( طَبْعَةَ
الْآسِتَانَةِ ) بَعْدَ نَقْلِ نَحْوٍ مِمَّا ذُكِرَ عَنْ سَفَرِ
عِزْرَا وَإِحْرَاقِ التَّوْرَاةِ وَجَمْعِ
عِزْرَا لَهَا بِإِعَانَةِ رُوحِ الْقُدُسِ - مَا نَصُّهُ : " وَقَالَ
كِلِيمْنِسْ اسْكَنْدَرْ يَانُوسَ : إِنَّ الْكُتُبَ السَّمَاوِيَّةَ ضَاعَتْ فَأُلْهِمَ
عِزْرَا أَنْ يَكْتُبَهَا مَرَّةً أُخْرَى اهـ . وَقَالَ
ترتولينُ : الْمَشْهُورُ أَنَّ
عِزْرَا كَتَبَ مَجْمُوعَ الْكُتُبِ بَعْدَ
[ ص: 285 ] مَا أَغَارَ
أَهْلُ بَابِلَ بُرُوشَالِمَ ( ؟ ) اهـ . وَقَالَ
تهيوفلكتُ : إِنَّ الْكُتُبَ الْإِلَهِيَّةَ انْعَدَمَتْ رَأْسًا ، فَأَوْجَدَهَا
عِزْرَا مَرَّةً أُخْرَى بِإِلْهَامٍ اهـ . وَقَالَ
جَانْ مِلْنَرْ كَاتْلِكَ فِي الصَّفْحَةِ 115 مِنْ كِتَابِهِ الَّذِي طُبِعَ فِي بَلْدَةِ
دَرْبِي سَنَةَ 1843 : " اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ نُسْخَةَ التَّوْرَاةِ الْأَصْلِيَّةِ وَكَذَا نُسَخُ كُتُبِ الْعَهْدِ الْعَتِيقِ ضَاعَتْ مِنْ أَيْدِي عَسْكَرِ
بُخْتُ نَصَّرَ ، وَلَمَّا ظَهَرَتْ نَقُولُهَا الصَّحِيحَةُ بِوَاسِطَةِ
عِزْرَا ضَاعَتْ تِلْكَ النُّقُولُ أَيْضًا فِي حَادِثَةِ
أَنْتِيُوكَسَ ، انْتَهَى كَلَامُهُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ اهـ .
ثُمَّ إِنَّ صَاحِبَ إِظْهَارِ الْحَقِّ ذَكَرَ فِي بَحْثِ إِثْبَاتِ تَحْرِيفِ كُتُبِهِمْ ( ص235 - 39 ) مَا فِي تَوَارِيخِهِمُ الْمُقَدَّسَةِ ( سِفْرِ الْمُلُوكِ وَسِفْرِ الْأَيَّامِ ) مَنْ خَبَرِ ارْتِدَادِ أَكْثَرِ
بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ آخِرِ مُدَّةِ
سُلَيْمَانَ ، الَّذِي كَانَ أَوَّلَ مَنِ ارْتَدَّ وَعَبَدَ الْأَوْثَانَ وَبَنَى لَهَا الْمَعَابِدَ بِزَعْمِهِمْ ، وَوَلَدَيْهِ اللَّذَيْنِ اقْتَسَمَا مُلْكَهُ فَكَانَ مَمْلَكَتَيْنِ ، مَمْلَكَةَ
إِسْرَائِيلَ الْمُؤَلَّفَةَ مِنْ عَشْرَةِ أَسْبَاطٍ ، وَمَمْلَكَةَ
يَهُوذَا الْمُؤَلَّفَةَ مِنَ السِّبْطَيْنِ الْآخَرَيْنِ ، وَغَلَبَةُ الْوَثَنِيَّةِ وَعِبَادَةُ الْأَصْنَامِ عَلَيْهِمَا مَعًا ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الْأُولَى أَغْلَبَ . وَامْتَدَّ ذَلِكَ زُهَاءَ أَرْبَعَةِ قُرُونٍ ، لَمْ يَعُدْ لِلْمَمْلَكَتَيْنِ فِيهَا حَاجَةٌ إِلَى التَّوْرَاةِ ، إِلَى أَنْ جَلَسَ
( يُوشِيَا ) بْنُ ( آمُونَ ) عَلَى سَرِيرِ السَّلْطَنَةِ فَتَابَ مِنَ الشِّرْكِ ، وَأَرَادَ إِعَادَةَ دِينِ
