الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا تقرر توجيه القولين وبناؤهما فإن قيل إنه لا يمين عليها أو عليها اليمين فحلفت ، ثبت النكاح للمصدق ، وكان نكاح المكذب مردودا ، وإن قيل عليها اليمين فنكلت ، فلا يخلو حالها في النكول من أحد أمرين :

                                                                                                                                            إما أن يكون الاعتراف بالثاني أو بغير اعتراف به ، فإن كان نكولها اعترافا للثاني يتقدم نكاحه لم يرد اليمين على أحد ، وقد صارت مقرة للأول ثم عدلت عنه إلى إقرارها للثاني ، فثبت نكاحها للأول بإقرارها ، ولم يقبل رجوعها عنه إلى الثاني ، وجرى مجرى قولها في الابتداء بسبق هذا لأجل هذا ، فتكون زوجة للأول بإقرارها دون الثاني كمن بيده دار ، فقال هي لزيد لا بل لعمرو ، وكانت لزيد المقر له أولا دون عمرو ، وإذا كانت بما سبق من الإقرار زوجة للأول دون الثاني ، فهل يلزمها أن تغرم للثاني مهر مثلها أم لا ؟ على قولين : كمن قال : هذه الدار لزيد بل لعمرو وكانت لزيد ، وهل يغرم قيمتها لعمرو أم لا ؟ على قولين :

                                                                                                                                            أحدهما : لا يلزمها غرم المهر لاعترافهما بما لزمهما .

                                                                                                                                            والقول الثاني : يلزمها غرم مهر مثلها للثاني : لأنها قد فوتت نفسها عليه بإقرارها للأول ، فعلى هذا لو مات الأول صارت بعد موته زوجة للثاني بإقرارها المتقدم كمن أقر بدار لزيد ثم أقر بها لعمرو ، كانت لزيد المقر له أولا ، فلو عادت الدار إلى المقر بابتياع أو هبة أو ميراث ، صارت لعمرو بالإقرار السابق المتقدم فكذلك هذه في مصيرها زوجة للثاني ، وعليها أن تعتد من الأول وإن كان لم يصبها بأربعة أشهر وعشر ، وإن كان قد أصابها بأكثر الأجلين من أربعة [ ص: 127 ] أشهر وعشر عدة الوفاة أو ثلاثة أقراء عدة الوطء ، وهي محرمة على الثاني في زمان عدتها من الأول ، وإن كانت زوجته ، وإن كان نكولها لغير اعتراف بل كانت على تكذيب الثاني ، وتصديق الأول رد اليمين بعد نكولها على المكذب ، فإن نكل المكذب عنها استقر نكاح الأول ، وإن حلف فقد قابل تصديق الأول يمين الكذب فيكون يمين المدعي بعد نكول المدعى عليه ، وقد اختلف قول الشافعي في يمين المدعي بعد نكول المدعى عليه ، هل يقوم مقام البينة أم مقام الإقرار ؟ على قولين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنها تقوم مقام البينة ، فعلى هذا تكون زوجة الثاني ويزول عنها نكاح الأول : كما لو أقام الثاني بينة بعد تصديقها للأول ، وهذا محكي عن أبي علي بن خيران مع بعده .

                                                                                                                                            والقول الثاني : أنها تقوم مقام الإقرار ، فعلى هذا قد كان مع الأول إقرار منها ، وقد صار مع الثاني إقرار قد لزم عنها فصار إقرارين ، وقد اختلف أصحابنا فيهما هل يكون حكمهما حكم إقرارين وقعا معا : لأن يمين الثاني أوجبها نكولها عن اليمين المستحقة بالإقرار الأول ، فلم يتقدم حكم أحد الإقرارين على الآخر . وهذا قول أبي إسحاق المروزي فعلى هذا يبطل النكاحان معا : كما لو أقرت لهما في حالة واحدة .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنهما في حكم إقرارين مترتبين وقع أحدهما بعد الآخر : لأن يمين الثاني جعلته في حكم المقر له وهي متأخرة ، فصار الإقرار له متأخرا عن الإقرار الأول ، وهذا قول جمهور أصحابنا ، فعلى هذا تكون زوجة للأول دون الثاني ، كما لو أقرت لثان بعد أول ، وهل يرجع الثاني عليها بمهر مثلها أم لا ؟ على ما مضى من القولين ، فإن طلب الثاني في هذه الحال إحلاف الأول ؟ ففيه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : ليس له إحلافه : لأن المدعى عليه غيره ولو مات لم تصر زوجة للثاني : لأنها منكرة ، وإن نزلت في بعض أحوالها منزلة المقرة .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : له إحلافها ولو نزل عنها فحكم بها زوجة للثاني لأجرينا عليها أحكام المقرة من غير تبعيض فهذا حكم المسألة وما انتهت إليها أقسامها وأحكامها .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية