مسألة : قال
الشافعي ، رضي الله عنه : " ولا يفسخ نكاح حامل من زنا ، وأحب أن تمسك حتى تضع ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=923912وقال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم : إن امرأتي لا ترد يد لامس ، قال : طلقها ، قال : إني أحبها قال : فأمسكها وضرب
عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - رجلا وامرأة في زنا ، وحرص أن يجمع بينهما فأبى الغلام .
قال
الماوردي : اعلم أننا نكره للعفيف أن يتزوج بالزانية ونكره للعفيفة أن تتزوج
[ ص: 189 ] بالزاني : لعموم قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=3الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها الآية [ النور : 3 ] ولما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923913فعليك بذات الدين تربت يداك وإذا كان كذلك ، فالكلام في
nindex.php?page=treesubj&link=26107نكاح الزانية يشتمل على ثلاثة فصول :
أحدها : في
nindex.php?page=treesubj&link=10807_26107الرجل إذا زنا بامرأة ، هل يحل له نكاحها أم لا ؟ .
والفصل الثاني : في
nindex.php?page=treesubj&link=27761زوجة الرجل إذا زنت ، هل يبطل نكاحها أم لا ؟ .
فأما : الفصل الأول في الرجل إذا زنا بامرأة ، فيحل له أن يتزوجها . وهو قول جمهور الصحابة والفقهاء .
وذكر عن
علي بن أبي طالب رضوان الله عليه
والحسن البصري أنها قد حرمت عليه أبدا ، فلا يجوز أن يتزوجها بحال .
وقال
أبو عبيدة وقتادة وأحمد بن حنبل وإسحاق : إن تابا من الزنا حل أن يتزوجها ، وإن لم يتوبا لم يحل .
قالوا : والتوبة أن يخلو أحدهما بصاحبه ، فلا يهم به استدلالا بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=3الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين [ النور : 3 ] فكان ما تقدم من المنع وتعقب من التحريم نصا لا يجوز خلافه .
ودليلنا قوله تعالى بعد ذكر المحرمات من ذوات الأنساب :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24وأحل لكم ما وراء ذلكم [ النساء : 24 ] .
فكان على عمومه في العفيفة والزانية .
وروى
ابن شهاب عن
عروة عن
عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923914لا يحرم الحرام الحلال وهذا نص : ولأنه منتشر في الصحابة بالإجماع روي ذلك عن
أبي بكر وعمر وابن عمر وابن عباس وجابر ، فروي عن
أبي بكر - رضي الله تعالى عنه - أنه قال : إذا زنى رجل بامرأة لم يحرم عليه نكاحها .
وروي عن
عمر - رضي الله عنه - أن رجلا تزوج امرأة ، وكان لها ابن عم من غيرها ولها بنت من غيره ، ففجر الغلام بالجارية وظهر بها حمل ، فلما قدم
عمر مكة رفع إليه فسألهما فاعترفا ، فجلدهما
عمر الحد ، وعرض أن يجمع بينهما فأبى الغلام .
وروي عن
عبد الله بن عمر أنه كان له أمة وعبد فظهر بالأمة حمل ، فاتهم بها الغلام ، فسأله فأنكر ، وكان للغلام إصبع زائدة ، فقال له : إن أتت بولد له إصبع زائدة جلدتك ، فقال : نعم ، فوضعت ولدا له إصبع زائدة ، فجلده ثم زوجه بها .
وروي عن
ابن عباس : أنه سئل أيتزوج الزاني بالزانية ؟ فقال : نعم ، ولو سرق رجل من كرم عنبا ، لكان يحرم عليه أن يشتريه ، فهذا قول من ذكرنا ، و لم يصح عن غيرهم خلافه ، فصار إجماعا .
فأما استدلالهم بالآية ، فقد اختلف أهل التأويل فيها على ثلاثة أقاويل :
[ ص: 190 ] أحدها : أنها نزلت مخصوصة في رجل من المسلمين استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأة يقال لها :
أم مهزول من بغايا الجاهلية من ذوات الرايات ، وشرطت له أن تنفق عليه ، فأنزل الله هذه الآية فيه ، وهذا قول
عبد الله بن عمرو ومجاهد .
والقول الثاني : أن المراد بالآية : أن الزاني لا يزني إلا بزانية والزانية لا يزني بها إلا زان . وهذا قول
ابن عباس .
والقول الثالث : أن الولاية عامة في
nindex.php?page=treesubj&link=26107تحريم نكاح الزانية على العفيف ، ونكاح العفيفة على الزاني ، ثم نسخه قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3فانكحوا ما طاب لكم من النساء . وهذا قول
سعيد بن المسيب .
مَسْأَلَةٌ : قَالَ
الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَا يُفْسَخُ نِكَاحُ حَامِلٍ مِنْ زِنًا ، وَأُحِبُّ أَنْ تُمْسَكَ حَتَّى تَضَعَ ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=923912وَقَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ امْرَأَتِي لَا تَرُدُّ يَدَ لَامِسٍ ، قَالَ : طَلِّقْهَا ، قَالَ : إِنِّي أُحِبُّهَا قَالَ : فَأَمْسِكْهَا وَضَرَبَ
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَجُلًا وَامْرَأَةً فِي زِنًا ، وَحَرَصَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا فَأَبَى الْغُلَامُ .
قَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ : اعْلَمْ أَنَّنَا نَكْرَهُ لِلْعَفِيفِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِالزَّانِيَةِ وَنَكْرَهُ لِلْعَفِيفَةِ أَنْ تَتَزَوَّجَ
[ ص: 189 ] بِالزَّانِي : لِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=3الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا الْآيَةَ [ النُّورِ : 3 ] وَلِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923913فَعَلَيْكَ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ ، فَالْكَلَامُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=26107نِكَاحِ الزَّانِيَةِ يَشْتَمِلُ عَلَى ثَلَاثَةِ فُصُولٍ :
أَحَدُهَا : فِي
nindex.php?page=treesubj&link=10807_26107الرَّجُلِ إِذَا زَنَا بِامْرَأَةٍ ، هَلْ يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا أَمْ لَا ؟ .
وَالْفَصْلُ الثَّانِي : فِي
nindex.php?page=treesubj&link=27761زَوْجَةِ الرَّجُلِ إِذَا زَنَتْ ، هَلْ يَبْطُلُ نِكَاحُهَا أَمْ لَا ؟ .
فَأَمَّا : الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي الرَّجُلِ إِذَا زَنَا بِامْرَأَةٍ ، فَيَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا . وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ وَالْفُقَهَاءِ .
وَذُكِرَ عَنْ
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ
وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهَا قَدْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ أَبَدًا ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِحَالٍ .
وَقَالَ
أَبُو عُبَيْدَةَ وَقَتَادَةُ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ : إِنْ تَابَا مِنَ الزِّنَا حَلَّ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا ، وَإِنْ لَمْ يَتُوبَا لَمْ يَحِلَّ .
قَالُوا : وَالتَّوْبَةُ أَنْ يَخْلُوَ أَحَدُهُمَا بِصَاحِبِهِ ، فَلَا يَهُمُّ بِهِ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=3الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [ النُّورِ : 3 ] فَكَانَ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْمَنْعِ وَتَعَقَّبَ مِنَ التَّحْرِيمِ نَصًّا لَا يَجُوزُ خِلَافُهُ .
وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ تَعَالَى بَعْدَ ذِكْرِ الْمُحَرَّمَاتِ مِنْ ذَوَاتِ الْأَنْسَابِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ [ النِّسَاءِ : 24 ] .
فَكَانَ عَلَى عُمُومِهِ فِي الْعَفِيفَةِ وَالزَّانِيَةِ .
وَرَوَى
ابْنُ شِهَابٍ عَنْ
عُرْوَةَ عَنْ
عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923914لَا يُحَرِّمُ الْحَرَامُ الْحَلَالَ وَهَذَا نَصٌّ : وَلِأَنَّهُ مُنْتَشِرٌ فِي الصَّحَابَةِ بِالْإِجْمَاعِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ
أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ ، فَرُوِيَ عَنْ
أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ : إِذَا زَنَى رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ نِكَاحُهَا .
وَرُوِيَ عَنْ
عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً ، وَكَانَ لَهَا ابْنُ عَمٍّ مِنْ غَيْرِهَا وَلَهَا بِنْتٌ مِنْ غَيْرِهِ ، فَفَجَرَ الْغُلَامُ بِالْجَارِيَةِ وَظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ ، فَلَمَّا قَدِمَ
عُمَرُ مَكَّةَ رَفَعَ إِلَيْهِ فَسَأَلَهُمَا فَاعْتَرَفَا ، فَجَلْدَهُمَا
عُمَرُ الْحَدَّ ، وَعَرَضَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا فَأَبَى الْغُلَامُ .
وَرُوِيَ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ أَمَةٌ وَعَبْدٌ فَظَهَرَ بِالْأَمَةِ حَمْلٌ ، فَاتَّهَمَ بِهَا الْغُلَامَ ، فَسَأَلَهُ فَأَنْكَرَ ، وَكَانَ لِلْغُلَامِ إِصْبَعٌ زَائِدَةٌ ، فَقَالَ لَهُ : إِنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ لَهُ إِصْبَعٌ زَائِدَةٌ جِلْدَتُكَ ، فَقَالَ : نَعَمْ ، فَوَضَعَتْ وَلَدًا لَهُ إِصْبَعٌ زَائِدَةٌ ، فَجَلَدَهُ ثُمَّ زَوَّجَهُ بِهَا .
وَرُوِيَ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّهُ سُئِلَ أَيَتَزَوَّجُ الزَّانِي بِالزَّانِيَةِ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ ، وَلَوْ سَرَقَ رَجُلٌ مِنْ كَرْمٍ عِنَبًا ، لَكَانَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَشْتَرِيَهُ ، فَهَذَا قَوْلُ مَنْ ذَكَرْنَا ، وَ لَمْ يَصِحَّ عَنْ غَيْرِهِمْ خِلَافُهُ ، فَصَارَ إِجْمَاعًا .
فَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِالْآيَةِ ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقَاوِيلَ :
[ ص: 190 ] أَحَدُهَا : أَنَّهَا نَزَلَتْ مَخْصُوصَةً فِي رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي امْرَأَةٍ يُقَالُ لَهَا :
أُمُّ مَهْزُولٍ مِنْ بَغَايَا الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ ذَوَاتِ الرَّايَاتِ ، وَشَرَطَتْ لَهُ أَنَّ تُنْفِقَ عَلَيْهِ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ فِيهِ ، وَهَذَا قَوْلُ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَمُجَاهِدٍ .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ : أَنَّ الزَّانِيَ لَا يَزْنِي إِلَّا بِزَانِيَةٍ وَالزَّانِيَةَ لَا يَزْنِي بِهَا إِلَّا زَانٍ . وَهَذَا قَوْلُ
ابْنِ عَبَّاسٍ .
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ : أَنَّ الْوِلَايَةَ عَامَّةٌ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=26107تَحْرِيمِ نِكَاحِ الزَّانِيَةِ عَلَى الْعَفِيفِ ، وَنِكَاحِ الْعَفِيفَةِ عَلَى الزَّانِي ، ثُمَّ نَسَخَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ . وَهَذَا قَوْلُ
سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ .