فصل : والضرب الثاني : أن  يترافعا إلى حاكمنا في ابتداء عقد يستأنفه بينهما   ، فعلى الحاكم أن يعقده بينهما على الشروط المعتبرة في الإسلام بولي وشهود : لقول الله تعالى :  وأن احكم بينهم بما أنزل الله      [ المائدة : 49 ] . وإنما جاز أن يمضي في مناكحهم في الشرك ، وإن لم تكن على شروط الإسلام ، ولا يجوز أن يستأنفها في الإسلام إلا على شروطه : لقوله تعالى :  قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف      [ الأنفال : 38 ] . ولأن في اعتبار مناكحهم في الشرك على شروط الإسلام وردها إذا خالفته تنفيرا لهم من الدخول في الإسلام ، وليس فيما استأنفوه لرضاهم به تنفيرا لهم منه .  
فإذا تقرر ما وصفناه  فوليها في النكاح   أقرب عصبتها من الكفار ، ولأن ولي الكافرة كافر ، ويراعى أن يكون عدلا في دينه ، فإن كان فاسقا فيه كان كفسق الولي المسلم يعدل إلى غيره من الأولياء العدول ، فإن عدم أوليائها من العصبة والمعتقين زوجها الحاكم ولا يمنعه الإسلام من تزويجها ، وإن منع منها إسلام عصبتها : لأن تزويجها حكم فيه عليها .  
فأما  الشهود في نكاحها   ، فلا يصح إلا أن يكونوا مسلمين .  
وجوز  أبو حنيفة   عقد نكاحها بشهود كفار كما جاز بولي كافر .  
وهذا خطأ : لقول النبي صلى الله عليه وسلم :  لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل     .  
والفرق بين الولي والشهود   أن الولي يراد لطلب الحظ لها للموالاة التي بينها ، والكافر المشارك لها في الكفر أقوى موالاة من المسلمين ، فكان الكافر أحق بولاية نكاحها من المسلم ، وليس كذلك الشهود : لأنهم يرادون لإثبات الفراش ، وإلحاق النسب ولا يثبت      [ ص: 310 ] ذلك إلا بالمسلمين ، فكانوا أخص بالشهادة فيه من غيرهم ، وهذا حكم إذنها إذا كانت ثيبا بالنطق ، وإن كانت بكرا بالصمت ، ولا يعقده إلا بصداق حلال ، وإن كانوا يرون في دينهم عقده بالمحرمات من الخمور والخنازير .  
وهل يجوز أن  يعقد كتابي على وثنية ، أو وثني على كتابية   أو لا ؟ على وجهين :  
أحدهما - وهو قول  أبي سعيد الإصطخري      - : لا يجوز لمسلم أن يعقد على وثنية ، ولا لوثني أن يعقد على مسلمة .  
والوجه الثاني - وهو مذهب  الشافعي      - : يجوز : لأن الكفر كله ملة واحدة .  
				
						
						
