الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وليس على المفلس أن يؤاجر وذو العسرة ينظر إلى ميسرة " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال إذا فضلت على المفلس ديون بعد قسمة ماله لم يجز أن يؤاجر بها ، وقال مالك وأحمد : يجب أن يؤاجره الحاكم بأجرة تقضى بها باقي ديونه استدلالا بما روى ابن أبي أوفى أن النبي صلى الله عليه وسلم باع سرقا في دين ، والحر لا تباع رقبته ثبت أنه باع منافعه ، وبما رويأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه " أجر مفلسا " وليس له في الصحابة مخالف ، ولأن القدرة على العمل كالقدرة على المال في تحريم الصدقة بهما ، فوجب أن يستويا في تعلق ديون المفلس بهما ؛ ولأن المنافع كالأعيان في ضمانها في العقد الصحيح بالمسمى وفي الفاسد بعوض المثل ، ثم إذا كانت الأعيان مبيعة على المفلس وجب أن تكون المنافع مبيعة عليه ، والدلالة على ما قلنا قوله تعالى : وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة [ البقرة : 280 ] فأمر بإطلاقه بعد الإعسار ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لما حجر على معاذ قال لغرمائه : " خذوا ما وجدتم فليس لكم إلا ذلك " وروي " لا سبيل لكم عليه " ، ولأن منافع الحر ليست بمال وإنما هي أسباب إلى تملك المال ، والإنسان لا يجبر على أسباب التمليك إذا أفلس كما لا يجبر على قبول الهبة والوصية وعلى خلع الزوجة ، فأما الجواب عن روايتهم أنه باع سرقا [ ص: 326 ] في دين فهو أنه منقطع لا يلزمنا الأخذ به ، ولو لزم لجاز أن يكون سرق عبدا باعه في دين سيده أو حرا أجره باختيار نفسه أو باعه في صدر الإسلام حين كان الشرع واردا في الحر بجواز بيعه ، وأما الجواب عن حديث عمر فهو أنه فعل ذلك باختيار المفلس ، وأما الجواب عن استدلالهم بأن القدرة على العمل كالقدرة على المال في تحريم الصدقة ، ففاسد بذات الروح في أن الروح تقوم مقام المال في تحريم الصدقة ولا تقوم مقامه في قضاء الدين وبالأبوين كالمال في تحريم الصدقة دون الدين ، ثم المعنى في الصدقة أنه يستبيحها المحتاج والقادر على الكسب غير محتاج ، وقضاء الدين يتعلق بالمال ، والقدرة على الكسب ليس بمال ، وأما الجواب عن الاستدلال بأن المنافع كالأعيان فهو أنها ليست بمال ، وإنما يجوز أن يصير في الثاني مالا ، ولو كانت مالا لوجب على غاصب الحر ضمان منافعه والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية