الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                17869 ( أخبرنا ) أبو عبد الله الحافظ ، أنبأ أبو بكر بن إسحاق ، أنبأ إسماعيل بن قتيبة ، ثنا يحيى بن يحيى ، أنبأ هشيم ، عن حصين ، عن سعد بن عبيدة ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، وحيان بن عطية السلمي أنهما كانا يتنازعان في علي ، وعثمان - رضي الله عنهما - وكان حيان يحب عليا - رضي الله عنه - وكان أبو عبد الرحمن يحب عثمان - رضي الله عنه - فقال أبو عبد الرحمن سمعته يحدث - يعني عليا - رضي الله عنه - قال : كتب حاطب بن أبي بلتعة إلى مكة أن محمدا يريد أن يغزوكم بأصحابه فخذوا حذركم ، ودفع كتابه إلى امرأة يقال لها سارة ، فجعلته في إزارها في ذؤابة من ذوائبها ، فانطلقت ، فأطلع الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - على ذلك . قال علي : فبعثني ، ومعي الزبير بن العوام ، وأبو مرثد الغنوي وكلنا فارس ، قال : " انطلقوا ، فإنكم ستلقونها بروضة كذا وكذا ، ففتشوها ؛ فإن معها كتابا إلى أهل مكة من حاطب " . فانطلقنا ، فوافقناها ، فقلنا : هاتي الكتاب الذي معك إلى أهل مكة ، فقالت : ما معي كتاب . قال : قلت : ما كذبت ، ولا كذبت لتخرجنه ، أو لأجردنك ، فلما عرفت أني فاعل أخرجت الكتاب ، فأخذناه ، فانطلقنا به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ففتحه ، فقرأه ، فإذا فيه : من حاطب إلى أهل مكة ، أما بعد : فإن محمدا يريدكم ، فخذوا حذركم ، وتأهبوا ، أو كما قال . فلما قرأ الكتاب أرسل إلى حاطب ، فقال له : " أكتبت هذا الكتاب ؟ " . قال : نعم . قال : " فما حملك على ذلك ؟ " . قال : يا رسول الله ، أما والله ما كفرت منذ أسلمت ، وإني لمؤمن بالله ورسوله ، وما حملني على ما صنعت من كتابي إلى أهل مكة إلا أنه لم يكن أحد من أصحابك إلا وله هناك بمكة من يدفع عن أهله وماله ، ولم يكن لي هناك أحد يدفع عن أهلي ، ومالي ، فأحببت أن أتخذ عند القوم يدا ، وإني لأعلم أن الله سيظهر رسوله عليهم قال : فصدقه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقبل قوله قال : فقام عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقال : يا رسول الله دعني فأضرب عنقه ؛ فإنه قد خان الله والمؤمنين . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " يا عمر ، إنه من أهل بدر وما يدريك لعل الله اطلع عليهم ، فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " . رواه البخاري في الصحيح ، عن محمد بن عبد الله بن حوشب ، عن هشيم ، وأخرجاه من حديث عبد الله بن إدريس ، وغيره ، عن حصين .

                                                                                                                                                ( قال الشافعي - رحمه الله ) : وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " تجافوا لذوي الهيئات " . وقيل في الحديث : " ما لم يكن حدا " . فإذا كان هذا من الرجل ذي الهيئة ، وقيل بجهالة ، كما كان هذا من حاطب بجهالة ، وكان غير متهم أحببت أن يتجافى له ، وإذا كان من غير ذي الهيئة كان للإمام - والله أعلم - تعزيره .

                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                الخدمات العلمية