مسألة : قال  الشافعي   رضي الله عنه : " فإذا أمر الله جل وعز  بدفع أموال اليتامى إليهم بأمرين لم يدفع إليهم إلا بهما ، وهو البلوغ والرشد      ( قال  الشافعي      ) والرشد والله أعلم الصلاح في الدين حتى تكون الشهادة جائزة مع إصلاح المال " .  
قال  الماوردي      : وهذا كما قال ، اليتيم لا ينفك حجره إلا أن يكون رشيدا في دينه وماله .  
وقال  أبو حنيفة      : إذا بلغ غير رشيد فك حجره إلا أن يكون مبذرا ، فيستدام الحجر عليه إلى خمس وعشرين سنة ثم يفك حجره ، وإن تصرف قبل استكمال خمس وعشرين سنة ببيع أو شراء صح تصرفه استدلالا بقوله تعالى :  حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم      [ النساء : 6 ] .  
فذكر الرشد منكرا فاقتضى رشدا " ما " وصلاحه لماله في حالة " ما " نوع من الرشد .  
ولأنه مكلف غير مبذر فوجب أن يفك حجره كالرشيد في دينه .  
ولأن بلوغ الكافر عاقلا يوجب فك حجره مع عدم الرشاد في دينه ، فالمسلم إذا بلغ      [ ص: 349 ] عاقلا أولى بفك الحجر عنه : ولأن اليتيم محجور عليه في ماله ونكاحه ، فلما انفك الحجر عن نكاحه إذا بلغ عاقلا وجب أن يفك الحجر عن ماله إذا بلغ عاقلا .  
والدلالة على ما قلناه قوله تعالى :  حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم      [ النساء : 6 ] فأمر بدفع أموالهم إليهم بشرطين : البلوغ والرشد ، فلم يجز أن يدفع إليهم بوجود البلوغ دون الرشد ، كما لا يجوز أن يدفع إليهم بوجود الرشد دون البلوغ ، فمن لم يكن مصلحا في دينه لا ينطلق اسم الرشد عليه .  
فإن قيل : فالرشد هو العقل كان الجواب عنه من وجهين :  
أحدهما : أن الرشد عرفا مستعمل في صلاح الدين والمال ، فلم يجز أن يحمل على العقل وإن كان بعض شرائط الرشد .  
والثاني : أنه أمر باختباره قبل الرشد ، ومن لا عقل له لا يحتاج إلى اختبار لظهور أمره ، فكان حمله على من يشتبه أمره ليحتاج إلى اختبار أولى ، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :  اقبضوا على أيدي سفهائكم     .  
والعادم للرشد سفيه فوجب أن يكون مقبوضا على يده ممنوعا من تصرفه في ماله ، ولأنه بلغ غير رشيد فوجب أن يمنع من ماله كالمجنون أو المبذر قبل الخمس والعشرين ، ولأنه ممنوع من ماله فوجب أن لا ينفذ تصرفه كالصغير ، ولأنه يملك ما ندب إليه من صلاحي رشده ، وهما صلاح نفسه بالدين وصلاح ماله بالقصد ، فلما كان صلاح ماله بالبلوغ معتبرا فأولى أن يكون صلاح نفسه معتبرا .  
فأما الآية فقد جعلناها دليلا لنا ، وما حملوها عليه مما انطلق عليه اسم رشد " ما " غير صحيح : لأن التلفظ بالشهادتين رشد ، ودفع الأذى من الطريق رشد ، وذلك مما لا يستحق به فك الحجر .  
وكذلك ما ذكروا لا يكون رشدا مطلقا ، والسفيه ليس برشيد لقوله تعالى :  ولا تؤتوا السفهاء أموالكم      [ النساء : 5 ] .  
وأما قياسهم على الرشيد فالمعنى فيه الإصلاح في الدين والمال .  
وما ذكروه من النكاح " والمال " فهما سواء متى لم ينفك الحجر عن ماله لم ينفك عن نكاحه .  
وأما الكافر فهو رشيد في دين نفسه ، لأن الرشد هو أن ينتهي عما يعتقد تحريمه ، ويفعل ما يعتقد حسنه ووجوبه ، ولا اعتبار في رشده بما يعتقده الغير من قبح وحظر فكان اسم      [ ص: 350 ] الرشد منطلقا عليه ، وإن كان كافرا يفك الحجر عنه .  
ولا ينطلق اسم الرشد على المسلم إذا كان فاسقا ، فلم يفك الحجر عنه ، كما يلي الكافر على مال ولده ولا يلي الفاسق على مال ولده .  
				
						
						
