[ ص: 419 ] nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=56nindex.php?page=treesubj&link=28980_30881ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=57لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا لولوا إليه وهم يجمحون
هاتان الآيتان في بيان سبب النفاق ، ومصانعة المنافقين للمؤمنين ، وهو الخوف وبيان حالهم فيه ، قال الله عز وجل :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=56ويحلفون بالله إنهم لمنكم قال
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري : ويحلفون بالله لكم أيها المؤمنون هؤلاء المنافقون كذبا وباطلا أنهم لمنكم في الدين والملة
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=56وما هم منكم أي : ليسوا من أهل دينكم وملتكم ، بل هم أهل شك ونفاق
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=56ولكنهم قوم يفرقون يقول : ولكنهم قوم يخافونكم ، فهم خوفا منكم يقولون بألسنتهم إنهم منكم ؛ ليأمنوا فيكم فلا يقتلوا اهـ . وأقول : إن الفرق بالتحريك الخوف الشديد الذي يفرق بين القلب وإدراكه - أو هو كما قال
الراغب : تفرق القلب من الخوف ، واستعمال الفرق فيه كاستعمال الصدع والشق فيه ، وفعله بوزن فرح ، فالمعنى أنهم يحلفون من شدة خوفهم الذي فرق قلوبهم ومزقها . ثم بين سوء حالهم في هذا الفرق بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=57nindex.php?page=treesubj&link=28980_30881لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا لولوا إليه وهم يجمحون الملجأ : المكان الذي يلجأ إليه الخائف ؛ ليعتصم به من حصن أو قلعة أو جزيرة في بحر أو قنة في جبل ، والمغارات : جمع مغارة وهي الغار في الجبل ، وتقدم اشتقاقه في تفسير آية الغار ، والمدخل بالتشديد ( مفتعل من الدخول ) السرب في الأرض يدخله الإنسان بمشقة ، والجماح : السرعة الشديدة التي تتعسر مقاومتها أو تتعذر . يقول : إنهم لشدة كرههم للقتال معكم ولمعاشرتكم ، ولشدة رعبهم من ظهور نفاقهم لكم ، يتمنون الفرار منكم ، والمعيشة في مضيق من الأرض يعتصمون به من انتقامكم ، بحيث لو يجدون ملجأ يلجؤون إليه ، أو مغارات يغورون فيها ، أو مدخلا يندسون وينجحرون فيه ، لولوا إليه - أي : إلى ما يجدونه مما ذكر - وهم يسرعون متقحمين كالفرس الجموح لا يردهم شيء . وهذا الوصف من أبلغ مبالغة القرآن في تصوير الحقائق التي لا تتجلى للفهم والعبرة بدونها ، فتصور شخوصهم وهم يعدون بغير نظام ، يلهثون كما تلهث الكلاب ، يتسابقون إلى تلك الملاجئ من مغارات ومدخلات ، فيتسلقون إليها ، أو يندسون فيها . فكذلك كان تصورهم عند ما سمعوا الآية في وصفهم .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير : وإنما وصفهم الله بما وصفهم به من هذه الصفة ؛ لأنهم إنما أقاموا بين
[ ص: 420 ] أظهر أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على كفرهم ونفاقهم وعداوتهم لهم ، ولما هم عليه من الإيمان بالله وبرسوله ؛ لأنهم كانوا في قومهم وعشيرتهم ، وفي دورهم وأموالهم ، فلم يقدروا على ترك ذلك وفراقه فصانعوا القوم بالنفاق ، ودافعوا عن أنفسهم وأموالهم وأولادهم بالكفر ( كذا ولعل أصله بإخفاء الكفر ) ودعوى الإيمان ، وفي أنفسهم ما فيها من البغض لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأهل الإيمان به والعداوة لهم اهـ .
[ ص: 419 ] nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=56nindex.php?page=treesubj&link=28980_30881وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=57لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ
هَاتَانِ الْآيَتَانِ فِي بَيَانِ سَبَبِ النِّفَاقِ ، وَمُصَانَعَةِ الْمُنَافِقِينَ لِلْمُؤْمِنِينَ ، وَهُوَ الْخَوْفُ وَبَيَانُ حَالِهِمْ فِيهِ ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=56وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطَّبَرِيُّ : وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ كَذِبًا وَبَاطِلًا أَنَّهُمْ لَمِنْكُمْ فِي الدِّينِ وَالْمِلَّةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=56وَمَا هُمْ مِنْكُمْ أَيْ : لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ دِينِكُمْ وَمِلَّتِكُمْ ، بَلْ هُمْ أَهْلُ شَكٍّ وَنِفَاقٍ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=56وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ يَقُولُ : وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَخَافُونَكُمْ ، فَهُمْ خَوْفًا مِنْكُمْ يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ إِنَّهُمْ مِنْكُمْ ؛ لِيَأْمَنُوا فِيكُمْ فَلَا يُقْتُلُوا اهـ . وَأَقُولُ : إِنَّ الْفَرَقَ بِالتَّحْرِيكِ الْخَوْفُ الشَّدِيدُ الَّذِي يَفْرُقُ بَيْنَ الْقَلْبِ وَإِدْرَاكِهِ - أَوْ هُوَ كَمَا قَالَ
الرَّاغِبُ : تَفَرُّقُ الْقَلْبِ مِنَ الْخَوْفِ ، وَاسْتِعْمَالُ الْفَرَقِ فِيهِ كَاسْتِعْمَالِ الصَّدْعِ وَالشَّقِّ فِيهِ ، وَفِعْلُهُ بِوَزْنِ فَرَحَ ، فَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ يَحْلِفُونَ مِنْ شِدَّةِ خَوْفِهِمُ الَّذِي فَرَقَ قُلُوبَهُمْ وَمَزَّقَهَا . ثُمَّ بَيَّنَ سُوءَ حَالِهِمْ فِي هَذَا الْفَرَقِ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=57nindex.php?page=treesubj&link=28980_30881لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ الْمَلْجَأُ : الْمَكَانُ الَّذِي يَلْجَأُ إِلَيْهِ الْخَائِفُ ؛ لِيَعْتَصِمَ بِهِ مِنْ حِصْنٍ أَوْ قَلْعَةٍ أَوْ جَزِيرَةٍ فِي بَحْرٍ أَوْ قُنَّةٍ فِي جَبَلٍ ، وَالْمَغَارَاتُ : جَمْعُ مَغَارَةٍ وَهِيَ الْغَارُ فِي الْجَبَلِ ، وَتَقَدَّمَ اشْتِقَاقُهُ فِي تَفْسِيرِ آيَةِ الْغَارِ ، وَالْمُدَّخَلُ بِالتَّشْدِيدِ ( مُفْتَعَلٌ مِنَ الدُّخُولِ ) السِّرْبُ فِي الْأَرْضِ يَدْخُلُهُ الْإِنْسَانُ بِمَشَقَّةٍ ، وَالْجِمَاحُ : السُّرْعَةُ الشَّدِيدَةُ الَّتِي تَتَعَسَّرُ مُقَاوَمَتُهَا أَوْ تَتَعَذَّرُ . يَقُولُ : إِنَّهُمْ لِشِدَّةِ كُرْهِهِمْ لِلْقِتَالِ مَعَكُمْ وَلِمُعَاشَرَتِكُمْ ، وَلِشِدَّةِ رُعْبِهِمْ مِنْ ظُهُورِ نِفَاقِهِمْ لَكُمْ ، يَتَمَنَّوْنَ الْفِرَارَ مِنْكُمْ ، وَالْمَعِيشَةَ فِي مَضِيقٍ مِنَ الْأَرْضِ يَعْتَصِمُونَ بِهِ مِنِ انْتِقَامِكُمْ ، بِحَيْثُ لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً يَلْجَؤُونَ إِلَيْهِ ، أَوْ مَغَارَاتٍ يَغُورُونَ فِيهَا ، أَوْ مُدَّخَلًا يَنْدَسُّونَ وَيَنْجَحِرُونَ فِيهِ ، لَوَلَّوْا إِلَيْهِ - أَيْ : إِلَى مَا يَجِدُونَهُ مِمَّا ذُكِرَ - وَهُمْ يُسْرِعُونَ مُتَقَحِّمِينَ كَالْفَرَسِ الْجَمُوحِ لَا يَرُدُّهُمْ شَيْءٌ . وَهَذَا الْوَصْفُ مَنْ أَبْلَغِ مُبَالَغَةِ الْقُرْآنِ فِي تَصْوِيرِ الْحَقَائِقِ الَّتِي لَا تَتَجَلَّى لِلْفَهْمِ وَالْعِبْرَةِ بِدُونِهَا ، فَتَصَوَّرْ شُخُوصَهُمْ وَهُمْ يَعْدُونَ بِغَيْرِ نِظَامٍ ، يَلْهَثُونَ كَمَا تَلْهَثُ الْكِلَابُ ، يَتَسَابَقُونَ إِلَى تِلْكَ الْمَلَاجِئِ مِنْ مَغَارَاتٍ وَمُدَّخَلَاتٍ ، فَيَتَسَلَّقُونَ إِلَيْهَا ، أَوْ يَنْدَسُّونَ فِيهَا . فَكَذَلِكَ كَانَ تَصَوُّرُهُمْ عِنْدَ مَا سَمِعُوا الْآيَةَ فِي وَصْفِهِمْ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ : وَإِنَّمَا وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِمَا وَصَفَهُمْ بِهِ مِنْ هَذِهِ الصِّفَةِ ؛ لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا أَقَامُوا بَيْنَ
[ ص: 420 ] أَظْهُرِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عَلَى كُفْرِهِمْ وَنِفَاقِهِمْ وَعَدَاوَتِهِمْ لَهُمْ ، وَلِمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي قَوْمِهِمْ وَعَشِيرَتِهِمْ ، وَفِي دُورِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ ، فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى تَرْكِ ذَلِكَ وَفِرَاقِهِ فَصَانَعُوا الْقَوْمَ بِالنِّفَاقِ ، وَدَافَعُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ بِالْكُفْرِ ( كَذَا وَلَعَلَّ أَصْلَهُ بِإِخْفَاءِ الْكُفْرِ ) وَدَعْوَى الْإِيمَانِ ، وَفِي أَنْفُسِهِمْ مَا فِيهَا مِنَ الْبُغْضِ لِرَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَأَهْلِ الْإِيمَانِ بِهِ وَالْعَدَاوَةِ لَهُمُ اهـ .