الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ولا يرجع بها على الذي غره ، إلا بعد أن يغرمها ، فإن كان الزوج عبدا فولده أحرار : لأنه تزوج على أنهم أحرار ولا مهر لها عليه حتى بعتق ( قال المزني ) : وقيمة الولد في معناه ، وهذا يدل على أن لا غرم على من شهد على رجل بقتل خطأ أو بعتق حتى يغرم للمشهود له ( قال الشافعي ) رحمه الله ، وإن كانت هي الغارة رجع عليها به إذا أعتقت " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : فذكرنا أن الزوج يرجع بما غرمه من قيمته على الولد قولا واحدا ، وفي رجوعه بما غرمه من مهر المثل دون المسمى قولان ، ورجوعه بذلك إنما يكون على من غره بعد غرمه فأما قبله فلا رجوع له : لأنه لم يغرم ما يرجع به ، وقد يجوز أن يبرأ منه فلا يرجع به .

                                                                                                                                            [ ص: 353 ] قال المزني : هذا يدل على أن من شهد على رجل بقتل خطأ ، ثم رجع الشهود لم يلزمهم غرم الدية إلا بعد أن يغرمها العاقلة ، فيرجع بها حينئذ على الشهود ، وهذا صحيح : لأنه قبل الغرم قد يجوز أن يبرأ العاقلة ، فلا يستحق الرجوع ، فإذا غرم الزوج ذلك لم يصح أن ينسب الغرور إلى السيد : لأنها تعتق عليه بقوله هي حرة ، فلا يكون غارا ، وإنما يصح أن يكون الغرور إما منها أو من وكيله في نكاحها ، أو منهما معا ، فإن تفرد الوكيل بغرور الزوج رجع عليه بقيمة الولد ومهر المثل في الحال إن كان موسرا ، وانظر إلى ميسرته إن كان معسرا ، وإن تفردت الأمة بالغرور يرجع الزوج عليها بقيمة الولد ، وبجميع مهر المثل ولا يترك عليها شيئا منه : لأنه قد غرم جميعه للسيد ، فلم يصر بضعها مستهلكا بغير مهر ، وكان ذلك في ذمتها لأنها أمة تؤديه إذا أيسرت بعد العتق .

                                                                                                                                            فإن قيل : فهلا كان ذلك في رقبتها تباع فيه كالعبد إذا نكح بغير إذن سيده ، ولزمه المهر بإصابته كان في رقبته على أحد القولين ؟

                                                                                                                                            قيل : الفرق بينهما : إن الرقبة لا يتعلق بها إلا جناية ، ووطء العبد جناية توجب الغرم ، فجاز أن يتعلق برقبته ، وليس غرور الأمة جناية ، ولا الغرم بها يتعلق ، وإنما تعلق بوطء الزوج ، فلم يجز أن يتعلق برقبتها ، وإن اشترك الوكيل والأمة في الغرور كان غرم المهر وقيمة الأولاد بينهما نصفين : لاستوائهما في الغرور ، لكن ما وجب على الوكيل من نصف الغرم يؤخذ به معجلا : لأنه حر ، وما وجب على الأمة من نصف الغرم تؤخذ به إذا أيسرت بعد العتق .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية