[ ص: 476 ] nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=74nindex.php?page=treesubj&link=28980_32273يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم هذا استئناف لبيان السبب المقتضي لجهادهم كالكفار ، وهو أنهم أظهروا الكفر بالقول ، وهموا بشر ما يغري به من الفعل ، وهو الفتك برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقد أظهره الله على ذلك ، وأنبأه بأنهم سينكرونه إذا سألهم عنه ، ويحلفون على إنكارهم ليصدقوا كدأبهم الذي سبق
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=16اتخذوا أيمانهم جنة ( 58 : 16 ) وكانوا يحلفون للمؤمنين ليرضوهم ، وكانوا يخوضون في آيات الله ، وفي رسوله بما هو استهزاء خرجوا به من حظيرة الإيمان الذي يدعونه إلى محظور الكفر الذي يكتمونه . وفي هذه الآية إسناد قول آخر من الكفر إليهم ينافي الإسلام الظاهر ، فضلا عن الإيمان الباطن ، والمعنى : يحلفون بالله أنهم ما قالوا تلك الكلمة التي أسندت إليهم ، والله تعالى يكذبهم ويثبت بتأكيد القسم و " قد " أنهم قالوا كلمة الكفر التي رويت عنهم ، ولم يذكر الكلمة التي نفوها وأثبتها ; لأنها لا ينبغي أن تذكر في نص الكتاب فيتعبد المسلمون بتلاوتها .
وقد اختلف رواة التفسير المأثور في تعيينها والقائلين لها ، فعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وأنس وعروة أنها نزلت فيمن قال منهم : لئن كان
محمد صادقا لنحن شر من الحمير ، وفيه عدة روايات تقدم بعضها في الذين قالوا :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=65إنما كنا نخوض ونلعب ( 65 ) وأشهرها في كتب التفسير ما أخرجه
عبد الرزاق وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن
عروة nindex.php?page=hadith&LINKID=920365أن رجلا من الأنصار يقال له الجلاس ( بضم الجيم ) بن سويد قال ليلة في غزوة تبوك : والله لئن كان ما يقول محمد حقا لنحن شر من الحمير ، فسمعه غلام له يقال له nindex.php?page=showalam&ids=16727عمير بن سعد - وكان ربيبه - فقال : أي عم تب إلى الله ، وجاء الغلام إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأخبره ، فأرسل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إليه فجعل يحلف ويقول : والله ما قلت يا رسول الله ، فقال الغلام : بلى والله لقد قلته فتب إلى الله ، ولولا أن ينزل القرآن فيجعلني معك ما قلته ، فجاء الوحي إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فسكتوا فلا يتحركون إذا نزل الوحي ، فرفع عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال : nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=74يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر إلى قوله : nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=74يتوبوا يك خيرا لهم فقال : قد قلته وقد عرض الله علي التوبة فأنا أتوب ، فقبل منه ذلك ، وقتل له قتيل في الإسلام فوداه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأعطاه ديته فاستغنى بذلك ، وكان هم أن يلحق بالمشركين وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ للغلام : " وعت أذنك " وأخرج
عبد الرزاق عن
nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين قال : لما نزل القرآن أخذ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأذن
عمير فقال له : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=920366يا غلام وعت أذنك وصدقك ربك " اهـ . وقد أشار الحافظ
الذهبي إلى ضعف حديث
جلاس هذا مع قوله : إنه كان من المنافقين وتاب ، وروي أنه كان من المخلفين لم يحضر غزوة
تبوك .
[ ص: 477 ] وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=920367كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ جالسا في ظل شجرة فقال : إنه سيأتيكم إنسان ينظر إليكم بعيني شيطان ، فإذا جاء فلا تكلموه " فلم يلبثوا أن طلع رجل أزرق فدعاه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال : علام تشتمني أنت وأصحابك ؟ فانطلق الرجل فجاء بأصحابه فحلفوا بالله ما قالوا حتى تجاوز عنهم وأنزل الله : nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=74يحلفون بالله ما قالوا الآية .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم عن
قتادة قال : ذكر لنا
nindex.php?page=hadith&LINKID=920368أن رجلين اقتتلا أحدهما من جهينة والآخر من غفار ، وكانت جهينة حلفاء الأنصار فظهر الغفاري على الجهني فقال عبد الله بن أبي للأوس : انصروا أخاكم ، والله ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قال القائل : سمن كلبك يأكلك ، والله : " لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل " فسعى بها رجل من المسلمين إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأرسل إليه فسأله فجعل يحلف بالله ما قاله فأنزل الله : nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=74يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر الآية .
وأقول : إن قول
عبد الله بن أبي هذا قد رواه الشيخان وغيرهما فأخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في تفسير سورة " المنافقون " وأنه كان في غزاة ، وذكر الحافظ في شرحه عن
nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب عن
nindex.php?page=showalam&ids=68زيد بن أرقم عند
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي وعن
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير مرسلا عند
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد بإسناد صحيح أنها غزوة
تبوك وأن الذي عليه أهل المغازي أنها في غزوة
بني المصطلق . وأن هذا القول كان سبب نزول سورة " المنافقون " ، وليس فيه أن آية براءة التي نفسرها نزلت في ذلك . وحديث
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ومسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله من طريقين أن الخصام الذي كان سبب قول
ابن أبي ( لعنه الله ) ما قال كان بين مهاجري وأنصاري ، وذكر الحافظ في شرحه رواية
قتادة في ذلك ، وفي المسألة روايات أخرى ، ولا مانع من التعدد عقلا ، وإن لم يصح نقلا .
وابن أبي كان من المخلفين لم يخرج في غزوة
تبوك كالجلاس .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=74وهموا بما لم ينالوا وهو اغتيال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في
العقبة منصرفه من
تبوك . ذكر
ابن القيم في هذه المسألة من " زاد المعاد " ما نصه : - " ذكر
أبو الأسود في مغازيه عن
عروة قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920369رجع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قافلا من تبوك إلى المدينة ، حتى إذا كان ببعض الطريق مكر برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ناس من المنافقين ، فتآمروا أن يطرحوه من عقبة في الطريق ، فلما بلغوا العقبة أرادوا أن يسلكوها معه ، فلما غشيهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أخبر خبرهم فقال : " من شاء منكم أن [ ص: 478 ] يأخذ ببطن الوادي فإنه أوسع لكم " وأخذ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ العقبة وأخذ الناس ببطن الوادي إلا النفر الذين هموا بالمكر برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما سمعوا بذلك استعدوا وتلثموا وقد هموا بأمر عظيم ، وأمر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ nindex.php?page=showalam&ids=21حذيفة بن اليمان nindex.php?page=showalam&ids=56وعمار بن ياسر فمشيا معه ، وأمر عمارا أن يأخذ بزمام الناقة ، وأمر حذيفة أن يسوقها ، فبينما هم يسيرون إذ سمعوا وكزة القوم من ورائهم قد غشوه ، فغضب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأمر حذيفة أن يردهم ، وأبصر حذيفة غضب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فرجع ومعه محجن ، واستقبل وجوه رواحلهم فضربها ضربا بالمحجن ، وأبصر القوم وهم متلثمون ولا يشعر إلا أن ذلك فعل المسافر ، فأرعبهم الله سبحانه حين أبصروا حذيفة ، وظنوا أن مكرهم قد ظهر عليه فأسرعوا حتى خالطوا الناس ، وأقبل حذيفة حتى أدرك رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلما أدركه قال : " اضرب الراحلة يا حذيفة وامش أنت يا عمار وراءها " فأسرعوا حتى استووا بأعلاها ، فخرجوا من العقبة ينتظرون الناس فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لحذيفة : " هل عرفت من هؤلاء الرهط أو الركب أحدا " ؟ قال حذيفة : عرفت راحلة فلان وفلان ، وقال : كانت ظلمة الليل وغشيتهم وهم متلثمون فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " هل علمتم ما كان شأن الركب وما أرادوا " ؟ قالوا : لا والله يا رسول الله ، قال : " فإنهم مكروا ليسيروا معي حتى إذا طلعت في العقبة طرحوني منها " قالوا : أولا تأمر بهم يا رسول الله إذا فنضرب أعناقهم ؟ قال : " أكره أن يتحدث الناس ويقولون : إن محمدا قد وضع يده في أصحابه " فسماهم لهما وقال : " اكتماهم " .
وهذا السياق رواه
البيهقي وغيره من هذه الطريق ، وقد روى القصة
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق في سيرته ، وذكر أسماء أولئك الرهط بما أنكروا عليه بعضه ، والصحيح في عدد هؤلاء المنافقين ما رواه
مسلم من حديث
عمار وحذيفة اللذين كانا مع راحلة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في
العقبة ، وقد أخبرهما بأسمائهم وأمرهما بكتمانها فقد روى في صحيحه من حديث
قيس بن عباد قال : قلنا
لعمار : أرأيت قتالكم أرأيا رأيتموه فإن الرأي يخطئ ويصيب ؟ أو عهدا عهده إليكم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؟ فقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920370ما عهد إلينا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ شيئا لم يعهده إلى الناس كافة . وقال : إن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : " إن في أمتي " - قال
شعبة : وأحسبه قال : حدثني
حذيفة ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16769غندر : أراه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920371في أمتي اثنا عشر منافقا [ ص: 479 ] لا يدخلون الجنة ولا يجدون ريحها حتى يلج الجمل في سم الخياط ، ثمانية منهم تكفيكهم الدبيلة . سراج من النار يظهر في أكتافهم حتى ينجم من صدورهم .
وروى بعده من حديث
أبي الطفيل قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=2003450كان بين رجل من أهل العقبة وبين حذيفة بعض ما يكون بين الناس ، فقال : أنشدك بالله كم كان أصحاب العقبة ؟ قال فقال له القوم أخبره إذ سألك . قال كنا نخبر أنهم أربعة عشر فإن كنت منهم فقد كان القوم خمسة عشر ، وأشهد بالله أن اثني عشر منهم حرب لله ولرسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ، وعذر ثلاثة ( ؟ ) قالوا : ما سمعنا منادي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا علمنا بما أراد القوم ، وقد كان في حرة فمشى فقال : " إن الماء قليل فلا يسبقني إليه أحد " فوجد قوما قد سبقوه فلعنهم يومئذ اهـ .
وقد ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني في مسند
حذيفة nindex.php?page=treesubj&link=30655أسماء أصحاب العقبة ، وروى عن
ابن عبد العزيز بن بكار أنه قال : هم
معتب بن بشير ،
ووديعة بن ثابت ،
وجد بن عبد الله بن نبتل بن الحارث من بني عمرو بن عوف ،
والحارث بن يزيد الطائي ،
وأوس بن قيظي ،
nindex.php?page=showalam&ids=14058والحارث بن سويد وسعد بن زرارة ،
وقيس بن فهد ،
وسويد وداعس من
بني الحبلى ،
وقيس بن عمرو بن سهل ،
وزيد بن اللصيت ،
وسلالة بن الحمام ، وهما من
بني قينقاع أظهروا الإسلام انتهى من تفسير
ابن كثير ، وإنما ذكرت عددهم وأسماءهم حتى لا يكون لخلفائهم من منافقي
الروافض سبيل إلى تضليل عوام المسلمين ، بما اعتادوا من الطعن في خير أصحاب النبيين والمرسلين .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=74وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله نقم منه الشيء : أنكره وعابه كما في الأساس ، وكذا عاقبه عليه وقال
الراغب : نقمت الشيء إذا نكرته إما باللسان ، وإما بالعقوبة . أي : وما أنكر هؤلاء المنافقون من أمر الإسلام ، وبعثة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيهم شيئا يقتضي الكراهة والكفر والهم بالانتقام إلا إغناء الله تعالى إياهم ورسوله من فضله تعالى بالغنائم التي هي عندهم غاية الغايات في هذه الحياة ، وكانوا كسائر
الأنصار من الفقراء فالإغناء من فضل الله ببعثة الرسول والنصر له ، وما فيه من الغنائم كما وعده . وتقدم شرحه في تفسير آية :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=59ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله ( 59 ) كما تقدم في الكلام على قسمة غنائم
حنين قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ
للأنصار : " وكنتم عالة فأغناكم الله بي " .
[ ص: 480 ] والذين قالوا : إن الآية نزلت في
الجلاس بن سويد حملوا الإغناء على الدية التي ذكرت في قصته ، وهو ضعيف ; لأن الكلام في توبيخ المنافقين كافة ، ولاسيما الذين هموا بما لم ينالوا ، ولم يكن
جلاس منهم ، وغاية ما يقال فيها أنها تدخل في عموم الإغناء ، فيحمل
جلاس من توبيخها علاوة على ما يحمله سائر المنافقين ، وقد تاب وأناب ـ رضي الله عنه ـ .
وهذا التعبير من نوع البديع الذي يسمونه المدح في معرض الذم ، كقول الشاعر في كره ساسة
الترك في
الآستانة للعرب :
وما نقموا منا بني العرب خلة سوى أن خير الخلق لم يك أعجما
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=74فإن يتوبوا يك خيرا لهم أي : فإن يتوبوا من النفاق ، وما يصدر عنه من مساوئ الأقوال والأفعال يكن ذلك المتاب خيرا لهم في الدنيا والآخرة كما يدل عليه مقابله في الجملة التالية ، أما في الدنيا فبما فيه من الفوائد الروحية والعلمية بالإيمان بالله ، والتوكل عليه ، والرضا بقضائه ، والصبر على بلائه والشكر لنعمائه ، وعلو الهمة ، والتوجه إلى سعادة الآخرة ، ومعاشرة الرسول الأعظم ، ومشاهدة ما حجبه النفاق عنهم من أنواره ، ومعارفه وفضائله ، ومن الفوائد الاجتماعية بأخوة المؤمنين ، وما فيها من الود الخالص والوفاء الكامل ، والإيثار على النفس ، وغير ذلك من مزايا التعاون والاتحاد ، والحب والإخلاص ، التي قلما توجد أو تكمل في غير الإسلام - وأما في الآخرة فبما تقدم بيانه قريبا من وعد الله للمؤمنين .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=74وإن يتولوا عما دعوا إليه من التوبة بالإصرار على النفاق ، ومساويه المدنسة للأرواح المفسدة للأخلاق :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=74يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا والآخرة أما في الدنيا فبمثل ما تقدم من قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=55فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا ( 55 ) وسيأتي مثله قريبا ، وقوله بعده في وصف ما يلازم قلوبهم من الفرق :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=57لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا لولوا إليه وهم يجمحون ( 57 ) وفي معناه :
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=4يحسبون كل صيحة عليهم ( 63 : 4 ) فهم في جزع دائم ، وهم ملازم ، وكذا ما ذكر آنفا في تفسير جهادهم ، وما ترى في بقية الآية من حرمانهم من كل ولي ونصير في العالم ، وما سيأتي من الآيات في هذه السورة من الشدة في معاملتهم - وأما في الآخرة فحسبك ما تقدم آنفا من وعيدهم .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=74وما لهم في الأرض من ولي ولا نصير أي : وما لهم في الأرض كلها أدنى ولي يتولاهم ويهتم بشأنهم ، ولا أضعف نصير ينصرهم ويدافع عنهم ; لأن من خذله الله وآذنه بحرب منه لا يقدر أحد أن يخيره منه ، وأما ناحية الأسباب الدنيوية فأبوابها قد أغلقت في وجوههم ، فإن الله تعالى حصر
nindex.php?page=treesubj&link=28802ولاية الأخوة والمودة وولاية النصر في المؤمنين والمؤمنات دون المنافقين والمنافقات فلن يجدوا بعد الآن أحدا من المسلمين يتولاهم أو ينصرهم بما يظهرون من الإسلام ، وقد كان
[ ص: 481 ] منهم ما كان ، ولا من قبائلهم وأولي أرحامهم ; لأن الإسلام قد أبطل عصبية الأنساب - ولا من الغرباء بما كان يكون عند العرب من الجوار والحلف ، فقد قضى الإسلام على الجاهلية وجوارها - ولا من أهل الكتاب أيضا ; فإن أحلافهم منهم قد قضي عليهم في
الحجاز ، بالقتل والجلاء ، ولا سبيل لهم إلى غيرهم في شاسع الأمصار ، على أن الله تعالى وعد المؤمنين بملك
قيصر وكسرى وهكذا كان ، وصدق ما أخبر الله به من انتقاء الأولياء والأنصار لهم في الأرض كلها ، وهذا من نبأ الغيب الذي يكثر في القرآن ، ولم يفطن جمهور المفسرين لجميع أفراده . هذا ما يخص حرمانهم من الأولياء والأنصار في الدنيا كلها - ومن المعلوم بالنصوص الأخرى أنه ليس للمنافقين ولا للكفار ولي ولا نصير في الآخرة ، وإنما خص أمر الدنيا بالذكر هنا ; لأنه هو الذي يهم هؤلاء المنافقين دون الآخرة التي لا يوقنون بها .
