[ ص: 220 ] باب نكاح حرائر أهل الكتاب وإمائهم وإماء المسلمين ، من الجامع ، ومن كتاب ما يحرم الجمع بينه ، وغير ذلك
مسألة : قال
الشافعي رحمه الله تعالى : " وأهل الكتاب الذين يحل نكاح حرائرهم
اليهود والنصارى دون
المجوس ،
والصابئون والسامرة من
اليهود والنصارى إلا أن يعلم أنهم يخالفونهم في أصل ما يحلون من الكتاب ويحرمون فيحرمون
كالمجوس ، وإن كانوا يخالفونهم عليه ، ويتأولون فيختلفون ، فلا يحرمون " .
قال
الماوردي : اعلم أن المشركين على ثلاثة أقسام : قسم هم أهل كتاب ، وقسم ليس لهم كتاب ، وقسم لهم شبهة كتاب .
فأما القسم الأول : وهم أهل الكتاب ، فهم
اليهود والنصارى ، فكتاب
اليهود التوراة ، ونبيهم
موسى ، وكتاب
النصارى الإنجيل ، ونبيهم
عيسى ، وكلا الكتابين كلام الله ومنزل من عنده : قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=3وأنزل التوراة والإنجيل nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=4من قبل هدى للناس [ آل عمران : 3 ، 4 ] . قد نسخ الكتابان والشريعتان ، أما الإنجيل فمنسوخ بالقرآن ، والنصرانية منسوخة بشريعة الإسلام ، وأما التوراة ودين اليهودية فقد اختلف أصحابنا بماذا نسخ ؛ على وجهين :
أحدهما : أن التوراة منسوخة بالإنجيل ، واليهودية منسوخة بالنصرانية ، ثم نسخ القرآن الإنجيل ، ونسخ الإسلام النصرانية ، وهذا أظهر الوجهين : لأن
عيسى عليه السلام قد دعا
اليهود إلى دينه ، واحتج عليهم بإنجيله ، فلو لم ينسخ دينهم بدينه وكتابهم بكتابه لأقرهم ولدعى غيرهم .
والوجه الثاني : أن التوراة منسوخة بالقرآن ، واليهودية منسوخة بالإسلام ، وأن ما لم يغير من التوراة قبل القرآن حق ، وما تغير من اليهودية قبل الإسلام حق ، وأن
عيسى إنما دعا
اليهود : لأنهم غيروا كتابهم وبدلوا دينهم ، فنسخ بالإنجيل ما غيروه من توراتهم ، وبالنصرانية ما بدلوه من يهوديتهم ، ثم نسخ القرآن حينئذ جميع توراتهم ، ونسخ الإسلام جميع يهوديتهم : لأن الأنبياء قد كانوا يحفظون من الشرائع التبديل ، وينسخون منها ما تقتضيه المصلحة ، كما نسخ الإسلام في آخر الوحي خاصا من أوله ، فأما نسخ الشرائع المتقدمة على العموم فلم يكن إلا بالإسلام الذي هو خاتمة الشرائع بالقرآن الذي هو خاتمة الكتب ، فعلى الوجه الأول يكون الداخل في اليهودية بعد
عيسى على باطل ، وعلى الوجه الثاني على حق ما لم يكن ممن غير وبدل ، فأما بعد الإسلام ، فالداخل في اليهودية والنصرانية على باطل .
[ ص: 221 ]
[ ص: 220 ] بَابُ نِكَاحِ حَرَائِرِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَإِمَائِهِمْ وَإِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ ، مِنَ الْجَامِعِ ، وَمِنْ كِتَابِ مِا يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ
مَسْأَلَةٌ : قَالَ
الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : " وَأَهْلُ الْكِتَابِ الَّذِينَ يَحِلُّ نِكَاحُ حَرَائِرِهِمُ
الْيَهُودُ وَالنَصَارَى دُونَ
الْمَجُوسِ ،
وَالصَّابِئُونَ وَالسَّامِرَةُ مِنَ
الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى إِلَّا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُمْ يُخَالِفُونَهُمْ فِي أَصْلِ مَا يُحِلُّونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيُحَرِّمُونَ فَيُحَرَّمُونَ
كَالْمَجُوسِ ، وَإِنْ كَانُوا يُخَالِفُونَهُمْ عَلَيْهِ ، وَيَتَأَوَّلُونَ فَيَخْتَلِفُونَ ، فَلَا يُحَرَّمُونَ " .
قَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ : اعْلَمْ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ : قِسْمٌ هُمْ أَهْلُ كِتَابٍ ، وَقِسْمٌ لَيْسَ لَهُمْ كِتَابٌ ، وَقِسْمٌ لَهُمْ شُبْهَةُ كِتَابٍ .
فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ : وَهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ ، فَهُمُ
الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى ، فَكِتَابُ
الْيَهُودِ التَّوْرَاةُ ، وَنَبِيُّهُمْ
مُوسَى ، وَكِتَابُ
النَّصَارَى الْإِنْجِيلُ ، وَنَبِيُّهُمْ
عِيسَى ، وَكِلَا الْكِتَابَيْنِ كَلَامُ اللَّهِ وَمُنَزَّلٌ مِنْ عِنْدِهِ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=3وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=4مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ [ آلِ عِمْرَانَ : 3 ، 4 ] . قَدْ نُسِخَ الْكِتَابَانِ وَالشَّرِيعَتَانِ ، أَمَّا الْإِنْجِيلُ فَمَنْسُوخٌ بِالْقُرْآنِ ، وَالنَّصْرَانِيَّةُ مَنْسُوخَةٌ بِشَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ ، وَأَمَّا التَّوْرَاةُ وَدِينُ الْيَهُودِيَّةِ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا بِمَاذَا نُسِخَ ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ التَّوْرَاةَ مَنْسُوخَةٌ بِالْإِنْجِيلِ ، وَالْيَهُودِيَّةَ مَنْسُوخَةٌ بِالنَّصْرَانِيَّةِ ، ثُمَّ نَسَخَ الْقُرْآنُ الْإِنْجِيلَ ، وَنَسَخَ الْإِسْلَامُ النَّصْرَانِيَّةَ ، وَهَذَا أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ : لِأَنَّ
عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ قَدْ دَعَا
الْيَهُودَ إِلَى دِينِهِ ، وَاحْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِإِنْجِيلِهِ ، فَلَوْ لَمْ يَنْسَخْ دِينَهُمْ بِدِينِهِ وَكِتَابَهُمْ بِكِتَابِهِ لَأَقَرَّهُمْ وَلَدَعَى غَيْرَهُمْ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّ التَّوْرَاةَ مَنْسُوخَةٌ بِالْقُرْآنِ ، وَالْيَهُودِيَّةَ مَنْسُوخَةٌ بِالْإِسْلَامِ ، وَأَنَّ مَا لَمْ يُغَيَّرْ مِنَ التَّوْرَاةِ قَبْلَ الْقُرْآنِ حَقٌّ ، وَمَا تَغَيَّرَ مِنَ الْيَهُودِيَّةِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ حَقٌّ ، وَأَنَّ
عِيسَى إِنَّمَا دَعَا
الْيَهُودَ : لِأَنَّهُمْ غَيَّرُوا كِتَابَهُمْ وَبَدَّلُوا دِينَهُمْ ، فَنَسَخَ بِالْإِنْجِيلِ مَا غَيَّرُوهُ مِنْ تَوْرَاتِهِمْ ، وَبِالنَّصْرَانِيَّةِ مَا بَدَّلُوهُ مِنْ يَهُودِيَّتِهِمْ ، ثُمَّ نَسَخَ الْقُرْآنُ حِينَئِذٍ جَمِيعَ تَوْرَاتِهِمْ ، وَنَسَخَ الْإِسْلَامُ جَمِيعَ يَهُودِيَّتِهِمْ : لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ قَدْ كَانُوا يَحْفَظُونَ مِنَ الشَّرَائِعِ التَّبْدِيلَ ، وَيَنْسَخُونَ مِنْهَا مَا تَقْتَضِيهِ الْمَصْلَحَةُ ، كَمَا نَسَخَ الْإِسْلَامُ فِي آخِرِ الْوَحْيِ خَاصًّا مِنْ أَوَّلِهِ ، فَأَمَّا نَسْخُ الشَّرَائِعِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى الْعُمُومِ فَلَمْ يَكُنْ إِلَّا بِالْإِسْلَامِ الَّذِي هُوَ خَاتِمَةُ الشَّرَائِعِ بِالْقُرْآنِ الَّذِي هُوَ خَاتِمَةُ الْكُتُبِ ، فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يَكُونُ الدَّاخِلُ فِي الْيَهُودِيَّةِ بَعْدَ
عِيسَى عَلَى بَاطِلٍ ، وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي عَلَى حَقٍّ مَا لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ غَيَّرَ وَبَدَّلَ ، فَأَمَّا بَعْدَ الْإِسْلَامِ ، فَالدَّاخِلُ فِي الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ عَلَى بَاطِلٍ .
[ ص: 221 ]