الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا تقرر هذا ، فلا يثبت للكافر ولاية على مسلمة ، لا نسبا ، ولا حكما ، ولا ملكا ، ولا يزوجها من عصباتها إلا مسلم قد جمع شرطين : النسب ، والدين ، فأما الكافرة فالولاية عليها تنقسم ثلاثة أقسام : ولاية بنسب ، وولاية بحكم ، وولاية بملك .

                                                                                                                                            فأما القسم الأول : وهو الولاية بالنسب ، فلا يثبت عليها إلا لمن إذا شاركها في النسب ، ساواها في الدين ، ويراعى أن يكون رشيدا في دينه ، كما يراعى رشد الولي المسلم ، فلو كانت الكافرة نصرانية ، وكان لها أخ نصراني وأخ مسلم وأخ يهودي وأخ مجوسي ، ولا ولاية عليها للمسلم ، ويكون النصراني واليهودي والمجوسي في الولاية عليها سواء ، كما يشاركون في ميراثها ، ولا يختص بها النصراني منهم : لأن الكفر كله ملة واحدة ، فلو كان في إخوتها مرتد عن الإسلام ، فلا ولاية له عليها ، كما لا ميراث له منها ، ولأن المرتد مولى عليه ، فلم يجز أن يكون وليا ، فلو كانت المرأة مرتدة ، وكان لها أخ مسلم وأخ مرتد وأخ نصراني ، فلا ولاية عليها لواحد منهم كما لا يرثها واحد منهم ، ولا يجوز أن تتزوج بمسلم ولا كافر ولا مرتد : لأن الردة مانعة من استباحة نكاحها .

                                                                                                                                            وأما القسم الثاني : وهو الولاية بالحكم فيثبت للمسلم على الكافرة : لأنها لا تستحق بالموالاة بالنسب ، فيمتنع اختلاف الدين منها : وإنما تستحق بالولاية التي تثبت على الكافر كثبوتها على المسلم ، فإذا عدمت الكافرة منها شيئا من عصبتها الكفار ، زوجها حاكم المسلمين بكفء من الكفار أو المسلمين ، فإن دعت إلى زوج مسلم وجب على الحاكم تزويجها به : لأنه إذا تقاضى إلى حاكم المسلمين مسلم وكافر لزمه الحكم بينهما ، وإن دعت إلى زوج كافر ، فإن كان من أهل العهد كان حاكم المسلمين بالخيار بين أن يزوجها به أو الإعراض عنها ، كما يكون بالخيار في الحكم بينهما إذا تقاضيا إليه ، وإن كانا من أهل الذمة ، فهل يلزم الحاكم تزويجها أم لا ؟ على قولين ، من اختلاف قوليه في وجوب الحكم بينهما عند الترافع إليه ، فإن زوجها لم يعقد نكاحها إلا شاهدان مسلمان ، ولا يجوز أن يعقده به أهل دينها : لأن الإسلام والعدالة شرط في الشهادة .

                                                                                                                                            وأما القسم الثالث : وهو الولاية بالملك فقد اختلف أصحابنا في ثبوتها للسيد المسلم على أمته الكافرة ، على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما - وهو قول أبى إسحاق المروزي ، وأبي سعيد الإصطخري - : أنه يجوز للسيد [ ص: 117 ] المسلم تزويج أمته الكافرة ، وهو ظاهر كلام الشافعي : لأنه قال : " ولا يكون المسلم وليا لكافرة إلا على أمته " ووجهه شيئان :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه ولاية لم تستحق بموالاة النسب ، فلم يؤثر فيها اختلاف الدين كالولاية بالحكم .

                                                                                                                                            والثاني : أن السيد يتوصل إلى الكسب ، فلم يؤثر اختلاف الدين كما لم يؤثر الفسق .

                                                                                                                                            والوجه الثالث - وهو قول أبي إبراهيم المزني ، وأبي القاسم الداركي وطائفة - : أن إسلام السيد يمنعه من تزويج أمته الكافرة ، كما يمنعه من تزويج ابنته .

                                                                                                                                            وحمل غير المزني قول الشافعي : " إلا على أمته " ، على أحد وجهين : إما حكاية عن مذهب غيره ، وإما على أمته في عقد الإجارة على منافعها دون بضعها ، استدلالا بأن في تزويجه لها تغليبا لولاية النكاح دون الكسب : لأن المرأة لا تزوج أمتها ، وإن ملكت عقد اكتسابها .

                                                                                                                                            فأما المزني : فإنه اعترض على الشافعي رضي الله عنه ، فيما نقله من استدلاله له بحديث أم حبيبة ، وتوهم أنه استدل به في تزويج المسلم لأمته الكافرة ، وهذا خطأ في التوهم : لأن الشافعي إنما استدل به على أن الكافر لا يزوج بنته المسلمة ، وهو دليل عليه ، وبالله التوفيق .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية