nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=38يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=39إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شيء قدير nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم [ ص: 365 ] هذا السياق من هنا إلى آخر السورة في غزوة
تبوك ، وما كانت وسيلة له من هتك أستار النفاق ، وتطهير المؤمنين من عوامل الشقاق . إلا الآيتين في آخرها ، وما يتخللها من بعض الحكم والأحكام ، على السنة المعروفة في أسلوب القرآن . ومناسبته لما قبله أن المراد قتالهم في
تبوك : هم
الروم وأتباعهم المستعبدون من
عرب الشام ، وكلهم من
النصارى الذين نزلت الآيات الأخيرة في حكم قتال
اليهود وقتالهم ، وبيان حقيقة أحوالهم ، وأهمها خروجهم عن هداية دين
المسيح عليه السلام ، في كل من العقائد والفضائل والأعمال . وكان ذكر النسيء في آخره لما ذكرنا . وإننا نقدم على تفسير الآيات بيان سبب غزوة
تبوك وفاء بما وعدنا به فنقول :
nindex.php?page=treesubj&link=29338غزوة تبوك وسببها :
تبوك مكان معروف في منتصف الطريق بين
المدينة المنورة ودمشق تقريبا . وقالوا : إن بينها وبين
المدينة أربع عشرة مرحلة ، وبينها وبين
دمشق إحدى عشرة مرحلة ، واللفظ ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث على الأشهر .
قال
الحافظ في فتح الباري : وكان السبب فيها - أي الغزوة - ما ذكره
ابن سعد وشيخه وغيره قالوا : بلغ المسلمين من الأنباط الذي يقدمون بالزيت من
الشام إلى
المدينة أن
الروم جمعت جموعا ، وأجلبت معهم
لخم وجذام وغيرهم من متنصرة العرب ، وجاءت مقدمتهم إلى
البلقاء . فندب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الناس إلى الخروج ، وأعلمهم بجهة غزوهم كما سيأتي في الكلام على حديث
nindex.php?page=showalam&ids=331كعب بن مالك . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=40عمران بن حصين قال : كانت
نصارى العرب كتبت إلى
هرقل : إن هذا الرجل الذي خرج يدعي النبوة هلك ، وأصابتهم سنون فهلكت أموالهم ، فبعث رجلا من عظمائهم يقال له
قباد وجهز معه أربعين ألفا ، فبلغ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذلك ولم يكن للناس قوة ، وكان
عثمان قد جهز عيرا إلى
الشام فقال : يا رسول الله هذه مائتا بعير بأقتابها وأحلاسها ومائتا أوقية - أي من الفضة - قال : فسمعته يقول : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=920302لا يضر عثمان ما عمل بعدها " وأخرجه
الترمذي والحاكم من حديث
عبد الرحمن بن حباب نحوه . وذكر
أبو سعيد في ( شرف المصطفى )
والبيهقي في الدلائل من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16128شهر بن حوشب عن
nindex.php?page=showalam&ids=16345عبد الرحمن بن غنم ، أن
اليهود قالوا : يا
أبا القاسم إن كنت صادقا فالحق
بالشام فإنها أرض المحشر وأرض الأنبياء . فغزا
تبوك لا يريد إلا
الشام ، فلما بلغ
تبوك أنزل الله تعالى من سورة
بني إسرائيل :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=76وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها ( 17 : 76 ) الآية . انتهى . وإسناده حسن مع كونه مرسلا . انتهى ما ذكره
[ ص: 366 ] الحافظ ، والصحيح المعتمد في السبب هو الأول ، وما ندري من هؤلاء
اليهود الذين قالوا للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما قالوا ؟ وكان هذا بعد الفراغ من يهود
المدينة وإجلائهم . والعجيب من الحافظ كيف قال : إن هذا الحديث حسن مع قوله في
nindex.php?page=showalam&ids=16128شهر بن حوشب في التقريب إنه كثير الإرسال والأوهام ، وعلمه ونقله لما فيه من المطاعن في تهذيب التهذيب ؟ وقد صرح
السيوطي بضعف الحديث في أسباب النزول . وفي كتب السير أن ما بذله
عثمان ـ رضي الله عنه ـ في تجهيز جيش العسرة أكثر مما ذكر في حديث
عمران .
وقد كانت غزوة
تبوك في شهر رجب من سنة تسع باتفاق الرواة ، وهو موافق لما رواه
ابن عائذ من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه كانت بعد
الطائف بستة أشهر يجعل الستة الأشهر بعد عودته ـ صلى الله عليه وسلم ـ من
الطائف إلى
المدينة فهو ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد دخل
المدينة في شهر ذي الحجة من تلك السنة . قاله الحافظ .
والغرض من هذا التمهيد لتفسير الآيات أن سبب هذه الغزوة استعداد
الروم لقتال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والمسلمين ، وإعداد جيش كثيف للزحف به على
المدينة ، فهي كسائر غزواته ـ صلى الله عليه وسلم ـ دفاع لا اعتداء ، ولما لم يجد من يقاتله عاد ، ولم يهاجم شيئا من بلاد
الشام ، وكان الأمر بها لما سيذكر من الحكم والأحكام .
قال عز وجل :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=38ياأيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض الاستفهام في الآية للإنكار والتوبيخ ، والخطاب للمؤمنين في جملتهم تربية لهم بما لعله وقع من مجموعهم لا من جميعهم ، ومنهم الضعفاء والمنافقون . والنفر والنفير عبارة عن فرار من الشيء أو إقدام عليه بخفة ونشاط وانزعاج ، فهو كما قال
الراغب بمعنى الفزع إليه أو منه . يقال : نفرت الدابة والغزال نفورا ، ونفر الحجيج من
عرفات نفرا ، واستنفر الإمام العسكر إلى القتال أو أعلن النفير العام فنفروا خفافا وثقالا ، والتثاقل التباطؤ فهو ضد النفر ؛ لأنه من الثقل المقتضي للبطء ، وهو يصدق على من لم يستجب لدعوة النفير ، وعلى من حاول أو استجاب متباطئا . وأصل ( اثاقلتم ) تثاقلتم ، أدغمت المثناة في المثلثة فجيء بهمزة الوصل لأجل النطق بالساكن ، والعرب لا تبدأ بالساكن ، ولا تقف على المتحرك ، وقد عدي بـ ( إلى ) لتضمنه معنى التسفل والإخلاد إلى الأرض والميل إلى راحتها ونعيمها .
ولما دعا الله المؤمنين لغزوة
تبوك كان الزمن زمن الحر ، وكانوا قريبي عهد بالرجوع من غزوتي
الطائف وحنين ، وكانت العسرة شديدة ، وكان موسم الرطب في
المدينة [ ص: 367 ] قد تم صلاحه ، وآن وقت تلطف الحر والراحة ؛ لأن شهر رجب وافق في تلك السنة برج الميزان وإن عبر عنه بعضهم بالصيف .
روى
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
مجاهد في تفسير الآية قال : هذا حين أمروا بغزوة
تبوك بعد الفتح
وحنين وبعد
الطائف ، بأمرهم النفير في الصيف حين اخترقت النخل وطابت الثمار ، واشتهوا الظلال وشق عليهم المخرج . ( قال ) فقالوا : منا الثقيل وذو الحاجة والضيعة والشغل والمنتشر به أمره في ذلك كله .
وكان من عادة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا خرج إلى غزوة أن يوري بغيرها لما تقتضيه مصلحة الحرب من الكتمان ، إلا أنه في هذه الغزوة قد صرح بها ؛ ليكون الناس على بصيرة لبعد الشقة وقلة الزاد والظهر . فلهذه الأسباب كلها شق على المسلمين الخروج في ذلك الوقت إلى بلاد
الشام ، وكانت حكمة الله تعالى في إخراجهم - وهو يعلم أنهم لا يلقون فيها قتالا - ما سنبينه في تفسير آياتها من تمحيص المؤمنين ، وخزي المنافقين ، وفضيحتهم فيما كانوا يسرون من كفرهم وتربصهم الدوائر بالمؤمنين .
والمعنى : يا أيها الذين دخلوا في الإيمان ماذا عرض لكم مما ينافي صحة الإيمان أو كماله المقتضي للإذعان والطاعة ، حين قال لكم الرسول : انفروا في سبيل الله لقتال
الروم الذين تجهزوا لقتالكم ، والقضاء على دينكم الحق ، الذي هو السبيل الموصل إلى معرفة الله وعبادته وإقامة شرعه وسننه ، فتثاقلتم عن النهوض بالنشاط وعلو الهمة ، مخلدين إلى أرض الراحة واللذة ، وآية الإيمان بذلك الجهاد بالمال والنفس في سبيل الله :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=15إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون ( 49 : 15 ) .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=38أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة أي : أرضيتم براحة الحياة الدنيا ولذتها الناقصة الفانية بدلا من سعادة الآخرة الكاملة الباقية ؟ إن كان الأمر كذلك فقد استبدلتم الذي هو أدنأ وأدنى بالذي هو خير وأبقى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=38فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل أي : فما هذا الذي يتمتع به في الحياة الدنيا منغصا بالشوائب والمتاعب في جنب ما في الآخرة من النعيم المقيم ، والرضوان الإلهي العظيم ، إلا شيء قليل لا يرضاه عاقل بدلا منه ، وإنما يؤثره عليه من لا يؤمن به ، وقد شبه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نعيم الدنيا بالإضافة إلى نعيم الآخرة وفي قلته في نفسه وزمنه بمن وضع أصبعه في اليم ثم أخرجها منه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=2003432فانظر بم ترجع " ؟ رواه
أحمد ومسلم nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ، والآيات والأحاديث في هذا الباب كثيرة .
[ ص: 368 ] nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=39إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ( إلا ) مركبة من " إن " الشرطية و " لا " النافية للحال والاستقبال كإن لم للماضي أي : إلا تنفروا كما أمركم الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعذبكم الله عذابا أليما في الدنيا يهلككم به بعصيانكم بعد قيام الحجة عليكم ، ويستبدل بكم قوما غيركم ، قيل : كأهل
اليمن وأبناء
فارس ، وليس في محله ، فإن الكلام للتهديد والله يعلم أنه لا يقع الشرط ولا جزاؤه ، وإنما المراد قوم يطيعونه ويطيعون رسوله ؛ لأنه قد وعد بنصره ، وإظهار دينه على الدين كله ، فإن لم يكن ذلك بأيديكم ، فلا بد أن يكون بأيدي غيركم
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=47ولن يخلف الله وعده ( 22 : 47 ) قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=54ياأيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ( 5 : 54 ) الآية ، وقد مضت سنته تعالى بأنه لا بقاء للأمم التي تتثاقل عن الدفاع عن نفسها ، وحفظ حقيقتها وسيادتها ، ولا تتم فائدة القوة الدفاعية والهجومية إلا بطاعة الإمام والقائد العام ، فكيف إذا كان الإمام والقائد هو النبي الموعود من ربه العزيز القدير بنصر من نصره ، وهلاك من عصاه وخذله ؟ .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=39ولا تضروه شيئا أي : ولا تضروه تعالى شيئا ما من الضرر في تثاقلكم عن طاعته ونصرة رسوله ؛ لأنه غني عنكم ولن يبلغ أحد ضره ولا نفعه ، بل هو القاهر فوق عباده ، وكل من في السماوات والأرض مسخر بأمره ، وإن كان قد جعل للبشر شيئا من الاختيار هو حجة عليهم فيما يلقون من الجزاء على الأعمال ، وقيل : إن المراد : ولا تضروا رسوله بتثاقلكم فإنه عصمه من الناس ، وكفل له النصر بقرينة الآية الآتية :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=39والله على كل شيء قدير ومنه إهلاككم إن أصررتم على العصيان ، وتوليتم عن إقامة دينه ، وإتمام نوره ، ونصر رسوله بقوم آخرين
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=54يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ( 5 : 54 ) كما قال في آخر سورة القتال
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=38وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ( 47 : 38 ) وهذا حجة على من زعم من
الروافض أنه لولا ثبات علي كرم الله وجهه والنفر الذين كانوا حول بغلة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم حنين لقتل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وذهب دينه فلم تقم له قائمة ، والله أكبر من جهلهم ، ورسوله أعظم عنده ممن ثبت ، وممن لم يثبت حول بغلته ، ووعده أصدق من غلوهم في رفضهم ، وهاك من حجج كتابه ما يزيد شبهة بدعتهم افتضاحا ، وحجة السنة وأهلها اتضاحا .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=38يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=39إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [ ص: 365 ] هَذَا السِّيَاقُ مِنْ هُنَا إِلَى آخِرِ السُّورَةِ فِي غَزْوَةِ
تَبُوكَ ، وَمَا كَانَتْ وَسِيلَةً لَهُ مِنْ هَتْكِ أَسْتَارِ النِّفَاقِ ، وَتَطْهِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ عَوَامِلِ الشِّقَاقِ . إِلَّا الْآيَتَيْنِ فِي آخِرِهَا ، وَمَا يَتَخَلَّلُهَا مِنْ بَعْضِ الْحِكَمِ وَالْأَحْكَامِ ، عَلَى السُّنَّةِ الْمَعْرُوفَةِ فِي أُسْلُوبِ الْقُرْآنِ . وَمُنَاسَبَتُهُ لِمَا قَبْلَهُ أَنَّ الْمُرَادَ قِتَالُهُمْ فِي
تَبُوكَ : هُمُ
الرُّومُ وَأَتْبَاعُهُمُ الْمُسْتَعْبَدُونَ مِنْ
عَرَبِ الشَّامِ ، وَكُلُّهُمْ مِنَ
النَّصَارَى الَّذِينَ نَزَلَتِ الْآيَاتُ الْأَخِيرَةُ فِي حُكْمِ قِتَالِ
الْيَهُودِ وَقِتَالِهِمْ ، وَبَيَانِ حَقِيقَةِ أَحْوَالِهِمْ ، وَأَهَمُّهَا خُرُوجُهُمْ عَنْ هِدَايَةِ دِينِ
الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فِي كُلٍّ مِنَ الْعَقَائِدِ وَالْفَضَائِلِ وَالْأَعْمَالِ . وَكَانَ ذِكْرُ النَّسِيءِ فِي آخِرِهِ لِمَا ذَكَرْنَا . وَإِنَّنَا نُقَدِّمُ عَلَى تَفْسِيرِ الْآيَاتِ بَيَانَ سَبَبِ غَزْوَةِ
تَبُوكَ وَفَاءً بِمَا وَعَدْنَا بِهِ فَنَقُولُ :
nindex.php?page=treesubj&link=29338غَزْوَةُ تَبُوكَ وَسَبَبُهَا :
تَبُوكُ مَكَانٌ مَعْرُوفٌ فِي مُنْتَصَفِ الطَّرِيقِ بَيْنَ
الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ وَدِمَشْقَ تَقْرِيبًا . وَقَالُوا : إِنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَ
الْمَدِينَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مَرْحَلَةً ، وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ
دِمَشْقَ إِحْدَى عَشْرَةَ مَرْحَلَةً ، وَاللَّفْظُ مَمْنُوعٌ مِنَ الصَّرْفِ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالتَّأْنِيثِ عَلَى الْأَشْهَرِ .
قَالَ
الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي : وَكَانَ السَّبَبُ فِيهَا - أَيِ الْغَزْوَةِ - مَا ذَكَرَهُ
ابْنُ سَعْدٍ وَشَيْخُهُ وَغَيْرُهُ قَالُوا : بَلَغَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْأَنْبَاطِ الَّذِي يَقْدَمُونَ بِالزَّيْتِ مِنَ
الشَّامِ إِلَى
الْمَدِينَةِ أَنَّ
الرُّومَ جَمَعَتْ جُمُوعًا ، وَأَجْلَبَتْ مَعَهُمْ
لَخْمَ وَجُذَامَ وَغَيْرَهُمْ مِنْ مُتَنَصِّرَةِ الْعَرَبِ ، وَجَاءَتْ مُقَدِّمَتُهُمْ إِلَى
الْبَلْقَاءِ . فَنَدَبَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ النَّاسَ إِلَى الْخُرُوجِ ، وَأَعْلَمَهُمْ بِجِهَةِ غَزْوِهِمْ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=331كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ . وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=40عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ : كَانَتْ
نَصَارَى الْعَرَبِ كَتَبَتْ إِلَى
هِرَقْلَ : إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي خَرَجَ يَدَّعِي النُّبُوَّةَ هَلَكَ ، وَأَصَابَتْهُمْ سِنُونَ فَهَلَكَتْ أَمْوَالُهُمْ ، فَبَعَثَ رَجُلًا مِنْ عُظَمَائِهِمْ يُقَالُ لَهُ
قَبَادُ وَجَهَّزَ مَعَهُ أَرْبَعِينَ أَلْفًا ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ قُوَّةٌ ، وَكَانَ
عُثْمَانُ قَدْ جَهَّزَ عِيرًا إِلَى
الشَّامِ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ مِائَتَا بَعِيرٍ بِأَقْتَابِهَا وَأَحْلَاسِهَا وَمِائَتَا أُوقِيَّةٍ - أَيْ مِنَ الْفِضَّةِ - قَالَ : فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=920302لَا يَضُرُّ عُثْمَانُ مَا عَمِلَ بَعْدَهَا " وَأَخْرَجَهُ
التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُبَابٍ نَحْوَهُ . وَذَكَرَ
أَبُو سَعِيدٍ فِي ( شَرَفِ الْمُصْطَفَى )
وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ مِنْ طَرِيقِ
nindex.php?page=showalam&ids=16128شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16345عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ ، أَنَّ
الْيَهُودَ قَالُوا : يَا
أَبَا الْقَاسِمِ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَالْحَقْ
بِالشَّامِ فَإِنَّهَا أَرْضُ الْمَحْشَرِ وَأَرْضُ الْأَنْبِيَاءِ . فَغَزَا
تَبُوكَ لَا يُرِيدُ إِلَّا
الشَّامَ ، فَلَمَّا بَلَغَ
تَبُوكَ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ سُورَةِ
بَنِي إِسْرَائِيلَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=76وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا ( 17 : 76 ) الْآيَةَ . انْتَهَى . وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ مَعَ كَوْنِهِ مُرْسَلًا . انْتَهَى مَا ذَكَرَهُ
[ ص: 366 ] الْحَافِظُ ، وَالصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ فِي السَّبَبِ هُوَ الْأَوَّلُ ، وَمَا نَدْرِي مَنْ هَؤُلَاءِ
الْيَهُودِ الَّذِينَ قَالُوا لِلنَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ مَا قَالُوا ؟ وَكَانَ هَذَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ يَهُودِ
الْمَدِينَةِ وَإِجْلَائِهِمْ . وَالْعَجِيبُ مِنَ الْحَافِظِ كَيْفَ قَالَ : إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ حَسَنٌ مَعَ قَوْلِهِ فِي
nindex.php?page=showalam&ids=16128شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ فِي التَّقْرِيبِ إِنَّهُ كَثِيرُ الْإِرْسَالِ وَالْأَوْهَامِ ، وَعِلْمِهِ وَنَقْلِهِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَطَاعِنِ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ ؟ وَقَدْ صَرَّحَ
السُّيُوطِيُّ بِضَعْفِ الْحَدِيثِ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ . وَفِي كُتُبِ السِّيَرِ أَنَّ مَا بَذَلَهُ
عُثْمَانُ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ فِي تَجْهِيزِ جَيْشِ الْعُسْرَةِ أَكْثَرَ مِمَّا ذُكِرَ فِي حَدِيثِ
عِمْرَانَ .
وَقَدْ كَانَتْ غَزْوَةُ
تَبُوكَ فِي شَهْرِ رَجَبٍ مِنْ سَنَةِ تِسْعٍ بِاتِّفَاقِ الرُّوَاةِ ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا رَوَاهُ
ابْنُ عَائِذٍ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَتْ بَعْدَ
الطَّائِفِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ يَجْعَلُ السِّتَّةَ الْأَشْهُرَ بَعْدَ عَوْدَتِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ مِنَ
الطَّائِفِ إِلَى
الْمَدِينَةِ فَهُوَ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قَدْ دَخَلَ
الْمَدِينَةَ فِي شَهْرِ ذِي الْحِجَّةِ مِنْ تِلْكَ السَّنَةِ . قَالَهُ الْحَافِظُ .
وَالْغَرَضُ مِنْ هَذَا التَّمْهِيدِ لِتَفْسِيرِ الْآيَاتِ أَنَّ سَبَبَ هَذِهِ الْغَزْوَةِ اسْتِعْدَادُ
الرُّومِ لِقِتَالِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَالْمُسْلِمِينَ ، وَإِعْدَادُ جَيْشٍ كَثِيفٍ لِلزَّحْفِ بِهِ عَلَى
الْمَدِينَةِ ، فَهِيَ كَسَائِرِ غَزَوَاتِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ دِفَاعٌ لَا اعْتِدَاءٌ ، وَلَمَّا لَمْ يَجِدْ مَنْ يُقَاتِلُهُ عَادَ ، وَلَمْ يُهَاجِمْ شَيْئًا مِنْ بِلَادِ
الشَّامِ ، وَكَانَ الْأَمْرُ بِهَا لِمَا سَيُذْكَرُ مِنَ الْحِكَمِ وَالْأَحْكَامِ .
قَالَ عَزَّ وَجَلَّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=38يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ الِاسْتِفْهَامُ فِي الْآيَةِ لِلْإِنْكَارِ وَالتَّوْبِيخِ ، وَالْخِطَابُ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي جُمْلَتِهِمْ تَرْبِيَةً لَهُمْ بِمَا لَعَلَّهُ وَقَعَ مِنْ مَجْمُوعِهِمْ لَا مِنْ جَمِيعِهِمْ ، وَمِنْهُمُ الضُّعَفَاءُ وَالْمُنَافِقُونَ . وَالنَّفْرُ وَالنَّفِيرُ عِبَارَةٌ عَنْ فِرَارٍ مِنَ الشَّيْءِ أَوْ إِقْدَامٍ عَلَيْهِ بِخِفَّةٍ وَنَشَاطٍ وَانْزِعَاجٍ ، فَهُوَ كَمَا قَالَ
الرَّاغِبُ بِمَعْنَى الْفَزَعِ إِلَيْهِ أَوْ مِنْهُ . يُقَالُ : نَفَرَتِ الدَّابَّةُ وَالْغَزَالُ نُفُورًا ، وَنَفَرَ الْحَجِيجُ مِنْ
عَرَفَاتٍ نَفْرًا ، وَاسْتَنْفَرَ الْإِمَامُ الْعَسْكَرَ إِلَى الْقِتَالِ أَوْ أَعْلَنَ النَّفِيرَ الْعَامَ فَنَفَرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا ، وَالتَّثَاقُلُ التَّبَاطُؤُ فَهُوَ ضِدُّ النَّفْرِ ؛ لِأَنَّهُ مِنَ الثِّقَلِ الْمُقْتَضِي لِلْبُطْءِ ، وَهُوَ يَصْدُقُ عَلَى مَنْ لَمْ يَسْتَجِبْ لِدَعْوَةِ النَّفِيرِ ، وَعَلَى مَنْ حَاوَلَ أَوِ اسْتَجَابَ مُتَبَاطِئًا . وَأَصْلُ ( اثَّاقَلْتُمْ ) تَثَاقَلْتُمْ ، أُدْغِمَتِ الْمُثَنَّاةُ فِي الْمُثَلَّثَةِ فَجِيءَ بِهَمْزَةِ الْوَصْلِ لِأَجْلِ النُّطْقِ بِالسَّاكِنِ ، وَالْعَرَبُ لَا تَبْدَأُ بِالسَّاكِنِ ، وَلَا تَقِفُ عَلَى الْمُتَحَرِّكِ ، وَقَدْ عُدِّي بِـ ( إِلَى ) لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى التَّسَفُّلِ وَالْإِخْلَادِ إِلَى الْأَرْضِ وَالْمَيْلِ إِلَى رَاحَتِهَا وَنَعِيمِهَا .
وَلَمَّا دَعَا اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ لِغَزْوَةِ
تَبُوكَ كَانَ الزَّمَنُ زَمَنَ الْحَرِّ ، وَكَانُوا قَرِيبِي عَهْدٍ بِالرُّجُوعِ مِنْ غَزْوَتَيِ
الطَّائِفِ وَحُنَيْنٍ ، وَكَانَتِ الْعُسْرَةُ شَدِيدَةً ، وَكَانَ مَوْسِمُ الرُّطَبِ فِي
الْمَدِينَةِ [ ص: 367 ] قَدْ تَمَّ صَلَاحُهُ ، وَآنَ وَقْتُ تَلَطُّفِ الْحَرِّ وَالرَّاحَةِ ؛ لِأَنَّ شَهْرَ رَجَبٍ وَافَقَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ بُرْجَ الْمِيزَانِ وَإِنْ عَبَّرَ عَنْهُ بَعْضُهُمْ بِالصَّيْفِ .
رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ
مُجَاهِدٍ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ قَالَ : هَذَا حِينَ أُمِرُوا بِغَزْوَةِ
تَبُوكَ بَعْدَ الْفَتْحِ
وَحُنَيْنٍ وَبَعْدَ
الطَّائِفِ ، بِأَمْرِهِمُ النَّفِيرَ فِي الصَّيْفِ حِينَ اخْتَرَقَتِ النَّخْلُ وَطَابَتِ الثِّمَارُ ، وَاشْتَهُوا الظِّلَالَ وَشَقَّ عَلَيْهِمُ الْمَخْرَجُ . ( قَالَ ) فَقَالُوا : مِنَّا الثَّقِيلُ وَذُو الْحَاجَةِ وَالضَّيْعَةِ وَالشُّغْلِ وَالْمُنْتَشِرُ بِهِ أَمْرُهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ .
وَكَانَ مِنْ عَادَةِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ إِذَا خَرَجَ إِلَى غَزْوَةٍ أَنْ يُوَرِّيَ بِغَيْرِهَا لِمَا تَقْتَضِيهِ مَصْلَحَةُ الْحَرْبِ مِنَ الْكِتْمَانِ ، إِلَّا أَنَّهُ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ قَدْ صَرَّحَ بِهَا ؛ لِيَكُونَ النَّاسُ عَلَى بَصِيرَةٍ لِبُعْدِ الشُّقَّةِ وَقِلَّةِ الزَّادِ وَالظَّهْرِ . فَلِهَذِهِ الْأَسْبَابِ كُلِّهَا شَقَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْخُرُوجُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ إِلَى بِلَادِ
الشَّامِ ، وَكَانَتْ حِكْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي إِخْرَاجِهِمْ - وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ لَا يَلْقَوْنَ فِيهَا قِتَالًا - مَا سَنُبَيِّنُهُ فِي تَفْسِيرِ آيَاتِهَا مِنْ تَمْحِيصِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَخِزْيِ الْمُنَافِقِينَ ، وَفَضِيحَتِهِمْ فِيمَا كَانُوا يُسِرُّونَ مِنْ كُفْرِهِمْ وَتَرَبُّصِهِمُ الدَّوَائِرَ بِالْمُؤْمِنِينَ .
وَالْمَعْنَى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ دَخَلُوا فِي الْإِيمَانِ مَاذَا عَرَضَ لَكُمْ مِمَّا يُنَافِي صِحَّةَ الْإِيمَانِ أَوْ كَمَالِهِ الْمُقْتَضِي لِلْإِذْعَانِ وَالطَّاعَةِ ، حِينَ قَالَ لَكُمُ الرَّسُولُ : انْفرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لِقِتَالِ
الرُّومِ الَّذِينَ تَجَهَّزُوا لِقِتَالِكُمْ ، وَالْقَضَاءِ عَلَى دِينِكُمُ الْحَقِّ ، الَّذِي هُوَ السَّبِيلُ الْمُوَصِّلُ إِلَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ وَعِبَادَتِهِ وَإِقَامَةِ شَرْعِهِ وَسُنَنِهِ ، فَتَثَاقَلْتُمْ عَنِ النُّهُوضِ بِالنَّشَاطِ وَعُلُوِّ الْهِمَّةِ ، مُخْلِدِينَ إِلَى أَرْضِ الرَّاحَةِ وَاللَّذَّةِ ، وَآيَةُ الْإِيمَانِ بِذَلِكَ الْجِهَادُ بِالْمَالِ وَالنَّفْسِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=15إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ( 49 : 15 ) .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=38أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ أَيْ : أَرَضِيتُمْ بِرَاحَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَذَّتِهَا النَّاقِصَةِ الْفَانِيَةِ بَدَلًا مِنْ سَعَادَةِ الْآخِرَةِ الْكَامِلَةِ الْبَاقِيَةِ ؟ إِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَقَدِ اسْتَبْدَلْتُمُ الَّذِي هُوَ أَدْنَأُ وَأَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَأَبْقَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=38فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ أَيْ : فَمَا هَذَا الَّذِي يُتَمَتَّعُ بِهِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مُنَغَّصًا بِالشَّوَائِبِ وَالْمَتَاعِبِ فِي جَنْبِ مَا فِي الْآخِرَةِ مِنَ النَّعِيمِ الْمُقِيمِ ، وَالرِّضْوَانِ الْإِلَهِيِّ الْعَظِيمِ ، إِلَّا شَيْءٌ قَلِيلٌ لَا يَرْضَاهُ عَاقِلٌ بَدَلًا مِنْهُ ، وَإِنَّمَا يُؤْثِرُهُ عَلَيْهِ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ ، وَقَدْ شَبَّهَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ نَعِيمَ الدُّنْيَا بِالْإِضَافَةِ إِلَى نَعِيمِ الْآخِرَةِ وَفِي قِلَّتِهِ فِي نَفْسِهِ وَزَمَنِهِ بِمَنْ وَضَعَ أَصْبُعَهُ فِي الْيَمِّ ثُمَّ أَخْرَجَهَا مِنْهُ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=2003432فَانْظُرْ بِمَ تَرْجِعُ " ؟ رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ nindex.php?page=showalam&ids=13948وَالتِّرْمِذِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=15397وَالنَّسَائِيُّ ، وَالْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ .
[ ص: 368 ] nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=39إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ( إِلَّا ) مُرَكَّبَةٌ مِنْ " إِنْ " الشَّرْطِيَّةِ وَ " لَا " النَّافِيَةُ لِلْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ كَإنْ لَمْ لِلْمَاضِي أَيْ : إِلَّا تَنْفِرُوا كَمَا أَمَرَكُمُ الرَّسُولُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يُعَذِّبْكُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا يُهْلِكْكُمْ بِهِ بِعِصْيَانِكُمْ بَعْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْكُمْ ، وَيَسْتَبْدِلْ بِكُمْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ، قِيلَ : كَأَهْلِ
الْيَمَنِ وَأَبْنَاءِ
فَارِسَ ، وَلَيْسَ فِي مَحَلِّهِ ، فَإِنَّ الْكَلَامَ لِلتَّهْدِيدِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ الشَّرْطُ وَلَا جَزَاؤُهُ ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ قَوْمٌ يُطِيعُونَهُ وَيُطِيعُونَ رَسُولَهُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَعَدَ بِنَصْرِهِ ، وَإِظْهَارِ دِينِهِ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِأَيْدِيكُمْ ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بِأَيْدِي غَيْرِكُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=47وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ ( 22 : 47 ) قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=54يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ( 5 : 54 ) الْآيَةَ ، وَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُهُ تَعَالَى بِأَنَّهُ لَا بَقَاءَ لِلْأُمَمِ الَّتِي تَتَثَاقَلُ عَنِ الدِّفَاعِ عَنْ نَفْسِهَا ، وَحِفْظِ حَقِيقَتِهَا وَسِيَادَتِهَا ، وَلَا تَتِمُّ فَائِدَةُ الْقُوَّةِ الدِّفَاعِيَّةِ وَالْهُجُومِيَّةِ إِلَّا بِطَاعَةِ الْإِمَامِ وَالْقَائِدِ الْعَامِّ ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ الْإِمَامُ وَالْقَائِدُ هُوَ النَّبِيُّ الْمَوْعُودُ مِنْ رَبِّهِ الْعَزِيزِ الْقَدِيرِ بِنَصْرِ مَنْ نَصَرَهُ ، وَهَلَاكِ مَنْ عَصَاهُ وَخَذَلَهُ ؟ .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=39وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا أَيْ : وَلَا تَضُرُّوهُ تَعَالَى شَيْئًا مَا مِنَ الضَّرَرِ فِي تَثَاقُلِكُمْ عَنْ طَاعَتِهِ وَنُصْرَةِ رَسُولِهِ ؛ لِأَنَّهُ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَنْ يَبْلُغَ أَحَدٌ ضُرَّهُ وَلَا نَفْعَهُ ، بَلْ هُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ، وَكُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مُسَخَّرٌ بِأَمْرِهِ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ جَعَلَ لِلْبَشَرِ شَيْئًا مِنَ الِاخْتِيَارِ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ فِيمَا يَلْقَوْنَ مِنَ الْجَزَاءِ عَلَى الْأَعْمَالِ ، وَقِيلَ : إِنَّ الْمُرَادَ : وَلَا تَضُرُّوا رَسُولَهُ بِتَثَاقُلِكُمْ فَإِنَّهُ عَصَمَهُ مِنَ النَّاسِ ، وَكَفَلَ لَهُ النَّصْرَ بِقَرِينَةِ الْآيَةِ الْآتِيَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=39وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَمِنْهُ إِهْلَاكُكُمْ إِنْ أَصْرَرْتُمْ عَلَى الْعِصْيَانِ ، وَتَوَلَّيْتُمْ عَنْ إِقَامَةِ دِينِهِ ، وَإِتْمَامِ نُورِهِ ، وَنَصْرِ رَسُولِهِ بِقَوْمٍ آخَرِينَ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=54يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ( 5 : 54 ) كَمَا قَالَ فِي آخِرِ سُورَةِ الْقِتَالِ
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=38وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ( 47 : 38 ) وَهَذَا حُجَّةٌ عَلَى مَنْ زَعَمَ مِنَ
الرَّوَافِضِ أَنَّهُ لَوْلَا ثَبَاتُ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ وَالنَّفَرِ الَّذِينَ كَانُوا حَوْلَ بَغْلَةِ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يَوْمَ حُنَيْنٍ لَقُتِلَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَذَهَبَ دِينُهُ فَلَمْ تَقُمْ لَهُ قَائِمَةٌ ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ مِنْ جَهْلِهِمْ ، وَرَسُولُهُ أَعْظَمُ عِنْدَهُ مِمَّنْ ثَبَتَ ، وَمِمَّنْ لَمْ يَثْبُتْ حَوْلَ بَغْلَتِهِ ، وَوَعْدُهُ أَصْدَقُ مِنْ غُلُوِّهِمْ فِي رَفْضِهِمْ ، وَهَاكَ مِنْ حُجَجِ كِتَابِهِ مَا يَزِيدُ شُبْهَةَ بِدْعَتِهِمُ افْتِضَاحًا ، وَحُجَّةَ السُّنَّةِ وَأَهْلِهَا اتِّضَاحًا .