[ ص: 3 ] بسم الله الرحمن الرحيم
مختصر في النكاح الجامع من كتاب النكاح
nindex.php?page=treesubj&link=10789أباح الله تعالى النكاح نصا في كتابه ، وصريحا في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وانعقد بها سالف إجماع الأمة ، وتأكد بها سالف العترة ، قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=1ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء [ النساء : 1 ] قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=1من نفس واحدة يعني
آدم .
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=1وخلق منها زوجها يعني
حواء : لأنها خلقت من حي ، وقيل : لأنها من ضلع أيسر .
وقال
الضحاك : خلقها من ضلع الخلف وهو من أسفل الأضلاع ، ولذلك قيل للمرأة : ضلع أعوج ، فلما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
خلقت المرأة من الرجل فهمها في الرجل ، وخلق الرجل من التراب فهمه في التراب .
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=21ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا [ الروم : 21 ] فيه تأويلان :
أحدهما : أنها
حواء خلقها من ضلع
آدم .
والثاني : أنه خلق سائر الأزواج من أمثالهم من الرجال والنساء ليستأنسوا إليها : لأنه جعل بين الزوجين من الأنسة ما لم يجعل من غيرهما .
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=21وجعل بينكم مودة ورحمة [ الروم : 21 ] فيهما تأويلان :
أحدهما : أنها المودة والمحبة والرحمة والشفقة ، قاله
السدي .
والثاني : أن المودة الجماع ، والرحمة الولد ، قاله
الحسن البصري . وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=54وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا [ الفرقان : 154 ] يعني : الماء النطفة ، والبشر الإنسان .
[ ص: 4 ] والنسب : من تناسب بوالد وولد ، وكل شيء أضفته إلى شيء عرفته به فهو مناسبه ، وفي الصهر هاهنا تأويلان :
أحدهما : أنه الرضاع ، قاله
طاوس .
والثاني : أنه المناكح ، وهو قول الجمهور . وأصل الصهر الاختلاط ، فسميت المناكح صهرا لاختلاط الناس بها ، وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=32وأنكحوا الأيامى منكم [ النور : 32 ] الآية ، والأيامى جمع أيم ، وهي التي لا زوج لها ، ومنه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه نهى عن الأيمة يعني العزبة . وفي هذا الخطاب قولان :
أحدهما : أنه خطاب للأولياء أن ينكحوا أياماهن من أكفائهن إذا دعون إليه .
والثاني : أنه خطاب للأزواج أن يتزوجوا الأيامى عند الحاجة .
وفي قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=32إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله تأويلان :
أحدهما : أن يكونوا فقراء إلى النكاح يغنهم الله به عن السفاح .
والثاني : أن يكونوا فقراء إلى المال يغنهم الله إما بقناعة الصالحين ، وإما باجتماع الرزقين إليه .
روى
عبد العزيز بن داود : أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال :
اطلبوا الغنى في هذه الآية : nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=32إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله [ النور : 32 ] .
قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=2كبيرا وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع [ النساء : 3 ] وفي هذا الشرط أربع تأويلات :
أحدها : يعني إن خفتم أن لا تعدلوا في نكاح اليتامى ، ولا تخافون أن لا تعدلوا في النساء ، فقال : كما خفتم أن لا تعدلوا في أموال اليتامى ، فهكذا خافوا أن لا تعدلوا في النساء ، وهذا قول
سعيد بن جبير .
الثاني : يعني إن خفتم ألا تعدلوا في نكاح اليتامى فانكحوا ما حل لكم من غيرهن من النساء . وهو قول
عائشة رضي الله عنها .
[ ص: 5 ] والثالث : أنهم كانوا يتوقون أموال الأيتام ولا يتوقون الزنا ، فقال : كما خفتم في أموال اليتامى فخافوا الزنا ، وانكحوا ما حل لكم من النساء . فهذا قول
مجاهد .
والرابع : أن سبب نزولها أن
قريشا كانت في الجاهلية تكثر التزويج بغير عدد محصور ، فإذا كثر على الواحد منهم مؤن زوجاته ، وقل ما بيده مد يده إلى ما عنده من الأموال للأيتام ، فقدر الله تعالى بهذه الآية عدد المنكوحات حتى لا يتجاوزه فيحتاج إلى التعدي في أموال الأيتام ، وهذا قول
عكرمة .
وفي قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3فانكحوا ما طاب لكم من النساء قولان :
أحدهما : أنه عائد إلى النكاح ، وتقديره : فانكحوا النساء نكاحا طيبا ، يعني حلالا . وهذا قول
مجاهد .
والثاني : أنه عائد إلى النساء ، وتقديره : فانكحوا من النساء ما حل . وهذا قول
الفراء . فهذا من كتاب الله تعالى ، ودال على إباحة النكاح .
أما السنة فروى
ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923808يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فإنه أغض للبصر ، وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء .
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
تناكحوا تكاثروا فإني أباهي بكم الأمم حتى بالسقط .
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
من أحب فطرتي فليستن بسنتي ألا وهي النكاح .
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=923810قال لعكاف بن وداعة الهلالي : أتزوجت ؟ قال : لا ، قال : أمن إخوان الشياطين أنت إن كنت من رهبان النصارى فالحق بهم ، وإن كنت منا فمن سنتنا النكاح .
وروي أن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عزموا على جب أنفسهم والتخلي لعبادة ربهم ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهاهم وقال :
لا زمام ولا خزام ولا رهبانية ولا سياحة ولا تبتل في الإسلام .
[ ص: 6 ] أما الزمام والخزام : فهو ما كان عليه
بنو إسرائيل من زم الأنوف ، وخزم الترابي ، وأما الرهبانية فهو اجتناب النساء وترك اللحم .
وأما السياحة : فهي ترك الأمصار ولزوم الصحاري .
وأما التبتل : فهو الوحدة والانقطاع عن الناس : ولأن سائر الأمم عليه مجمعة ، والضرورة إليه داعية لما فيه من غض الطرف وتحصين الفرج وبقاء النسل وحفظ النسب .
وروي عن
عائشة أنها قالت : كانت
nindex.php?page=treesubj&link=10795مناكح الجاهلية على أربعة أضرب : نكاح الرايات ، ونكاح الرهط ، ونكاح الاستنجاد ، ونكاح الولادة .
فأما
nindex.php?page=treesubj&link=10795_10804_10807نكاح الرايات : فهو أن العاهرة في الجاهلية كانت تنصب على بابها راية : ليعلم المار بها عهرها فيزني بها ، فقد قيل في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=120وذروا ظاهر الإثم وباطنه [ الأنعام : 120 ] تأويلان :
أحدهما : أن ظاهر الإثم أولات الرايات من الزواني ، وباطنه ذوات الأخدان ( لأنهن كن يستحللنه سرا ) . وهو قول
السدي والضحاك .
والثاني : أن ظاهره ما حظر من نكاح ذوات المحارم ، وباطنه الزنا . وهو قول
سعيد بن جبير .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=10795_10805نكاح الرهط : فهو أن القبيلة أو القبائل كانوا يشتركون في إصابة المرأة ، فإذا جاءت بولد ألحق بأشبههم به .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=10795_10803النكاح الاستنجاد : فهو أن المرأة كانت إذا أرادت ولدا نجدا تحسبا ، بذلت نفسها لنجيب كل قبيلة وسيدها ، فلا تلد إلا تحسبا بأيهم شاءت .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=10791نكاح الولادة : فهو النكاح الصحيح المقصود للتناسل الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=2005705ولدت من نكاح لا من سفاح ، فإن الله تعالى لم يزل ينقل نبيه - عليه السلام - من الأصلاب الزاكية إلى الأرحام الطاهرة ، وقد قال
ابن عباس : في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=219وتقلبك في الساجدين [ الشعراء : 219 ] قال : من نبي إلى نبي ، حتى جعلك نبيا ، وكان نور النبوة في أيامه ظاهرا ، حتى حكي أن كاهنة
بمكة يقال لها
فاطمة بنت الهرم قرأت الكتب ، فمر بها
عبد المطلب ومعه ابنه
عبد الله يريد أن يزوجه
آمنة بنت وهب ، فرأت نور النبوة في وجه
عبد الله ، فقالت : هل لك أن تغشاني وتأخذ مثل الإبل ، فقال
عبد الله :
أما الحرام فالممات دونه والحل لا حل فأستبينه [ ص: 7 ] فكيف بالأمر الذي تبغينه
يحمي الكريم عرضه ودينه ؟ !
فلما تزوج
آمنة ، وحملت منه برسول الله صلى الله عليه وسلم ، مر في عوده
بفاطمة ، فقال : هل لك فيما قلت : قد كان مرة فاليوم لا ، فإذا سبعت ، فقال : زوجني أبي
بآمنة بنت وهب الزهرية ، فقالت : قد أخذت النور الذي قد كان في وجهك ، وأنشأت تقول :
إني رأيت مخيلة نشأت فتلألأت بحناتم القطر
فلمحتها نورا يضيء به ما حوله كإضاءة الفجر
ورأيت سقياها حيا بلدا وقعت به وعمارة القفر
ورأيته شرفا أبوء به ما كل قادح زنده يوري
لله ما زهرية سلبت منك الذي استلبت وما تدري
[ ص: 3 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مُخْتَصَرٌ فِي النِّكَاحِ الْجَامِعِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ
nindex.php?page=treesubj&link=10789أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى النِّكَاحَ نَصًّا فِي كِتَابِهِ ، وَصَرِيحًا فِي سُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَانْعَقَدَ بِهَا سَالِفُ إِجْمَاعِ الْأُمَّةِ ، وَتَأَكَّدَ بِهَا سَالِفُ الْعِتْرَةِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=1يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً [ النِّسَاءِ : 1 ] قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=1مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ يَعْنِي
آدَمَ .
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=1وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا يَعْنِي
حَوَّاءَ : لِأَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ حَيٍّ ، وَقِيلَ : لِأَنَّهَا مِنْ ضِلْعٍ أَيْسَرَ .
وَقَالَ
الضَّحَّاكُ : خَلَقَهَا مِنْ ضِلْعِ الْخَلْفِ وَهُوَ مِنْ أَسْفَلِ الْأَضْلَاعِ ، وَلِذَلِكَ قِيلَ لِلْمَرْأَةِ : ضِلْعٌ أَعْوَجُ ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
خُلِقَتِ الْمَرْأَةُ مِنَ الرَّجُلِ فَهَمُّهَا فِي الرَّجُلِ ، وَخُلِقَ الرَّجُلُ مِنَ التُّرَابِ فَهَمُّهُ فِي التُّرَابِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=21وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا [ الرُّومِ : 21 ] فِيهِ تَأْوِيلَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهَا
حَوَّاءُ خَلَقَهَا مِنْ ضِلْعِ
آدَمَ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ خَلَقَ سَائِرَ الْأَزْوَاجِ مِنْ أَمْثَالِهِمْ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ لِيَسْتَأْنِسُوا إِلَيْهَا : لِأَنَّهُ جَعَلَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ مِنَ الْأَنَسَةِ مَا لَمْ يَجْعَلْ مِنْ غَيْرِهِمَا .
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=21وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً [ الرُّومِ : 21 ] فِيهِمَا تَأْوِيلَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهَا الْمَوَدَّةُ وَالْمَحَبَّةُ وَالرَّحْمَةُ وَالشَّفَقَةُ ، قَالَهُ
السُّدِّيُّ .
وَالثَّانِي : أَنَّ الْمَوَدَّةَ الْجِمَاعُ ، وَالرَّحْمَةَ الْوَلَدُ ، قَالَهُ
الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ . وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=54وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا [ الْفُرْقَانِ : 154 ] يَعْنِي : الْمَاءَ النُّطْفَةَ ، وَالْبَشَرَ الْإِنْسَانَ .
[ ص: 4 ] وَالنَّسَبُ : مَنْ تَنَاسَبَ بِوَالِدٍ وَوَلَدٍ ، وَكُلُّ شَيْءٍ أَضَفْتَهُ إِلَى شَيْءٍ عَرَفْتَهُ بِهِ فَهُوَ مُنَاسَبُهُ ، وَفِي الصِّهْرِ هَاهُنَا تَأْوِيلَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ الرَّضَاعُ ، قَالَهُ
طَاوُسٌ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ الْمَنَاكِحُ ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ . وَأَصْلُ الصِّهْرِ الِاخْتِلَاطُ ، فَسُمِّيَتِ الْمَنَاكِحُ صِهْرًا لِاخْتِلَاطِ النَّاسِ بِهَا ، وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=32وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ [ النُّورِ : 32 ] الْآيَةُ ، وَالْأَيَامَى جَمْعُ أَيِّمٍ ، وَهِيَ الَّتِي لَا زَوْجَ لَهَا ، وَمِنْهُ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنَّهُ نَهَى عَنِ الْأَيْمَةِ يَعْنِي الْعُزْبَةَ . وَفِي هَذَا الْخِطَابِ قَوْلَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ خِطَابٌ لِلْأَوْلِيَاءِ أَنْ يُنْكِحُوا أَيَامَاهُنَّ مِنْ أَكْفَائِهِنَّ إِذَا دَعَوْنَ إِلَيْهِ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ خِطَابٌ لِلْأَزْوَاجِ أَنْ يَتَزَوَّجُوا الْأَيَامَى عِنْدَ الْحَاجَةِ .
وَفِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=32إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ تَأْوِيلَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ إِلَى النِّكَاحِ يُغْنِهِمُ اللَّهُ بِهِ عَنِ السِّفَاحِ .
وَالثَّانِي : أَنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ إِلَى الْمَالِ يُغْنِهِمُ اللَّهُ إِمَّا بِقَنَاعَةِ الصَّالِحِينَ ، وَإِمَّا بِاجْتِمَاعِ الرِّزْقَيْنِ إِلَيْهِ .
رَوَى
عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ دَاوُدَ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ :
اطْلُبُوا الْغِنَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ : nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=32إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [ النُّورِ : 32 ] .
قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=2كَبِيرًا وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ [ النِّسَاءِ : 3 ] وَفِي هَذَا الشَّرْطِ أَرْبَعُ تَأْوِيلَاتٍ :
أَحَدُهَا : يَعْنِي إِنْ خِفْتُمْ أَنْ لَا تَعْدِلُوا فِي نِكَاحِ الْيَتَامَى ، وَلَا تَخَافُونَ أَنْ لَا تَعْدِلُوا فِي النِّسَاءِ ، فَقَالَ : كَمَا خِفْتُمْ أَنْ لَا تَعْدِلُوا فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى ، فَهَكَذَا خَافُوا أَنْ لَا تَعْدِلُوا فِي النِّسَاءِ ، وَهَذَا قَوْلُ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ .
الثَّانِي : يَعْنِي إِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فِي نِكَاحِ الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا حَلَّ لَكُمْ مِنْ غَيْرِهِنَّ مِنَ النِّسَاءِ . وَهُوَ قَوْلُ
عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا .
[ ص: 5 ] وَالثَّالِثُ : أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَوَقُّونَ أَمْوَالَ الْأَيْتَامِ وَلَا يَتَوَقُّونَ الزِّنَا ، فَقَالَ : كَمَا خِفْتُمْ فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى فَخَافُوا الزِّنَا ، وَانْكِحُوا مَا حَلَّ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ . فَهَذَا قَوْلُ
مُجَاهِدٍ .
وَالرَّابِعُ : أَنَّ سَبَبَ نُزُولِهَا أَنَّ
قُرَيْشًا كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تُكْثِرُ التَّزْوِيجَ بِغَيْرِ عَدَدٍ مَحْصُورٍ ، فَإِذَا كَثُرَ عَلَى الْوَاحِدِ مِنْهُمْ مُؤَنُ زَوْجَاتِهِ ، وَقَلَّ مَا بِيَدِهِ مَدَّ يَدَهُ إِلَى مَا عِنْدَهُ مِنَ الْأَمْوَالِ لِلْأَيْتَامِ ، فَقَدَّرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَذِهِ الْآيَةِ عَدَدَ الْمَنْكُوحَاتِ حَتَّى لَا يَتَجَاوَزَهُ فَيَحْتَاجُ إِلَى التَّعَدِّي فِي أَمْوَالِ الْأَيْتَامِ ، وَهَذَا قَوْلُ
عِكْرِمَةَ .
وَفِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ قَوْلَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ عَائِدٌ إِلَى النِّكَاحِ ، وَتَقْدِيرُهُ : فَانْكِحُوا النِّسَاءَ نِكَاحًا طَيِّبًا ، يَعْنِي حَلَالًا . وَهَذَا قَوْلُ
مُجَاهِدٍ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ عَائِدٌ إِلَى النِّسَاءِ ، وَتَقْدِيرُهُ : فَانْكِحُوا مِنَ النِّسَاءِ مَا حَلَّ . وَهَذَا قَوْلُ
الْفَرَّاءِ . فَهَذَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَدَالٌّ عَلَى إِبَاحَةِ النِّكَاحِ .
أَمَّا السُّنَّةُ فَرَوَى
ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923808يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ .
وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
تَنَاكَحُوا تَكَاثَرُوا فَإِنِّي أُبَاهِي بِكُمُ الْأُمَمَ حَتَى بِالسَّقْطِ .
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :
مَنْ أَحَبَّ فِطْرَتِي فَلْيَسْتَنَّ بِسُنَّتِي أَلَا وَهِيَ النِّكَاحُ .
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=923810قَالَ لِعَكَّافِ بْنِ وَدَاعَةَ الْهِلَالِيِّ : أَتَزَوَّجْتَ ؟ قَالَ : لَا ، قَالَ : أَمِنْ إِخْوَانِ الشَّيَاطِينِ أَنْتَ إِنْ كُنْتَ مِنْ رُهْبَانِ النَّصَارَى فَالْحَقْ بِهِمْ ، وَإِنْ كُنْتَ مِنَّا فَمِنْ سُنَّتِنَا النِّكَاحُ .
وَرُوِيَ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَزَمُوا عَلَى جَبِّ أَنْفُسِهِمْ وَالتَّخَلِّي لِعِبَادَةِ رَبِّهِمْ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَهَاهُمْ وَقَالَ :
لَا زِمَامَ وَلَا خِزَامَ وَلَا رَهْبَانِيَّةَ وَلَا سِيَاحَةَ وَلَا تَبَتُّلَ فِي الْإِسْلَامِ .
[ ص: 6 ] أَمَّا الزِّمَامُ وَالْخِزَامُ : فَهُوَ مَا كَانَ عَلَيْهِ
بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنْ زَمِّ الْأُنُوفِ ، وَخَزْمِ التُّرَابِيِّ ، وَأَمَّا الرَّهْبَانِيَّةُ فَهُوَ اجْتِنَابُ النِّسَاءِ وَتَرْكُ اللَّحْمِ .
وَأَمَّا السِّيَاحَةُ : فَهِيَ تَرْكُ الْأَمْصَارِ وَلُزُومُ الصَّحَارِي .
وَأَمَّا التَّبَتُّلُ : فَهُوَ الْوَحْدَةُ وَالِانْقِطَاعُ عَنِ النَّاسِ : وَلِأَنَّ سَائِرَ الْأُمَمِ عَلَيْهِ مُجْمِعَةٌ ، وَالضَّرُورَةُ إِلَيْهِ دَاعِيَةٌ لِمَا فِيهِ مِنْ غَضِّ الطَّرْفِ وَتَحْصِينِ الْفَرَجِ وَبَقَاءِ النَّسْلِ وَحِفْظِ النَّسَبِ .
وَرُوِيَ عَنْ
عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ : كَانَتْ
nindex.php?page=treesubj&link=10795مَنَاكِحُ الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَضْرُبٍ : نِكَاحُ الرَّايَاتِ ، وَنِكَاحُ الرَّهْطِ ، وَنِكَاحُ الِاسْتِنْجَادِ ، وَنِكَاحُ الْوِلَادَةِ .
فَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=10795_10804_10807نِكَاحُ الرَّايَاتِ : فَهُوَ أَنَّ الْعَاهِرَةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَتْ تَنْصِبُ عَلَى بَابِهَا رَايَةً : لِيَعْلَمَ الْمَارُّ بِهَا عُهْرَهَا فَيَزْنِي بِهَا ، فَقَدْ قِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=120وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ [ الْأَنْعَامِ : 120 ] تَأْوِيلَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ ظَاهِرَ الْإِثْمِ أُولَاتُ الرَّايَاتِ مِنَ الزَّوَانِي ، وَبَاطِنَهُ ذَوَاتُ الْأَخْدَانِ ( لِأَنَّهُنَّ كُنَّ يَسْتَحْلِلْنَهُ سِرًّا ) . وَهُوَ قَوْلُ
السُّدِّيِّ وَالضَّحَّاكِ .
وَالثَّانِي : أَنَّ ظَاهِرَهُ مَا حُظِرَ مِنْ نِكَاحِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ ، وَبَاطِنَهُ الزِّنَا . وَهُوَ قَوْلُ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=10795_10805نِكَاحُ الرَّهْطِ : فَهُوَ أَنَّ الْقَبِيلَةَ أَوِ الْقَبَائِلَ كَانُوا يَشْتَرِكُونَ فِي إِصَابَةِ الْمَرْأَةِ ، فَإِذَا جَاءَتْ بِوَلَدٍ أُلْحِقَ بِأَشْبَهِهِمْ بِهِ .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=10795_10803النِّكَاحُ الِاسْتِنْجَادُ : فَهُوَ أَنَّ الْمَرْأَةَ كَانَتْ إِذَا أَرَادَتْ وَلَدًا نَجْدًا تَحَسُّبًا ، بَذَلَتْ نَفْسَهَا لِنَجِيبِ كُلِّ قَبِيلَةٍ وَسَيِّدِهَا ، فَلَا تَلِدُ إِلَّا تَحَسُّبًا بِأَيِّهِمْ شَاءَتْ .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=10791نِكَاحُ الْوِلَادَةِ : فَهُوَ النِّكَاحُ الصَّحِيحُ الْمَقْصُودُ لِلتَّنَاسُلِ الَّذِي قَالَ فِيهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=2005705وُلِدْتُ مِنْ نِكَاحٍ لَا مِنْ سِفَاحٍ ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَزَلْ يَنْقُلُ نَبِيَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنَ الْأَصْلَابِ الزَّاكِيَةِ إِلَى الْأَرْحَامِ الطَّاهِرَةِ ، وَقَدْ قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ : فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=219وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ [ الشُّعَرَاءِ : 219 ] قَالَ : مِنْ نَبِيٍّ إِلَى نَبِيٍّ ، حَتَّى جَعَلَكَ نَبِيًّا ، وَكَانَ نُورُ النُّبُوَّةِ فِي أَيَّامِهِ ظَاهِرًا ، حَتَّى حُكِيَ أَنَّ كَاهِنَةً
بِمَكَّةَ يُقَالُ لَهَا
فَاطِمَةُ بِنْتُ الْهَرَمِ قَرَأَتِ الْكُتُبَ ، فَمَرَّ بِهَا
عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَمَعَهُ ابْنُهُ
عَبْدُ اللَّهِ يُرِيدُ أَنْ يُزَوِّجَهُ
آمِنَةَ بِنْتَ وَهْبٍ ، فَرَأَتْ نُورَ النُّبُوَّةِ فِي وَجْهِ
عَبْدِ اللَّهِ ، فَقَالَتْ : هَلْ لَكَ أَنْ تَغْشَانِي وَتَأْخُذَ مِثْلَ الْإِبِلِ ، فَقَالَ
عَبْدُ اللَّهِ :
أَمَّا الْحَرَامُ فَالْمَمَاتُ دُونَهُ وَالْحِلُّ لَا حِلَّ فَأَسْتَبِينُهُ [ ص: 7 ] فَكَيْفَ بِالْأَمْرِ الَّذِي تَبْغِينَهُ
يَحْمِي الْكَرِيمُ عِرْضَهُ وَدِينَهُ ؟ !
فَلَمَّا تَزَوَّجَ
آمِنَةَ ، وَحَمَلَتْ مِنْهُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، مَرَّ فِي عَوْدِهِ
بِفَاطِمَةَ ، فَقَالَ : هَلْ لَكِ فِيمَا قُلْتِ : قَدْ كَانَ مَرَّةً فَالْيَوْمَ لَا ، فَإِذَا سَبِعْتَ ، فَقَالَ : زَوَّجَنِي أَبِي
بِآمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ الزُّهْرِيَّةِ ، فَقَالَتْ : قَدْ أَخَذَتِ النُّورَ الَّذِي قَدْ كَانَ فِي وَجْهِكَ ، وَأَنْشَأَتْ تَقُولُ :
إِنِّي رَأَيْتُ مَخِيلَةً نَشَأَتْ فَتَلَأْلَأَتْ بِحَنَاتِمِ الْقِطْرِ
فَلَمَحْتُهَا نُورًا يُضِيءُ بِهِ مَا حَوْلَهُ كَإِضَاءَةِ الْفَجْرِ
وَرَأَيْتُ سُقِيَاهَا حَيَّا بَلَدًا وَقَعَتْ بِهِ وَعِمَارَةُ الْقَفْرِ
وَرَأَيْتُهُ شَرَفًا أَبُوءُ بِهِ مَا كُلُّ قَادِحِ زَنْدِهِ يُورِي
لِلَّهِ مَا زُهْرِيَّةً سَلَبَتْ مِنْكَ الَّذِي اسْتَلَبَتْ وَمَا تَدْرِي