nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=75nindex.php?page=treesubj&link=28980ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=76فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=77فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=78ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب
هذا بيان لحال طائفة أخرى من أولئك المنافقين الذين أغناهم الله ورسوله من فضله بعد الفقر والإملاق . ويوجد مثلهم في كل زمان ، وهم الذين يلجئون إلى الله تعالى في وقت العسرة والفقر ، أو الشدة والضر ، فيدعونه ويعاهدونه على الشكر له ، والطاعة لشرعه ، إذا هو كشف ضرهم ، وأغنى فقرهم ، فإذا استجاب لهم نكسوا على رءوسهم ، ونكصوا على أعقابهم ، وكفروا النعمة ، وبطروا الحق ، وهضموا حقوق الخلق ، وهذا مثل من شر أمثالهم .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=75ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين أي : ومن هؤلاء المنافقين من عاهد الله تعالى وأقسم أوكد الأيمان ، لئن آتاهم من فضله مالا وثروة ليشكرن له
[ ص: 482 ] نعمته بالصدقة منها ، والأعمال الشرعية النافعة التي ينتظمون بها في سلك الصالحين القائمين بحقوق الله وحقوق عباده . وأعاد " اللام " الواقعة في جواب القسم في ( لنكونن ) لتأكيد العزم على الاستعانة والتوسل بفضل المال . إلى الاستقامة على منهج الصلاح ، بما هو وراء الصدقات ، التي عقدوا العهد والقسم عليها أولا وبالذات
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=76فلما آتاهم من فضله ما طلبوا من سعة رزقه
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=76بخلوا به وتولوا أي : ما لبثوا أن بخلوا بما آتاهم عقب حصوله ، وأمسكوه فلم يتصدقوا بشيء منه : وتولوا وانصرفوا عن الاستعانة به على الطاعة ، وإصلاح حالهم وحال أمتهم كما عاهدوا وأقسموا ، ولم يكن توليهم هذا أمرا عارضا شغلهم عنه شاغل يزول بزواله بل تولوا :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=76وهم معرضون بكل قواهم عن الصدقة والعمل الصالح ، فكان الإعراض صفة راسخة فيهم حاكمة عليهم ، بحيث إذا ذكروا بما يجب عليهم لا يذكرون ، وإذا دعوا إليه لا يستجيبون .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=77فأعقبهم نفاقا في قلوبهم يقال : أعقبه الشيء إذا جعله عاقبة أمره وثمرته أي : فأعقبهم الله تعالى ، أو أعقبهم ذلك البخل وتولي الإعراض ، بعد العهد الموثق بأوكد الإيمان ، نفاقا راسخا في قلوبهم متمكنا منها ملازما لها :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=77إلى يوم يلقونه للحساب في الآخرة ; لأنه بلغ المنتهى الذي لا رجاء معه في التوبة . ذلك
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=77بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون فذكر سببين هما
nindex.php?page=treesubj&link=30563_18781أخص صفات المنافقين ، وأظهر الآيات الدالة على نفاقهم : إخلاف الوعد ، والكذب كما تقدم بيانه ، ونصوص الأحاديث فيه ، فكيف إذا كان الوعد لله تعالى مع العهد والقسم ، وقد عبر عن إخلافهم الوعد بالفعل الماضي ; لأنه في حادثة وقعت ، وعبر عن كذبهم بصيغة المضارع الدالة على الاستمرار ; لأن ذلك شأنهم الدائم الذي هو أخص لوازم النفاق فالمنافق مضطر إلى الكذب في كل وقت ; لأن ظاهره يخالف باطنه ، ولابد له من كتمان ما في باطنه ، وإظهار خلافه دائما لئلا يظهر فيفتضح ويعاقب ، ولا يحصل ذلك إلا بالكذب . وإسناد إعقابهم النفاق إلى الله تعالى أو إلى البخل والتولي عن الطاعة قولان للمفسرين مآلهما واحد ، إلا أن الثاني آدب . وذلك أن سنته تعالى في البشر أن العمل بما يقتضيه النفاق يمكن النفاق ويقويه في القلب . كما أن العمل بمقتضى الإيمان يزيده قوة ورسوخا في النفس ، وهكذا جميع صفات النفس وأخلاقها وعقائدها ، تقوي وترسخ العمل الذي يصدر عنها ، فإسنادها إلى العمل يكون صحيحا بهذا الاعتبار لا بالمعنى الذي تقوله
المعتزلة القدرية ، كما أن إسنادها إلى الله تعالى يكون صحيحا ; لأنها مقتضى سنته وتقديره ، لا بالمعنى الذي تقوله
الجبرية والصوفية ، فالمراد من التقديرين واحد . ويؤيده ما ورد في سبب النزول وهو : أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في قوله
[ ص: 483 ] تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=75nindex.php?page=treesubj&link=32273_28980ومنهم من عاهد الله الآية . أن رجلا كان يقال له
ثعلبة من
الأنصار أتى مجلسا فأشهدهم فقال : لئن آتاني الله من فضله آتيت كل ذي حق حقه ، وتصدقت وجعلت منه للقرابة ، فابتلاه الله فآتاه من فضله ، فأخلف ما وعده ، فأغضب الله بما أخلفه ما وعده ، فقص الله شأنه في القرآناهـ .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=14113الحسن بن سفيان وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والعسكري في الأمثال ،
nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني وابن منده والبارودي وأبو نعيم في معرفة الصحابة ،
وابن مردويه والبيهقي في الدلائل ،
nindex.php?page=showalam&ids=13359وابن عساكر عن
nindex.php?page=showalam&ids=481أبي أمامة الباهلي ـ رضي الله عنه ـ قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920373جاء ثعلبة بن حاطب إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال : يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا ، قال : " ويحك يا ثعلبة أما ترضى أن تكون مثلي ؟ فلو شئت أن يسير ربي هذه الجبال معي لسارت " قال : يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا فوالذي بعثك بالحق إن آتاني الله مالا لأعطين كل ذي حق حقه . قال : " ويحك يا ثعلبة ، قليل تطيق شكره ، خير من كثير لا تطيق شكره " فقال : يا رسول الله ادع الله لي فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " اللهم ارزقه مالا " فاتجر واشترى غنما فبورك له فيها ، ونمت كما ينمو الدود ، حتى ضاقت بها المدينة فتنحى بها فكان يشهد الصلاة بالنهار مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا يشهدها بالليل . ثم نمت كما ينمو الدود فضاق بها مكانه ، فتنحى به فكان لا يشهد جمعة ولا جنازة مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فجعل يتلقى الركبان ، ويسألهم عن الأخبار ، وفقده رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فسأل عنه فأخبروه أنه اشترى غنما ، وأن المدينة ضاقت به وأخبروه بخبره فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ " ويح ثعلبة بن حاطب " .
ثم إن الله تعالى أمر رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يأخذ الصدقات ، وأنزل الله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=103خذ من أموالهم صدقة ( 9 : 103 ) الآية فبعث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ رجلين رجلا من جهينة ، ورجلا من بني سلمة يأخذان الصدقات ، فكتب لهما أسنان الإبل والغنم كيف يأخذانها على وجهها ، و أمرهما أن يمرا على ثعلبة بن حاطب وبرجل من بني سليم ، فخرجا فمرا بثعلبة فسألاه الصدقة ، فقال : أرياني كتابكما ، فنظر فيه فقال : ما هذا إلا جزية انطلقا حتى تفرغا ثم مرا بي ، قال : فانطلقا وسمع بهما السلمي فاستقبلهما بخيار إبله فقالا : إنما عليك دون هذا . فقال ما كنت أتقرب إلى الله إلا بخير مالي فقبلاه ، فلما فرغا مرا بثعلبة فقال : أرياني كتابكما . فنظر فيه فقال : ما هذا إلا جزية انطلقا حتى أرى رأيي فانطلقا حتى قدما المدينة فلما رآهما رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال قبل أن يكلمهما : " ويح [ ص: 484 ] ثعلبة بن حاطب " ودعا للسلمي بالبركة ، وأنزل الله : nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=75ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن الثلاث الآيات . قال : فسمع بعض من أقارب ثعلبة ، فأتى ثعلبة فقال ويحك يا ثعلبة أنزل الله فيك كذا وكذا . قال : فقدم ثعلبة على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال : يا رسول الله هذه صدقة مالي ، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " إن الله تعالى قد منعني أن أقبل منك " قال : فجعل يبكي ويحثي التراب على رأسه ، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " هذا عملك بنفسك أمرتك فلم تطعني " فلم يقبل منه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتى مضى . ثم أتى أبا بكر فقال : يا أبا بكر اقبل مني صدقتي فقد عرفت منزلتي من الأنصار ، فقال أبو بكر : لم يقبلها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأقبلها ؟ فلم يقبلها أبو بكر . ثم ولي nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ فأتاه فقال : يا أبا حفص يا أمير المؤمنين اقبل مني صدقتي ، وتوسل إليه بالمهاجرين والأنصار وأزواج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فقال عمر : لم يقبلها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا أبو بكر أقبلها أنا ؟ فأبى أن يقبلها . ثم ولي عثمان فهلك في خلافة عثمان وفيه نزلت : nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=79الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات ( 79 ) قال : وذلك في الصدقة اهـ .
وفي الحديث إشكالات تتعلق بسبب نزول الآيات ، وظاهر سياق القرآن أنه كان في سفر غزوة
تبوك ، وظاهره أنها نزلت عقب فرضية الزكاة ، والمشهور أنها فرضت في السنة الثانية ، وفيه خلاف تقدم في تفسير قسمة الصدقات - وبعدم قبول توبة
ثعلبة وظاهر الحديث ولاسيما بكائه أنها توبة صادقة ، وكان العمل جاريا على معاملة المنافقين بظواهرهم ، وظاهر الآيات أنه يموت على نفاقه ، ولا يتوب عن بخله وإعراضه ، وأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وخليفتيه عاملاه بذلك لا بظاهر الشريعة ، وهذا لا نظير له في الإسلام .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=78ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم أي : ألم يعلم هؤلاء المنافقون الذين يعلنون غير ما يسرون ، ويقولون ما لا يفعلون ، ويتناجون فيما بينهم بالإثم والعدوان ولمز الرسول ، أن الله يعلم سرهم الكامن في أعماق قلوبهم ، ونجواهم التي يخصون بها من يثقون بمشاركته إياهم في نفاقهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=78وأن الله علام الغيوب كلها
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=5لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ( 3 : 5 ) و
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=19يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ( 40 : 19 ) فهم يكذبون على الله فيما يعاهدونه به وعلى الناس فيما يحلفون عليه باسمه .
الاستفهام في قوله تعالى : ألم يعلموا للتوبيخ والإنذار ، أو للتنبيه القاطع لطريق الاعتذار فإن المنافقين كانوا يؤمنون بوجود الله وعلمه إيمانا إجماليا تقليديا . وإنما كانوا يرتابون في الرسالة والوحي والبعث ، ولكن ما ذكر من عملهم وأيمانهم الكاذبة باسمه هو عمل من
[ ص: 485 ] لا يؤمن به ، ولا يعلم أنه يعلم سره ونجواه ، وأنه علام الغيوب ; فإن من يعلم هذا علما صحيحا فلا بد أن يستحي من الله ، ويخاف عقابه إن كان يؤمن بالبعث والجزاء ، ولكنهم لا يعلمون ذاك ولا يؤمنون بهذا .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=75nindex.php?page=treesubj&link=28980وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=76فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=77فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=78أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ
هَذَا بَيَانٌ لِحَالِ طَائِفَةٍ أُخْرَى مِنْ أُولَئِكَ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ بَعْدَ الْفَقْرِ وَالْإِمْلَاقِ . وَيُوجَدُ مِثْلُهُمْ فِي كُلِّ زَمَانٍ ، وَهُمُ الَّذِينَ يَلْجَئُونَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي وَقْتِ الْعُسْرَةِ وَالْفَقْرِ ، أَوِ الشِّدَّةِ وَالضُّرِّ ، فَيَدْعُونَهُ وَيُعَاهِدُونَهُ عَلَى الشُّكْرِ لَهُ ، وَالطَّاعَةِ لِشَرْعِهِ ، إِذَا هُوَ كَشَفَ ضُرَّهُمْ ، وَأَغْنَى فَقْرَهُمْ ، فَإِذَا اسْتَجَابَ لَهُمْ نَكَسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ ، وَنَكَصُوا عَلَى أَعْقَابِهِمْ ، وَكَفَرُوا النِّعْمَةَ ، وَبَطَرُوا الْحَقَّ ، وَهَضَمُوا حُقُوقَ الْخَلْقِ ، وَهَذَا مَثَلٌ مِنْ شَرِّ أَمْثَالِهِمْ .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=75وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ أَيْ : وَمِنْ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ تَعَالَى وَأَقْسَمَ أَوْكَدَ الْأَيْمَانِ ، لَئِنْ آتَاهُمْ مَنْ فَضْلِهِ مَالًا وَثَرْوَةً لَيَشْكُرَنَّ لَهُ
[ ص: 482 ] نِعْمَتَهُ بِالصَّدَقَةِ مِنْهَا ، وَالْأَعْمَالِ الشَّرْعِيَّةِ النَّافِعَةِ الَّتِي يَنْتَظِمُونَ بِهَا فِي سِلْكِ الصَّالِحِينَ الْقَائِمِينَ بِحُقُوقِ اللَّهِ وَحُقُوقِ عِبَادِهِ . وَأَعَادَ " اللَّامَ " الْوَاقِعَةَ فِي جَوَابِ الْقَسَمِ فِي ( لَنَكُونَنَّ ) لِتَأْكِيدِ الْعَزْمِ عَلَى الِاسْتِعَانَةِ وَالتَّوَسُّلِ بِفَضْلِ الْمَالِ . إِلَى الِاسْتِقَامَةِ عَلَى مَنْهَجِ الصَّلَاحِ ، بِمَا هُوَ وَرَاءَ الصَّدَقَاتِ ، الَّتِي عَقَدُوا الْعَهْدَ وَالْقَسَمَ عَلَيْهَا أَوَّلًا وَبِالذَّاتِ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=76فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ مَا طَلَبُوا مِنْ سَعَةِ رِزْقِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=76بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا أَيْ : مَا لَبِثُوا أَنْ بَخِلُوا بِمَا آتَاهُمْ عَقِبَ حُصُولِهِ ، وَأَمْسَكُوهُ فَلَمْ يَتَصَدَّقُوا بِشَيْءٍ مِنْهُ : وَتَوَلَّوْا وَانْصَرَفُوا عَنِ الِاسْتِعَانَةِ بِهِ عَلَى الطَّاعَةِ ، وَإِصْلَاحِ حَالِهِمْ وَحَالِ أُمَّتِهِمْ كَمَا عَاهَدُوا وَأَقْسَمُوا ، وَلَمْ يَكُنْ تَوَلِّيهِمْ هَذَا أَمْرًا عَارِضًا شَغَلَهُمْ عَنْهُ شَاغِلٌ يَزُولُ بِزَوَالِهِ بَلْ تَوَلَّوْا :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=76وَهُمْ مُعْرِضُونَ بِكُلِّ قُوَاهُمْ عَنِ الصَّدَقَةِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ ، فَكَانَ الْإِعْرَاضُ صِفَةٌ رَاسِخَةٌ فِيهِمْ حَاكِمَةٌ عَلَيْهِمْ ، بِحَيْثُ إِذَا ذُكِّرُوا بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ لَا يَذْكُرُونَ ، وَإِذَا دُعُوا إِلَيْهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=77فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ يُقَالُ : أَعْقَبَهُ الشَّيْءَ إِذَا جَعَلَهُ عَاقِبَةَ أَمْرِهِ وَثَمَرَتَهُ أَيْ : فَأَعْقَبَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى ، أَوْ أَعْقَبَهُمْ ذَلِكَ الْبُخْلَ وَتَوَلِّيِ الْإِعْرَاضِ ، بَعْدَ الْعَهْدِ الْمُوَثَّقِ بِأَوْكَدِ الْإِيمَانِ ، نِفَاقًا رَاسِخًا فِي قُلُوبِهِمْ مُتَمَكِّنًا مِنْهَا مُلَازِمًا لَهَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=77إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ لِلْحِسَابِ فِي الْآخِرَةِ ; لِأَنَّهُ بَلَغَ الْمُنْتَهَى الَّذِي لَا رَجَاءَ مَعَهُ فِي التَّوْبَةِ . ذَلِكَ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=77بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ فَذَكَرَ سَبَبَيْنِ هُمَا
nindex.php?page=treesubj&link=30563_18781أَخَصُّ صِفَاتِ الْمُنَافِقِينَ ، وَأَظْهَرُ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى نِفَاقِهِمْ : إِخْلَافُ الْوَعْدِ ، وَالْكَذِبُ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ ، وَنُصُوصُ الْأَحَادِيثِ فِيهِ ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ الْوَعْدُ لِلَّهِ تَعَالَى مَعَ الْعَهْدِ وَالْقَسَمِ ، وَقَدْ عَبَّرَ عَنْ إِخْلَافِهِمُ الْوَعْدَ بِالْفِعْلِ الْمَاضِي ; لِأَنَّهُ فِي حَادِثَةٍ وَقَعَتْ ، وَعَبَّرَ عَنْ كَذِبِهِمْ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ الدَّالَّةِ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ شَأْنُهُمِ الدَّائِمُ الَّذِي هُوَ أَخَصُّ لَوَازِمِ النِّفَاقِ فَالْمُنَافِقُ مُضْطَرٌّ إِلَى الْكَذِبِ فِي كُلِّ وَقْتٍ ; لِأَنَّ ظَاهِرَهُ يُخَالِفُ بَاطِنَهُ ، وَلَابُدَّ لَهُ مِنْ كِتْمَانِ مَا فِي بَاطِنِهِ ، وَإِظْهَارِ خِلَافِهِ دَائِمًا لِئَلَّا يَظْهَرَ فَيُفْتَضَحَ وَيُعَاقَبَ ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْكَذِبِ . وَإِسْنَادُ إِعْقَابِهِمُ النِّفَاقَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَوْ إِلَى الْبُخْلِ وَالتَّوَلِّي عَنِ الطَّاعَةِ قَوْلَانِ لِلْمُفَسِّرِينَ مَآلُهُمَا وَاحِدٌ ، إِلَّا أَنَّ الثَّانِي آدَبُ . وَذَلِكَ أَنَّ سُنَّتَهُ تَعَالَى فِي الْبَشَرِ أَنَّ الْعَمَلَ بِمَا يَقْتَضِيهِ النِّفَاقُ يُمَكِّنُ النِّفَاقَ وَيُقَوِّيهِ فِي الْقَلْبِ . كَمَا أَنَّ الْعَمَلَ بِمُقْتَضَى الْإِيمَانِ يَزِيدُهُ قُوَّةً وَرُسُوخًا فِي النَّفْسِ ، وَهَكَذَا جَمِيعُ صِفَاتِ النَّفْسِ وَأَخْلَاقِهَا وَعَقَائِدِهَا ، تُقَوِّي وَتُرَسِّخُ الْعَمَلَ الَّذِي يَصْدُرُ عَنْهَا ، فَإِسْنَادُهَا إِلَى الْعَمَلِ يَكُونُ صَحِيحًا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ لَا بِالْمَعْنَى الَّذِي تَقُولُهُ
الْمُعْتَزِلَةُ الْقَدَرِيَّةُ ، كَمَا أَنَّ إِسْنَادَهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى يَكُونُ صَحِيحًا ; لِأَنَّهَا مُقْتَضَى سُنَّتِهِ وَتَقْدِيرِهِ ، لَا بِالْمَعْنَى الَّذِي تَقُولُهُ
الْجَبْرِيَّةُ وَالصُّوفِيَّةُ ، فَالْمُرَادُ مِنَ التَّقْدِيرَيْنِ وَاحِدٌ . وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَرَدَ فِي سَبَبِ النُّزُولِ وَهُوَ : أَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ nindex.php?page=showalam&ids=16328وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ
[ ص: 483 ] تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=75nindex.php?page=treesubj&link=32273_28980وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ الْآيَةَ . أَنَّ رَجُلًا كَانَ يُقَالُ لَهُ
ثَعْلَبَةُ مِنَ
الْأَنْصَارِ أَتَى مَجْلِسًا فَأَشْهَدَهُمْ فَقَالَ : لَئِنْ آتَانِي اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ آتَيْتُ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ ، وَتَصَدَّقْتُ وَجَعَلْتُ مِنْهُ لِلْقَرَابَةِ ، فَابْتَلَاهُ اللَّهُ فَآتَاهُ مِنْ فَضْلِهِ ، فَأَخْلَفَ مَا وَعَدَهُ ، فَأَغْضَبَ اللَّهَ بِمَا أَخْلَفَهُ مَا وَعَدَهُ ، فَقَصَّ اللَّهُ شَأْنَهُ فِي الْقُرْآنِاهـ .
وَأَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=14113الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ nindex.php?page=showalam&ids=16328وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ وَالْعَسْكَرِيُّ فِي الْأَمْثَالِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=14687وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَنْدَهْ وَالْبَارُودِيُّ وَأَبُو نُعَيمٍ فِي مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ ،
وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13359وَابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=481أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920373جَاءَ ثَعْلَبَةُ بْنُ حَاطِبٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَنِي مَالًا ، قَالَ : " وَيْحَكَ يَا ثَعْلَبَةُ أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِثْلِي ؟ فَلَوْ شِئْتُ أَنْ يُسَيِّرَ رَبِّي هَذِهِ الْجِبَالَ مَعِيَ لَسَارَتْ " قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَنِي مَالًا فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنْ آتَانِي اللَّهُ مَالًا لَأُعْطِيَنَّ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ . قَالَ : " وَيْحَكَ يَا ثَعْلَبَةُ ، قَلِيلٌ تُطِيقُ شُكْرَهُ ، خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ لَا تُطِيقُ شُكْرَهُ " فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ لِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ : " اللَّهُمَّ ارْزُقْهُ مَالًا " فَاتَّجَرَ وَاشْتَرَى غَنَمًا فَبُورِكَ لَهُ فِيهَا ، وَنَمَتْ كَمَا يَنْمُو الدُّودُ ، حَتَّى ضَاقَتْ بِهَا الْمَدِينَةُ فَتَنَحَّى بِهَا فَكَانَ يَشْهَدُ الصَّلَاةَ بِالنَّهَارِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَلَا يَشْهَدُهَا بِاللَّيْلِ . ثُمَّ نَمَتْ كَمَا يَنْمُو الدُّودُ فَضَاقَ بِهَا مَكَانُهُ ، فَتَنَحَّى بِهِ فَكَانَ لَا يَشْهَدُ جُمُعَةً وَلَا جِنَازَةً مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَجَعَلَ يَتَلَقَّى الرُّكْبَانَ ، وَيَسْأَلُهُمْ عَنِ الْأَخْبَارِ ، وَفَقَدَهُ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَسَأَلَ عَنْهُ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُ اشْتَرَى غَنَمًا ، وَأَنَّ الْمَدِينَةَ ضَاقَتْ بِهِ وَأَخْبَرُوهُ بِخَبَرِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ " وَيْحَ ثَعْلَبَةَ بْنِ حَاطِبٍ " .
ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ رَسُولَهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَنْ يَأْخُذَ الصَّدَقَاتِ ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=103خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً ( 9 : 103 ) الْآيَةَ فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ رَجُلَيْنِ رَجُلًا مِنْ جُهَيْنَةَ ، وَرَجُلًا مِنْ بَنِي سَلَمَةَ يَأْخُذَانِ الصَّدَقَاتِ ، فَكَتَبَ لَهُمَا أَسْنَانَ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ كَيْفَ يَأْخُذَانِهَا عَلَى وَجْهِهَا ، وَ أَمَرَهُمَا أَنْ يَمُرَّا عَلَى ثَعْلَبَةَ بْنِ حَاطِبٍ وَبِرَجُلٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ ، فَخَرَجَا فَمَرَّا بِثَعْلَبَةَ فَسَأَلَاهُ الصَّدَقَةَ ، فَقَالَ : أَرِيَانِي كِتَابَكُمَا ، فَنَظَرَ فِيهِ فَقَالَ : مَا هَذَا إِلَّا جِزْيَةٌ انْطَلِقَا حَتَّى تَفْرَغَا ثُمَّ مُرَّا بِي ، قَالَ : فَانْطَلَقَا وَسَمِعَ بِهِمَا السُّلَمِيُّ فَاسْتَقْبَلَهُمَا بِخِيَارِ إِبِلِهِ فَقَالَا : إِنَّمَا عَلَيْكَ دُونَ هَذَا . فَقَالَ مَا كُنْتُ أَتَقَرَّبُ إِلَى اللَّهِ إِلَّا بِخَيْرٍ مَالِي فَقَبِلَاهُ ، فَلَمَّا فَرَغَا مَرَّا بِثَعْلَبَةَ فَقَالَ : أَرِيَانِي كِتَابَكُمَا . فَنَظَرَ فِيهِ فَقَالَ : مَا هَذَا إِلَّا جِزْيَةٌ انْطَلِقَا حَتَّى أَرَى رَأْيِي فَانْطَلَقَا حَتَّى قَدِمَا الْمَدِينَةَ فَلَمَّا رَآهُمَا رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ قَبْلَ أَنْ يُكَلِّمَهُمَا : " وَيْحَ [ ص: 484 ] ثَعْلَبَةَ بْنِ حَاطِبٍ " وَدَعَا لِلسُّلَمِيِّ بِالْبَرَكَةِ ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ : nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=75وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مَنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ الثَّلَاثَ الْآيَاتِ . قَالَ : فَسَمِعَ بَعْضٌ مِنْ أَقَارِبِ ثَعْلَبَةَ ، فَأَتَى ثَعْلَبَةَ فَقَالَ وَيْحَكَ يَا ثَعْلَبَةُ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيكَ كَذَا وَكَذَا . قَالَ : فَقَدِمَ ثَعْلَبَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ صَدَقَةُ مَالِي ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ مَنَعَنِي أَنْ أَقْبَلَ مِنْكَ " قَالَ : فَجَعَلَ يَبْكِي وَيَحْثِي التُّرَابَ عَلَى رَأْسِهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ : " هَذَا عَمَلُكَ بِنَفْسِكَ أَمَرْتُكَ فَلَمْ تُطِعْنِي " فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ حَتَّى مَضَى . ثُمَّ أَتَى أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ : يَا أَبَا بَكْرٍ اقْبَلْ مِنِّي صَدَقَتِي فَقَدْ عَرَفْتَ مَنْزِلَتِي مِنَ الْأَنْصَارِ ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : لَمْ يَقْبَلْهَا رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَأَقْبَلُهَا ؟ فَلَمْ يَقْبَلْهَا أَبُو بَكْرٍ . ثُمَّ وَلِيَ nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ فَأَتَاهُ فَقَالَ : يَا أَبَا حَفْصٍ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اقْبَلْ مِنِّي صَدَقَتِي ، وَتَوَسَّلْ إِلَيْهِ بِالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَأَزْوَاجِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ ، فَقَالَ عُمَرُ : لِمَ يَقْبَلْهَا رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَلَا أَبُو بَكْرٍ أَقْبَلُهَا أَنَا ؟ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا . ثُمَّ وَلِيَ عُثْمَانُ فَهَلَكَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ وَفِيهِ نَزَلَتْ : nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=79الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ ( 79 ) قَالَ : وَذَلِكَ فِي الصَّدَقَةِ اهـ .
وَفِي الْحَدِيثِ إِشْكَالَاتٌ تَتَعَلَّقُ بِسَبَبِ نُزُولِ الْآيَاتِ ، وَظَاهِرُ سِيَاقِ الْقُرْآنِ أَنَّهُ كَانَ فِي سَفَرِ غَزْوَةِ
تَبُوكَ ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا نَزَلَتْ عَقِبَ فَرْضِيَّةِ الزَّكَاةِ ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا فُرِضَتْ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ ، وَفِيهِ خِلَافٌ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ قِسْمَةِ الصَّدَقَاتِ - وَبِعَدَمِ قَبُولِ تَوْبَةِ
ثَعْلَبَةَ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَلَاسِيَّمَا بُكَائِهِ أَنَّهَا تَوْبَةٌ صَادِقَةٌ ، وَكَانَ الْعَمَلُ جَارِيًا عَلَى مُعَامَلَةِ الْمُنَافِقِينَ بِظَوَاهِرِهِمْ ، وَظَاهِرُ الْآيَاتِ أَنَّهُ يَمُوتُ عَلَى نِفَاقِهِ ، وَلَا يَتُوبُ عَنْ بُخْلِهِ وَإِعْرَاضِهِ ، وَأَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَخَلِيفَتَيْهِ عَامَلَاهُ بِذَلِكَ لَا بِظَاهِرِ الشَّرِيعَةِ ، وَهَذَا لَا نَظِيرَ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=78أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ أَيْ : أَلَمْ يَعْلَمْ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ يُعْلِنُونَ غَيْرَ مَا يُسِرُّونَ ، وَيَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ ، وَيَتَنَاجَوْنَ فِيمَا بَيْنَهُمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَلَمْزِ الرَّسُولِ ، أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمُ الْكَامِنَ فِي أَعْمَاقِ قُلُوبِهِمْ ، وَنَجْوَاهُمُ الَّتِي يَخُصُّونَ بِهَا مَنْ يَثِقُونَ بِمُشَارَكَتِهِ إِيَّاهُمْ فِي نِفَاقِهِمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=78وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ كُلِّهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=5لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ ( 3 : 5 ) وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=19يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ( 40 : 19 ) فَهُمْ يَكْذِبُونَ عَلَى اللَّهِ فِيمَا يُعَاهِدُونَهُ بِهِ وَعَلَى النَّاسِ فِيمَا يَحْلِفُونَ عَلَيْهِ بِاسْمِهِ .
الِاسْتِفْهَامُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : أَلَمْ يَعْلَمُوا لِلتَّوْبِيخِ وَالْإِنْذَارِ ، أَوْ لِلتَّنْبِيهِ الْقَاطِعِ لِطَرِيقِ الِاعْتِذَارِ فَإِنَّ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِوُجُودِ اللَّهِ وَعِلْمِهِ إِيمَانًا إِجْمَالِيًّا تَقْلِيدِيًّا . وَإِنَّمَا كَانُوا يَرْتَابُونَ فِي الرِّسَالَةِ وَالْوَحْيِ وَالْبَعْثِ ، وَلَكِنْ مَا ذَكَرَ مِنْ عَمَلِهِمْ وَأَيْمَانِهِمِ الْكَاذِبَةِ بِاسْمِهِ هُوَ عَمَلُ مَنْ
[ ص: 485 ] لَا يُؤْمِنُ بِهِ ، وَلَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يَعْلَمُ سِرَّهُ وَنَجْوَاهُ ، وَأَنَّهُ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ; فَإِنَّ مَنْ يَعْلَمُ هَذَا عِلْمًا صَحِيحًا فَلَا بُدَّ أَنْ يَسْتَحِيَ مِنَ اللَّهِ ، وَيَخَافَ عِقَابَهُ إِنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ ، وَلَكِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ذَاكَ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِهَذَا .