( 4 ) الزكاة المطلقة والمعينة ومكانتها في الدين ، وحكم دار الإسلام ودار الكفر أو الذبذبة فيها :
nindex.php?page=treesubj&link=23844فرضت الزكاة المطلقة بمكة في أول الإسلام ، وترك أمر مقدارها ودفعها إلى شعور المؤمنين وأريحيتهم ، ثم فرض مقدارها من كل نوع من أنواع الأموال في السنة الثانية من الهجرة على المشهور ، وقيل في الأولى : ذكره
الذهبي في تاريخ الإسلام ، وكانت تصرف للفقراء كما قال تعالى في سورة البقرة :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=271إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ( 2 : 271 ) وقد نزلت في السنة الثانية ، وكما قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ
لمعاذ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=920354تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم " وتقدم . ثم نزلت هذه المصارف السبع أو الثمان في سنة تسع ، فتوهم بعض العلماء أن فرض الزكاة كان في هذه السنة .
والحكمة فيما ذكر أن تعيين المقادير ، وقيام أولي الأمر بتحصيلها وتوزيعها على من فرضت لهم ، وتعدد أصنافهم ، كل ذلك إنما وجد بوجود حكومة إسلامية تناط بها مصالح الأمة في دينها ودنياها في دار تسمى دار الإسلام ؛ لأن أحكامه تنفذ فيها بسلطانه ، وكانت دار الهجرة إذ كانت
مكة دار كفر وحرب لا ينفذ فيها للإسلام حكم ، بل لم يكن لأحد من أهله فيها حرية الجهر بالصلاة إلا بحماية قريب أو جار من المشركين .
nindex.php?page=treesubj&link=3088وإمام المسلمين في دار الإسلام هو الذي تؤدى له صدقات الزكاة ، وهو صاحب الحق بجمعها وصرفها لمستحقيها ، ويجب عليه أن يقاتل الذين يمتنعون عن أدائها إليه كما فعل خليفة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ورضي عنه فيمن منعوا الزكاة من العرب وقال : " والله لأقاتلن
[ ص: 442 ] من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال ، والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لقاتلتهم على منعها وهو متفق عليه . فالزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام - بعد الشهادتين والصلاة المفروضة - وأظهر آيات الإيمان ، وتقدم في هذه السورة اشتراط أدائها في قبول إسلام الكفار وعدهم إخوانا للمسلمين في الدين وكان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يبايع المسلمين على أدائها ، وأجمع المسلمون على كفر
nindex.php?page=treesubj&link=2646_10018جاحدها ومستحل تركها ، وقد بينا مكانة الزكاة في الإسلام وأدلتها على صدق الإيمان وضلال تاركيها في هذا الزمان في مواضع كثيرة من هذا التفسير .
ولكن أكثر المسلمين لم يبق لهم في هذا العصر حكومات إسلامية تقيم الإسلام بالدعوة إليه والدفاع عنه ، والجهاد الذي يوجبه وجوبا عينيا أو كفائيا ، وتقيم حدوده ، وتأخذ الصدقات المفروضة كما فرضها ، وتضعها في مصارفها التي حددها ، بل سقط أكثرهم تحت سلطة دول الإفرنج ، وبعضهم تحت سلطة حكومات مرتدة أو ملحدة ، ولبعض الخاضعين لدول الإفرنج رؤساء من المسلمين الجغرافيين اتخذهم الإفرنج آلات لإخضاع الشعوب لهم باسم الإسلام حتى فيما يهدمون به الإسلام ، ويتصرفون بنفوذهم وأمرهم في مصالح المسلمين وأموالهم الخاصة بهم فيما له صفة دينية من صدقات الزكاة والأوقات وغيرها ، فأمثال هذه الحكومات لا يجوز دفع شيء من الزكاة لها مهما يكن لقب رئيسها ودينه الرسمي .
وأما بقايا الحكومات الإسلامية التي يدين أئمتها ورؤساؤها بالإسلام ، ولا سلطان عليهم للأجانب في بيت مال المسلمين ، فهي التي يجب أداء الزكاة لأئمتها ، وكذا الباطنة كالنقدين إذا طلبوها ، وإن كانوا جائرين في بعض أحكامهم كما قال الفقهاء ، وتبرأ ذمة من أداها إليهم وإن لم يضعوها في مصارفها المنصوصة في الآية الحكيمة بالعدل . والذي نص عليه المحققون كما في شرح المهذب وغيره أن الإمام السلطان إذا كان جائرا لا يضع الصدقات في مصارفها الشرعية ، فالأفضل لمن وجبت عليه أن يؤديها لمستحقيها بنفسه ، إذا لم يطلبها الإمام أو العامل من قبله .
( 4 ) الزَّكَاةُ الْمُطْلَقَةُ وَالْمُعَيَّنَةُ وَمَكَانَتُهَا فِي الدِّينِ ، وَحُكْمُ دَارِ الْإِسْلَامِ وَدَارِ الْكُفْرِ أَوِ الذَّبْذَبَةِ فِيهَا :
nindex.php?page=treesubj&link=23844فُرِضَتِ الزَّكَاةُ الْمُطْلَقَةُ بِمَكَّةَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ، وَتُرِكَ أَمْرُ مِقْدَارِهَا وَدَفْعِهَا إِلَى شُعُورِ الْمُؤْمِنِينَ وَأَرْيَحِيَّتِهِمْ ، ثُمَّ فُرِضَ مِقْدَارُهَا مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنَ أَنْوَاعِ الْأَمْوَالِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ ، وَقِيلَ فِي الْأُولَى : ذَكَرَهُ
الذَّهَبِيُّ فِي تَارِيخِ الْإِسْلَامِ ، وَكَانَتْ تُصْرَفُ لِلْفُقَرَاءِ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=271إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ( 2 : 271 ) وَقَدْ نَزَلَتْ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ ، وَكَمَا قَالَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ
لِمُعَاذٍ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=920354تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ " وَتَقَدَّمَ . ثُمَّ نَزَلَتْ هَذِهِ الْمَصَارِفُ السَّبْعُ أَوِ الثَّمَانِ فِي سَنَةِ تِسْعٍ ، فَتَوَهَّمَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ فَرْضَ الزَّكَاةِ كَانَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ .
وَالْحِكْمَةُ فِيمَا ذُكِرَ أَنَّ تَعْيِينَ الْمَقَادِيرِ ، وَقِيَامَ أُولِي الْأَمْرِ بِتَحْصِيلِهَا وَتَوْزِيعِهَا عَلَى مَنْ فُرِضَتْ لَهُمْ ، وَتَعَدُّدِ أَصْنَافِهِمْ ، كُلُّ ذَلِكَ إِنَّمَا وُجِدَ بِوُجُودِ حُكُومَةٍ إِسْلَامِيَّةٍ تُنَاطُ بِهَا مَصَالِحُ الْأُمَّةِ فِي دِينِهَا وَدُنْيَاهَا فِي دَارٍ تُسَمَّى دَارَ الْإِسْلَامِ ؛ لِأَنَّ أَحْكَامَهُ تُنَفَّذُ فِيهَا بِسُلْطَانِهِ ، وَكَانَتْ دَارُ الْهِجْرَةِ إِذْ كَانَتْ
مَكَّةُ دَارَ كُفْرٍ وَحَرْبٍ لَا يُنَفَّذُ فِيهَا لِلْإِسْلَامِ حُكْمٌ ، بَلْ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِهِ فِيهَا حُرِّيَّةُ الْجَهْرِ بِالصَّلَاةِ إِلَّا بِحِمَايَةِ قَرِيبٍ أَوْ جَارٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ .
nindex.php?page=treesubj&link=3088وَإِمَامُ الْمُسْلِمِينَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ هُوَ الَّذِي تُؤَدَّى لَهُ صَدَقَاتُ الزَّكَاةِ ، وَهُوَ صَاحِبُ الْحَقِّ بِجَمْعِهَا وَصَرْفِهَا لِمُسْتَحِقِّيهَا ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُقَاتِلَ الَّذِينَ يَمْتَنِعُونَ عَنْ أَدَائِهَا إِلَيْهِ كَمَا فَعَلَ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَرَضِيَ عَنْهُ فِيمَنْ مَنَعُوا الزَّكَاةَ مِنَ الْعَرَبِ وَقَالَ : " وَاللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ
[ ص: 442 ] مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ ، وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ . فَالزَّكَاةُ هِيَ الرُّكْنُ الثَّالِثُ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ - بَعْدَ الشَّهَادَتَيْنِ وَالصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ - وَأَظْهَرُ آيَاتِ الْإِيمَانِ ، وَتَقَدَّمَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ اشْتِرَاطُ أَدَائِهَا فِي قَبُولِ إِسْلَامِ الْكُفَّارِ وَعَدِّهِمْ إِخْوَانًا لِلْمُسْلِمِينَ فِي الدِّينِ وَكَانَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يُبَايِعُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَدَائِهَا ، وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى كُفْرِ
nindex.php?page=treesubj&link=2646_10018جَاحِدِهَا وَمُسْتَحِلِّ تَرْكِهَا ، وَقَدْ بَيَّنَّا مَكَانَةَ الزَّكَاةِ فِي الْإِسْلَامِ وَأَدِلَّتَهَا عَلَى صِدْقِ الْإِيمَانِ وَضَلَالِ تَارِكِيهَا فِي هَذَا الزَّمَانِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ هَذَا التَّفْسِيرِ .
وَلَكِنَّ أَكْثَرَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَبْقَ لَهُمْ فِي هَذَا الْعَصْرِ حُكُومَاتٌ إِسْلَامِيَّةٌ تُقِيمُ الْإِسْلَامَ بِالدَّعْوَةِ إِلَيْهِ وَالدِّفَاعِ عَنْهُ ، وَالْجِهَادِ الَّذِي يُوجِبُهُ وُجُوبًا عَيْنِيًّا أَوْ كِفَائِيًّا ، وَتُقِيمُ حُدُودَهُ ، وَتَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ الْمَفْرُوضَةَ كَمَا فَرَضَهَا ، وَتَضَعُهَا فِي مَصَارِفِهَا الَّتِي حَدَّدَهَا ، بَلْ سَقَطَ أَكْثَرُهُمْ تَحْتَ سُلْطَةِ دُوَلِ الْإِفْرِنْجِ ، وَبَعْضُهُمْ تَحْتَ سُلْطَةِ حُكُومَاتٍ مُرْتَدَّةٍ أَوْ مُلْحِدَةٍ ، وَلِبَعْضِ الْخَاضِعِينَ لِدُوَلِ الْإِفْرِنْجِ رُؤَسَاءُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الْجُغْرَافِيِّينَ اتَّخَذَهُمُ الْإِفْرِنْجُ آلَاتٍ لِإِخْضَاعِ الشُّعُوبِ لَهُمْ بِاسْمِ الْإِسْلَامِ حَتَّى فِيمَا يَهْدِمُونَ بِهِ الْإِسْلَامَ ، وَيَتَصَرَّفُونَ بِنُفُوذِهِمْ وَأَمْرِهِمْ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالِهِمُ الْخَاصَّةِ بِهِمْ فِيمَا لَهُ صِفَةٌ دِينِيَّةٌ مِنْ صَدَقَاتِ الزَّكَاةِ وَالْأَوْقَاتِ وَغَيْرِهَا ، فَأَمْثَالُ هَذِهِ الْحُكُومَاتِ لَا يَجُوزُ دَفْعُ شَيْءٍ مِنَ الزَّكَاةِ لَهَا مَهْمَا يَكُنْ لَقَبُ رَئِيسِهَا وَدِينُهُ الرَّسْمِيُّ .
وَأَمَّا بَقَايَا الْحُكُومَاتِ الْإِسْلَامِيَّةِ الَّتِي يَدِينُ أَئِمَّتُهَا وَرُؤَسَاؤُهَا بِالْإِسْلَامِ ، وَلَا سُلْطَانَ عَلَيْهِمْ لِلْأَجَانِبِ فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ ، فَهِيَ الَّتِي يَجِبُ أَدَاءُ الزَّكَاةِ لِأَئِمَّتِهَا ، وَكَذَا الْبَاطِنَةُ كَالنَّقْدَيْنِ إِذَا طَلَبُوهَا ، وَإِنْ كَانُوا جَائِرِينَ فِي بَعْضِ أَحْكَامِهِمْ كَمَا قَالَ الْفُقَهَاءُ ، وَتَبْرَأُ ذِمَّةُ مَنْ أَدَّاهَا إِلَيْهِمْ وَإِنْ لَمْ يَضَعُوهَا فِي مَصَارِفِهَا الْمَنْصُوصَةِ فِي الْآيَةِ الْحَكِيمَةِ بِالْعَدْلِ . وَالَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْإِمَامَ السُّلْطَانَ إِذَا كَانَ جَائِرًا لَا يَضَعُ الصَّدَقَاتِ فِي مَصَارِفِهَا الشَّرْعِيَّةِ ، فَالْأَفْضَلُ لِمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَهَا لِمُسْتَحِقِّيهَا بِنَفْسِهِ ، إِذَا لَمْ يَطْلُبْهَا الْإِمَامُ أَوِ الْعَامِلُ مِنْ قِبَلِهِ .