مُوسَى إِلَى الشَّعْبِ ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَجِدْ نُسْخَةً مِنَ التَّوْرَاةِ إِلَى سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً مِنْ مُلْكِهِ ; إِذِ ادَّعَى حَلْقِيَا الْكَاهِنُ فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ أَنَّهُ وَجَدَ نُسْخَةً مِنْ شَرِيعَةِ
مُوسَى فِي بَيْتِ الرَّبِّ ( وَيَقُولُ صَاحِبُ قَامُوسِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ فِي هَذِهِ النُّسْخَةِ رُبَّمَا كَانَتْ " سِفْرَ التَّثْنِيَةِ " وَحْدَهُ ) وَيَدَّعُونَ أَنَّ الْعَمَلَ جَرَى عَلَى تِلْكَ النُّسْخَةِ مُدَّةَ الثَّلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً الَّتِي بَقِيَتْ مِنْ مُلْكِهِ ، وَقَدِ ارْتَدَّ مَنْ بَعْدَهُ مِنَ الْمُلُوكِ ، وَسَلَّطَ اللَّهُ عَلَى أَوَّلِهِمْ مَلِكَ
مِصْرَ ، وَعَلَى ثَالِثِهِمْ
بُخْتُ نَصَّرَ ، وَلَمْ تُذْكَرْ نُسْخَةُ الشَّرِيعَةِ مِنْ بَعْدِهِ فَلَا يَعْلَمُ أَحَدٌ مَا أَصَابَهَا .
وَأَمَّا مَا كَتَبَهُ
عِزْرَا فُقِدَ أَيْضًا فِي أَثْنَاءِ اسْتِيلَاءِ
انْطُويُوكَسْ مَلِكِ سُورِيَةَ عَلَى
أُورْشَلِيمَ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَدْ وَضَّحَهُ بِقَوْلِهِ فِي ( ص238 ج 1 ) فَقَالَ : " لَمَّا كَتَبَ
عِزْرَا عَلَيْهِ السَّلَامُ كُتُبَ الْعَهْدِ الْعَتِيقِ مَرَّةً أُخْرَى عَلَى زَعْمِهِمْ وَقَعَتْ حَادِثَةٌ أُخْرَى جَاءَ ذِكْرُهَا فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ لِلْمَكَابِيِّينَ هَكَذَا " .
" لَمَّا فَتَحَ
انْتِيُوكَسْ مَلِكُ مُلُوكِ الْإِفْرِنْجِ ( كَذَا )
أُورْشَلِيمَ ، أَحْرَقَ جَمِيعَ نُسَخِ الْعَهْدِ الْعَتِيقِ الَّتِي حَصَلَتْ لَهُ مِنْ أَيِّ مَكَانٍ بَعْدَمَا قَطَّعَهَا ، وَأَمَرَ أَنَّ مَنْ يُوجَدْ عِنْدَهُ نُسْخَةٌ مِنْ نُسَخِ كُتُبِ الْعَهْدِ الْعَتِيقِ أَوْ يُؤَدِّي رَسْمَ الشَّرِيعَةِ يُقْتَلْ ، وَكَانَ تَحْقِيقُ هَذَا الْأَمْرِ
[ ص: 286 ] فِي كُلِّ شَهْرٍ ، فَكَانَ يَقْتُلُ كُلَّ مَنْ وَجَدَ عِنْدَهُ نُسْخَةً مِنْ كُتُبِ الْعَهْدِ الْعَتِيقِ ، أَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ أَدَّى رَسْمًا مِنْ رُسُومِ الشَّرِيعَةِ ، وَتُعْدَمُ تِلْكَ النُّسْخَةُ " انْتَهَى مُلَخَّصًا .
وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْحَادِثَةَ كَانَتْ سَنَةَ 161 ق . م ، وَامْتَدَّتْ إِلَى ثَلَاثِ سِنِينَ وَنِصْفٍ كَمَا فُصِّلَتْ فِي تَوَارِيخِهِمْ وَتَارِيخِ
يُوسِيفُوسَ . ( قَالَ ) فَانْعَدَمَتْ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ جَمِيعُ النُّسَخِ الَّتِي كَتَبَهَا
عِزْرَا كَمَا عَرَفْتَ فِي الشَّاهِدِ 16 مِنَ الْمَقْصِدِ الْأَوَّلِ مِنْ كَلَامِ
جانْ مِلْنَرْ كَاتْلِكَ . ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ فِي حَادِثَةِ اسْتِيلَاءِ
الْإِمْبِرَاطُورِ تِيطَسَ الرُّومِيِّ عَلَى
أُورْشَلِيمَ وَبِلَادِ
الْيَهُودِ ، أُتْلِفَتْ نُسَخٌ كَثِيرَةٌ كَانَتْ عِنْدَهُمْ وَذَلِكَ بَعْدَ الْمَسِيحِ كَمَا بَيَّنَهُ
يُوسِيفُوسُ وَغَيْرُهُ مِنَ الْمُؤَرِّخِينَ .
نَكْتَفِي بِهَذَا الْبَيَانِ هُنَا وَلَنَا فِيهِ غَرَضَانِ : ( أَحَدُهُمَا ) أَنَّ جَمِيعَ
أَهْلِ الْكِتَابِ مَدِينُونَ
لِعُزَيْرٍ هَذَا فِي مُسْتَنَدِ دِينِهِمْ ، وَأَصْلِ كُتُبِهِمُ الْمُقَدَّسَةِ عِنْدَهُمْ . ( وَثَانِيهِمَا ) أَنَّ هَذَا الْمُسْتَنَدَ وَاهِي الْبَيَانِ مُتَدَاعِي الْأَرْكَانِ . وَهَذَا هُوَ الَّذِي حَقَّقَهُ عُلَمَاءُ أُورُبَّةَ الْأَحْرَارُ ، فَقَدْ جَاءَ فِي تَرْجَمَتِهِ مِنْ دَائِرَةِ الْمَعَارِفِ الْبِرِيطَانِيَّةِ بَعْدَ ذِكْرِ مَا فِي سِفْرِهِ وَسِفْرِ نِحْمِيَا مِنْ كِتَابَتِهِ لِلشَّرِيعَةِ : أَنَّهُ جَاءَ فِي رِوَايَاتٍ أُخْرَى مُتَأَخِّرَةٍ عَنْهَا أَنَّهُ لَمْ يُعِدْ إِلَيْهِمُ الشَّرِيعَةَ الَّتِي أُحْرِقَتْ فَقَطْ ، بَلْ أَعَادَ جَمِيعَ الْأَسْفَارِ الْعِبْرِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ أُتْلِفَتْ ، وَأَعَادَ سَبْعِينَ سِفْرًا غَيْرَ قَانُونِيَّةٍ [ أَبُو كَرِيفٍ ] ثُمَّ قَالَ كَاتِبُ التَّرْجَمَةِ فِيهَا : وَإِذَا كَانَتِ الْأُسْطُوْرَةُ الْخَاصَّةُ
بِعِزْرَا هَذَا قَدْ كَتَبَهَا مَنْ كَتَبَهَا الْمُؤَرِّخِينَ بِأَقْلَامِهِمْ مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ ، وَلَمْ يَسْتَنِدُوا فِي شَيْءٍ مِنْهَا إِلَى كِتَابٍ آخَرَ - فَكُتَّابُ هَذَا الْعَصْرِ يَرَوْنَ أَنَّ أُسْطُورَةَ
عِزْرَا قَدِ اخْتَلَقَهَا أُولَئِكَ الرُّوَاةُ اخْتِلَاقًا [ انْظُرْ ص14 ج 9 مِنَ الطَّبْعَةِ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ سَنَةَ 1929 ] .
وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ : أَنَّ
الْيَهُودَ كَانُوا وَمَا زَالُوا يُقَدِّسُونَ
عُزَيْرًا هَذَا حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ أَطْلَقَ عَلَيْهِ لَقَبَ ابْنِ اللَّهِ ، وَلَا نَدْرِي أَكَانَ إِطْلَاقُهُ عَلَيْهِ بِمَعْنَى التَّكْرِيمِ الَّذِي أُطْلِقَ عَلَى
إِسْرَائِيلَ وَدَاوُدَ وَغَيْرِهِمَا ، أَمْ بِالْمَعْنَى الَّذِي سَيَأْتِي قَرِيبًا عَنْ فَيْلَسُوفِهِمْ (
فَيْلُو ) وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ فَلْسَفَةِ وَثَنِيِّ
الْهِنْدِ الَّتِي هِيَ أَصْلُ عَقِيدَةِ
النَّصَارَى . وَقَدِ اتَّفَقَ الْمُفَسِّرُونَ عَلَى أَنَّ إِسْنَادَ هَذَا الْقَوْلِ إِلَيْهِمْ يُرَادُ بِهِ بَعْضُهُمْ لَا كُلُّهُمْ ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَاعِدَةِ الَّتِي بَيَّنَّاهَا فِي تَفْسِيرِ بَعْضِ آيَاتِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ الَّتِي تَحْكِي عَنْهُمْ أَقْوَالًا وَأَفْعَالًا مُسْنَدَةً إِلَيْهِمْ فِي جُمْلَتِهِمْ ، وَهِيَ مِمَّا صَدَرَ عَنْ بَعْضِهِمْ ، وَهِيَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ هَذَا الْأُسْلُوبِ تَقْرِيرُ أَنَّ الْأُمَّةَ تُعَدُّ مُتَكَافِلَةً فِي شُئُوْنِهَا الْعَامَّةِ ، وَأَنَّ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْفِرَقِ أَوِ الْجَمَاعَاتِ أَوِ الزُّعَمَاءُ مِنْهَا يَكُونُ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي جُمْلَتِهَا ، وَأَنَّ الْمُنْكَرَ الَّذِي يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ إِذَا لَمْ يُنْكِرْهُ عَلَيْهِ جُمْهُورُهُمْ وَيُزِيلُوهُ يُؤَاخَذُونَ بِهِ كُلُّهُمْ ، وَبَيَّنَّا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=25وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ( 8 : 25 ) أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=33924مِنْ سُنَنِ الِاجْتِمَاعِ الْبَشَرِيِّ أَنَّ الْمَصَائِبَ
[ ص: 287 ] وَالرَّزَايَا الَّتِي تَحِلُّ بِالْأُمَمِ بِفُشُوِّ الْمَفَاسِدِ وَالرَّذَائِلِ فِيهَا لَا تَخْتَصُّ الَّذِينَ تَلَبَّسُوا بِتِلْكَ الْمَفَاسِدِ وَحْدَهُمْ ، كَمَا أَنَّ الْأَوْبِئَةَ الَّتِي تَحْدُثُ بِكَثْرَةِ الْأَقْذَارِ فِي الشَّعْبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْإِسْرَافِ فِي الشَّهَوَاتِ تَكُونُ عَامَّةً أَيْضًا .
وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا هَذَا الْقَوْلَ مِنَ
الْيَهُودِ فَهُمْ بَعْضُ يَهُودِ
الْمَدِينَةِ ، كَالَّذِينِ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ ( 5 : 64 ) الْآيَةَ ، وَالَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=181لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ ( 3 : 181 ) رَدًّا عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=245مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا ( 2 : 245 ) ؟ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ سَبَقَهُمْ إِلَيْهِ غَيْرُهُمْ ، وَلَمْ يُنْقَلْ إِلَيْنَا .
رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابْنُ إِسْحَاقَ nindex.php?page=showalam&ids=16935وَابْنُ جَرِيرٍ nindex.php?page=showalam&ids=16328وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ قَالَ : أَتَى رَسُولَ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ
سَلَامُ بْنُ مِشْكَمٍ وَنُعْمَانُ بْنُ أَوْفَى وَأَبُو أَنَسٍ وَشَاسُ بْنُ قَيْسٍ وَمَالِكُ بْنُ الصَّيْفِ فَقَالُوا : كَيْفَ نَتَّبِعُكَ وَقَدْ تَرَكْتَ قِبْلَتَنَا ، وَأَنْتَ لَا تَزْعُمُ أَنَّ
عُزَيْرًا ابْنُ اللَّهِ ؟ وَإِنَّمَا قَالُوا هُوَ ابْنُ اللَّهِ مِنْ أَجْلِ أَنْ
عُزَيْرًا كَانَ فِي
أَهْلِ الْكِتَابِ وَكَانَتِ التَّوْرَاةُ عِنْدَهُمْ يَعْمَلُونَ بِهَا مَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَعْمَلُوا ، ثُمَّ أَضَاعُوهَا وَعَمِلُوا بِغَيْرِ الْحَقِّ ، وَكَانَ التَّابُوتُ فِيهِمْ ، فَلَمَّا رَأَى اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُمْ قَدْ أَضَاعُوا التَّوْرَاةَ ، وَعَمِلُوا بِالْأَهْوَاءِ رَفَعَ عَنْهُمُ التَّابُوتَ وَأَنْسَاهُمُ التَّوْرَاةَ وَنَسَخَهَا مِنْ صُدُورِهِمْ ( وَذَكَرَ الرَّاوِي حِكَايَةً إِسْرَائِيلِيَّةً قَالَ فِي آخِرِهَا : إِنَّ
عُزَيْرًا صَلَّى وَدَعَا اللَّهَ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِ الَّذِي كَانَ ذَهَبَ مِنْ جَوْفِهِ مِنَ التَّوْرَاةِ فَاسْتَجَابَ لَهُ فَصَارَ يُعَلِّمُهُمْ إِيَّاهَا ، ثُمَّ نَزَلَ التَّابُوتُ عَلَيْهِمْ فَعَرَضُوا عَلَيْهِ مَا عَلَّمَهُمْ
عُزَيْرٌ فَوَجَدُوهُ مِثْلَهُ ) .
فَنَحْنُ نَأْخُذُ بِمَا قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ رِوَايَةً عَمَّنْ جَاءُوا النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ مِنَ
الْيَهُودِ وَقَالُوا مَا قَالُوا ، فَإِنَّهُ رِوَايَةٌ عَنْ شَيْءٍ وَقَعَ فِي زَمَنِهِ فَأَخْبَرَ عَمَّا رَأَى وَسَمِعَ ، وَأَمَّا مَا حَكَاهُ مِنْ سَبَبِ قَوْلِهِمْ فَمَا هُوَ إِلَّا رِوَايَةٌ عَنْ بَعْضِهِمْ كَذَبُوا فِيهِ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى مَنْ حَدَّثَهُ بِهِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِمَّا سَمِعَهُ مَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16850كَعْبِ الْأَحْبَارِ إِذْ رَوَى عَنْهُ كَثِيرًا مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ ، فَقَدْ أَخْرَجَ
أَبُو الشَّيْخِ عَنْ
كَعْبٍ أَنَّهُ قَالَ : دَعَا
عُزَيْرٌ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُلْقِيَ التَّوْرَاةَ كَمَا أُنْزِلَ عَلَى
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي قَلْبِهِ ، فَأَنْزَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فَبَعْدَ ذَلِكَ قَالُوا:
عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ .
وَقَدْ ذَكَرَ
السُّيُوطِيُّ فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ رِوَايَاتٍ أُخْرَى إِسْرَائِيلِيَّةً خُرَافِيَّةً فِي هَذَا الْمَعْنَى ، مِنْهَا مَا رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَمُلَخَّصُهُ أَنَّ اللَّهَ سَلَّطَ
بُخْتُ نَصَّرَ عَلَى
بَنِي إِسْرَائِيلَ فَحَرَّقَ التَّوْرَاةَ ، وَخَرَّبَ
بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَعُزَيْرٌ يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ فَلَحِقَ بِالْجِبَالِ يَتَعَبَّدُ فِيهَا ، وَأَنَّ الدُّنْيَا تَمَثَّلَتْ لَهُ فِي صُورَةِ امْرَأَةٍ فَأَخْبَرَتْهُ بِأَنَّهُ سَيَنْبُعُ فِي مُصَلَّاهِ عَيْنُ مَاءٍ ، وَتَنْبُتُ فِيهِ شَجَرَةٌ فَإِذَا شَرِبَ مِنَ الْعَيْنِ ، وَأَكَلَ مِنَ الثَّمَرَةِ جَاءَهُ مَلَكَانِ - ( إِلَى أَنْ قَالَ ) فَجَاءَ الْمَلَكَانِ وَمَعَهُمَا
[ ص: 288 ] قَارُورَةٌ فِيهَا نُورٌ فَأَوْجَرَاهُ مَا فِيهَا فَأَلْهَمَهُ اللَّهُ التَّوْرَاةَ . وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ هَذِهِ الْخُرَافَةَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيِّ بِأَطْوَلَ مِمَّا رُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَمَا ذَكَرْنَا هَذَا إِلَّا لِنُبَيِّنَ لِلنَّاسِ أَنَّهُ مِنْ شَرِّ الْخُرَافَاتِ الْإِسْرَائِيلِيَّةِ الَّتِي كَانَ يَغُشُّ النَّاسَ الْمُسْلِمِينَ بِهَا
nindex.php?page=showalam&ids=16850كَعْبُ الْأَحْبَارِ وَأَمْثَالُهُ مِمَّا لَيْسَ فِي كُتُبِ
الْيَهُودِ ، وَقَدْ رَاجَتْ عَلَى أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ لِعَدَمِ اطِّلَاعِهِمْ عَلَى كُتُبِ الْعَهْدِ الْعَتِيقِ ، وَلَا سِيَّمَا سِفْرُ الْأَيَّامِ الثَّانِي ، وَسِفْرَيْ
عُزَيْرٍ وَنِحْمِيَا ، وَلَا عَلَى غَيْرِهِمَا مَنْ كُتُبِهِمْ ، وَلَا عَلَى تَارِيخِ
يُوسِيفُوسَ الْيَهُودِيِّ وَغَيْرِهِ مِنَ التَّوَارِيخِ ، دَعْ كُتُبَ أَحْرَارِ الْإِفْرِنْجِ وَمُؤَرِّخِيهِمْ مِمَّا لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِهِمْ .
وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ بَعْضَ
النَّصَارَى الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ
الْمَسِيحَ ابْنُ اللَّهِ كَانُوا مِنَ
الْيَهُودِ ، وَقَدْ كَانَ (
فَيْلُو ) الْفَيْلَسُوفُ الْيَهُودِيُّ الْإِسْكَنْدَرِيُّ الْمُعَاصِرُ
لِلْمَسِيحِ يَقُولُ : إِنَّ لِلَّهِ ابْنًا هُوَ كَلِمَتُهُ الَّتِي خَلَقَ بِهَا الْأَشْيَاءَ - فَعَلَى هَذَا لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ عَلَى عَصْرِ الْبِعْثَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ قَدْ قَالُوا إِنَّ
عُزَيْرًا ابْنُ اللَّهِ بِهَذَا الْمَعْنَى .