[ ص: 476 ] nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=74nindex.php?page=treesubj&link=28980_32273يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ هَذَا اسْتِئْنَافٌ لِبَيَانِ السَّبَبِ الْمُقْتَضِي لِجِهَادِهِمْ كَالْكَفَّارِ ، وَهُوَ أَنَّهُمْ أَظْهَرُوا الْكُفْرَ بِالْقَوْلِ ، وَهَمُّوا بَشَرِّ مَا يُغْرِي بِهِ مِنَ الْفِعْلِ ، وَهُوَ الْفَتْكُ بِرَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَقَدْ أَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ ، وَأَنْبَأَهُ بِأَنَّهُمْ سَيُنْكِرُونَهُ إِذَا سَأَلَهُمْ عَنْهُ ، وَيَحْلِفُونَ عَلَى إِنْكَارِهِمْ لِيُصَدَّقُوا كَدَأْبِهِمُ الَّذِي سَبَقَ
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=16اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً ( 58 : 16 ) وَكَانُوا يَحْلِفُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ لِيُرْضُوهُمْ ، وَكَانُوا يَخُوضُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ ، وَفِي رَسُولِهِ بِمَا هُوَ اسْتِهْزَاءٌ خَرَجُوا بِهِ مِنْ حَظِيرَةِ الْإِيمَانِ الَّذِي يَدْعُونَهُ إِلَى مَحْظُورِ الْكُفْرِ الَّذِي يَكْتُمُونَهُ . وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ إِسْنَادُ قَوْلٍ آخَرَ مِنَ الْكُفْرِ إِلَيْهِمْ يُنَافِي الْإِسْلَامَ الظَّاهِرَ ، فَضْلًا عَنِ الْإِيمَانِ الْبَاطِنِ ، وَالْمَعْنَى : يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ أَنَّهُمْ مَا قَالُوا تِلْكَ الْكَلِمَةَ الَّتِي أُسْنِدَتْ إِلَيْهِمْ ، وَاللَّهُ تَعَالَى يُكَذِّبُهُمْ وَيَثْبُتُ بِتَأْكِيدِ الْقَسَمِ وَ " قَدْ " أَنَّهُمْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ الَّتِي رُوِيَتْ عَنْهُمْ ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْكَلِمَةَ الَّتِي نَفَوْهَا وَأَثْبَتَهَا ; لِأَنَّهَا لَا يَنْبَغِي أَنْ تُذْكَرَ فِي نَصِّ الْكِتَابِ فَيَتَعَبَّدُ الْمُسْلِمُونَ بِتِلَاوَتِهَا .
وَقَدِ اخْتَلَفَ رُوَاةُ التَّفْسِيرِ الْمَأْثُورِ فِي تَعْيِينِهَا وَالْقَائِلِينَ لَهَا ، فَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ وَعُرْوَةَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيمَنْ قَالَ مِنْهُمْ : لَئِنْ كَانَ
مُحَمَّدٌ صَادِقًا لَنَحْنُ شَرٌّ مِنَ الْحَمِيرِ ، وَفِيهِ عِدَّةُ رِوَايَاتٍ تَقَدَّمَ بَعْضُهَا فِي الَّذِينَ قَالُوا :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=65إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ( 65 ) وَأَشْهَرُهَا فِي كُتُبِ التَّفْسِيرِ مَا أَخْرَجَهُ
عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ nindex.php?page=showalam&ids=16328وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ
عُرْوَةَ nindex.php?page=hadith&LINKID=920365أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ الْجُلَاسُ ( بِضَمِّ الْجِيمِ ) بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ لَيْلَةً فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ : وَاللَّهِ لَئِنْ كَانَ مَا يَقُولُ مُحَمَّدٌ حَقًّا لَنَحْنُ شَرٌّ مِنَ الْحَمِيرِ ، فَسَمِعَهُ غُلَامٌ لَهُ يُقَالُ لَهُ nindex.php?page=showalam&ids=16727عُمَيْرُ بْنُ سَعْدٍ - وَكَانَ رَبِيبَهُ - فَقَالَ : أَيْ عَمِّ تُبْ إِلَى اللَّهِ ، وَجَاءَ الْغُلَامُ إِلَى النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَأَخْبَرَهُ ، فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ إِلَيْهِ فَجَعَلَ يَحْلِفُ وَيَقُولُ : وَاللَّهِ مَا قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالَ الْغُلَامُ : بَلَى وَاللَّهِ لَقَدْ قُلْتَهُ فَتُبْ إِلَى اللَّهِ ، وَلَوْلَا أَنْ يَنْزِلَ الْقُرْآنُ فَيَجْعَلَنِي مَعَكَ مَا قُلْتُهُ ، فَجَاءَ الْوَحْيُ إِلَى النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَسَكَتُوا فَلَا يَتَحَرَّكُونَ إِذَا نَزَلَ الْوَحْيُ ، فَرُفِعَ عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَقَالَ : nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=74يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ إِلَى قَوْلِهِ : nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=74يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ فَقَالَ : قَدْ قُلْتُهُ وَقَدْ عَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ التَّوْبَةَ فَأَنَا أَتُوبُ ، فَقُبِلَ مِنْهُ ذَلِكَ ، وَقُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فِي الْإِسْلَامِ فَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَأَعْطَاهُ دِيَتَهُ فَاسْتَغْنَى بِذَلِكَ ، وَكَانَ هَمَّ أَنْ يَلْحَقَ بِالْمُشْرِكِينَ وَقَالَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لِلْغُلَامِ : " وَعَتْ أُذُنُكَ " وَأَخْرَجَ
عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=16972ابْنِ سِيرِينَ قَالَ : لَمَّا نَزَلَ الْقُرْآنُ أَخَذَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بِأُذُنِ
عُمَيْرٍ فَقَالَ لَهُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=920366يَا غُلَامُ وَعَتْ أُذُنُكَ وَصَدَّقَكَ رَبُّكَ " اهـ . وَقَدْ أَشَارَ الْحَافِظُ
الذَّهَبِيُّ إِلَى ضَعْفِ حَدِيثِ
جُلَاسَ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ : إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَتَابَ ، وَرُوِيَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُخَلَّفِينَ لَمْ يَحْضُرْ غَزْوَةَ
تَبُوكَ .
[ ص: 477 ] وَأَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ nindex.php?page=showalam&ids=14687وَالطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=920367كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ جَالِسًا فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ فَقَالَ : إِنَّهُ سَيَأْتِيكُمْ إِنْسَانٌ يَنْظُرُ إِلَيْكُمْ بِعَيْنَيْ شَيْطَانٍ ، فَإِذَا جَاءَ فَلَا تُكَلِّمُوهُ " فَلَمْ يَلْبَثُوا أَنْ طَلَعَ رَجُلٌ أَزْرَقُ فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَقَالَ : عَلَامَ تَشْتُمُنِي أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ ؟ فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ فَجَاءَ بِأَصْحَابِهِ فَحَلَفُوا بِاللَّهِ مَا قَالُوا حَتَّى تَجَاوَزَ عَنْهُمْ وَأَنْزَلَ اللَّهُ : nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=74يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا الْآيَةَ .
وَأَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ nindex.php?page=showalam&ids=16328وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ
قَتَادَةَ قَالَ : ذُكِرَ لَنَا
nindex.php?page=hadith&LINKID=920368أَنَّ رَجُلَيْنِ اقْتَتَلَا أَحَدُهُمَا مِنْ جُهَيْنَةَ وَالْآخَرُ مِنْ غِفَارٍ ، وَكَانَتْ جُهَيْنَةُ حُلَفَاءَ الْأَنْصَارِ فَظَهَرَ الْغِفَارِيُّ عَلَى الْجُهَنِيِّ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ لِلْأَوْسِ : انْصُرُوا أَخَاكُمْ ، وَاللَّهِ مَا مَثَلُنَا وَمَثَلُ مُحَمَّدٍ إِلَّا كَمَا قَالَ الْقَائِلُ : سَمِّنْ كَلْبَكَ يَأْكُلْكَ ، وَاللَّهِ : " لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لِيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ " فَسَعَى بِهَا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَسَأَلَهُ فَجَعَلَ يَحْلِفُ بِاللَّهِ مَا قَالَهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ : nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=74يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ الْآيَةَ .
وَأَقُولُ : إِنَّ قَوْلَ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ هَذَا قَدْ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا فَأَخْرَجَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ " الْمُنَافِقُونَ " وَأَنَّهُ كَانَ فِي غَزَاةٍ ، وَذَكَرَ الْحَافِظُ فِي شَرْحِهِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=14980مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=68زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=15397النَّسَائِيِّ وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15992سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مُرْسَلًا عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=16298عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّهَا غَزْوَةُ
تَبُوكَ وَأَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ أَهْلُ الْمَغَازِي أَنَّهَا فِي غَزْوَةِ
بَنِي الْمُصْطَلِقِ . وَأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ كَانَ سَبَبَ نُزُولِ سُورَةِ " الْمُنَافِقُونَ " ، وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ آيَةَ بَرَاءَةَ الَّتِي نُفَسِّرُهَا نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ . وَحَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=36جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مِنْ طَرِيقَيْنِ أَنَّ الْخِصَامَ الَّذِي كَانَ سَبَبَ قَوْلِ
ابْنِ أُبَيٍّ ( لَعَنَهُ اللَّهُ ) مَا قَالَ كَانَ بَيْنَ مُهَاجِرِيٍّ وَأَنْصَارِيٍّ ، وَذَكَرَ الْحَافِظُ فِي شَرْحِهِ رِوَايَةَ
قَتَادَةَ فِي ذَلِكَ ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَاتٌ أُخْرَى ، وَلَا مَانِعَ مِنَ التَّعَدُّدِ عَقْلًا ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ نَقْلًا .
وَابْنُ أُبَيٍّ كَانَ مِنَ الْمُخَلَّفِينَ لَمْ يَخْرُجْ فِي غَزْوَةِ
تَبُوكَ كَالْجُلَاسِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=74وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَهُوَ اغْتِيَالُ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي
الْعَقَبَةِ مُنْصَرَفَهُ مِنْ
تَبُوكَ . ذَكَرَ
ابْنُ الْقَيِّمِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ " زَادِ الْمَعَادِ " مَا نَصُّهُ : - " ذَكَرَ
أَبُو الْأَسْوَدِ فِي مُغَازِيهِ عَنْ
عُرْوَةَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920369رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قَافِلًا مِنْ تَبُوكَ إِلَى الْمَدِينَةِ ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ مَكَرَ بِرَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ نَاسٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ ، فَتَآمَرُوا أَنْ يَطْرَحُوهُ مِنْ عَقَبَةٍ فِي الطَّرِيقِ ، فَلَمَّا بَلَغُوا الْعَقَبَةَ أَرَادُوا أَنْ يَسْلُكُوهَا مَعَهُ ، فَلَمَّا غَشِيَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أُخْبِرَ خَبَرَهُمْ فَقَالَ : " مَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ [ ص: 478 ] يَأْخُذَ بِبَطْنِ الْوَادِي فَإِنَّهُ أَوْسَعُ لَكُمْ " وَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ الْعَقَبَةَ وَأَخَذَ النَّاسُ بِبَطْنِ الْوَادِي إِلَّا النَّفَرَ الَّذِينَ هَمُّوا بِالْمَكْرِ بِرَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لَمَّا سَمِعُوا بِذَلِكَ اسْتَعَدُّوا وَتَلَثَّمُوا وَقَدْ هَمُّوا بِأَمْرٍ عَظِيمٍ ، وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ nindex.php?page=showalam&ids=21حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ nindex.php?page=showalam&ids=56وَعَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ فَمَشَيَا مَعَهُ ، وَأَمَرَ عَمَّارًا أَنْ يَأْخُذَ بِزِمَامِ النَّاقَةِ ، وَأَمَرَ حُذَيْفَةَ أَنْ يَسُوقَهَا ، فَبَيْنَمَا هُمْ يَسِيرُونَ إِذْ سَمِعُوا وَكْزَةَ الْقَوْمِ مِنْ وَرَائِهِمْ قَدْ غَشَوْهُ ، فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَأَمَرَ حُذَيْفَةَ أَنْ يَرُدَّهُمْ ، وَأَبْصَرَ حُذَيْفَةُ غَضَبَ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَرَجَعَ وَمَعَهُ مِحْجَنٌ ، وَاسْتَقْبَلَ وُجُوهَ رَوَاحِلَهُمْ فَضَرَبَهَا ضَرَبَا بِالْمِحْجَنِ ، وَأَبْصَرَ الْقَوْمَ وَهُمْ مُتَلَثِّمُونَ وَلَا يَشْعُرُ إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ فِعْلُ الْمُسَافِرِ ، فَأَرْعَبَهُمُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ حِينَ أَبْصَرُوا حُذَيْفَةَ ، وَظَنُّوا أَنَّ مَكْرَهُمْ قَدْ ظَهَرَ عَلَيْهِ فَأَسْرَعُوا حَتَّى خَالَطُوا النَّاسَ ، وَأَقْبَلَ حُذَيْفَةُ حَتَّى أَدْرَكَ رَسُولَ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَلَمَّا أَدْرَكَهُ قَالَ : " اضْرِبِ الرَّاحِلَةَ يَا حُذَيْفَةَ وَامْشِ أَنْتَ يَا عَمَّارُ وَرَاءَهَا " فَأَسْرَعُوا حَتَّى اسْتَوَوْا بِأَعْلَاهَا ، فَخَرَجُوا مِنَ الْعَقَبَةِ يَنْتَظِرُونَ النَّاسُ فَقَالَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لِحُذَيْفَةَ : " هَلْ عَرَفْتَ مِنْ هَؤُلَاءِ الرَّهْطِ أَوِ الرَّكْبِ أَحَدًا " ؟ قَالَ حُذَيْفَةُ : عَرَفْتُ رَاحِلَةَ فُلَانٍ وَفُلَانٍ ، وَقَالَ : كَانَتْ ظُلْمَةُ اللَّيْلِ وَغَشَيْتُهُمْ وَهُمْ مُتَلَثِّمُونَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ : " هَلْ عَلِمْتُمْ مَا كَانَ شَأْنُ الرَّكْبِ وَمَا أَرَادُوا " ؟ قَالُوا : لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : " فَإِنَّهُمْ مَكَرُوا لِيَسِيرُوا مَعِي حَتَّى إِذَا طَلَعْتُ فِي الْعَقَبَةِ طَرَحُونِي مِنْهَا " قَالُوا : أَوَلَا تَأْمُرُ بِهِمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذًا فَنَضْرِبُ أَعْنَاقَهُمْ ؟ قَالَ : " أَكْرَهُ أَنْ يَتَحَدَّثَ النَّاسُ وَيَقُولُونَ : إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ وَضَعَ يَدَهُ فِي أَصْحَابِهِ " فَسَمَّاهُمْ لَهُمَا وَقَالَ : " اكْتُمَاهُمْ " .
وَهَذَا السِّيَاقُ رَوَاهُ
الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ ، وَقَدْ رَوَى الْقِصَّةَ
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابْنُ إِسْحَاقَ فِي سِيرَتِهِ ، وَذَكَرَ أَسْمَاءَ أُولَئِكَ الرَّهْطِ بِمَا أَنْكَرُوا عَلَيْهِ بَعْضَهُ ، وَالصَّحِيحُ فِي عَدَدِ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ مَا رَوَاهُ
مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ
عَمَّارٍ وَحُذَيْفَةَ اللَّذَيْنِ كَانَا مَعَ رَاحِلَةِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي
الْعَقَبَةِ ، وَقَدْ أَخْبَرَهُمَا بِأَسْمَائِهِمْ وَأَمْرَهُمَا بِكِتْمَانِهَا فَقَدْ رَوَى فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ
قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ قَالَ : قُلْنَا
لِعَمَّارٍ : أَرَأَيْتَ قِتَالَكُمْ أَرَأْيًا رَأَيْتُمُوهُ فَإِنَّ الرَّأْيَ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ ؟ أَوْ عَهْدًا عَهِدَهُ إِلَيْكُمْ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ ؟ فَقَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920370مَا عَهِدَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ شَيْئًا لَمْ يَعْهَدْهُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً . وَقَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : " إِنَّ فِي أُمَّتِي " - قَالَ
شُعْبَةُ : وَأَحْسَبُهُ قَالَ : حَدَّثَنِي
حُذَيْفَةُ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16769غُنْدَرٌ : أَرَاهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920371فِي أُمَّتِي اثْنَا عَشَرَ مُنَافِقًا [ ص: 479 ] لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدُونَ رِيحَهَا حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ ، ثَمَانِيَةٌ مِنْهُمْ تَكْفِيكَهُمُ الدُّبَيْلَةُ . سِرَاجٌ مِنَ النَّارِ يَظْهَرُ فِي أَكْتَافِهِمْ حَتَّى يَنْجُمَ مِنْ صُدُورِهِمْ .
وَرَوَى بَعْدَهُ مِنْ حَدِيثِ
أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=2003450كَانَ بَيْنَ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْعَقَبَةِ وَبَيْنَ حُذَيْفَةَ بَعْضَ مَا يَكُونُ بَيْنَ النَّاسِ ، فَقَالَ : أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ كَمْ كَانَ أَصْحَابُ الْعَقَبَةِ ؟ قَالَ فَقَالَ لَهُ الْقَوْمُ أَخْبِرْهُ إِذْ سَأَلَكَ . قَالَ كُنَّا نُخْبَرُ أَنَّهُمْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَإِنْ كُنْتَ مِنْهُمْ فَقَدْ كَانَ الْقَوْمُ خَمْسَةَ عَشَرَ ، وَأَشْهَدُ بِاللَّهِ أَنَّ اثْنَيْ عَشَرَ مِنْهُمْ حَرْبٌ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ، وَعُذِرَ ثَلَاثَةٌ ( ؟ ) قَالُوا : مَا سَمِعْنَاَ مُنَادِيَ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَلَا عَلِمْنَا بِمَا أَرَادَ الْقَوْمُ ، وَقَدْ كَانَ فِي حَرَّةٍ فَمَشَى فَقَالَ : " إِنَّ الْمَاءَ قَلِيلٌ فَلَا يَسْبِقُنِي إِلَيْهِ أَحَدٌ " فَوَجَدَ قَوْمًا قَدْ سَبَقُوهُ فَلَعَنَهُمْ يَوْمَئِذٍ اهـ .
وَقَدْ ذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطَّبَرَانِيُّ فِي مُسْنَدِ
حُذَيْفَةَ nindex.php?page=treesubj&link=30655أَسْمَاءَ أَصْحَابِ الْعَقَبَةِ ، وَرَوَى عَنِ
ابْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ بَكَّارٍ أَنَّهُ قَالَ : هُمْ
مُعْتِبُ بْنُ بَشِيرٍ ،
وَوَدِيعَةُ بْنُ ثَابِتٍ ،
وَجَدُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَبْتَلَ بْنِ الْحَارِثِ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ،
وَالْحَارِثُ بْنُ يَزِيدَ الطَّائِيُّ ،
وَأَوْسُ بْنُ قَيْظِيٍّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=14058وَالْحَارِثُ بْنُ سُوِيدٍ وَسَعْدُ بْنُ زُرَارَةَ ،
وَقَيْسُ بْنُ فَهْدٍ ،
وَسُوِيدٌ وَدَاعِسٌ مِنْ
بَنِي الْحُبْلَى ،
وَقَيْسُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَهْلٍ ،
وَزَيْدُ بْنُ اللَّصِيتِ ،
وَسُلَالَةُ بْنُ الْحُمَامِ ، وَهُمَا مِنْ
بَنِي قَيْنُقَاعَ أَظْهَرُوا الْإِسْلَامَ انْتَهَى مِنْ تَفْسِيرِ
ابْنِ كَثِيرٍ ، وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ عَدَدَهُمْ وَأَسْمَاءَهُمْ حَتَّى لَا يَكُونَ لِخُلَفَائِهِمْ مِنْ مُنَافِقِي
الرَّوَافِضِ سَبِيلٌ إِلَى تَضْلِيلِ عَوَامِّ الْمُسْلِمِينَ ، بِمَا اعْتَادُوا مِنَ الطَّعْنِ فِي خَيْرِ أَصْحَابِ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=74وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ نَقِمَ مِنْهُ الشَّيْءُ : أَنْكَرَهُ وَعَابَهُ كَمَا فِي الْأَسَاسِ ، وَكَذَا عَاقَبَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ
الرَّاغِبُ : نَقَمْتَ الشَّيْءَ إِذَا نَكِرْتَهُ إِمَّا بِاللِّسَانِ ، وَإِمَّا بِالْعُقُوبَةِ . أَيْ : وَمَا أَنْكَرَ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ مِنْ أَمْرِ الْإِسْلَامِ ، وَبِعْثَةِ الرَّسُولِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِيهِمْ شَيْئًا يَقْتَضِي الْكَرَاهَةَ وَالْكُفْرَ وَالْهَمَّ بِالِانْتِقَامِ إِلَّا إِغْنَاءَ اللَّهِ تَعَالَى إِيَّاهُمْ وَرَسُولَهُ مِنْ فَضْلِهِ تَعَالَى بِالْغَنَائِمِ الَّتِي هِيَ عِنْدَهُمْ غَايَةُ الْغَايَاتِ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ ، وَكَانُوا كَسَائِرِ
الْأَنْصَارِ مِنَ الْفُقَرَاءِ فَالْإِغْنَاءُ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ بِبِعْثَةِ الرَّسُولِ وَالنَّصْرِ لَهُ ، وَمَا فِيهِ مِنَ الْغَنَائِمِ كَمَا وَعَدَهُ . وَتَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي تَفْسِيرِ آيَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=59وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ ( 59 ) كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْكَلَامِ عَلَى قِسْمَةِ غَنَائِمِ
حُنَيْنٍ قَوْلُهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ
لِلْأَنْصَارِ : " وَكُنْتُمْ عَالَةً فَأَغْنَاكُمُ اللَّهُ بِي " .
[ ص: 480 ] وَالَّذِينَ قَالُوا : إِنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي
الْجُلَاسِ بْنِ سُوِيدٍ حَمَلُوا الْإِغْنَاءَ عَلَى الدِّيَةِ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي قِصَّتِهِ ، وَهُوَ ضَعِيفٌ ; لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي تَوْبِيخِ الْمُنَافِقِينَ كَافَّةٍ ، وَلَاسِيَّمَا الَّذِينَ هَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا ، وَلَمْ يَكُنْ
جُلَاسٌ مِنْهُمْ ، وَغَايَةُ مَا يُقَالُ فِيهَا أَنَّهَا تَدْخُلُ فِي عُمُومِ الْإِغْنَاءِ ، فَيَحْمِلُ
جُلَاسٌ مِنْ تَوْبِيخِهَا عِلَاوَةً عَلَى مَا يَحْمِلُهُ سَائِرُ الْمُنَافِقِينَ ، وَقَدْ تَابَ وَأَنَابَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ .
وَهَذَا التَّعْبِيرُ مِنْ نَوْعِ الْبَدِيعِ الَّذِي يُسَمُّونَهُ الْمَدْحَ فِي مَعْرِضِ الذَّمِّ ، كَقَوْلِ الشَّاعِرِ فِي كُرْهِ سَاسَةِ
التُّرْكِ فِي
الْآسِتَانَةَ لِلْعَرَبِ :
وَمَا نَقَمُوا مِنَّا بَنِي الْعُرْبِ خُلَّةً سِوَى أَنْ خَيَّرَ الْخَلْقِ لَمْ يَكْ أَعَجَمًا
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=74فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ أَيْ : فَإِنْ يَتُوبُوا مِنَ النِّفَاقِ ، وَمَا يَصْدُرُ عَنْهُ مِنْ مَسَاوِئِ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ يَكُنْ ذَلِكَ الْمَتَابُ خَيْرًا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مُقَابِلُهُ فِي الْجُمْلَةِ التَّالِيَةِ ، أَمَّا فِي الدُّنْيَا فَبِمَا فِيهِ مِنَ الْفَوَائِدِ الرُّوحِيَّةِ وَالْعِلْمِيَّةِ بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ ، وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ ، وَالرِّضَا بِقَضَائِهِ ، وَالصَّبْرِ عَلَى بَلَائِهِ وَالشُّكْرِ لِنَعْمَائِهِ ، وَعُلُوِّ الْهِمَّةِ ، وَالتَّوَجُّهِ إِلَى سَعَادَةِ الْآخِرَةِ ، وَمُعَاشَرَةِ الرَّسُولِ الْأَعْظَمِ ، وَمُشَاهَدَةِ مَا حَجَبَهُ النِّفَاقُ عَنْهُمْ مِنْ أَنْوَارِهِ ، وَمَعَارِفِهِ وَفَضَائِلِهِ ، وَمِنَ الْفَوَائِدِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ بِأُخُوَّةِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَمَا فِيهَا مِنَ الْوُدِّ الْخَالِصِ وَالْوَفَاءِ الْكَامِلِ ، وَالْإِيثَارِ عَلَى النَّفْسِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَزَايَا التَّعَاوُنِ وَالِاتِّحَادِ ، وَالْحُبِّ وَالْإِخْلَاصِ ، الَّتِي قَلَّمَا تُوجَدُ أَوْ تَكْمُلُ فِي غَيْرِ الْإِسْلَامِ - وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَبِمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ قَرِيبًا مِنْ وَعْدِ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِينَ .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=74وَإِنْ يَتَوَلَّوْا عَمَّا دُعُوا إِلَيْهِ مِنَ التَّوْبَةِ بِالْإِصْرَارِ عَلَى النِّفَاقِ ، وَمُسَاوِيهِ الْمُدَنِّسَةِ لِلْأَرْوَاحِ الْمُفْسِدَةِ لِلْأَخْلَاقِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=74يُعَذِّبُهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ أَمَّا فِي الدُّنْيَا فَبِمِثْلِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=55فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ( 55 ) وَسَيَأْتِي مَثَلُهُ قَرِيبًا ، وَقَوْلُهُ بَعْدَهُ فِي وَصْفِ مَا يُلَازِمُ قُلُوبَهُمْ مِنَ الْفَرَقِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=57لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ ( 57 ) وَفِي مَعْنَاهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=4يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ( 63 : 4 ) فَهُمْ فِي جَزَعٍ دَائِمٍ ، وَهَمٍّ مُلَازِمٍ ، وَكَذَا مَا ذَكَرَ آنِفًا فِي تَفْسِيرِ جِهَادِهِمْ ، وَمَا تَرَى فِي بَقِيَّةِ الْآيَةِ مِنْ حِرْمَانِهِمْ مِنْ كُلِّ وَلِيٍّ وَنَصِيرٍ فِي الْعَالَمِ ، وَمَا سَيَأْتِي مِنَ الْآيَاتِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ مِنَ الشِّدَّةِ فِي مُعَامَلَتِهِمْ - وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَحَسُبَكَ مَا تَقَدَّمَ آنِفًا مِنْ وَعِيدِهِمْ .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=74وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ أَيْ : وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ كُلِّهَا أَدْنَى وَلِيٍّ يَتَوَلَّاهُمْ وَيَهْتَمُّ بِشَأْنِهِمْ ، وَلَا أَضْعَفُ نَصِيرٍ يَنْصُرُهُمْ وَيُدَافِعُ عَنْهُمْ ; لِأَنَّ مَنْ خَذَلَهُ اللَّهُ وَآذَنَهُ بِحَرْبٍ مِنْهُ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يُخَيِّرَهُ مِنْهُ ، وَأَمَّا نَاحِيَةُ الْأَسْبَابِ الدُّنْيَوِيَّةِ فَأَبْوَابُهَا قَدْ أُغْلِقَتْ فِي وُجُوهِهِمْ ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَصَرَ
nindex.php?page=treesubj&link=28802وِلَايَةَ الْأُخُوَّةِ وَالْمَوَدَّةِ وَوِلَايَةَ النَّصْرِ فِي الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ دُونَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ فَلَنْ يَجِدُوا بَعْدَ الْآنَ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَتَوَلَّاهُمْ أَوْ يَنْصُرُهُمْ بِمَا يُظْهِرُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ ، وَقَدْ كَانَ
[ ص: 481 ] مِنْهُمْ مَا كَانَ ، وَلَا مِنْ قَبَائِلِهِمْ وَأُولِي أَرْحَامِهِمْ ; لِأَنَّ الْإِسْلَامَ قَدْ أَبْطَلَ عَصَبِيَّةَ الْأَنْسَابِ - وَلَا مِنَ الْغُرَبَاءِ بِمَا كَانَ يَكُونُ عِنْدَ الْعَرَبِ مِنَ الْجِوَارِ وَالْحِلْفِ ، فَقَدْ قَضَى الْإِسْلَامُ عَلَى الْجَاهِلِيَّةِ وَجُوَارِهَا - وَلَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَيْضًا ; فَإِنَّ أَحْلَافَهُمْ مِنْهُمْ قَدْ قُضِيَ عَلَيْهِمْ فِي
الْحِجَازِ ، بِالْقَتْلِ وَالْجَلَاءِ ، وَلَا سَبِيلَ لَهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ فِي شَاسِعِ الْأَمْصَارِ ، عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَعَدَ الْمُؤْمِنِينَ بِمُلْكِ
قَيْصَرَ وَكِسْرَى وَهَكَذَا كَانَ ، وَصَدَقَ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ مِنِ انْتِقَاءِ الْأَوْلِيَاءِ وَالْأَنْصَارِ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ كُلِّهَا ، وَهَذَا مِنْ نَبَأِ الْغَيْبِ الَّذِي يَكْثُرُ فِي الْقُرْآنِ ، وَلَمْ يَفْطِنْ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ لِجَمِيعِ أَفْرَادِهِ . هَذَا مَا يَخُصُّ حِرْمَانَهُمْ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ وَالْأَنْصَارِ فِي الدُّنْيَا كُلِّهَا - وَمِنَ الْمَعْلُومِ بِالنُّصُوصِ الْأُخْرَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُنَافِقِينَ وَلَا لِلْكُفَّارِ وَلِيٌّ وَلَا نَصِيرٌ فِي الْآخِرَةِ ، وَإِنَّمَا خَصَّ أَمْرَ الدُّنْيَا بِالذِّكْرِ هُنَا ; لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُهِمُّ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ دُونَ الْآخِرَةِ الَّتِي لَا يُوقِنُونَ بِهَا .