وهذه المقدمة فيها فوائد :
الأولى : في حد علم الحديث وما يتبعه : قال في كتاب إرشاد القاصد ، الذي تكلم فيه على أنواع العلوم : ابن الأكفاني : علم يشتمل على نقل أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله ، وروايتها ، وضبطها ، وتحرير [ ص: 26 ] ألفاظها . علم الحديث الخاص بالرواية
: علم يعرف منه حقيقة الرواية ؛ وشروطها ، وأنواعها ، وأحكامها ، وحال الرواة ، وشروطهم ، وأصناف المرويات ، وما يتعلق بها . انتهى . وعلم الحديث الخاص بالدراية
فحقيقة الرواية : نقل السنة ونحوها وإسناد ذلك إلى من عزي إليه بتحديث أو إخبار أو غير ذلك ، وشروطها : تحمل راويها لما يرويه بنوع من أنواع التحمل ، من سماع أو عرض أو إجازة ونحوها . وأنواعها : الاتصال والانقطاع ونحوهما . وأحكامها : القبول والرد . وحال الرواة : العدالة والجرح ، وشروطهم في التحمل وفي الأداء كما سيأتي .
وأصناف المرويات : المصنفات من المسانيد والمعاجم والأجزاء وغيرها ، أحاديث وآثارا وغيرهما ، وما يتعلق بها : هو معرفة اصطلاح أهلها .
وقال الشيخ عز الدين بن جماعة : علم الحديث : علم بقوانين يعرف بها أحوال السند والمتن .
وموضوعه : السند والمتن .
وغايته : معرفة الصحيح من غيره .
وقال شيخ الإسلام أبو الفضل بن حجر : أولى التعاريف له أن يقال : معرفة القواعد والمعرفة بحال الراوي والمروي ، قال : وإن شئت حذفت لفظ " معرفة " فقلت القواعد إلى آخره .
وقال الكرماني في شرح : واعلم أن الحديث [ ص: 27 ] موضوعه ذات رسول الله صلى الله عليه وسلم من حيث إنه رسول الله . البخاري
وحده : هو علم يعرف به أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفعاله وأحواله .
وغايته : هو الفوز بسعادة الدارين .
وهذا الحد مع شموله لعلم الاستنباط غير محرر ، ولم يزل شيخنا العلامة محيي الدين الكافيجي يتعجب من قوله : إن موضوع علم الحديث ذات الرسول ، ويقول : هذا موضوع الطب لا موضوع الحديث .
وأما السند فقال البدر بن جماعة والطيبي : هو الإخبار عن طريق المتن .
قال ابن جماعة : وأخذه إما من السند ، وهو ما ارتفع وعلا من سفح الجبل ؛ لأن المسند يرفعه إلى قائله ، أو من قولهم : فلان سند ، أي معتمد ، فسمى الإخبار عن طريق المتن سندا لاعتماد الحفاظ في صحة الحديث وضعفه عليه .
وأما الإسناد فهو رفع الحديث إلى قائله .
[ ص: 28 ] قال الطيبي : وهما متقاربان في معنى اعتماد الحفاظ في صحة الحديث وضعفه عليهما .
وقال ابن جماعة : المحدثون يستعملون السند والإسناد لشيء واحد .
وأما المسند بفتح النون فله اعتبارات : أحدها : الحديث الآتي تعريفه في النوع الرابع من كلام المصنف .
الثاني : الكتاب الذي جمع فيه ما أسنده الصحابة ، أي رووه ، فهو اسم مفعول .
الثالث : أن يطلق ويراد به الإسناد ، فيكون مصدرا ، كمسند الشهاب ، ومسند الفردوس : أي أسانيد أحاديثهما .
وأما المتن فهو : ألفاظ الحديث التي تتقوم بها المعاني ، قاله الطيبي .
وقال ابن جماعة : هو ما ينتهي إليه غاية السند من الكلام ، وأخذه إما من المماتنة ، وهي : المباعدة في الغاية ؛ لأنه غاية السند ، أو من متنت الكبش : إذا شققت جلدة بيضته واستخرجتها ، فكأن المسند استخرج المتن بسنده ؛ أو من المتن وهو : ما صلب وارتفع من الأرض ؛ لأن المسند يقويه بالسند ويرفعه إلى قائله ؛ أو من تمتن القوس أي شدها بالعصب ؛ لأن المسند يقوي الحديث بسنده .
[ ص: 29 ] وأما الحديث فأصله : ضد القديم ، وقد استعمل في قليل الخبر وكثيره ؛ لأنه يحدث شيئا فشيئا .
وقال شيخ الإسلام ابن حجر في شرح : البخاري : ما يضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم . وكأنه أريد به مقابلة القرآن لأنه قديم . المراد بالحديث في عرف الشرع
وقال الطيبي : الحديث أعم من أن يكون قول النبي صلى الله عليه وسلم والصحابي والتابعي وفعلهم وتقريرهم .
وقال شيخ الإسلام في شرح النخبة : مرادف للحديث ، فيطلقان على المرفوع وعلى الموقوف والمقطوع . الخبر عند علماء الفن
وقيل : الحديث ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ، والخبر ما جاء عن غيره ، ومن ثم قيل لمن يشتغل بالسنة : محدث ، وبالتواريخ ونحوها أخباري .
وقيل : بينهما عموم وخصوص مطلق ، فكل حديث خبر ولا عكس .
وقيل : لا يطلق الحديث على غير المرفوع إلا بشرط التقييد .
وقد ذكر المصنف في النوع السابع : أن المحدثين يسمون المرفوع والموقوف بالأثر ، وأن فقهاء خراسان يسمون الموقوف بالأثر والمرفوع بالخبر . ويقال : أثرت الحديث بمعنى رويته ، ويسمى المحدث أثريا نسبة للأثر .