[ ص: 385 ] باب الإحصان الذي به يرجم من زنا ، من كتاب التعريض بالخطبة وغير ذلك  
قال  الشافعي   رحمه الله تعالى : " فإذا أصاب الحر البالغ أو أصيبت الحرة البالغة ، فهو إحصان في الشرك وغيره :  لأن النبي صلى الله عليه وسلم رجم يهوديين زنيا  ، فلو كان المشرك لا يكون محصنا كما قال بعض الناس لما رجم صلى الله عليه وسلم غير محصن " .  
قال  الماوردي      : أما  الإحصان في اللغة   فهو المنع ، يقال قد أحصنت المرأة فرجها إذا امتنعت من الفجور ، قال الله تعالى :  والتي أحصنت فرجها      [ الأنبياء : 91 ] أي منعته ، ويقال : مدينة حصينة أي منيعة ، قال الله تعالى :  في قرى محصنة      [ الحشر : 14 ] أي ممنوعة ، ويقال : امرأة حصان إذا امتنعت من الفجور : وفرس حصان إذا امتنع به راكبه ، ودرع حصن إذا امتنع بها لابسها : فسميت ذات الزوج محصنة : لأن زوجها قد حصنها ومنعها ، وإذا كان هكذا فالحصانة في النكاح اسم جامع لشروط مانعة إذا تكاملت كان حد الزنا فيها الرجم دون الجلد : لقول النبي صلى الله عليه وسلم :  جلد مائة وتغريب عام ، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم     .  
والشروط المعتبرة في الحصانة   أربعة :  
أحدها : البلوغ الذي يصير به ممنوعا مكلفا .  
والثاني : العقل : لأنه مانع من القبائح موجب لتكليف العبادات .  
والثالث : الحرية التي تمنع من البغاء والاسترقاق ، وأن كمال الحد فعل يمنع منه نقص الرق .  
والرابع : الوطء في عقد نكاح صحيح : لأنه يمنع من السفاح ، وقد قال الله تعالى : محصنين غير مسافحين [ النساء : 24 ] أي متناكحين غير مسافحين .  
فأما الإسلام فليس بشرط في الحصانة .  
فإذا تكاملت هذه الشروط الأربعة في مسلم أو كافر رجم إذا زنا .  
 [ ص: 386 ] وقال  مالك   وأبو حنيفة      : الإسلام شرط معتبر في الحصانة ، ولا يرجم الكافر إذا زنا استدلالا بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :  لا حصان في الشرك     .  
وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال :  من أشرك بالله فليس بمحصن     .  
وروي  أن  حذيفة بن اليمان   تزوج يهودية ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : إنها لا تحصنك  ، ولأن الإحصان منزلة كمال وتشريف يعتبر فيها نقص الرق ، فكان بأن يعتبر فيها نقص الكفر أولى : ولأنه لما كان الإسلام معتبرا في حصانة القذف حتى لم يحد من قذف كافرا ، وجب أن يعتبر في حصانة الحد حتى لا يرجم الكافر إذا زنا ، ودليلنا ما روى  الشافعي   عن  مالك   عن  نافع   عن  ابن عمر   أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم يهوديين زنيا  ،  والرجم لا يجب إلا على محصن   ، فدل على أنهما محصنان .  
فإن قيل : فإنما رجمهما بالتوراة ولم يرجمهما بشريعته : لأنه أحضر التوراة عند رجمهما ، فلما ظهرت فيها آية الرجم تلوح رجمهما حينئذ .  
قيل : لا يجوز أن يحكم بغير ما أنزل الله تعالى عليه ، وقد قال تعالى :  وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم      [ المائدة : 49 ] وإنما أحضر التوراة : لأنه أخبرهم بأن فيها آية الرجم ، فأنكروا فأحضرها لإكذابهم .  
فإن قيل : فيجوز أن يكون هذا قبل أن صار الإحصان شرطا في الرجم ، فعنه جوابان :  
أحدهما : أنه ليس يعرف في الشرع وجوب الرجم قبل اعتبار الحصانة ، فلم يجز حمله عليه .  
والثاني : أنه قد روى  عبيد الله بن عمر   عن  نافع   عن  ابن عمر   أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم يهوديين أحصنا  فأبطلت هذه الرواية هذا التأويل .  
ومن طريق القياس : أن كل من وجب عليه بالزنا حد كامل فوجب أن يكون بالوطء في النكاح محصنا كالمسلم ، ولأن كل قتل وجب على المسلم بسبب وجب على الكافر إذا لم يقر على ذلك السبب كالقود .  
وقولنا : إذا لم يقر على ذلك السبب : احترازا من تارك الصلاة ، فإنه يقتل إذا كان مسلما : لأنه لا يقر ، ولا يقتل إذا كان كافرا : لأنه يقر ، ولأن الرجم أحد حدي الزنا      [ ص: 387 ] فوجب أن يستوي فيه المسلم والكافر كالجلد : ولأنه لما استوى في حد الزنا حكم العبد المسلم والكافر ، وجب أن يستوي فيه حد الحر المسلم والكافر .  
فأما الجواب عن الخبرين الأوليين ، فمن وجهين :  
أحدهما : حمله على حصانة القذف دون الرجم .  
والثاني : لا حصانة تمنع من استباحة قتلهم وأموالهم : لقوله صلى الله عليه وسلم :  أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها     .  
وأما الجواب عن حديث  حذيفة   ، فهو أن لا يجوز حمله على حصانة الزنا : لأنه لا يصح من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول لمن وثق بدينه من أصحابه ،  وحذيفة   قد كان موثوقا بدينه ، أنك متى زنيت تحت هذه اليهودية لم ترجم ، وإنما معنى قوله : " لا تحصنك " أي لا تتعفف بك عما تتعفف المسلمة .  
وأما اعتبارهم ذلك بحصانة القذف .  
فالفرق بينهما : أن حد الزنا حق لله تعالى ، فجاز أن  يستوي فيه المسلم والكافر   ، وحد القذف من حقوق الآدميين ، فجاز أن يفرق فيه المسلم والكافر كالدية .  
وأما استدلالهم بأنه لما اعتبر في سقوط الرجم نقص الرق اعتبر فيه نقص الكفر ، فالجواب عنه أنه لما كان نقص الرق معتبرا في الحد الأصغر كان معتبرا في الحد الأكبر ، ولما كان نقص الكفر غير معتبر في الحد الأصغر كان غير معتبر في الحد الأكبر ، وافترقا ، والله أعلم .  
				
						
						
