nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=91nindex.php?page=treesubj&link=28980ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=92ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=93إنما السبيل على الذين يستأذنوك وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون
بين الله تعالى في هذه الآيات
nindex.php?page=treesubj&link=7951الأعذار الشرعية المقبولة عنده وعند رسوله بالتفصيل فعلم منه بطلان ما عداها ، وخص بالذكر شر ما عداها وهو استئذان الأغنياء فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=91ليس على الضعفاء الضعفاء : جمع ضعيف وهو ضد القوي ، أي : من لا قوة لهم في أبدانهم تمكنهم من الجهاد ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : يعني الزمنى والشيوخ والعجزة ، وقيل : هم الصبيان ، وقيل : النسوان . ذكره
البغوي . والزمنى بوزن المرضى وبالتحريك جمع زمين كمريض - ويقال : زمن ( ككتف ) وزمنون ; وهم من أصابتهم الزمانة وهي العاهة التي لا تزال بل تبقى على الزمان . ومنها الكساح ( بالضم ) والعمى والعرج ، وقدم ذكر هؤلاء ; لأن عذرهم دائم لا يزول
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=91ولا على المرضى جمع مريض ، وهم الذين عرضت لهم أمراض لا يتمكنون معها من الجهاد كالحميات ، وعذرهم ينتهي بالشفاء منها
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=91ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون وهم الفقراء الذين لا يجدون مالا ينفقون منه على أنفسهم إذا خرجوا للجهاد ويتركون لعيالهم ما يكفيهم ، وكان المؤمنون يجهزون أنفسهم للقتال ، فالفقير ينفق على نفسه
[ ص: 507 ] والغني ينفق على نفسه وعلى غيره سعته كما فعلوا في غزوة
تبوك ، إذ لم يكن للمسلمين بيت مال غني ينفق منه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على الغزاة وهذا العذر خاص بالمال ، ويزول إذا كان للأمة في بيت المال ما ينفقون منه ، أي ليس على هذه الأصناف الثلاثة ( حرج ) أي ضيق في حكم الشرع يعدون به مذنبين ، ولا إثم في القعود عن الجهاد الواجب :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=91إذا نصحوا لله ورسوله في حال قعودهم لعجزهم ، أي : إذا أخلصوا لله تعالى في الإيمان وللرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الطاعة وأداء الأمانة بالقول والعمل ، ولاسيما الذي تقتضيه حالة الحرب فالنصيحة والنصح ( بالضم ) تحري ما يصلح به الشيء ، ويكون خاليا من الغش والخلل والفساد من قولهم : نصح العسل ونصح إذا كان مصفى خالصا " ونصح الخياط الثوب إذا أنعم خياطته ولم يترك فيه فتقا ولا خللا " ذكره في مجاز الأساس وقال " شبه ذلك بالنصح " على طريقته في جعل المعاني الحسية من المجاز ، والمعنوية من الحقيقة ونحن نرى عكس هذا - أعني أن نصح العسل والخياط حقيقة ، والنصح في التوبة والطاعة هو المأخوذ منه ، والأجدر بأن يكون مجازا ، إلا أن يكثر استعماله فيعد من الحقيقة . ومنه يعلم أن من النصح لله ورسوله في هذه الحالة كل ما فيه مصلحة للأمة ، ولاسيما المجاهدين منها ، من كتمان سر ، وحث على بر ، ومقاومة خيانة الخائنين في سر وجهر ، فالنصح العام ركن من الأركان المعنوية للإسلام ، به عز السلف وبزوا ، وبتركه ذل الخلف وابتزوا .
روى
مسلم وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي عن
nindex.php?page=showalam&ids=155تميم الداري أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920396الدين النصيحة - قالوا : لمن يا رسول الله ؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ومسلم nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي nindex.php?page=hadith&LINKID=920397عن جابر قال : بايعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=91ما على المحسنين من سبيل السبيل : الطريق السهل يطلق على الحسي منه والمعنوي في الخير وفي الشر ، كما تقدم في تفسير :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=153ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ( 6 : 153 ) و ( من ) لتأكيد النفي العام ، وهو أبلغ منه قولك " ما عليه سبيل " وإن كان عاما ، فقولك ما على فلان من سبيل - معناه ليس لأحد أدنى طريق يسلكها لمؤاخذته أو النيل منه ، فكل السبل مسدودة دون الوصول إليه ، وهذا الاستعمال مكرر في القرآن . والمحسنون ضد المسيئين ، وهو عام في كل من أحسن عملا من أعمال البر والتقوى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=112بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه [ ص: 508 ] ( 2 : 112 ) الآية . والشرع الإلهي يجزي المحسن بأضعاف إحسانه ، ولا يؤاخذ ولا يعاقب المسيء إلا بقدر إساءته ، فإذا كان أولئك المعذورون في القعود عن الجهاد محسنين في سائر أعمالهم بالنصح المذكور ، انقطعت طرق المؤاخذة دونهم ، والإحسان أعم من النصح المذكور ، فالجملة تتضمن تعليل رفع الحرج عنهم بما ينتظمون به في سلك المحسنين ، فيكون رفعه عنهم مقرونا بالدليل ، فكل ناصح لله ورسوله محسن ، ولا سبيل إلى مؤاخذة المحسن ، وإيقاعه في الحرج ، وهذه المبالغة في أعلى مكانة من أساليب البلاغة .
ولما ذكر رفع المؤاخذة عنهم بإحسانهم السلوك فيما هم معذورون فيه من القعود عن الجهاد ، وهو الذي اقتضاه المقام ، قفى عليه بالستر عليهم ، والصفح والإحسان إليهم فيما عداه ، على قاعدة :
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=60هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ( 55 : 60 ) ؟ فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=91والله غفور رحيم أي : وهو تعالى كثير المغفرة واسع الرحمة ، فهو يستر على المقصرين ما لا يخلو منه البشر من ضعف - في أداء الواجبات - لا ينافي الإخلاص والنصح لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ، ويدخلهم في رحمته في عباده الصالحين . وأما المنافقون المسيئون عملا ونية ، فإنما يغفر لهم ويرحمهم إذا تابوا من نفاقهم الباعث لهم على إساءتهم .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=92ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه هذا معطوف على نفي الحرج عن الضعفاء والمرضى والفقراء ، ونفي السبيل عن المحسنين ، أي : لا حرج على من ذكر بشرطه ، ولا سبيل على المحسن منهم في قعوده ، ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم على الرواحل فيخرجوا معك فلم تجد ما تحملهم عليه إلخ . وهؤلاء جماعة من الفقراء يدخلون في عموم الذين لا يجدون ما ينفقون للجهاد في سفر طويل
nindex.php?page=treesubj&link=30875كغزوة تبوك ، وهو فقدهم الرواحل التي تحملهم ، فهو من عطف الخاص على العام . يقال : حمله على البعير أو غيره أي : أركبه إياه أو أعطاه إياه ليركبه ، وكان الطالب لظهر يركبه يقول لمن يطلبه منه احملني .
ثم بين حال هؤلاء بعد جواب الرسول لهم بيانا مستأنفا فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=92تولوا وأعينهم تفيض من الدمع أي : انصرفوا من مجلسك وهم في حال بكاء شديد هاجه حزن عميق فكانت أعينهم تمتلئ دمعا ، فيتدفق فائضا من جوانبها تدفقا ، حتى كأنها ذابت فصارت دمعا ، فسالت همها ( حزنا ) منهم وأسفا
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=92ألا يجدوا ما ينفقون أي : على عدم
[ ص: 509 ] وجدانهم عندك ولا عندهم ما ينفقون ، ولا ما يركبون في خروجهم معك جهادا في سبيل الله ، وابتغاء مرضاته .
أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير وابن مردويه عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال : أمر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الناس أن ينبعثوا غازين ، فجاءت عصابة من أصحابه فيهم عبد الله بن مغفل المزني ، فقالوا : يا رسول الله احملنا ، فقال : " والله لا أجد ما أحملكم عليه " فتولوا ولهم بكاء ، وعز عليهم أن يحبسوا عن الجهاد ، ولا يجدون نفقة ولا محملا ، فأنزل الله عذرهم
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=92ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم الآية . وخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب قال :
جاء ناس من أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يستحملونه فقال : " لا أجد ما أحملكم عليه " فأنزل الله : nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=92ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم الآية . وذكر البطون التي ينسبون إليها ، وهنالك روايات أخرى في عددهم وبطونهم عند
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق وغيره ، وأنهم كانوا يسمون البكائين ، وهنالك رواية أخرى أنهم ما سألوه ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلا الحملان على النعال ، ورواية أخرى أنهم سألوه الزاد والماء ، ولا مانع من وقوع كل ذلك في هذه الغزوة الكبيرة ، ولكن الآية خاصة بطلاب الرواحل ; لأنه هو المتبادر من اللفظ .
والحكمة في التعبير بالإتيان لأجل الحمل ، والاعتذار عنه بعدم وجدان ما يحمل عليه دون ذكر جنسه من راحلة ودابة ، هي إفادة العموم فيما يحمل عليه مريد السير فتدخل فيه مراكب هذا الزمان من مراكب النقل البرية والهوائية والبحرية ، ويتحقق العذر بفقد ما يحتاج إليه منها في كل سفر بحسبه ، وفقد العذر بوجوده ، فوجود الخيل والجمال والبغال لا ينفي العذر في السفر الذي يقطع في القطارات الحديدية أو السيارات ، أو المناطيد أو الطيارات .
لما بين أن كل أولئك ما عليهم من سبيل ، بقي بيان من عليهم السبيل في تلك الحال ، فذكرهم بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=93إنما السبيل الواضح السوي أوصل إلى المؤاخذة والمعاقبة بالحق
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=93على الذين يستأذنونك وهم أي : أغنياء يطلبون الإذن لهم في القعود والتخلف عن النفر والحال أنهم أغنياء في حال هذا الاستئذان ومن قبله ، قادرون على إعداد العدة له من زاد ورواحل وغير ذلك ولماذا ؟
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=93رضوا بأن يكونوا مع الخوالف أي : رضوا لأنفسهم بأن يكونوا مع الخوالف والخالفين ، من النساء والأطفال والمعذورين بل مع الفاسدي الأخلاق المفسدين
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=93وطبع الله على قلوبهم فأحاط بهم ما جروا عليه من خطاياهم وذنوبهم ، بحسب سنن الله تعالى في
[ ص: 510 ] أمثالهم
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=93فهم لا يعلمون كنه حالهم ، ولا سوء مآلهم ، وما هو سببه من أعمالهم ، فأما حالهم في التخلف وطلب القعود مع الخوالف بغير أدنى عذر ، فهو رضا بالذل والمهانة في الدنيا ; لأن
nindex.php?page=treesubj&link=7918تخلف الأفراد عن القتال الذي تقوم به الشعوب والأقوام ، ورضاء الرجال بالانتظام في سلك النساء والأطفال ، يعد في عرف العرب والعجم من أعظم مظاهر الخزي والعار ، وهو في حكم الإسلام أقوى آيات الكفر والنفاق ، وأما مآلهم وسوء عاقبتهم فهو ما فضحهم الله به في هذه السورة ، وما شرعه لرسوله وللمؤمنين من جهادهم وإهانتهم ، وعدم العود إلى معاملتهم بظاهر إسلامهم ، وما أعده لهم من العذاب الأليم ، والخزي الدائم في نار الجحيم .
وهاتان الآيتان بمعنى الآيات ( 86 ، 87 ، 88 ) ولكن أسند فعل الطبع على القلوب في هذه الآية إلى اسمه عز وجل ، وهنالك أسند إلى المفعول ، والمراد من كل منهما واحد ، وهو بيان سنة الله تعالى وقدره في علاقة الأعمال ، بالعقائد والسجايا والأخلاق ، إلا أن التصريح باسم الله تعالى فيه مزيد إهانة لهم . وعبر هنا بالعلم وهناك بالفقه ، والمراد واحد وهو الإدراك والعرفان الصحيح الذي يبعث على العمل بمقتضاه ، ولكن المتبادر من العلم تيقن المعلوم ، ومن الفقه تأثير العلم في النفس .
نسأله تعالى أن يجعلنا من العلماء الموقنين ، الفقهاء المعتبرين ، المؤمنين الصادقين ، العاملين المخلصين ، وأن يوفقنا لإتمام تفسير كتابه بالحق ، النافع للخلق ، ويهدينا جميعا للعمل به ، والاستضاءة بنوره ، ويؤتي هذه الأمة به ما وعدها من سعادة الدنيا والآخرة ، وهو على كل شيء قدير .
تم تفسير الجزء العاشر كتابة وتحريرا في العشر الأول من شهر رمضان المبارك سنة 1349 - وقد اعتمدنا جعل آية 93 إنما السبيل إلخ منه مراعاة للمعنى الذي كانت به متممة لما قبلها ، وهي في بعض المصاحف أول الجزء الحادي عشر - وكنا بدأنا به في شوال سنة 1346 ونشر في المجلدات التاسع والعشرين والثلاثين والحادي والثلاثين من المنار .
ونرجو أن يوفقنا الله تعالى لإنجاز تفسير كل جزء مما بقي في أقل من سنة .
مع الاختصار غير المخل إن شاء الله تعالى ، وبه الحول والقوة . ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=91nindex.php?page=treesubj&link=28980لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=92وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=93إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُوكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءٌ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ
بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَاتِ
nindex.php?page=treesubj&link=7951الْأَعْذَارَ الشَّرْعِيَّةَ الْمَقْبُولَةَ عِنْدَهُ وَعِنْدَ رَسُولِهِ بِالتَّفْصِيلِ فَعُلِمَ مِنْهُ بُطْلَانُ مَا عَدَاهَا ، وَخُصَّ بِالذِّكْرِ شَرُّ مَا عَدَاهَا وَهُوَ اسْتِئْذَانُ الْأَغْنِيَاءِ فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=91لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ الضُّعَفَاءُ : جَمْعُ ضَعِيفٍ وَهُوَ ضِدُّ الْقَوِيِّ ، أَيْ : مَنْ لَا قُوَّةَ لَهُمْ فِي أَبْدَانِهِمْ تُمَكِّنُهُمْ مِنَ الْجِهَادِ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : يَعْنِي الزَّمْنَى وَالشُّيُوخَ وَالْعَجَزَةَ ، وَقِيلَ : هُمُ الصِّبْيَانُ ، وَقِيلَ : النِّسْوَانُ . ذَكَرَهُ
الْبَغَوِيُّ . وَالزَّمْنَى بِوَزْنِ الْمَرْضَى وَبِالتَّحْرِيكِ جَمْعُ زَمِينٍ كَمَرِيضٍ - وَيُقَالُ : زَمِنٌ ( كَكَتِفٍ ) وَزَمِنُونَ ; وَهُمْ مَنْ أَصَابَتْهُمُ الزَّمَانَةُ وَهِيَ الْعَاهَةُ الَّتِي لَا تَزَالُ بَلْ تَبْقَى عَلَى الزَّمَانِ . وَمِنْهَا الْكُسَاحُ ( بِالضَّمِّ ) وَالْعَمَى وَالْعَرَجُ ، وَقَدَّمَ ذِكْرَ هَؤُلَاءِ ; لِأَنَّ عُذْرَهُمْ دَائِمٌ لَا يَزُولُ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=91وَلَا عَلَى الْمَرْضَى جَمْعُ مَرِيضٍ ، وَهُمُ الَّذِينَ عَرَضَتْ لَهُمْ أَمْرَاضٌ لَا يَتَمَكَّنُونَ مَعَهَا مِنَ الْجِهَادِ كَالْحُمَّيَاتِ ، وَعُذْرُهُمْ يَنْتَهِي بِالشِّفَاءِ مِنْهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=91وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ وَهُمُ الْفُقَرَاءُ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَالًا يُنْفِقُونَ مِنْهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ إِذَا خَرَجُوا لِلْجِهَادِ وَيَتْرُكُونَ لِعِيَالِهِمْ مَا يَكْفِيهِمْ ، وَكَانَ الْمُؤْمِنُونَ يُجَهِّزُونَ أَنْفُسَهُمْ لِلْقِتَالِ ، فَالْفَقِيرُ يُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهِ
[ ص: 507 ] وَالْغَنِيُّ يُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ سِعَتَهُ كَمَا فَعَلُوا فِي غَزْوَةِ
تَبُوكَ ، إِذْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْلِمِينَ بَيْتُ مَالٍ غَنِيٍّ يُنْفَقُ مِنْهُ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عَلَى الْغُزَاةِ وَهَذَا الْعُذْرُ خَاصٌّ بِالْمَالِ ، وَيَزُولُ إِذَا كَانَ لِلْأُمَّةِ فِي بَيْتِ الْمَالِ مَا يُنْفِقُونَ مِنْهُ ، أَيْ لَيْسَ عَلَى هَذِهِ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ ( حَرَجٌ ) أَيْ ضِيقٌ فِي حُكْمِ الشَّرْعِ يُعَدُّونَ بِهِ مُذْنِبِينَ ، وَلَا إِثْمَ فِي الْقُعُودِ عَنِ الْجِهَادِ الْوَاجِبِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=91إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ فِي حَالِ قُعُودِهِمْ لِعَجْزِهِمْ ، أَيْ : إِذَا أَخْلَصُوا لِلَّهِ تَعَالَى فِي الْإِيمَانِ وَلِلرَّسُولِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي الطَّاعَةِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ بِالْقَوْلِ وَالْعَمَلِ ، وَلَاسِيَّمَا الَّذِي تَقْتَضِيهِ حَالَةُ الْحَرْبِ فَالنَّصِيحَةُ وَالنُّصْحُ ( بِالضَّمِّ ) تَحَرِّي مَا يَصْلُحُ بِهِ الشَّيْءُ ، وَيَكُونُ خَالِيًا مِنَ الْغِشِّ وَالْخَلَلِ وَالْفَسَادِ مِنْ قَوْلِهِمْ : نَصَحَ الْعَسَلَ وَنُصِحَ إِذَا كَانَ مُصَفًّى خَالِصًا " وَنَصَحَ الْخَيَّاطُ الثَّوْبَ إِذَا أَنْعَمَ خِيَاطَتَهُ وَلَمْ يَتْرُكْ فِيهِ فَتْقًا وَلَا خَلَلًا " ذَكَرَهُ فِي مَجَازِ الْأَسَاسِ وَقَالَ " شَبَّهَ ذَلِكَ بِالنُّصْحِ " عَلَى طَرِيقَتِهِ فِي جَعْلِ الْمَعَانِي الْحِسِّيَّةِ مِنَ الْمَجَازِ ، وَالْمَعْنَوِيَّةِ مِنَ الْحَقِيقَةِ وَنَحْنُ نَرَى عَكْسَ هَذَا - أَعْنِي أَنَّ نُصْحَ الْعَسَلِ وَالْخَيَّاطِ حَقِيقَةٌ ، وَالنُّصْحُ فِي التَّوْبَةِ وَالطَّاعَةِ هُوَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ ، وَالْأَجْدَرُ بِأَنْ يَكُونَ مَجَازًا ، إِلَّا أَنْ يَكْثُرَ اسْتِعْمَالُهُ فَيُعَدُّ مِنَ الْحَقِيقَةِ . وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ مِنَ النُّصْحِ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كُلُّ مَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِلْأُمَّةِ ، وَلَاسِيَّمَا الْمُجَاهِدِينَ مِنْهَا ، مِنْ كِتْمَانِ سَرٍّ ، وَحَثٍّ عَلَى بِرٍّ ، وَمُقَاوَمَةِ خِيَانَةِ الْخَائِنِينَ فِي سِرٍّ وَجَهْرٍ ، فَالنُّصْحُ الْعَامُّ رُكْنٌ مِنَ الْأَرْكَانِ الْمَعْنَوِيَّةِ لِلْإِسْلَامِ ، بِهِ عَزَّ السَّلَفُ وَبَزُّوا ، وَبِتَرْكِهِ ذَلَّ الْخَلْفُ وَابْتَزُّوا .
رَوَى
مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ nindex.php?page=showalam&ids=15397وَالنَّسَائِيُّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=155تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920396الدِّينُ النَّصِيحَةُ - قَالُوا : لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ nindex.php?page=showalam&ids=13948وَالتِّرْمِذِيُّ nindex.php?page=hadith&LINKID=920397عَنْ جَابِرٍ قَالَ : بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عَلَى إِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=91مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ السَّبِيلُ : الطَّرِيقُ السَّهْلُ يُطْلَقُ عَلَى الْحِسِّيِّ مِنْهُ وَالْمَعْنَوِيِّ فِي الْخَيْرِ وَفِي الشَّرِّ ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=153وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ( 6 : 153 ) وَ ( مَنْ ) لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ الْعَامِّ ، وَهُوَ أَبْلَغُ مِنْهُ قَوْلُكَ " مَا عَلَيْهِ سَبِيلٌ " وَإِنْ كَانَ عَامًّا ، فَقَوْلُكَ مَا عَلَى فُلَانٍ مِنْ سَبِيلٍ - مَعْنَاهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَدْنَى طَرِيقٍ يَسْلُكُهَا لِمُؤَاخَذَتِهِ أَوِ النَّيْلِ مِنْهُ ، فَكُلُّ السُّبُلِ مَسْدُودَةٌ دُونَ الْوُصُولِ إِلَيْهِ ، وَهَذَا الِاسْتِعْمَالُ مُكَرَّرٌ فِي الْقُرْآنِ . وَالْمُحْسِنُونَ ضِدُّ الْمُسِيئِينَ ، وَهُوَ عَامٌّ فِيَ كُلِّ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=112بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ [ ص: 508 ] ( 2 : 112 ) الْآيَةَ . وَالشَّرْعُ الْإِلَهِيُّ يَجْزِي الْمُحْسِنَ بِأَضْعَافِ إِحْسَانِهِ ، وَلَا يُؤَاخَذُ وَلَا يُعَاقَبُ الْمُسِيءُ إِلَّا بِقَدْرِ إِسَاءَتِهِ ، فَإِذَا كَانَ أُولَئِكَ الْمَعْذُورُونَ فِي الْقُعُودِ عَنِ الْجِهَادِ مُحْسِنِينَ فِي سَائِرِ أَعْمَالِهِمْ بِالنُّصْحِ الْمَذْكُورِ ، انْقَطَعَتْ طُرُقُ الْمُؤَاخَذَةِ دُونَهُمْ ، وَالْإِحْسَانُ أَعَمُّ مِنَ النُّصْحِ الْمَذْكُورِ ، فَالْجُمْلَةُ تَتَضَمَّنُ تَعْلِيلَ رَفْعِ الْحَرَجِ عَنْهُمْ بِمَا يَنْتَظِمُونَ بِهِ فِي سِلْكِ الْمُحْسِنِينَ ، فَيَكُونُ رَفْعُهُ عَنْهُمْ مَقْرُونًا بِالدَّلِيلِ ، فَكُلُّ نَاصِحٍ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مُحْسِنٌ ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى مُؤَاخَذَةِ الْمُحْسِنِ ، وَإِيقَاعِهِ فِي الْحَرَجِ ، وَهَذِهِ الْمُبَالَغَةُ فِي أَعْلَى مَكَانَةٍ مِنْ أَسَالِيبِ الْبَلَاغَةِ .
وَلَمَّا ذُكِرَ رَفْعُ الْمُؤَاخَذَةِ عَنْهُمْ بِإِحْسَانِهِمُ السُّلُوكَ فِيمَا هُمْ مَعْذُورُونَ فِيهِ مِنَ الْقُعُودِ عَنِ الْجِهَادِ ، وَهُوَ الَّذِي اقْتَضَاهُ الْمَقَامُ ، قَفَّى عَلَيْهِ بِالسَّتْرِ عَلَيْهِمْ ، وَالصَّفْحِ وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ فِيمَا عَدَاهُ ، عَلَى قَاعِدَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=60هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ( 55 : 60 ) ؟ فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=91وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ أَيْ : وَهُوَ تَعَالَى كَثِيرُ الْمَغْفِرَةِ وَاسِعُ الرَّحْمَةِ ، فَهُوَ يَسْتُرُ عَلَى الْمُقَصِّرِينَ مَا لَا يَخْلُو مِنْهُ الْبَشَرُ مِنْ ضَعْفٍ - فِي أَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ - لَا يُنَافِي الْإِخْلَاصَ وَالنُّصْحَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ ، وَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَتِهِ فِي عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ . وَأَمَّا الْمُنَافِقُونَ الْمُسِيئُونَ عَمَلًا وَنِيَّةً ، فَإِنَّمَا يَغْفِرُ لَهُمْ وَيَرْحَمُهُمْ إِذَا تَابُوا مِنْ نِفَاقِهِمُ الْبَاعِثِ لَهُمْ عَلَى إِسَاءَتِهِمْ .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=92وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ هَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى نَفْيِ الْحَرَجِ عَنِ الضُّعَفَاءِ وَالْمَرْضَى وَالْفُقَرَاءِ ، وَنَفْيِ السَّبِيلِ عَنِ الْمُحْسِنِينَ ، أَيْ : لَا حَرَجَ عَلَى مَنْ ذُكِرَ بِشَرْطِهِ ، وَلَا سَبِيلَ عَلَى الْمُحْسِنِ مِنْهُمْ فِي قُعُودِهِ ، وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ عَلَى الرَّوَاحِلِ فَيَخْرُجُوا مَعَكَ فَلَمْ تَجِدْ مَا تَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ إِلَخْ . وَهَؤُلَاءِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْفُقَرَاءِ يَدْخُلُونَ فِي عُمُومِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ لِلْجِهَادِ فِي سَفَرٍ طَوِيلٍ
nindex.php?page=treesubj&link=30875كَغَزْوَةِ تَبُوكَ ، وَهُوَ فَقْدُهُمُ الرَّوَاحِلَ الَّتِي تَحْمِلُهُمْ ، فَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ . يُقَالُ : حَمَلَهُ عَلَى الْبَعِيرِ أَوْ غَيْرِهِ أَيْ : أَرْكَبَهُ إِيَّاهُ أَوْ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ لِيَرْكَبَهُ ، وَكَانَ الطَّالِبُ لِظَهْرٍ يَرْكَبَهُ يَقُولُ لِمَنْ يَطْلُبُهُ مِنْهُ احْمِلْنِي .
ثُمَّ بَيَّنَ حَالَ هَؤُلَاءِ بَعْدَ جَوَابِ الرَّسُولِ لَهُمْ بَيَانًا مُسْتَأْنَفًا فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=92تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ أَيْ : انْصَرَفُوا مِنْ مَجْلِسِكَ وَهُمْ فِي حَالٍ بُكَاءٍ شَدِيدٍ هَاجَهُ حُزْنٌ عَمِيقٌ فَكَانَتْ أَعْيُنُهُمْ تَمْتَلِئُ دَمْعًا ، فَيَتَدَفَّقُ فَائِضًا مِنْ جَوَانِبِهَا تَدَفُّقًا ، حَتَّى كَأَنَّهَا ذَابَتْ فَصَارَتْ دَمْعًا ، فَسَالَتْ هَمُّهَا ( حُزْنًا ) مِنْهُمْ وَأَسَفًا
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=92أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ أَيْ : عَلَى عَدَمِ
[ ص: 509 ] وُجْدَانِهِمْ عِنْدَكَ وَلَا عِنْدَهُمْ مَا يُنْفِقُونَ ، وَلَا مَا يَرْكَبُونَ فِي خُرُوجِهِمْ مَعَكَ جِهَادًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِهِ .
أَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ قَالَ : أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ النَّاسَ أَنْ يَنْبَعِثُوا غَازِينَ ، فَجَاءَتْ عِصَابَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فِيهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيُّ ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ احْمِلْنَا ، فَقَالَ : " وَاللَّهِ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ " فَتَوَلَّوْا وَلَهُمْ بُكَاءٌ ، وَعَزَّ عَلَيْهِمْ أَنْ يُحْبَسُوا عَنِ الْجِهَادِ ، وَلَا يَجِدُونَ نَفَقَةً وَلَا مَحْمَلًا ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عُذْرَهُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=92وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ الْآيَةَ . وَخَرَّجَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=14980مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ قَالَ :
جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يَسْتَحْمِلُونَهُ فَقَالَ : " لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ " فَأَنْزَلَ اللَّهُ : nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=92وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ الْآيَةَ . وَذَكَرَ الْبُطُونَ الَّتِي يُنْسَبُونَ إِلَيْهَا ، وَهُنَالِكَ رِوَايَاتٌ أُخْرَى فِي عَدَدِهِمْ وَبُطُونِهِمْ عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابْنِ إِسْحَاقَ وَغَيْرِهِ ، وَأَنَّهُمْ كَانُوا يُسَمَّوْنَ الْبَكَّائِينَ ، وَهُنَالِكَ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُمْ مَا سَأَلُوهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ إِلَّا الْحُمْلَانَ عَلَى النِّعَالِ ، وَرِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُمْ سَأَلُوهُ الزَّادَ وَالْمَاءَ ، وَلَا مَانِعَ مِنْ وُقُوعِ كُلِّ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ الْكَبِيرَةِ ، وَلَكِنَّ الْآيَةَ خَاصَّةٌ بِطِلَابِ الرَّوَاحِلِ ; لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنَ اللَّفْظِ .
وَالْحِكْمَةُ فِي التَّعْبِيرِ بِالْإِتْيَانِ لِأَجْلِ الْحَمْلِ ، وَالِاعْتِذَارِ عَنْهُ بِعَدَمِ وُجْدَانِ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ دُونَ ذِكْرِ جِنْسِهِ مِنْ رَاحِلَةٍ وَدَابَّةٍ ، هِيَ إِفَادَةُ الْعُمُومُ فِيمَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ مُرِيدُ السَّيْرِ فَتَدْخُلُ فِيهِ مَرَاكِبُ هَذَا الزَّمَانِ مِنْ مَرَاكِبِ النَّقْلِ الْبَرِّيَّةِ وَالْهَوَائِيَّةِ وَالْبَحْرِيَّةِ ، وَيَتَحَقَّقُ الْعُذْرُ بِفَقْدِ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْهَا فِي كُلِّ سَفَرٍ بِحَسَبِهِ ، وَفَقْدِ الْعُذْرِ بِوُجُودِهِ ، فَوُجُودُ الْخَيْلِ وَالْجِمَالِ وَالْبِغَالِ لَا يَنْفِي الْعُذْرَ فِي السَّفَرِ الَّذِي يُقْطَعُ فِي الْقِطَارَاتِ الْحَدِيدِيَّةِ أَوِ السَّيَّارَاتِ ، أَوِ الْمَنَاطِيدِ أَوِ الطَّيَّارَاتِ .
لَمَّا بَيَّنَ أَنَّ كُلَّ أُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ ، بَقِيَ بَيَانُ مَنْ عَلَيْهِمُ السَّبِيلُ فِي تِلْكَ الْحَالِ ، فَذَكَرَهُمْ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=93إِنَّمَا السَّبِيلُ الْوَاضِحُ السَّوِيُّ أَوْصَلُ إِلَى الْمُؤَاخَذَةِ وَالْمُعَاقَبَةِ بِالْحَقِّ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=93عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَيْ : أَغْنِيَاءُ يَطْلُبُونَ الْإِذْنَ لَهُمْ فِي الْقُعُودِ وَالتَّخَلُّفِ عَنِ النَّفْرِ وَالْحَالُ أَنَّهُمْ أَغْنِيَاءُ فِي حَالِ هَذَا الِاسْتِئْذَانِ وَمِنْ قَبْلِهِ ، قَادِرُونَ عَلَى إِعْدَادِ الْعُدَّةِ لَهُ مِنْ زَادٍ وَرَوَاحِلَ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلِمَاذَا ؟
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=93رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ أَيْ : رَضُوا لِأَنْفُسِهِمْ بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَالْخَالِفِينَ ، مِنَ النِّسَاءِ وَالْأَطْفَالِ وَالْمَعْذُورِينَ بَلْ مَعَ الْفَاسِدِي الْأَخْلَاقِ الْمُفْسِدِينَ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=93وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَأَحَاطَ بِهِمْ مَا جَرُّوا عَلَيْهِ مِنْ خَطَايَاهُمْ وَذُنُوبِهِمْ ، بِحَسَبِ سُنَنِ اللَّهِ تَعَالَى فِي
[ ص: 510 ] أَمْثَالِهِمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=93فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ كُنْهَ حَالِهِمْ ، وَلَا سُوءَ مَآلِهِمْ ، وَمَا هُوَ سَبَبُهُ مِنْ أَعْمَالِهِمْ ، فَأَمَّا حَالُهُمْ فِي التَّخَلُّفِ وَطَلَبِ الْقُعُودِ مَعَ الْخَوَالِفِ بِغَيْرِ أَدْنَى عُذْرٍ ، فَهُوَ رِضًا بِالذُّلِّ وَالْمَهَانَةِ فِي الدُّنْيَا ; لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=7918تَخَلُّفَ الْأَفْرَادِ عَنِ الْقِتَالِ الَّذِي تَقُومُ بِهِ الشُّعُوبُ وَالْأَقْوَامُ ، وَرِضَاءَ الرِّجَالِ بِالِانْتِظَامِ فِي سِلْكِ النِّسَاءِ وَالْأَطْفَالِ ، يُعَدُّ فِي عُرْفِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ مِنْ أَعْظَمِ مَظَاهِرِ الْخِزْيِ وَالْعَارِ ، وَهُوَ فِي حُكْمِ الْإِسْلَامِ أَقْوَى آيَاتِ الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ ، وَأَمَّا مَآلُهُمْ وَسُوءُ عَاقِبَتِهِمْ فَهُوَ مَا فَضَحَهُمُ اللَّهُ بِهِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ ، وَمَا شَرَعَهُ لِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ جِهَادِهِمْ وَإِهَانَتِهِمْ ، وَعَدَمِ الْعَوْدِ إِلَى مُعَامَلَتِهِمْ بِظَاهِرِ إِسْلَامِهِمْ ، وَمَا أَعَدَّهُ لَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ ، وَالْخِزْيِ الدَّائِمِ فِي نَارِ الْجَحِيمِ .
وَهَاتَانِ الْآيَتَانِ بِمَعْنَى الْآيَاتِ ( 86 ، 87 ، 88 ) وَلَكِنْ أَسْنَدَ فِعْلَ الطَّبْعِ عَلَى الْقُلُوبِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِلَى اسْمِهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَهُنَالِكَ أَسْنَدَ إِلَى الْمَفْعُولِ ، وَالْمُرَادُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا وَاحِدٌ ، وَهُوَ بَيَانُ سُنَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدَرِهِ فِي عَلَاقَةِ الْأَعْمَالِ ، بِالْعَقَائِدِ وَالسَّجَايَا وَالْأَخْلَاقِ ، إِلَّا أَنَّ التَّصْرِيحَ بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ مَزِيدُ إِهَانَةٍ لَهُمْ . وَعَبَّرَ هُنَا بِالْعِلْمِ وَهُنَاكَ بِالْفِقْهِ ، وَالْمُرَادُ وَاحِدٌ وَهُوَ الْإِدْرَاكُ وَالْعِرْفَانُ الصَّحِيحُ الَّذِي يَبْعَثُ عَلَى الْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهُ ، وَلَكِنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنَ الْعِلْمِ تَيَقُّنُ الْمَعْلُومِ ، وَمِنَ الْفِقْهِ تَأْثِيرُ الْعِلْمِ فِي النَّفْسِ .
نَسْأَلُهُ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَنَا مِنَ الْعُلَمَاءِ الْمُوقِنِينَ ، الْفُقَهَاءِ الْمُعْتَبِرِينَ ، الْمُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ ، الْعَامِلِينَ الْمُخْلِصِينَ ، وَأَنْ يُوَفِّقَنَا لِإِتْمَامِ تَفْسِيرِ كِتَابِهِ بِالْحَقِّ ، النَّافِعِ لِلْخَلْقِ ، وَيَهْدِينَا جَمِيعًا لِلْعَمَلِ بِهِ ، وَالِاسْتِضَاءَةِ بِنُورِهِ ، وَيُؤْتِي هَذِهِ الْأُمَّةَ بِهِ مَا وَعَدَهَا مِنْ سَعَادَةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .
تَمَّ تَفْسِيرُ الْجُزْءِ الْعَاشِرِ كِتَابَةً وَتَحْرِيرًا فِي الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ الْمُبَارَكِ سَنَةَ 1349 - وَقَدِ اعْتَمَدْنَا جَعْلَ آيَةِ 93 إِنَّمَا السَّبِيلُ إِلَخْ مِنْهُ مُرَاعَاةً لِلْمَعْنَى الَّذِي كَانَتْ بِهِ مُتَمِّمَةً لِمَا قَبْلَهَا ، وَهِيَ فِي بَعْضِ الْمَصَاحِفِ أَوَّلُ الْجُزْءِ الْحَادِي عَشَرَ - وَكُنَّا بَدْأَنَا بِهِ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ 1346 وَنُشِرَ فِي الْمُجَلَّدَاتِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ وَالثَّلَاثِينَ وَالْحَادِيَ وَالثَّلَاثِينَ مِنَ الْمَنَارِ .
وَنَرْجُو أَنْ يُوَفِّقَنَا اللَّهُ تَعَالَى لِإِنْجَازِ تَفْسِيرِ كُلِّ جُزْءٍ مِمَّا بَقِيَ فِي أَقَلَّ مِنْ سَنَةٍ .
مَعَ الِاخْتِصَارِ غَيْرِ الْمُخِلِّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَبِهِ الْحَوْلُ وَالْقُوَّةُ . وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ .