الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " وإذا أراد أن يتزوج المرأة فليس له أن ينظر إليها حاسرة ، وينظر إلى وجهها وكفيها وهي متغطية ، بإذنها وبغير إذنها ، قال الله تعالى : ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها [ النور : 31 ] قال : الوجه والكفان " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : قد مضى الكلام أن وجه المرأة وكفيها ليس بعورة في كتاب الصلاة : لقوله تعالى : ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها [ النور : 31 ] .

                                                                                                                                            قال الشافعي : الوجه والكفان . وهو قول الحسن وسعيد بن جبير وعطاء .

                                                                                                                                            وقال ابن عباس والمسور بن مخرمة : هو الكحل ، والخاتم ، عبارة عن الوجه بالكحل [ ص: 34 ] وعن اليدين بالخاتم ، فإذا أراد الرجل أن يتزوج المرأة ، جاز له أن ينظر إلى وجهها وكفيها لا غير .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : ينظر مع الوجه والكفين إلى ربع الساق .

                                                                                                                                            وقال داود : ينظر منها إلى ما ينظر من الأمة إذا أراد شراءها ، ورواه الأشهب عن مالك .

                                                                                                                                            وروي عن الأشهب مثل قولنا .

                                                                                                                                            وقال المغربي : لا يجوز أن ينظر إلى شيء منها ، فأما أبو حنيفة ، فإنه اعتبر القدمين بالكفين : لأنه أحد الطرفين ، فلم يجعلها عورة ، والكلام معه في حد العورة قد مضى ، وأما داود : فاستدل بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إذا أراد أحدكم خطبة امرأة فليولج بصره فيها فإنما هو مسر . وأما المغربي فإنه استدل بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإن الأولى لك والثانية عليك .

                                                                                                                                            ودليلنا على أبي حنيفة قوله تعالى : ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن [ النور : 31 ] يعني الساقين .

                                                                                                                                            ودليلنا على داود قوله تعالى : ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها يعني الوجه والكفين ، ويدل عليها ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : أن أسماء دخلت على عائشة - وعليها ثوب رقيق - فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : أما علمت أن المرأة إذا حاضت حرم كل شيء منها إلا هذا وهذا ، وأشار إلى وجهه وكفيه .

                                                                                                                                            ودليلنا على المغربي رواية جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا أراد أحدكم خطبة امرأة فلينظر إلى وجهها وكفيها ، فإن في أعين الأنصار شيئا ، أو قال : سوءا .

                                                                                                                                            وروى أبو الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا قذف الله في قلب أحدكم خطبة امرأة فليتأمل خلقتها .

                                                                                                                                            وروى أبو بكر محمد بن عمرو بن حزم ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما النساء لعب ، فإذا اتخذ أحدكم لعبة فليستحسنها .

                                                                                                                                            وروى بكر بن عبد الله عن المغيرة بن شعبة أنه خطب امرأة من الأنصار ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : اذهب فانظر إليها ، فإنه أحرى أن يؤدم بينكما .

                                                                                                                                            [ ص: 35 ] وفي يؤدم قولان :

                                                                                                                                            أحدهما - وهو قول أصحاب الحديث - : أنه يعني يدوم ، فقدم الواو على الدال ، كما قال في ثمر الأراكة : " كلوا منه الأسود فإنه أيطب " بمعنى أطيب ، فيكون مأخوذا من الدوام .

                                                                                                                                            والقول الثاني - وهو قول أهل اللغة - : أنه المحابة ، وأن لا يتنافروا مأخوذا من إدام الطعام ، لأنه يطيب به فيكون مأخوذا من إدام لا من الدوام ، ثم من مر الدليل على جواز أن ينظر المعقود عليه أبلغ في صحة العقد من فقده ، فاقتصر على نظر الوجه والكفين : لخروجهما عن حكم العورة ، وإن في الوجه ما يستدل به على الجمال ، وفي الكفين ما يستدل به على خصب البدن ونعمته فأغناه ذلك عن النظر إلى غيره .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية