وقال  أبو حنيفة      :  فسق الوالي   لا يبطل عقده ، وبه قال بعض أصحاب  الشافعي   ، وحكاه قولا عنه : استدلالا بعموم قوله تعالى :  وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم      [ النور : 32 ] ولأن من تعين في عقد النكاح لم يعتبر فيه العدالة كالزوج ، ولأن كل من جاز أن يقبل النكاح لنفسه ، جاز أن يلي على النكاح غيره كالعدل : ولأنه لما جاز للفاسق تزويج أمته جاز له تزويج وليته ، ولأنه لما جاز أن يكون الكافر وليا في نكاح ابنته ، فأولى أن يكون الفاسق وليا في نكاح ابنته .  
 [ ص: 62 ] ودليلنا : ما رواه  سعيد بن جبير   ، عن  ابن عباس   قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  لا نكاح إلا بولي مرشد وشاهدي عدل  ، و  أيما امرأة نكحها ولي مسخوط عليه فنكاحها باطل  ، ورواه عن  ابن عباس   موقوفا عليه .  
فإن قيل : فقوله : " مرشد " ولم يقل رشيد يقتضي أن يوجد منه فعل الرشد في غيره ، وإن كان غير موجود في نفسه ، وهو إذا زوجها بكفء كان مرشدا ، وإن لم يكن رشيدا .  
قيل : هذا تأويل يفسد من وجهين :  
أحدهما : أنها صفة مدح تتعدى عنه إلى غيره ومن ليس برشيد لا يتوجه إليه مذمة ، ولا يتعدى عنه رشد .  
والثاني : أن في الخبر الآخر في قوله :  وأيما امرأة أنكحها ولي مسخوط عليه فنكاحها باطل  ، ما يبطل هذا التأويل ، ولأنه نقص يمنع من الشهادة فوجب أن يمنع من الولاية كالرق : ولأنها ولاية تمنع منها الرق فوجب أن يمنع منها الفسق كالولاية على المال ، ولأن من تولى عقد النكاح في حق غيره منع الفسق من عقده كالحاكم .  
فأما الجواب عن الآية فهو : أنها خطاب إما للأزواج ، فلا يكون فيها دليل ، أو للأولياء ، وليس الفاسق بولي .  
فأما قياسه على الزوج فالمعنى في الزوج : أنه يتولى في حق نفسه ، فلم يعتبر رشده ، كما لم تعتبر حريته وإسلامه ، والولي يتولاه في حق غيره فاعتبر رشده كما اعتبرت حريته وإسلامه .  
وأما قياسه على العدل ، فالمعنى في العدل : أنه لما صحت ولايته على المال ، صحت ولايته على النكاح ، والفاسق لما بطلت ولايته على المال ، بطلت ولايته على النكاح .  
وأما استدلالهم بعقد الفاسق على أمته ، فالمعنى فيه : أنه يعقده في حق نفسه ، ألا تراه يملك المهر دونها ، فلم تعتبر فيه العدالة كالزوجين ، والولي يعقده في حق غيره ، فاعتبرت فيه العدالة كالحاكم .  
وأما  ولاية الكافر   فلأنه عدل في دينه ولو كان فاسقا في دينه وبين أهل ملة أبطلنا ولايته ، وكذا كالفاسق في ديننا .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					