الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا تقرر ما وصفنا من أحكام العيوب فوجد الزوج بالزوجة قليلا من برص أو جذام عرض به فانتشر وزاد حتى صار كثيرا لم يكن له خيار : لأن الراضي بقليله راض بكثيره ، ولأن قليله في الغالب يصير كثيرا ، ولو ظهر بها برص في غير المكان الأول فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون الثاني أقبح منظرا من الأول كأنه كان الأول في فخذها وحدث الثاني في وجهها ، فله الخيار نص عليه في " الإملاء " : لأن النفس من الثاني أشد نفورا من الأول .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يكون مثل الأول في القبح ، كأنه كان الأول في يدها اليمنى والثاني في يدها اليسرى ، ففيه وجهان :

                                                                                                                                            [ ص: 344 ] أحدهما : له الخيار : لأنه إذا كان في غير مكان الأول كان عيبا غير الأول .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : لا خيار : لأنه من جنس الأول كالمتصل ، فلو رضي ببرصها ، فظهر بها جذام كان له الخيار بالجذام دون البرص : لأنه قد تأنف نفسه الجذام ، ولا تعاف البرص ، ولو كان بها جذام أو برص فلم يختر فسخ نكاحها حتى زال وبرئ ، فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يزول قبل علمه به ، فلا خيار بعدم ما يوجبه .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يزول بعد علمه وقبل فسخه بعذر آخر عنه ، ففي خياره وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : له الخيار : اعتبارا بالابتداء .

                                                                                                                                            والثاني : لا خيار له : اعتبارا بالانتهاء .

                                                                                                                                            فلو وجد الزوج بها عيبا ووجدت بالزوج عيبا ، فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يختلف العيبان ، فيكون عيب أحدهما جذاما وعيب الآخر برصا ، فلكل واحد الخيار بعيب صاحبه : لأن المجذوم قد يعاف الأبرص ، والأبرص قد يعاف المجذوم .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يتساوى العيبان ، فيكون لكل واحد منهما برص أو جذام ، ففي ثبوت الخيار وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن لا خيار لتكافئهما ، وأنه ليس بنقص أحدهما عن حالة صاحبه .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أن لكل واحد منهما الخيار : لأنه قد يعاف من غيره ما لا يعافه من نفسه من بصاق ومخاط وأذى ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية