[ ص: 233 ] باب الاستطاعة للحرائر وغير الاستطاعة
قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=25ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات [ النساء : 25 ] ، وفي ذلك دليل أنه أراد الأحرار : لأن الملك لهم ، ولا يحل من الإماء إلا مسلمة ، ولا تحل حتى يجتمع شرطان : أن لا يجد طول حرة ، ويخاف العنت إن لم ينكحها ، والعنت الزنا ، واحتج بأن
جابر بن عبد الله قال : من وجد صداق امرأة فلا يتزوج أمة ، قال
طاوس : لا يحل
nindex.php?page=treesubj&link=10996نكاح الحر الأمة ، وهو يجد صداق الحرة ، وقال
عمرو بن دينار : لا يحل نكاح الإماء اليوم : لأنه يجد طولا إلى الحرة " .
قال
الماوردي : قد مضى الكلام في نكاح الحرائر من المسلمات والكتابيات إذا نكحن الأحرار والعبيد ، فأما
nindex.php?page=treesubj&link=33317نكاح الإماء فله حالان :
أحدهما : مع العبد .
والثاني : مع الحر .
فأما العبد في نكاح الإماء ، فله أن ينكحهن كما ينكح الحرائر من غير شرط زائد ، والكلام فيه يأتي مع ذكر ما فيه من خلاف .
وأما الحر ، فحكمه في نكاح الأمة مخالف لحكمه في نكاح الحرة ، فلا يجوز أن ينكحها إلا بثلاث شرائط تعتبر فيه ، وشرط رابع يعتبر في الأمة ، فأما الشرط المعتبر في الأمة الإسلام ، ويأتي الكلام فيه .
وأما الثلاث شرائط المعتبرة في الحر :
أحدها : أن لا يكون تحته حرة .
والثاني : أن لا يجد طولا لحرة .
والثالث : أن يخاف العنت إن لم ينكح أمة ، والعنت الزنا ، فإذا استكمل هذه الشروط الثلاثة حل له نكاح أمة ، وإن أخل شرط منها لم يحل له نكاحها .
وقال
أبو حنيفة : يعتبر في نكاح الأمة شرط واحد ، وهو أن لا يكون تحته حرة ، ولا يعتبر عدم الطول وخوف العنت .
وقال
مالك : يعتبر فيه عدم الطول وخوف العنت ، ولا يعتبر فيه ألا تكون تحته حرة .
وقال
سفيان الثوري : يعتبر فيه خوف العنت وحده .
[ ص: 234 ] وقال آخرون : لا يعتبر فيه شيء من هذه الشرائط ، ويكون نكاحها كنكاح الحرة .
فأما
أبو حنيفة فاستدل على أن عدم الطول وخوف العنت غير معتبرين بعموم قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3فانكحوا ما طاب لكم من النساء فكان على عمومه في نكاح ما طاب في الحرائر والإماء ، ثم قال في آخر الآية :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم [ النساء : 3 ] يعني فنكاح واحدة من الحرائر أو نكاح واحدة مما ملكت أيمانكم ، فكان هذا نصا ، فصار أول الآية دليلا من طريق العموم ، وآخرها دليلا من طريق النص ، واستدل أيضا بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=221ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم [ البقرة : 221 ] وقد ثبت أن له أن يتزوج الكتابية الحرة من غير شرط ، فالأمة المؤمنة هي التي خير منها أولى أن يجوز نكاحها .
ومن القياس : أنه ليس تحته حرة ، فجاز له نكاح الأمة كالعادم للطول والخائف للعنت ، ولأن كل من حل له نكاح الأمة إذا خشي العنت حل له نكاحها ، وإن أمن العنت كالعبد : ولأن كل من حل له نكاحها إذا لم يجد طولا حل نكاحها ، وإن وجد طولا كالحرة ، ولأن كل نقص لم يمنع من النكاح إذا لم يقدر على سليم منه لم يمنع من النكاح ، وإن قدر على سليم منه قياسا على نكاح الكافرة مع القدرة على مسلمة ، ولأن وجود نكاح الأخت يمنع من نكاح أختها ووجود مهرها لا يمنع : كذلك وجود الحرة يمنع من نكاح الأمة ووجود مهرها لا يمنع .
ودليلنا قول الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=25ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=25ذلك لمن خشي العنت منكم وأن تصبروا خير لكم والله غفور رحيم [ النساء : 25 ] فأباح نكاح الأمة بشرطين : أحدهما : عدم الطول .
والثاني : خوف العنت .
فأما الطول : فهو المال والقدرة مأخوذ من الطول : لأنه ينال به معالي الأمور ، كما ينال الطول معالي الأشياء .
وأما العنت ففيه تأويلان :
أحدهما : أنه الزنا .
والثاني : أنه الحد الذي يصيبه من الزنا .
فلما جعل الإباحة مقيدة بهذين الشرطين لم يصح نكاحهما إلا بهما .
فإن قالوا : هذا الاحتجاج بدليل الخطاب ، وهو عندنا غير حجة ، فعنه جوابان :
أحدهما : أنه دليل خطاب عندنا حجة ، فجاز أن يكون من دلائلنا على أصولنا .
والجواب الثاني : أنه شرط علق به الحكم : لأن لفظة " من " موضعه للشرط ، ويكون
[ ص: 235 ] تقديره : من لم يجد طولا وخاف العنت نكح الأمة ، والحكم إذا علق بشرطين انتفى بعدم ذلك الشرطين ، وتعذر أحدهما .
فإن قالوا فقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=25ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات محمول على الوطء : لأن حقيقة النكاح هو الوطء ، ويكون تقديره : ومن لم يستطع منكم طولا وطء حرة لعدمها تحته حل له نكاح أمة ، وكذا يقول ، فعن هذا ثلاثة أجوبة :
أحدها : أن النكاح عندنا حقيقة في العقد دون الوطء . وهكذا كل موضع ذكر لله تعالى النكاح في كتابه ، فالمراد به العقد دون الوطء ، وكذلك هاهنا .
والجواب الثاني : أن الطول بالمال معتبر في العقد دون الوطء ، فكان حمل النكاح على العقد الذي يعتبر فيه الطول أولى من حمله على الوطء الذي لا يعتبر فيه الطول أولى .
والجواب الثالث : أن حمله على الوطء يسقط اشتراط العنت ، وحمله على العقد لا يسقطه ، فكان حمله على العقد الذي يجمع فيه بين شرطيه أولى من حمله على الوطء الذي يسقط أحد شرطيه .
فإن قالوا : فيحمل قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=25فمن ما ملكت أيمانكم [ النساء : 25 ] على وطئها بملك اليمين لا بعقد النكاح ، فالجواب عن هذا أن في سياق الآية ما يدل على بطلان هذا التأويل من ثلاثة أوجه :
أحدها : قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=25ومن لم يستطع منكم طولا [ النساء : 25 ] وليس عدم الطول شرطا في وطء الأمة بملك اليمين .
والثاني : قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=25فانكحوهن بإذن أهلهن [ النساء : 25 ] وليس يراعى في وطئه بملك يمينه إذن أحد .
والثالث : وليس خوف العنت شرطا في وطئها بملك اليمين ، فبطل هذا التأويل ، وصح الاستدلال بالآية .
ومن طريق الإجماع أنه مروي عن
ابن عباس ،
وجابر :
أما
ابن عباس ، فروى عنه
البراء وطاوس ، أنه قال : من ملك ثلاثمائة درهم ، وجب عليه الحج ، وحرم عليه الإماء .
وأما
جابر ، فروى عنه
أبو الزبير ، أنه قال :
nindex.php?page=treesubj&link=10996من وجد صداق حرة فلا ينكح أمة .
وليس يعرف لقول هذين الصحابيين مع انتشاره في الصحابة مخالف ، فكان إجماعا لا يجوز خلافه . ومن طريق القياس : أنه مستغن عن نكاح أمة ، فلم يجز له نكاحها قياسا على من تحته حرة ، وإن شئت أن تقول : منعن عن استرقاق ولده قياسا على هذا الأصل ، وتقول حرة من العنت قادر على وطء حرة قياسا على هذا الأصل ، أو تقول حرا من العنت قياسا على هذا الأصل فتعلله بما شئت من أحد هذه الأوصاف الأربعة ، والوصف الأخير أشدها ، ولأن من قدر على قيمة المبدل الكامل كان كمن قدر عليه في تحريم الانتقال إلى المبدل الناقص كالانتقال في الطهارة من الماء إلى التراب ، وفي الكفارة من الرقية إلى الصيام : ولأنه لو
[ ص: 236 ] جمع في العقد الواحد بين حرة وأمة ، يبطل نكاح الأمة ، فكذلك إذا أفردها بالعقد مع قدرته على الحرة .
وتحريره : أن كل امرأتين لو جمع بينهما في العقد بطل نكاح إحداهما ، ووجب إذا أفردت بالعقد أن تبطل نكاحها كالأخت مع الأجنبية وكالمعتدة مع الخلية ، ولأن من تحته حرة هو ممنوع من نكاح أمة ، وليس يخلو حال منعه من أربعة أقسام : إما أن يكون : لأن تحته امرأة حرة ، وإما أن يكون : لأنه جامع بين حرة وأمة ، وإما أن يكون : لأنه قادر على نكاح حرة ، وإما أن يكون لأنه قادر على نكاح حرة ، وإما أن يكون : لأنه قد أمن العنت ، فبطل أن يكون المنع : لأن تحته حرة : لأنه لو عقد على حرة وأمة بطل نكاح الأمة ، وإن لم يكن تحته حرة ، وبطل أن يكون المنع : لأنه جامع بين حرة وأمة : لأنه لو نكح أمة جاز أن ينكح بعدها حرة ، فيصير جامعا بين أمة وحرة ، وإذا بطل هذان القسمان صار عليه المنع هو القسمان الآخران وهو القدرة على نكاح حرة ، وأنه أمن من العنت فصار وجود هذين علة في التحريم وعدمها علة في التحليل .
فأما الجواب عن استدلالهم بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3فانكحوا ما طاب لكم من النساء [ النساء : 3 ] فهو أن استدلالهم فيها بالعموم متروك بما ذكرناه من النص في التخصيص ، واستدلالهم منها بالنص باطل : لأنه تعالى قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم [ النساء : 3 ] ، فكان هذا تخييرا بين العقد على حرة ، وبين وطء الإماء بملك اليمين ، ولم يكن تخييرا بين العقد على حرة والعقد على أمة : لأن الله تعالى لم يشرط في ملك اليمين عددا ، فوجب أن يكون محمولا على ما شرط فيه العدد من التسري بهن دون ما يشترط فيه العدد من عقد النكاح عليهن .
وأما استدلالهم بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=221ولأمة مؤمنة خير من مشركة [ البقرة : 221 ] فالمراد بالمشركة هاهنا الوثنية دون الكتابية : لأن الله تعالى قد فصل بينهما : وإن جاز أن يعمهما اسم الشرك ، فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=1لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة [ البينة : 1 ] وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=6إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم [ البينة : 6 ] وإذا كان المراد بهما الوثنية فنكاح الأمة المؤمنة خير من نكاحها : لأنها قد تحل إذا وجد شرط الإباحة ، والوثنية لا تحل بحال .
وأما قياسهم على العادم للطول ، والخائف للعنت ، بعلة أنه ليس تحته حرة ، فمنتقض بمن تحته أربع : إما لا يجوز له عنده أن ينكح أمة ، وإن لم يكن تحته حرة ثم المعنى في الأصل : أن العادم للطول عاجز عن الحرة ، والواجد قادر ، فلا يجوز أن يقاس القادر على البذل على العاجز عنه ، كالواجد لثمن الرقبة في الكفارة لا يجوز أن يقاس على العادم لثمنها .
وأما قياسهم على العبد ، فالمعنى فيه : أنه لا عار على العبد في استرقاق ولده ، فجاز أن لا يعتبر فيه خوف العنت ، وعلى الحر عار في استرقاق ولده ، فاعتبرت ضرورته لخوف العنت .
[ ص: 237 ] وأما قياسهم على نكاح الحرة ، فالمعنى في الحرة : أنه لما جاز نكاحها على حرة جاز نكاحها على وجود الطول ، ولما لم يجز نكاح الأمة على الحرة لم يجز نكاحها مع وجود الطول ، وكذلك الجواب عن قياسهم على نكاح الكتابية والكافرة أنه يجوز نكاحها ، وإن كانت تحته مسلمة ، ولا يجوز نكاح الأمة إذا كان تحته حرة .
وأما استدلالهم بأن القدرة على مهر الأخت لا يمنع من نكاح أختها ، فكذلك القدرة على مهر الحرة لا يمنع من نكاح الأمة فخطأ : لأن المحرم في الأختين هو الجمع بينهما في العقد ، وهذا الجمع غير موجود في القدرة على المهر ، كما لم يمنع القدرة على مهور أربع من العقد على خامسة ، ويمنع وجود الأربع تحته أن يعقد على خامسة ، وليس كذلك الأمة : لأنها حرمت للقدرة على حرة ، ولأنه يحرم الجمع بينهما وبين حرة ، ألا ترى أنه لو نكح حرة بعد أمة جاز : وقد جمع بين حرة وأمة ، وإذا كان تحريمها للقدرة على حرة كان بوجود مهر الحرة قادرا على حرة فافترقا .
[ ص: 233 ] بَابُ الِاسْتِطَاعَةِ لِلْحَرَائِرِ وَغَيْرِ الِاسْتِطَاعَةِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=25وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ [ النِّسَاءِ : 25 ] ، وَفَيِ ذَلِكَ دَلِيلٌ أَنَّهُ أَرَادَ الْأَحْرَارَ : لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُمْ ، وَلَا يَحِلُّ مِنَ الْإِمَاءِ إِلَّا مُسْلِمَةٌ ، وَلَا تَحِلُّ حَتَّى يَجْتَمِعَ شَرْطَانِ : أَنْ لَا يَجِدَ طَوْلَ حُرَّةٍ ، وَيَخَافَ الْعَنَتَ إِنْ لَمْ يَنْكَحِهَا ، وَالْعَنَتُ الزِّنَا ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ
جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : مَنْ وَجَدَ صَدَاقَ امْرَأَةٍ فَلَا يَتَزَوَّجْ أَمَةً ، قَالَ
طَاوُسٌ : لَا يَحِلُّ
nindex.php?page=treesubj&link=10996نِكَاحُ الْحُرِّ الْأَمَةَ ، وَهُوَ يَجِدُ صَدَاقَ الْحُرَّةِ ، وَقَالَ
عَمْرُو بْنُ دِيْنَارٍ : لَا يَحِلُّ نِكَاحُ الْإِمَاءِ الْيَوْمَ : لِأَنَّهُ يَجِدُ طَوْلًا إِلَى الْحُرَّةِ " .
قَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ : قَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي نِكَاحِ الْحَرَائِرِ مِنَ الْمُسْلِمَاتِ وَالْكِتَابِيَّاتِ إِذَا نَكَحْنَ الْأَحْرَارَ وَالْعَبِيدَ ، فَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=33317نِكَاحُ الْإِمَاءِ فَلَهُ حَالَانِ :
أَحَدُهُمَا : مَعَ الْعَبْدِ .
وَالثَّانِي : مَعَ الْحُرِّ .
فَأَمَّا الْعَبْدُ فِي نِكَاحِ الْإِمَاءِ ، فَلَهُ أَنْ يَنْكِحَهُنَّ كَمَا يَنْكِحُ الْحَرَائِرَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ زَائِدٍ ، وَالْكَلَامُ فِيهِ يَأْتِي مَعَ ذِكْرِ مَا فِيهِ مِنْ خِلَافٍ .
وَأَمَّا الْحُرُّ ، فَحُكْمُهُ فِي نِكَاحِ الْأَمَةِ مُخَالِفٌ لِحُكْمِهِ فِي نِكَاحِ الْحُرَّةِ ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْكِحَهَا إِلَّا بِثَلَاثِ شَرَائِطَ تُعْتَبَرُ فِيهِ ، وَشَرْطٍ رَابِعٍ يُعْتَبَرُ فِي الْأَمَةِ ، فَأَمَّا الشَّرْطُ الْمُعْتَبَرُ فِي الْأَمَةِ الْإِسْلَامُ ، وَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ .
وَأَمَّا الثَّلَاثُ شَرَائِطَ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْحُرِّ :
أَحَدُهَا : أَنْ لَا يَكُونَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ .
وَالثَّانِي : أَنْ لَا يَجِدَ طَوْلًا لِحُرَّةٍ .
وَالثَّالِثُ : أَنْ يَخَافَ الْعَنَتَ إِنْ لَمْ يَنْكِحْ أَمَةً ، وَالْعَنَتُ الزِّنَا ، فَإِذَا اسْتَكْمَلَ هَذِهِ الشُّرُوطَ الثَّلَاثَةَ حَلَّ لَهُ نِكَاحُ أَمَةٍ ، وَإِنْ أَخَلَّ شَرْطٌ مِنْهَا لَمْ يَحِلَّ لَهُ نِكَاحُهَا .
وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ : يُعْتَبَرُ فِي نِكَاحِ الْأَمَةِ شَرْطٌ وَاحِدٌ ، وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ ، وَلَا يُعْتَبَرُ عَدَمُ الطَّوْلِ وَخَوْفُ الْعَنَتِ .
وَقَالَ
مَالِكٌ : يُعْتَبَرُ فِيهِ عَدَمُ الطَّوْلِ وَخَوْفُ الْعَنَتِ ، وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ أَلَّا تَكُونَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ .
وَقَالَ
سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ : يُعْتَبَرُ فِيهِ خَوْفُ الْعَنَتِ وَحْدَهُ .
[ ص: 234 ] وَقَالَ آخَرُونَ : لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الشَّرَائِطِ ، وَيَكُونُ نِكَاحُهَا كَنِكَاحِ الْحُرَّةِ .
فَأَمَّا
أَبُو حَنِيفَةَ فَاسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ عَدَمَ الطَّوْلِ وَخَوْفَ الْعَنَتِ غَيْرُ مُعْتَبَرَيْنَ بِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ فَكَانَ عَلَى عُمُومِهِ فِي نِكَاحِ مَا طَابَ فِي الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ ، ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ الْآيَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [ النِّسَاءِ : 3 ] يَعْنِي فَنِكَاحُ وَاحِدَةً مِنَ الْحَرَائِرِ أَوْ نِكَاحُ وَاحِدَةً مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ، فَكَانَ هَذَا نَصًّا ، فَصَارَ أَوَّلُ الْآيَةِ دَلِيلًا مِنْ طَرِيقِ الْعُمُومِ ، وَآخِرُهَا دَلِيلًا مِنْ طَرِيقِ النَّصِّ ، وَاسْتَدَلَّ أَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=221وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ [ الْبَقَرَةِ : 221 ] وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْكِتَابِيَّةَ الْحُرَّةَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ ، فَالْأَمَةُ الْمُؤْمِنَةُ هِيَ الَّتِي خَيْرٌ مِنْهَا أَوْلَى أَنْ يَجُوزَ نِكَاحُهَا .
وَمِنَ الْقِيَاسِ : أَنَّهُ لَيْسَ تِحَتَهُ حُرَّةٌ ، فَجَازَ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ كَالْعَادِمِ لِلطَّوْلِ وَالْخَائِفِ لِلْعَنَتِ ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ حَلَّ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ إِذَا خَشِيَ الْعَنَتَ حَلَّ لَهُ نِكَاحُهَا ، وَإِنْ أَمِنَ الْعَنَتَ كَالْعَبْدِ : وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ حَلَّ لَهُ نِكَاحُهَا إِذَا لَمْ يَجِدْ طَوْلًا حَلَّ نِكَاحُهَا ، وَإِنْ وَجَدَ طَوْلًا كَالْحُرَّةِ ، وَلِأَنَّ كُلَّ نَقْصٍ لَمْ يَمْنَعْ مِنَ النِّكَاحِ إِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى سَلِيمٍ مِنْهُ لَمْ يَمْنَعْ مِنَ النِّكَاحِ ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى سَلِيمٍ مِنْهُ قِيَاسًا عَلَى نِكَاحِ الْكَافِرَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى مُسْلِمَةٍ ، وَلِأَنَّ وُجُودَ نِكَاحِ الْأُخْتِ يَمْنَعُ مِنْ نِكَاحِ أُخْتِهَا وَوُجُودَ مَهْرِهَا لَا يَمْنَعُ : كَذَلِكَ وُجُودُ الْحُرَّةِ يَمْنَعُ مِنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ وَوُجُودُ مَهْرِهَا لَا يَمْنَعُ .
وَدَلِيلُنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=25وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ إِلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=25ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [ النِّسَاءِ : 25 ] فَأَبَاحَ نِكَاحَ الْأَمَةِ بِشَرْطَيْنِ : أَحَدُهُمَا : عَدَمُ الطَّوْلِ .
وَالثَّانِي : خَوْفُ الْعَنَتِ .
فَأَمَّا الطَّوْلُ : فَهُوَ الْمَالُ وَالْقُدْرَةُ مَأْخُوذٌ مِنَ الطُّولِ : لِأَنَّهُ يَنَالُ بِهِ مَعَالِيَ الْأُمُورِ ، كَمَا يَنَالُ الطُّولُ مَعَالِيَ الْأَشْيَاءِ .
وَأَمَّا الْعَنَتُ فَفِيهِ تَأْوِيلَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ الزِّنَا .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ الْحَدُّ الَّذِي يُصِيبُهُ مِنَ الزِّنَا .
فَلَمَّا جَعَلَ الْإِبَاحَةَ مُقَيَّدَةً بِهَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ لَمْ يَصِحَّ نِكَاحُهُمَا إِلَّا بِهِمَا .
فَإِنْ قَالُوا : هَذَا الِاحْتِجَاجُ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ ، وَهُوَ عِنْدَنَا غَيْرُ حُجَّةٍ ، فَعَنْهُ جَوَابَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ دَلِيلُ خِطَابٍ عِنْدَنَا حُجَّةٌ ، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ مِنْ دَلَائِلُنَا عَلَى أُصُولِنَا .
وَالْجَوَابُ الثَّانِي : أَنَّهُ شَرْطٌ عُلِّقَ بِهِ الْحُكْمُ : لِأَنَّ لَفْظَةَ " مَنْ " مَوْضِعُهُ لِلشَّرْطِ ، وَيَكُونُ
[ ص: 235 ] تَقْدِيرُهُ : مَنْ لَمْ يَجِدْ طَوْلًا وَخَافَ الْعَنَتَ نَكَحَ الْأَمَةَ ، وَالْحُكْمُ إِذَا عُلِّقَ بِشَرْطَيْنِ انْتَفَى بِعَدَمِ ذَلِكَ الشَّرْطَيْنِ ، وَتَعَذُّرِ أَحَدِهِمَا .
فَإِنْ قَالُوا فَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=25وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ مَحْمُولٌ عَلَى الْوَطْءِ : لِأَنَّ حَقِيقَةَ النِّكَاحِ هُوَ الْوَطْءُ ، وَيَكُونُ تَقْدِيرُهُ : وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا وَطْءَ حُرَّةٍ لِعَدَمِهَا تَحْتَهُ حَلَّ لَهُ نِكَاحُ أَمَةٍ ، وَكَذَا يَقُولُ ، فَعَنْ هَذَا ثَلَاثَةٌ أَجْوِبَةٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّ النِّكَاحَ عِنْدَنَا حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ دُونَ الْوَطْءِ . وَهَكَذَا كُلُّ مَوْضِعِ ذِكْرٍ لِلَّهِ تَعَالَى النِّكَاحَ فِي كِتَابِهِ ، فَالْمُرَادُ بِهِ الْعَقْدُ دُونَ الْوَطْءِ ، وَكَذَلِكَ هَاهُنَا .
وَالْجَوَابُ الثَّانِي : أَنَّ الطَّوْلَ بِالْمَالِ مُعْتَبَرٌ فِي الْعَقْدِ دُونَ الْوَطْءِ ، فَكَانَ حَمْلُ النِّكَاحِ عَلَى الْعَقْدِ الَّذِي يُعْتَبَرُ فِيهِ الطَّوْلُ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْوَطْءِ الَّذِي لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الطَّوْلُ أَوْلَى .
وَالْجَوَابُ الثَّالِثُ : أَنَّ حَمْلَهُ عَلَى الْوَطْءِ يُسْقِطُ اشْتِرَاطَ الْعَنَتِ ، وَحَمْلَهُ عَلَى الْعَقْدِ لَا يُسْقِطُهُ ، فَكَانَ حَمْلُهُ عَلَى الْعَقْدِ الَّذِي يَجْمَعُ فِيهِ بَيْنَ شَرْطَيْهِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْوَطْءِ الَّذِي يَسْقُطُ أَحَدُ شَرْطَيْهِ .
فَإِنْ قَالُوا : فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=25فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [ النِّسَاءِ : 25 ] عَلَى وَطْئِهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ لَا بِعَقْدِ النِّكَاحِ ، فَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا أَنَّ فِي سِيَاقِ الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ هَذَا التَّأْوِيلِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ :
أَحَدُهَا : قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=25وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا [ النِّسَاءِ : 25 ] وَلَيْسَ عَدَمُ الطَّوْلِ شَرْطًا فِي وَطْءِ الْأَمَةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ .
وَالثَّانِي : قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=25فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ [ النِّسَاءِ : 25 ] وَلَيْسَ يُرَاعَى فِي وَطْئِهِ بِمِلْكِ يَمِينِهِ إِذْنُ أَحَدٍ .
وَالثَّالِثُ : وَلَيْسَ خَوْفُ الْعَنَتِ شَرْطًا فِي وَطْئِهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ ، فَبَطَلَ هَذَا التَّأْوِيلُ ، وَصَحَّ الِاسْتِدْلَالُ بِالْآيَةِ .
وَمِنْ طَرِيقِ الْإِجْمَاعِ أَنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ ،
وَجَابِرٍ :
أَمَّا
ابْنُ عَبَّاسٍ ، فَرَوَى عَنْهُ
الْبَرَاءُ وَطَاوُسٌ ، أَنَّهُ قَالَ : مَنْ مَلَكَ ثَلَاثَمِائَةِ دِرْهَمٍ ، وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ ، وَحَرُمَ عَلَيْهِ الْإِمَاءُ .
وَأَمَّا
جَابِرٌ ، فَرَوَى عَنْهُ
أَبُو الزُّبَيْرِ ، أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=treesubj&link=10996مَنْ وَجَدَ صَدَاقَ حُرَّةٍ فَلَا يَنْكِحْ أَمَةً .
وَلَيْسَ يُعْرَفُ لِقَوْلِ هَذَيْنِ الصَّحَابِيَّيْنِ مَعَ انْتِشَارِهِ فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ ، فَكَانَ إِجْمَاعًا لَا يَجُوزُ خِلَافُهُ . وَمِنْ طَرِيقِ الْقِيَاسِ : أَنَّهُ مُسْتَغْنٍ عَنْ نِكَاحِ أَمَةٍ ، فَلَمْ يَجُزْ لَهُ نِكَاحُهَا قِيَاسًا عَلَى مَنْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَقُولَ : مُنِعْنَ عَنِ اسْتِرْقَاقِ وَلَدِهِ قِيَاسًا عَلَى هَذَا الْأَصْلِ ، وَتَقُولَ حُرَّةٌ مِنَ الْعَنَتِ قَادِرٌ عَلَى وَطْءِ حُرَّةٍ قِيَاسًا عَلَى هَذَا الْأَصْلِ ، أَوْ تَقُولَ حُرًّا مِنَ الْعَنَتِ قِيَاسًا عَلَى هَذَا الْأَصْلِ فَتُعَلِّلُهُ بِمَا شِئْتَ مِنْ أَحَدِ هَذِهِ الْأَوْصَافِ الْأَرْبَعَةِ ، وَالْوَصْفُ الْأَخِيرُ أَشَدُّهَا ، وَلِأَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى قِيمَةِ الْمُبَدَلِ الْكَامِلِ كَانَ كَمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ فِي تَحْرِيمِ الِانْتِقَالِ إِلَى الْمُبَدَلِ النَّاقِصِ كَالِانْتِقَالِ فِي الطَّهَارَةِ مِنَ الْمَاءِ إِلَى التُّرَابِ ، وَفِي الْكَفَّارَةِ مِنَ الرُّقْيَةِ إِلَى الصِّيَامِ : وَلِأَنَّهُ لَوْ
[ ص: 236 ] جَمَعَ فِي الْعَقْدِ الْوَاحِدِ بَيْنَ حُرَّةٍ وَأَمَةٍ ، يَبْطُلُ نِكَاحُ الْأَمَةِ ، فَكَذَلِكَ إِذَا أَفْرَدَهَا بِالْعَقْدِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْحُرَّةِ .
وَتَحْرِيرُهُ : أَنَّ كُلَّ امْرَأَتَيْنِ لَوْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْعَقْدِ بَطَلَ نِكَاحُ إِحْدَاهُمَا ، وَوَجَبَ إِذَا أُفْرِدَتْ بِالْعَقْدِ أَنْ تَبْطُلَ نِكَاحُهَا كَالْأُخْتِ مَعَ الْأَجْنَبِيَّةِ وَكَالْمُعْتَدَّةِ مَعَ الْخَلِيَّةِ ، وَلِأَنَّ مَنْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ هُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ نِكَاحِ أَمَةٍ ، وَلَيْسَ يَخْلُو حَالُ مَنْعِهِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ : إِمَّا أَنْ يَكُونَ : لِأَنَّ تَحْتَهُ امْرَأَةً حُرَّةً ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ : لِأَنَّهُ جَامِعٌ بَيْنَ حُرَّةٍ وَأَمَةٍ ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ : لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى نِكَاحِ حُرَّةٍ ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى نِكَاحِ حُرَّةٍ ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ : لِأَنَّهُ قَدْ أَمِنَ الْعَنَتَ ، فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ الْمَنْعُ : لِأَنَّ تَحْتَهُ حُرَّةً : لِأَنَّهُ لَوْ عَقَدَ عَلَى حُرَّةٍ وَأَمَةٍ بَطَلَ نِكَاحُ الْأَمَةِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ ، وَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ الْمَنْعُ : لِأَنَّهُ جَامِعٌ بَيْنَ حُرَّةٍ وَأَمَةٍ : لِأَنَّهُ لَوْ نَكَحَ أَمَةً جَازَ أَنْ يَنْكِحَ بَعْدَهَا حُرَّةً ، فَيَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَ أَمَةٍ وَحُرَّةٍ ، وَإِذَا بَطَلَ هَذَانِ الْقِسْمَانِ صَارَ عَلَيْهِ الْمَنْعُ هُوَ الْقِسْمَانِ الْآخَرَانِ وَهُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى نِكَاحِ حُرَّةٍ ، وَأَنَّهُ أَمِنَ مِنَ الْعَنَتِ فَصَارَ وُجُودُ هَذَيْنِ عِلَّةً فِي التَّحْرِيمِ وَعَدَمُهَا عِلَّةً فِي التَّحْلِيلِ .
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ [ النِّسَاءِ : 3 ] فَهُوَ أَنَّ اسْتِدْلَالَهُمْ فِيهَا بِالْعُمُومِ مَتْرُوكٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ النَّصِّ فِي التَّخْصِيصِ ، وَاسْتِدْلَالَهُمْ مِنْهَا بِالنَّصِّ بَاطِلٌ : لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [ النِّسَاءِ : 3 ] ، فَكَانَ هَذَا تَخْيِيرًا بَيْنَ الْعَقْدِ عَلَى حُرَّةٍ ، وَبَيْنَ وَطْءِ الْإِمَاءِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ ، وَلَمْ يَكُنْ تَخْيِيرًا بَيْنَ الْعَقْدِ عَلَى حُرَّةٍ وَالْعَقْدِ عَلَى أَمَةٍ : لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَشْرُطْ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ عَدَدًا ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَحْمُولًا عَلَى مَا شَرَطَ فِيهِ الْعَدَدَ مِنَ التَّسَرِّي بِهِنَّ دُونَ مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ مِنْ عَقْدِ النِّكَاحِ عَلَيْهِنَّ .
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=221وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ [ الْبَقَرَةِ : 221 ] فَالْمُرَادُ بِالْمُشْرِكَةِ هَاهُنَا الْوَثَنِيَّةُ دُونَ الْكِتَابِيَّةِ : لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ فَصَلَ بَيْنَهُمَا : وَإِنْ جَازَ أَنْ يَعُمَّهُمَا اسْمُ الشِّرْكِ ، فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=1لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ [ الْبَيِّنَةِ : 1 ] وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=6إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ [ الْبَيِّنَةِ : 6 ] وَإِذَا كَانَ الْمُرَادُ بِهِمَا الْوَثَنِيَّةُ فَنِكَاحُ الْأَمَةِ الْمُؤْمِنَةِ خَيْرٌ مِنْ نِكَاحِهَا : لِأَنَّهَا قَدْ تَحِلُّ إِذَا وُجِدَ شَرْطُ الْإِبَاحَةِ ، وَالْوَثَنِيَّةُ لَا تَحِلُّ بِحَالٍ .
وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْعَادِمِ لِلطَّوْلِ ، وَالْخَائِفِ لِلْعَنَتِ ، بِعِلَّةِ أَنَّهُ لَيْسَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ ، فَمُنْتَقَضٌ بِمَنْ تَحْتَهُ أَرْبَعٌ : إِمَّا لَا يَجُوزُ لَهُ عِنْدَهُ أَنْ يَنْكِحَ أَمَةً ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ ثُمَّ الْمَعْنَى فِي الْأَصْلِ : أَنَّ الْعَادِمَ لِلطَّوْلِ عَاجِزٌ عَنِ الْحُرَّةِ ، وَالْوَاجِدَ قَادِرٌ ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَاسَ الْقَادِرُ عَلَى الْبَذْلِ عَلَى الْعَاجِزِ عَنْهُ ، كَالْوَاجِدِ لِثَمَنِ الرَّقَبَةِ فِي الْكَفَّارَةِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَاسَ عَلَى الْعَادِمِ لِثَمَنِهَا .
وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْعَبْدِ ، فَالْمَعْنَى فِيهِ : أَنَّهُ لَا عَارَ عَلَى الْعَبْدِ فِي اسْتِرْقَاقِ وَلَدِهِ ، فَجَازَ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ فِيهِ خَوْفُ الْعَنَتِ ، وَعَلَى الْحُرِّ عَارٌ فِي اسْتِرْقَاقِ وَلَدِهِ ، فَاعْتُبِرَتْ ضَرُورَتُهُ لِخَوْفِ الْعَنَتِ .
[ ص: 237 ] وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى نِكَاحِ الْحُرَّةِ ، فَالْمَعْنَى فِي الْحُرَّةِ : أَنَّهُ لَمَّا جَازَ نِكَاحُهَا عَلَى حُرَّةٍ جَازَ نِكَاحُهَا عَلَى وُجُودِ الطَّوْلِ ، وَلَمَّا لَمْ يَجُزْ نِكَاحُ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ لَمْ يَجُزْ نِكَاحُهَا مَعَ وُجُودِ الطَّوْلِ ، وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى نِكَاحِ الْكِتَابِيَّةِ وَالْكَافِرَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ نِكَاحُهَا ، وَإِنْ كَانَتْ تَحْتَهُ مُسْلِمَةٌ ، وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْأَمَةِ إِذَا كَانَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ .
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى مَهْرِ الْأُخْتِ لَا يَمْنَعُ مِنْ نِكَاحِ أُخْتِهَا ، فَكَذَلِكَ الْقُدْرَةُ عَلَى مَهْرِ الْحُرَّةِ لَا يَمْنَعُ مِنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ فَخَطَأٌ : لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ فِي الْأُخْتَيْنِ هُوَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الْعَقْدِ ، وَهَذَا الْجَمْعُ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَهْرِ ، كَمَا لَمْ يَمْنَعِ الْقُدْرَةُ عَلَى مُهُورٍ أَرْبَعٍ مِنَ الْعَقْدِ عَلَى خَامِسَةٍ ، وَيُمْنَعُ وُجُودُ الْأَرْبَعِ تَحْتَهُ أَنْ يَعْقِدَ عَلَى خَامِسَةٍ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْأَمَةُ : لِأَنَّهَا حُرِّمَتْ لِلْقُدْرَةِ عَلَى حُرَّةِ ، وَلِأَنَّهُ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ حُرَّةٍ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ نَكَحَ حُرَّةً بَعْدَ أَمَةٍ جَازَ : وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَ حُرَّةٍ وَأَمَةٍ ، وَإِذَا كَانَ تَحْرِيمُهَا لِلْقُدْرَةِ عَلَى حُرَّةٍ كَانَ بِوُجُودِ مَهْرِ الْحُرَّةِ قَادِرًا عَلَى حُرَّةٍ فَافْتَرَقَا .