واختلفوا في نقض الوضوء بمس الفرج بدون حائل . والأصل فيه تعارض الأحاديث ( فمنها ) في إثبات النقض حديث بسرة المرفوع : " من مس ذكره فلا يصل حتى يتوضأ " رواه مالك والشافعي وأحمد وأصحاب السنن الأربعة ، وصححه الترمذي ، وفي رواية لأحمد والنسائي " ، ويتوضأ من مس الذكر " ، قالوا : ويشمل ذكر نفسه وغيره ، وهو معقول ، وإن كان الظاهر أنه رواية بالمعنى ، ولم يخرجه الشيخان في صحيحيهما ; لاختلاف وقع في سماع عروة من بسرة . قيل : سمع منها ، وقيل : من مروان عنها ، ومروان مطعون فيه ، وقيل : أرسل مروان رجلا من حرسه إلى بسرة ، فسألها عنه ، وعاد فأخبره بأنها قالته ، والحرسي مجهول العدالة . وقال البخاري : إن هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب ، وإن لم يخرجه في صحيحه لما ذكر . وحديث أم حبيبة المرفوع : " من مس فرجه فليتوضأ " رواه ابن ماجه ، وصححه أحمد ، وأبو زرعة . وحديث أبي هريرة المرفوع : " من أفضى بيده إلى ذكره ، ليس دونه ستر ، فقد وجب عليه الوضوء " رواه أحمد ، وابن حبان في صحيحه ، وصححه الحاكم ، وابن عبد البر أيضا . وحديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده يرفعه : " أيما رجل مس فرجه فليتوضأ ، وأيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ " رواه أحمد ، والترمذي ، وروي الأخذ بهذه الأحاديث عن عمر ، وابنه عبد الله ، وأبي هريرة ، وابن عباس ، وسعد بن أبي وقاص ، وعائشة ، وعن عطاء ، والزهري ، وسعيد بن المسيب ، ومجاهد ، وهو مذهب الشافعي وأحمد وإسحاق ومالك في المشهور عنه ، واشترط الشافعي أن يكون المس بباطن الكف ، وظاهر حديث أبي هريرة العموم ; لأن الإفضاء معناه الوصول ، وكأن الشافعي فهم هذا من أن الواقع أن المس الاختياري المعتاد إنما يكون بباطن الكف ، وهو الذي يكون مظنة إثارة الشهوة التي هي علة النقض فيما يظهر ، فلا يعتد بغيره ، وروي عن مالك ، أن الوضوء إنما يندب من المس ندبا ، ويرده حديث أبي هريرة . وقيل : إن رواية الفرج تشمل القبل والدبر ، وعليه الشافعي في الجديد . والظاهر أن المراد بالفرج [ ص: 213 ] القبل ; لموافقة أكثر الروايات ، ولأن شرج الدبر لا يلمس عادة ، ولا هو مظنة إثارة الشهوة .
وروي القول بعدم النقض بالمس عن علي وابن مسعود وعمار بن ياسر ، وعن الحسن البصري ، وربيعة ، وغيرهم من الصحابة ، والتابعين ، وهو مذهب الثوري ، والعترة ، والحنفية ، وحجة هؤلاء في معارضة تلك الأحاديث ، حديث طلق بن علي ، أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل : الرجل يمس ذكره أعليه وضوء ؟ فقال : " إنما هو بضعة منك " رواه أحمد ، وأصحاب السنن الأربعة ، والدارقطني ، وصححه ابن حبان ، والطبري ، وابن حزم ، وعمرو بن علي بن الفلاس ، وقال : هو عندنا أثبت من حديث بسرة ، وروي عن علي بن المديني أنه قال : هو عندنا أحسن من حديث بسرة ، والصواب أنه صحيح ، وأن حديث بسرة أصح منه وأقوى دعائم ; لما يؤيده من الأحاديث الأخرى ، وادعى بعضهم نسخ حديث طلق ; لأنه روى حديث النقض بلفظ حديث أم حبيبة . وقال بعضهم : إنما ينقض المس إذا كان بلذة ، ورأى الشعراني في الجمع بين الحديثين على طريقته في الميزان ، أن نقض الوضوء بالمس عزيمة ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يوجبه على أهل العزائم من الصحابة سكان المدينة ، ومثلها سائر الأمصار التي يسهل فيها الوضوء في كل وقت ، وعدم النقض رخصة رخص بها للسائل ، وكان بدويا ، وعلماء الأصول يردون مثل هذا الجمع بأن أحاديث النقض وردت بصيغة العموم .


