وجملة القول : أن الله تعالى أنكر في كتابه على
nindex.php?page=treesubj&link=22347_28332_32213من يقول برأيه وفهمه : هذا حلال وهذا حرام ، وسماه كذابا وسمى اتباعه شركا ، وصح عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه لم يحرم على الناس شيئا مما أحل الله تعالى لهم في حديث الثوم والبصل وغيره ، وإنما أحل الله هذين بالنصوص العامة كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=29هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ( 2 : 29 ) وجعله العلماء أصلا من أصول الأحكام فقالوا : الأصل في جميع الأشياء أو المنافع الإباحة .
والعمدة في تفسير اتخاذ رجال الدين أربابا بما تقدم في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=76عدي بن حاتم ، وما في معناه من الآثار - هي الآيات التي أشرنا إليها في كون التحريم على العباد إنما هو حق ربهم عليهم ، وكونه تشريعا دينيا ، وإنما شارع الدين هو الله تعالى ، فإذا نيط التشريع الديني بغيره تعالى كان ذلك إشراكا بنص قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=21أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ( 42 : 21 ) وقد فصلنا هذا في مواضعه الخاصة به .
فليتق الله تعالى من يظنون بجهلهم أن جرأتهم على تحريم ما لم يحرمه الله تعالى على عباده من كمال الدين وقوة اليقين ، سواء حرموا ما حرموا بآرائهم وأهوائهم ، أو بقياس في غير محله ، مع كونهم من غير أهله ، أو بالنقل عن بعض مؤلفي الكتب الميتين وإن كبرت ألقابهم ، وكذا إن كان أخذا من نص شرعي لا يدل عليه دلالة قطعية ، على ما تقدم بيانه في الخمر والميسر ، وليتق الله
nindex.php?page=treesubj&link=20425من يضعون للناس الأوراد والأحزاب الكثيرة ، ويجعلونها لهم كشعائر الدين المنصوصة بحملهم عليها في الاجتماعات ، واشتراكهم فيها برفع الأصوات ، أو توقيتها لهم كالصلوات ، فكل ذلك حق لله تعالى وحده ، ولم يكن عند أكمل البشر في الدين
[ ص: 326 ] من أهل القرون الأولى شيء من ذلك . ووالله إن المأثور في كتاب الله وسنة رسوله من الأذكار والدعوات ، خير من حزب فلان وورد فلان وأمثال دلائل الخيرات ، وما هي بقليل ، فليراجعوها في كتب الأذكار للمحدثين كأذكار النووي ، وكتاب الحصن الحصين للجزري ، ففيهما ما يكفيهم من الأذكار والأدعية المطلقة المقيدة بالعبادات المختلفة ، وبالأزمنة والأمكنة وحدود الحوادث .
( قد يقول ) نصير للبدعة ، خذول للسنة : إن هذه الأوراد والأحزاب والصلوات التي وضعها شيوخ الطريقة العارفين ، وكبار العلماء العاملين ، من البدع الحسنة التي جربت فائدتها ، وثبتت منفعتها بمواظبة الألوف من المسلمين عليها ، وخشوعهم بتلاوتها ، دون غيرها من الصلوات والأذكار والأدعية المأثورة فكيف يصح لأحد أن يأفكهم عنها ؟ .
( وأقول ) إن كاتب هذا ممن جربوها بإخلاص وحسن اعتقاد ، وكان يبكي لقراءة ورد السحر ، ولا يبكي لتلاوة القرآن ، ثم رفعه الله تعالى بعلم الكتاب والسنة فعلم أن ذلك كان من الجهل وضعف الإيمان ، وأنه عين ما وقع لمن قبلنا من العباد والرهبان . وإننا نكشف الغطاء عن هذه الشبهة القوية ، التي قد تعد عذرا لجاهل ما ذكرنا من الآيات القرآنية ، وسيرة السلف الصالح المرضية ، دون من تقوم عليه حجة العلم ، ونكتفي في ذلك ببيان الحقائق الآتية :
( 1 ) إن الله تعالى ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أعلم بما يرضيه عز وجل من عبادته وما يتزكى به عابدوه منها ، ولا يبيح الإيمان لأحد من أهله أن يقول أو يعتقد أن أحدا من شيوخ الطريق والأولياء يساوي علمه علم الله تعالى أو علم رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بذلك . دع الظن بأنهم يعلمون ما لا يعلم الله ورسوله أو فوق ما يعلمون من ذلك ، فإنه أصرح في الكفر بقدر ما تدل عليه صيغة ( أفعل ) في الموضوع .
( 2 ) إنه تعالى يقول :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3اليوم أكملت لكم دينكم ( 5 : 3 ) فكل
nindex.php?page=treesubj&link=20343من يزيد في الإسلام عبادة أو شعارا من شعائر الدين فهو منكر لكماله مدع لإتمامه ، وأنه أكمل في الدين من
محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وآله وصحبه ، ولله در الإمام
مالك القائل : " من زعم أنه يأتي في هذا الدين بما لم يأت به رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقد زعم أن
محمدا ـ صلى الله عليه وسلم ـ خان الرسالة " والقائل : " لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها " .
( 3 ) إنه تعالى يقول :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=3اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء ( 7 : 3 ) وكان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول على المنبر وغير المنبر :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920286وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وقد بين العلماء المحققون أن هذه القضية الكلية عامة في الأمور الدينية المحضة كالعبادات ، كما تقدم مرارا ، وأن
nindex.php?page=treesubj&link=20382_20383البدعة التي تنقسم إلى حسنة وسيئة هي البدعة
[ ص: 327 ] اللغوية التي موضوعها المصالح العامة من دينية ودنيوية ، كوسائل الجهاد وتأليف الكتب وبناء المدارس والمستشفيات وتنوير المساجد .
إن قيل : إن هذه الزيادة التي أتى بها الصالحون هي من المشروع بإطلاقات الكتاب والسنة العامة كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=41اذكروا الله ذكرا كثيرا ( 33 : 41 ) وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=56صلوا عليه وسلموا تسليما ( 33 : 56 ) فلا تنافي ما تقدم - قلنا :
( 4 ) إن
nindex.php?page=treesubj&link=28750حقيقة الاتباع المأمور به أن يلتزم إطلاق ما أطلقته نصوص الكتاب والسنة ، وتقييد ما قيدته ؛ ولذلك قال الفقهاء : " وصلاة رجب وشعبان بدعتان قبيحتان مذمومتان " - وهذه عبارة المنهاج - وما ذلك إلا أنهما قيدتا بعدد معين ، وكيفية مخصوصة ، وزمن مخصوص وهذا حق الشارع لا المكلف - وإلا فهما من الصلاة التي هي أفضل العبادات ، وقد فصل هذا الموضوع
الإمام الشاطبي في كتابه الاعتصام .
( 5 ) إن الزيادة على المشروع في العبادة كالنقص منه ، وإن
nindex.php?page=treesubj&link=30505_29530التكلف والمبالغة في المشروع منها غلو في الدين ، وهو مذموم شرعا بالإجماع ، وصح عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ النهي عنه ، والأمر بالمستطاع منه .
( 6 ) إن الزيادة لا يتحقق كونها زيادة إلا مع الإتيان بالأصل ، فمن
nindex.php?page=treesubj&link=20448ترك شيئا من المأثور المشروع ، وأتى بشيء من هذه العبادات المبتدعة فهو مفضل له على ما شرعه الله تعالى أو سنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وكفى بذلك ضلالا واتباعا للهوى ، ولا يمكن لأحد أن يدعي أنه يأتي بشيء منها إلا بعد إتيانه بجميع ما صح في الكتاب والسنة في ذلك ، وأكثر المتعبدين بهذه الأوراد والأحزاب لا يعنون بحفظ المأثور ولا يعلمونه ، إلا قليلا من المشهور بين العامة كالوارد عقب الصلوات ، وهم يبتدعون فيه بالاجتماع له ، ورفع الصوت به كما بينه
الشاطبي وسماه البدعة الإضافية ، ورد بحق على من تساهل فيه من المتفقهة .
( 7 ) إن هذه الأوراد والأحزاب لا يخلو شيء منها فيما اطلعنا عليه من أمور منكرة في الشرع ، وأمور لا يجوز فعلها إلا بتوقيف منه ، كوصف الله تعالى بما لم يصف به نفسه ، ولا وصفه به رسوله أو القسم عليه بخلقه ، أو بحقوقهم عليه بدون إذنه ، أو القسم بغيره ، وقد سماه الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ شركا ، وكذا وصف رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بما لا يصح وصفه به ، وإسناد أفعال إليه لم تصح بها رواية ، وكذا الغلو فيه صلوات الله وسلامه عليه ، بما لا يليق إلا بربه وخالقه وخالق كل شيء ، ومنه ما هو كفر صريح . ولبعض الدجالين المعاصرين صلوات وأوراد فيها من هذه المنكرات ما لا يوجد في غيرها من أمثالها ، والذين يعرفون سيرة هؤلاء الدجالين يعلمون أنهم وضعوها للتجارة بالدين
[ ص: 328 ] واكتساب المال والجاه عند العوام ، ولا تنس ما نقلناه آنفا من تفسيري مفاتيح الغيب وفتح البيان
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=40ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور ( 24 : 40 ) .
( 8 ) إذا بحث العالم البصير عن سبب عناية كثير من العوام بهذه الأوراد والأحزاب والصلوات المبتدعة ، وإيثارها على التعبد بالقرآن المجيد وبالأذكار والأدعية المأثورة عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع إيمانهم بأن تلاوة القرآن وأذكاره وأدعيته أفضل من كل شيء ، وأن ما ثبت في السنة هو الذي يليها في الفضيلة ، وفي كون كل منها حقا في درجته - لا يجد بعد دقة البحث إلا ما أرشدت إليه الآية الكريمة من شرك أهل الكتاب باتخاذ رؤسائهم أربابا من دون الله ، بإعطائهم حق التشريع للعبادات والتحليل والتحريم غلوا في تعظيمهم ، ومضاهأة مبتدعة المسلمين لها في ذلك كما ضاهئوا هم من قبلهم من الوثنيين ، كما أنبأ عن ذلك رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقوله المروي في الصحيحين وغيرهما :
nindex.php?page=hadith&LINKID=918624لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه " قالوا : يا رسول الله اليهود والنصارى ؟ قال : " فمن " ؟ وما قص الله علينا ما قص من كفرهم إلا تحذيرا لنا من مثله .
فأنت إذا بحثت عن عبادات هؤلاء
النصارى من جميع الفرق تجد في أيديهم أورادا وأحزابا كثيرة منظومة ومنثورة كلها من وضع رؤسائهم ، ولكنها ممزوجة بشيء من كتب أنبيائهم كصيغة " الصلاة الربانية " وبعض عبارات المزامير عند
النصارى . وأنى لأهل الكتاب بسور كسور القرآن أو بأدعية وأذكار نبوية كالأذكار والأدعية المحمدية في وصف جلال الله وعظمته وأسمائه الحسنى . وطلب أفضل ما يطلب منه تعالى من خير الآخرة والدنيا ؟ وهل كان أهل العصر الأول من المسلمين سادة للأمم كلها في فتوحهم وأحكامهم إلا بهداية الكتاب والسنة ؟ وهل صارت الشعوب تدخل في دين الله أفواجا إلا اهتداء بهم ؟ ثم هل
[ ص: 329 ] صارت الشعوب الإسلامية بعد ذلك إلى ما صارت إليه من الذل والصغار ، وتنفير الأمم عن الإسلام ، إلا بترك هدايتهما إلى البدع أو الإلحاد ؟
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=33ومن يضلل الله فما له من هاد والغلاة المبتدعون لهذه الأوراد والصلوات يخدعون العوام بما يمزجونه فيها من الآيات مع تحريفهم لها عن مواضعها التي نزلت فيها أو لأجلها ، ومن الأحاديث وكلام الأئمة والصالحين ، ومنها ما هو كذب صراح ، وما ليس له سند يعتد به ، ويردون على دعاة الكتاب والسنة بأنهم لا يعظمون النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو يكرهون تعظيمه صلوات الله وسلامه عليه - ; لأنهم يقفون فيه عند الحد الشرعي - وبأنهم يكرهون الأولياء وينكرون مكاشفاتهم وكراماتهم ، والعوام يقبلون هذا منهم لجهلهم بعقيدة الإسلام ، وبإجماع المسلمين على أنه لا يحتج بقول أحد معين ، ولا بفعله في دين الله تعالى إلا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلا
الشيعة الإمامية ، فإنهم يقولون بعصمة 12 رجلا من آل البيت ـ رضي الله عنهم ـ أيضا .
وقد أرسل رجل من دجالي عصرنا صلواته وبعض كتبه مع بعض الحجاج الصالحين إلى
المدينة المنورة ; لتوزيعها فيها على نفقة بعض الأغنياء الأغبياء ، فرأى ذلك الحاج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في نومه قبل دخول
المدينة بليلة يأمره بألا يدخل تلك الكتب في مدينته ـ صلى الله عليه وسلم ـ فدفنها في ذلك المكان ، ثم أخبر صاحبها بما رأى بعد عودته على مسمع من الناس فبهت الدجال .
وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْكَرَ فِي كِتَابِهِ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=22347_28332_32213مَنْ يَقُولُ بِرَأْيِهِ وَفَهْمِهِ : هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ ، وَسَمَّاهُ كَذَّابًا وَسَمَّى اتِّبَاعَهُ شِرْكًا ، وَصَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَنَّهُ لَمْ يُحَرِّمْ عَلَى النَّاسِ شَيْئًا مِمَّا أَحَلَّ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ فِي حَدِيثِ الثَّوْمِ وَالْبَصَلِ وَغَيْرِهِ ، وَإِنَّمَا أَحَلَّ اللَّهُ هَذَيْنِ بِالنُّصُوصِ الْعَامَّةِ كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=29هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ( 2 : 29 ) وَجَعَلَهُ الْعُلَمَاءُ أَصْلًا مِنْ أُصُولِ الْأَحْكَامِ فَقَالُوا : الْأَصْلُ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ أَوِ الْمَنَافِعِ الْإِبَاحَةُ .
وَالْعُمْدَةُ فِي تَفْسِيرِ اتِّخَاذِ رِجَالِ الدِّينِ أَرْبَابًا بِمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=76عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ ، وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنَ الْآثَارِ - هِيَ الْآيَاتُ الَّتِي أَشَرْنَا إِلَيْهَا فِي كَوْنِ التَّحْرِيمِ عَلَى الْعِبَادِ إِنَّمَا هُوَ حَقُّ رَبِّهِمْ عَلَيْهِمْ ، وَكَوْنِهِ تَشْرِيعًا دِينِيًّا ، وَإِنَّمَا شَارِعُ الدِّينِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى ، فَإِذَا نِيطَ التَّشْرِيعُ الدِّينِيُّ بِغَيْرِهِ تَعَالَى كَانَ ذَلِكَ إِشْرَاكًا بِنَصِّ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=21أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ( 42 : 21 ) وَقَدْ فَصَّلْنَا هَذَا فِي مَوَاضِعِهِ الْخَاصَّةِ بِهِ .
فَلْيَتَّقِ اللَّهَ تَعَالَى مَنْ يَظُنُّونَ بِجَهْلِهِمْ أَنَّ جُرْأَتَهُمْ عَلَى تَحْرِيمِ مَا لَمْ يُحَرِّمْهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ مِنْ كَمَالِ الدِّينِ وَقُوَّةِ الْيَقِينِ ، سَوَاءً حَرَّمُوا مَا حَرَّمُوا بِآرَائِهِمْ وَأَهْوَائِهِمْ ، أَوْ بِقِيَاسٍ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ ، مَعَ كَوْنِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ ، أَوْ بِالنَّقْلِ عَنْ بَعْضِ مُؤَلِّفِي الْكُتُبِ الْمَيِّتِينَ وَإِنْ كَبُرَتْ أَلْقَابُهُمْ ، وَكَذَا إِنْ كَانَ أَخْذًا مِنْ نَصٍّ شَرْعِيٍّ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ دِلَالَةً قَطْعِيَّةً ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ، وَلْيَتَقِ اللَّهَ
nindex.php?page=treesubj&link=20425مَنْ يَضَعُونَ لِلنَّاسِ الْأَوْرَادَ وَالْأَحْزَابَ الْكَثِيرَةَ ، وَيَجْعَلُونَهَا لَهُمْ كَشَعَائِرِ الدِّينِ الْمَنْصُوْصَةِ بِحَمْلِهِمْ عَلَيْهَا فِي الِاجْتِمَاعَاتِ ، وَاشْتِرَاكِهِمْ فِيهَا بِرَفْعِ الْأَصْوَاتِ ، أَوْ تَوْقِيتِهَا لَهُمْ كَالصَّلَوَاتِ ، فَكُلُّ ذَلِكَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ أَكْمَلِ الْبَشَرِ فِي الدِّينِ
[ ص: 326 ] مِنْ أَهْلِ الْقُرُونِ الْأُولَى شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ . وَوَاللَّهِ إِنَّ الْمَأْثُورَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ مِنَ الْأَذْكَارِ وَالدَّعَوَاتِ ، خَيْرٌ مِنْ حِزْبِ فُلَانٍ وَوِرْدِ فُلَانٍ وَأَمْثَالُ دَلَائِلِ الْخَيْرَاتِ ، وَمَا هِيَ بِقَلِيلٍ ، فَلْيُرَاجِعُوهَا فِي كُتُبِ الْأَذْكَارِ لِلْمُحَدِّثِينَ كَأَذْكَارِ النَّوَوِيِّ ، وَكِتَابِ الْحِصْنِ الْحَصِينِ لِلْجَزَرِيِّ ، فَفِيهِمَا مَا يَكْفِيهِمْ مِنَ الْأَذْكَارِ وَالْأَدْعِيَةِ الْمُطْلَقَةِ الْمُقَيَّدَةِ بِالْعِبَادَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ ، وَبِالْأَزْمِنَةِ وَالْأَمْكِنَةِ وَحُدُودِ الْحَوَادِثِ .
( قَدْ يَقُولُ ) نَصِيرٌ لِلْبِدْعَةِ ، خَذُولٌ لِلسُّنَّةِ : إِنَّ هَذِهِ الْأَوْرَادَ وَالْأَحْزَابَ وَالصَّلَوَاتِ الَّتِي وَضَعَهَا شُيُوخُ الطَّرِيقَةِ الْعَارِفِينَ ، وَكِبَارُ الْعُلَمَاءِ الْعَامِلِينَ ، مِنَ الْبِدَعِ الْحَسَنَةِ الَّتِي جُرِّبَتْ فَائِدَتُهَا ، وَثَبَتَتْ مَنْفَعَتُهَا بِمُوَاظَبَةِ الْأُلُوفِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهَا ، وَخُشُوعِهِمْ بِتِلَاوَتِهَا ، دُونَ غَيْرِهَا مِنَ الصَّلَوَاتِ وَالْأَذْكَارِ وَالْأَدْعِيَةِ الْمَأْثُورَةِ فَكَيْفَ يَصِحُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْفِكَهُمْ عَنْهَا ؟ .
( وَأَقُولُ ) إِنَّ كَاتِبَ هَذَا مِمَّنْ جَرَّبُوهَا بِإِخْلَاصٍ وَحُسْنِ اعْتِقَادٍ ، وَكَانَ يَبْكِي لِقِرَاءَةِ وِرْدِ السَّحَرِ ، وَلَا يَبْكِي لِتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ ، ثُمَّ رَفَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِعِلْمِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَعَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنَ الْجَهْلِ وَضَعْفِ الْإِيمَانِ ، وَأَنَّهُ عَيْنُ مَا وَقَعَ لِمَنْ قَبْلَنَا مِنَ الْعُبَّادِ وَالرُّهْبَانِ . وَإِنَّنَا نَكْشِفُ الْغِطَاءَ عَنْ هَذِهِ الشُّبْهَةِ الْقَوِيَّةِ ، الَّتِي قَدْ تُعَدُّ عُذْرًا لِجَاهِلِ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ ، وَسِيرَةِ السَّلَفِ الصَّالِحِ الْمَرْضِيَّةِ ، دُونَ مَنْ تَقُومُ عَلَيْهِ حُجَّةُ الْعِلْمِ ، وَنَكْتَفِي فِي ذَلِكَ بِبَيَانِ الْحَقَائِقِ الْآتِيَةِ :
( 1 ) إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَرَسُولَهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَعْلَمُ بِمَا يُرْضِيهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ عِبَادَتِهِ وَمَا يَتَزَكَّى بِهِ عَابِدُوهُ مِنْهَا ، وَلَا يُبِيحُ الْإِيمَانُ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِهِ أَنْ يَقُولَ أَوْ يَعْتَقِدَ أَنَّ أَحَدًا مِنْ شُيُوخِ الطَّرِيقِ وَالْأَوْلِيَاءِ يُسَاوِي عِلْمُهُ عِلْمَ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ عِلْمَ رَسُولِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بِذَلِكَ . دَعِ الظَّنَّ بِأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ مَا لَا يَعْلَمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَوْ فَوْقَ مَا يَعْلَمُونَ مِنْ ذَلِكَ ، فَإِنَّهُ أَصْرَحُ فِي الْكُفْرِ بِقَدْرِ مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ صِيغَةُ ( أَفْعَلَ ) فِي الْمَوْضُوعِ .
( 2 ) إِنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ( 5 : 3 ) فَكُلُّ
nindex.php?page=treesubj&link=20343مَنْ يَزِيدُ فِي الْإِسْلَامِ عِبَادَةً أَوْ شِعَارًا مِنْ شَعَائِرِ الدِّينِ فَهُوَ مُنْكِرٌ لِكَمَالِهِ مُدَّعٍ لِإِتْمَامِهِ ، وَأَنَّهُ أَكْمَلُ فِي الدِّينِ مِنْ
مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ ، وَلِلَّهِ دَرُّ الْإِمَامِ
مَالِكٍ الْقَائِلِ : " مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يَأْتِي فِي هَذَا الدِّينِ بِمَا لَمْ يَأْتِ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَقَدْ زَعَمَ أَنَّ
مُحَمَّدًا ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ خَانَ الرِّسَالَةَ " وَالْقَائِلِ : " لَا يَصْلُحُ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا بِمَا صَلَحَ بِهِ أَوَّلُهَا " .
( 3 ) إِنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=3اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ( 7 : 3 ) وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ وَغَيْرِ الْمِنْبَرِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920286وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَقَدْ بَيَّنَ الْعُلَمَاءُ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّ هَذِهِ الْقَضِيَّةَ الْكُلِّيَّةَ عَامَّةٌ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ الْمَحْضَةِ كَالْعِبَادَاتِ ، كَمَا تَقَدَّمَ مِرَارًا ، وَأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=20382_20383الْبِدْعَةَ الَّتِي تَنْقَسِمُ إِلَى حَسَنَةٍ وَسَيِّئَةٍ هِيَ الْبِدْعَةُ
[ ص: 327 ] اللُّغَوِيَّةُ الَّتِي مَوْضُوعُهَا الْمَصَالِحُ الْعَامَّةُ مِنْ دِينِيَّةٍ وَدُنْيَوِيَّةٍ ، كَوَسَائِلِ الْجِهَادِ وَتَأْلِيفِ الْكُتُبِ وَبِنَاءِ الْمَدَارِسِ وَالْمُسْتَشْفَيَاتِ وَتَنْوِيرِ الْمَسَاجِدِ .
إِنْ قِيلَ : إِنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ الَّتِي أَتَى بِهَا الصَّالِحُونَ هِيَ مِنَ الْمَشْرُوعِ بِإِطْلَاقَاتِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْعَامَّةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=41اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ( 33 : 41 ) وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=56صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ( 33 : 56 ) فَلَا تُنَافِي مَا تَقَدَّمَ - قُلْنَا :
( 4 ) إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28750حَقِيقَةَ الِاتِّبَاعِ الْمَأْمُورِ بِهِ أَنْ يَلْتَزِمَ إِطْلَاقَ مَا أَطْلَقَتْهُ نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَتَقْيِيدَ مَا قَيَّدَتْهُ ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ الْفُقَهَاءُ : " وَصَلَاةُ رَجَبٍ وَشَعْبَانَ بِدْعَتَانِ قَبِيحَتَانِ مَذْمُومَتَانِ " - وَهَذِهِ عِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ - وَمَا ذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُمَا قُيِّدَتَا بِعَدَدٍ مُعَيَّنٍ ، وَكَيْفِيَّةٍ مَخْصُوصَةٍ ، وَزَمَنٍ مَخْصُوصٍ وَهَذَا حَقُّ الشَّارِعِ لَا الْمُكَلَّفِ - وَإِلَّا فَهُمَا مِنَ الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ ، وَقَدْ فَصَّلَ هَذَا الْمَوْضُوعَ
الْإِمَامُ الشَّاطِبِيُّ فِي كِتَابِهِ الِاعْتِصَامِ .
( 5 ) إِنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الْمَشْرُوعِ فِي الْعِبَادَةِ كَالنَّقْصِ مِنْهُ ، وَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30505_29530التَّكَلُّفَ وَالْمُبَالَغَةَ فِي الْمَشْرُوعِ مِنْهَا غُلُوٌّ فِي الدِّينِ ، وَهُوَ مَذْمُومٌ شَرْعًا بِالْإِجْمَاعِ ، وَصَحَّ عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ النَّهْيُ عَنْهُ ، وَالْأَمْرُ بِالْمُسْتَطَاعِ مِنْهُ .
( 6 ) إِنَّ الزِّيَادَةَ لَا يَتَحَقَّقُ كَوْنُهَا زِيَادَةً إِلَّا مَعَ الْإِتْيَانِ بِالْأَصْلِ ، فَمَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=20448تَرَكَ شَيْئًا مِنَ الْمَأْثُورِ الْمَشْرُوعِ ، وَأَتَى بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْعِبَادَاتِ الْمُبْتَدَعَةِ فَهُوَ مُفَضِّلٌ لَهُ عَلَى مَا شَرَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ سُنَّةِ رَسُولِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ ، وَكَفَى بِذَلِكَ ضَلَالًا وَاتِّبَاعًا لِلْهَوَى ، وَلَا يُمْكِنُ لِأَحَدٍ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ يَأْتِي بِشَيْءٍ مِنْهَا إِلَّا بَعْدَ إِتْيَانِهِ بِجَمِيعِ مَا صَحَّ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي ذَلِكَ ، وَأَكْثَرُ الْمُتَعَبِّدِينَ بِهَذِهِ الْأَوْرَادِ وَالْأَحْزَابِ لَا يُعْنَوْنَ بِحِفْظِ الْمَأْثُورِ وَلَا يَعْلَمُونَهُ ، إِلَّا قَلِيلًا مِنَ الْمَشْهُورِ بَيْنَ الْعَامَّةِ كَالْوَارِدِ عَقِبَ الصَّلَوَاتِ ، وَهُمْ يَبْتَدِعُونَ فِيهِ بِالِاجْتِمَاعِ لَهُ ، وَرَفْعِ الصَّوْتِ بِهِ كَمَا بَيَّنَهُ
الشَّاطِبِيُّ وَسَمَّاهُ الْبِدْعَةَ الْإِضَافِيَّةَ ، وَرَدَّ بِحَقٍّ عَلَى مَنْ تَسَاهَلَ فِيهِ مِنَ الْمُتَفَقِّهَةِ .
( 7 ) إِنَّ هَذِهِ الْأَوْرَادَ وَالْأَحْزَابَ لَا يَخْلُو شَيْءٌ مِنْهَا فِيمَا اطَّلَعْنَا عَلَيْهِ مِنْ أُمُورٍ مُنْكَرَةٍ فِي الشَّرْعِ ، وَأُمُورٍ لَا يَجُوزُ فِعْلُهَا إِلَّا بِتَوْقِيفٍ مِنْهُ ، كَوَصْفِ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا لَمْ يَصِفْ بِهِ نَفْسَهُ ، وَلَا وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ أَوِ الْقَسَمِ عَلَيْهِ بِخَلْقِهِ ، أَوْ بِحُقُوقِهِمْ عَلَيْهِ بِدُونِ إِذْنِهِ ، أَوِ الْقَسَمِ بِغَيْرِهِ ، وَقَدْ سَمَّاهُ الرَّسُولُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ شِرْكًا ، وَكَذَا وَصْفُ رَسُولِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بِمَا لَا يَصِحُّ وَصْفُهُ بِهِ ، وَإِسْنَادُ أَفْعَالٍ إِلَيْهِ لَمْ تَصِحَّ بِهَا رِوَايَةٌ ، وَكَذَا الْغُلُوُّ فِيهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ ، بِمَا لَا يَلِيقُ إِلَّا بِرَبِّهِ وَخَالِقِهِ وَخَالِقِ كُلِّ شَيْءٍ ، وَمِنْهُ مَا هُوَ كُفْرٌ صَرِيحٌ . وَلِبَعْضِ الدَّجَّالِينَ الْمُعَاصِرِينَ صَلَوَاتٌ وَأَوْرَادٌ فِيهَا مِنْ هَذِهِ الْمُنْكَرَاتِ مَا لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهَا مِنْ أَمْثَالِهَا ، وَالَّذِينَ يَعْرِفُونَ سِيرَةَ هَؤُلَاءِ الدَّجَّالِينَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ وَضَعُوهَا لِلتِّجَارَةِ بِالدِّينِ
[ ص: 328 ] وَاكْتِسَابِ الْمَالِ وَالْجَاهِ عِنْدَ الْعَوَامِّ ، وَلَا تَنْسَ مَا نَقَلْنَاهُ آنِفًا مِنْ تَفْسِيرَيْ مَفَاتِيحِ الْغَيْبِ وَفَتْحِ الْبَيَانِ
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=40وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ( 24 : 40 ) .
( 8 ) إِذَا بَحَثَ الْعَالِمُ الْبَصِيرُ عَنْ سَبَبِ عِنَايَةِ كَثِيرٍ مِنَ الْعَوَامِّ بِهَذِهِ الْأَوْرَادِ وَالْأَحْزَابِ وَالصَّلَوَاتِ الْمُبْتَدَعَةِ ، وَإِيثَارِهَا عَلَى التَّعَبُّدِ بِالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ وَبِالْأَذْكَارِ وَالْأَدْعِيَةِ الْمَأْثُورَةِ عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ مَعَ إِيمَانِهِمْ بِأَنَّ تِلَاوَةَ الْقُرْآنِ وَأَذْكَارَهُ وَأَدْعِيَتَهُ أَفْضَلُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ، وَأَنَّ مَا ثَبَتَ فِي السُّنَّةِ هُوَ الَّذِي يَلِيهَا فِي الْفَضِيلَةِ ، وَفِي كَوْنِ كُلٍّ مِنْهَا حَقًّا فِي دَرَجَتِهِ - لَا يَجِدُ بَعْدَ دِقَّةِ الْبَحْثِ إِلَّا مَا أَرْشَدَتْ إِلَيْهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ مِنْ شِرْكِ أَهْلِ الْكِتَابِ بِاتِّخَاذِ رُؤَسَائِهِمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ، بِإِعْطَائِهِمْ حَقَّ التَّشْرِيعِ لِلْعِبَادَاتِ وَالتَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ غُلُوًّا فِي تَعْظِيمِهِمْ ، وَمُضَاهَأَةُ مُبْتَدِعَةِ الْمُسْلِمِينَ لَهَا فِي ذَلِكَ كَمَا ضَاهَئُوا هُمْ مَنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الْوَثَنِيِّينَ ، كَمَا أَنْبَأَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بِقَوْلِهِ الْمَرْوِيِّ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا :
nindex.php?page=hadith&LINKID=918624لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمُوهُ " قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى ؟ قَالَ : " فَمَنْ " ؟ وَمَا قَصَّ اللَّهُ عَلَيْنَا مَا قَصَّ مِنْ كُفْرِهِمْ إِلَّا تَحْذِيرًا لَنَا مِنْ مِثْلِهِ .
فَأَنْتَ إِذَا بَحَثْتَ عَنْ عِبَادَاتِ هَؤُلَاءِ
النَّصَارَى مِنْ جَمِيعِ الْفِرَقِ تَجِدُ فِي أَيْدِيهِمْ أَوْرَادًا وَأَحْزَابًا كَثِيرَةً مَنْظُومَةً وَمَنْثُورَةً كُلُّهَا مِنْ وَضْعِ رُؤَسَائِهِمْ ، وَلَكِنَّهَا مَمْزُوجَةٌ بِشَيْءٍ مِنْ كُتُبِ أَنْبِيَائِهِمْ كَصِيغَةِ " الصَّلَاةِ الرَّبَّانِيَّةِ " وَبَعْضِ عِبَارَاتِ الْمَزَامِيرِ عِنْدَ
النَّصَارَى . وَأَنَّى لِأَهْلِ الْكِتَابِ بِسُوَرٍ كَسُوَرِ الْقُرْآنِ أَوْ بِأَدْعِيَةٍ وَأَذْكَارٍ نَبَوِيَّةٍ كَالْأَذْكَارِ وَالْأَدْعِيَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ فِي وَصْفِ جَلَالِ اللَّهِ وَعَظَمَتِهِ وَأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى . وَطَلَبِ أَفْضَلِ مَا يُطْلَبُ مِنْهُ تَعَالَى مِنْ خَيْرِ الْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا ؟ وَهَلْ كَانَ أَهْلُ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ سَادَةً لِلْأُمَمِ كُلِّهَا فِي فُتُوحِهِمْ وَأَحْكَامِهِمْ إِلَّا بِهِدَايَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ؟ وَهَلْ صَارَتِ الشُّعُوبُ تَدْخُلُ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا إِلَّا اهْتِدَاءً بِهِمْ ؟ ثُمَّ هَلْ
[ ص: 329 ] صَارَتِ الشُّعُوبُ الْإِسْلَامِيَّةُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى مَا صَارَتْ إِلَيْهِ مِنَ الذُّلِّ وَالصَّغَارِ ، وَتَنْفِيرِ الْأُمَمِ عَنِ الْإِسْلَامِ ، إِلَّا بِتَرْكِ هِدَايَتِهِمَا إِلَى الْبِدَعِ أَوِ الْإِلْحَادِ ؟
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=33وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ وَالْغُلَاةُ الْمُبْتَدِعُونَ لِهَذِهِ الْأَوْرَادِ وَالصَّلَوَاتِ يَخْدَعُونَ الْعَوَامَّ بِمَا يَمْزُجُونَهُ فِيهَا مِنَ الْآيَاتِ مَعَ تَحْرِيفِهِمْ لَهَا عَنْ مَوَاضِعِهَا الَّتِي نَزَلَتْ فِيهَا أَوْ لِأَجْلِهَا ، وَمِنَ الْأَحَادِيثِ وَكَلَامِ الْأَئِمَّةِ وَالصَّالِحِينَ ، وَمِنْهَا مَا هُوَ كَذِبٌ صُرَاحٌ ، وَمَا لَيْسَ لَهُ سَنَدٌ يُعْتَدُّ بِهِ ، وَيَرُدُّونَ عَلَى دُعَاةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِأَنَّهُمْ لَا يُعَظِّمُونَ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَوْ يَكْرَهُونَ تَعْظِيمَهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - ; لِأَنَّهُمْ يَقِفُونَ فِيهِ عِنْدَ الْحَدِّ الشَّرْعِيِّ - وَبِأَنَّهُمْ يَكْرَهُونَ الْأَوْلِيَاءَ وَيُنْكِرُونَ مُكَاشَفَاتِهِمْ وَكَرَامَاتِهِمْ ، وَالْعَوَامُّ يَقْبَلُونَ هَذَا مِنْهُمْ لِجَهْلِهِمْ بِعَقِيدَةِ الْإِسْلَامِ ، وَبِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُحْتَجُّ بِقَوْلِ أَحَدٍ مُعَيَّنٍ ، وَلَا بِفِعْلِهِ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ إِلَّا
الشِّيعَةُ الْإِمَامِيَّةُ ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ بِعِصْمَةِ 12 رَجُلًا مِنْ آلِ الْبَيْتِ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ـ أَيْضًا .
وَقَدْ أَرْسَلَ رَجُلٌ مِنْ دَجَّالِي عَصْرِنَا صَلَوَاتِهِ وَبَعْضَ كُتُبِهِ مَعَ بَعْضِ الْحُجَّاجِ الصَّالِحِينَ إِلَى
الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ ; لِتَوْزِيعِهَا فِيهَا عَلَى نَفَقَةِ بَعْضِ الْأَغْنِيَاءِ الْأَغْبِيَاءِ ، فَرَأَى ذَلِكَ الْحَاجُّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي نَوْمِهِ قَبْلَ دُخُولِ
الْمَدِينَةِ بِلَيْلَةٍ يَأْمُرُهُ بِأَلَّا يُدْخِلَ تِلْكَ الْكُتُبَ فِي مَدِينَتِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَدَفَنَهَا فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ ، ثُمَّ أَخْبَرَ صَاحِبَهَا بِمَا رَأَى بَعْدَ عَوْدَتِهِ عَلَى مَسْمَعٍ مِنَ النَّاسِ فَبُهِتَ الدَّجَّالُ .