[ ص: 436 ] مسألة : قال  الشافعي   رضي الله : " وإذا ضمن رجل عن رجل حقا فللمضمون له أن يأخذ أيهما شاء " .  
قال  الماوردي      : وهذا كما قال ، الضمان وثيقة المال لا ينتقل من ذمة المضمون عنه إلا بالأداء  وللمضمون له مطالبة كل واحد من الضامن والمضمون عنه حتى يقضي حقه من أحدهما   فيبرأان معا ، وقال  ابن أبي ليلى   وداود   قد انتقل الحق بالضمان من ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن كالحوالة .  
وقال  زفر بن الهذيل   الحوالة كالضمان لا ينتقل بها الحق ، واستدل  ابن أبي ليلى   ومن تابعه على أن الحق ينتقل بالضمان كالحوالة بقوله صلى الله عليه وسلم "  والزعيم غارم     " فلما خصه بالغرم اقتضى أن يكون المضمون عنه بريئا من الغرم  وبأن  علي بن أبي طالب   لما ضمن دين الميت صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال لعلي : جزاك الله عن الإسلام خيرا وفك رهانك كما فككت رهان أخيك  ، فكان في هذا الخبر دليلان على براءة المضمون عنه بالضمان :  
أحدهما : أنه صلى الله عليه وسلم بعد أن امتنع من الصلاة عليه صلى عليه فدل على براءة ذمته ، ولو كان الدين باقيا لكان الامتناع قائما .  
والثاني : قوله : "  فك الله رهانك كما فككت رهان أخيك     " فلما أخبر بفك رهانه دل على براءة ذمته ، ولأنه لما استحال أن يكون الجسم الواحد في مجلسين استحال أن يكون الدين الواحد ثابتا في الذمتين .  
والدليل على صحة ما ذهبنا إليه قوله صلى الله عليه وسلم "  نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى     " فدل على أنه لا يبرأ بالضمان حتى يقضى ، ولأن  أبا قتادة   حثه النبي صلى الله عليه وسلم على قضاء ما ضمنه ، فلما قضاه قال له "  الآن بردت عليه جلده     " فدل على أن الميت لم يبرأ منه إلا بالقضاء .  
فإن قيل : فقد  قال النبي صلى الله عليه وسلم  لأبي قتادة   حين ضمن دين الميت عنه " عليك حق الغريم ، وبرئ الميت منه "  قيل : إنما أراد برئ من رجوعك عليه ؛ لأن ضمانه كان بغير أمره ، ولأن اسم الحوالة والضمان مشتقان من معناهما فالحوالة مشتقة من تحول الحق ، والضمان مشتق من ضم ذمة إلى ذمة ، فاقتضى أن يكون اختلاف أسمائهما من اختلاف معانيهما موجبا لاختلاف أحكامهما ، ولأن الضمان وثيقة في الحق فلم يجز أن ينتقل به الحق كالرهن .  
فأما الجواب عن قوله "  الزعيم غارم     " فهو أنه لا يمتنع أن يكون غيره غارما ، وأما صلاته على الميت بعد امتناعه منهما ، فلأنه بالضمان صار كمن ترك وفاء فلذلك صلى عليه ، وأما      [ ص: 437 ] قوله : "  فك الله رهانك كما فككت رهان أخيك     " ، فمعنى فك فيما كان مانعا من الصلاة عليه ، وأما ادعاؤهم استحالة ثبوت الدين في ذمتين فغلط ؛ لأن معنى ثبوت الدين في الذمة إنما هو استحقاق المطالبة به ، وليس يمتنع أن يكون الحق الواحد يستحق المطالبة به لشخصين ، ألا ترى أن من  غصب شيئا ثم غصبه منه غاصب آخر واستهلكه   كان للمالك مطالبة كل واحد منهما به ولم يكن ذلك مستحيلا ، كذلك في الضمان .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					