الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فلو علمت أن مهر مثلها لا ينقص عن عشرة دنانير ، وجهلت الزيادة عليها ، فأبرأته من جميعه ، لم يبرأ من الزيادة على العشرة ؛ لأنها مجهولة ، وفي براءته من العشرة المعلومة وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه يبرأ منها ؛ لكونها معلومة القدر .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : لا يبرأ منها ؛ لأنها بعض جملة مجهولة فجرى على جميعها حكم الجهالة كما لو ضمن ما يعلم بعضه ويجهل جميعه كان ضمان الجميع باطلا .

                                                                                                                                            فإن كان مهر مثلها مجهول القدر معلوم الطرفين ، مثل أن تعلم : أنه لا ينقص عن عشرة دنانير ، ولا يزيد على عشرين دينارا ، فللبراءة منه حالان :

                                                                                                                                            حال بالإبراء ، وحال بالأداء .

                                                                                                                                            فأما الإبراء : فالطريق إلى صحته أن تقول : قد أبرأتك من دينار إلى عشرين دينارا ، فيبرأ ؛ لأن العلم بالطرفين يجعل الوسط ملحقا بهما ، فلو أبرأته من الزيادة على العشرة إلى العشرين ، صح ، وصار ما تستحقه عليه من المهر عشرة دنانير .

                                                                                                                                            فلو قالت : قد أبرأتك من عشرة إلى عشرين برئ من الجميع ؛ لأن الحدين يدخلان في المحدود إذا جانساه ، فالحد الأول : هو المبتدأ منه ، والحد الثاني : هو المنتهى إليه .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : يدخل فيه الحد الأول المبتدأ منه ، ولا يدخل فيه الحد الثاني المنتهى إليه ، فيبرأ من تسعة عشر دينارا .

                                                                                                                                            وقال زفر بن الهذيل : لا يدخل فيه واحد من الحدين ، لا المبتدأ منه ، ولا المنتهى إليه ، فيبرأ من تسعة دنانير .

                                                                                                                                            [ ص: 529 ] والدليل على دخول الحدين فيه - وهو قول أبي يوسف - : أن " من " حرف لابتداء غاية الشيء ، و " إلى " حرف لانتهاء غاية الشيء ، وابتداء الشيء وانتهاؤه طرفاه ، وطرفا الشيء من جملته ، فلذلك وجب دخول الحد في المحدود .

                                                                                                                                            وأما الإبراء بالأداء فضربان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يدفع إليها عشرين دينارا ، فقد دخل فيها جميع مهرها فبرئ منه ، عشرة منها متحققة ، والعشرة الأخرى مشكوكة ، فتحتاج أن يبرئها من دينار إلى عشرة فيبرئان جميعا .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يدفع إليها عشرة فيحتاج أن تكون هي المبرئة له من دينار إلى عشرة ، فيبرأ حينئذ من جميع مهرها بالأداء والإبراء .

                                                                                                                                            وإذا كان مهرها معلوما في الذمة ، فقالت : قد أبرأتك منه إن شئت ، فقال : قد شئت ، لم يصح الإبراء .

                                                                                                                                            ولو كانت عينا قائمة ، فقالت : قد وهبته لك إن شئت ، فقال : قد قبلت وشئت ، صحت الهبة .

                                                                                                                                            والفرق بينهما : أن الإبراء إسقاط لا يراعى فيه المشيئة كما لا يراعى فيه القبول ، والهبة تمليك يراعى فيه المشيئة كما يراعى فيه القبول ، فافترقا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية