الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 419 ] صداق ما يزيد ببدنه وينقص من الجامع ، وغير ذلك من كتاب الصداق ، ونكاح القديم ، ومن اختلاف الحديث ، ومن مسائل شتى

                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رحمه الله : " وكل ما أصدقها فملكته بالعقدة وضمنته بالدفع ، فلها زيادته وعليها نقصانه " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال ، الزوجة مالكة لجميع الصداق بنفس العقد . وهو قول أبي حنيفة .

                                                                                                                                            وقال مالك : قد ملكت بالعقد نصفه ، وبالدخول باقيه .

                                                                                                                                            استدلالا بأنه لو طلقها قبل الدخول لم يكن لها إلا نصفه ، ولو كانت مالكة لجميعه ما زال ملكها عن نصفه إلا بعقد ، فدل على أنها لم تملك منه إلا النصف .

                                                                                                                                            أو لأنه لو كان ملك الصداق مقابلا لملك البضع لتساويا في التأجيل والتنجيم حتى يجوز تأجيل البضع وتنجيمه كما يجوز في الصداق .

                                                                                                                                            أو لا يجوز في الصداق كما لا يجوز في البضع ، فلما اختص الصداق بجواز التأجيل والتنجيم دون البضع اختص بتمليك البعض وإن ملك جميع البضع .

                                                                                                                                            ودليلنا قول الله تعالى : وآتوا النساء صدقاتهن نحلة [ النساء : 4 ] وفي ذلك دليلان :

                                                                                                                                            أحدهما : إضافة جميع الصداق إليهن ، فاقتضى أن يكون ملك جميعه لهن .

                                                                                                                                            والثاني : أمره بدفع جميعه إليهن ، فاقتضى أن يكون جميعه حقا لهن .

                                                                                                                                            ولأن الزوج قد ملك بالعقد جميع البضع فوجب أن تملك عليه بالعقد جميع المهر ، كما أن المشتري لما ملك بالعقد جميع المبيع ملك عليه جميع الثمن .

                                                                                                                                            ويتحرر منه قياسان :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه عقد تضمن بدلا ومبدلا ، فوجب أن يكون ملك البدل في مقابلة ملك المبدل كالبيع .

                                                                                                                                            والثاني : أنه أحد بدلي العقد فوجب أن يكون مملوكا بالعقد كالبضع .

                                                                                                                                            ولأنه لما كان لها المطالبة بجميعه قبل الدخول ، وحبس نفسها به إن امتنع ، وأن تضرب بجميعه مع غرمائه إن أفلس ، دل على أنها مالكة لجميعه ؛ لأنه لا يجوز أن يثبت لها حقوق الملك مع عدم الملك .

                                                                                                                                            [ ص: 420 ] فأما استرجاع الزوج نصفه بالطلاق قبل الدخول ، فلا يمنع أن تكون مالكة لما استرجعه ، كما لو ارتدت قبل الدخول ، أو فسخت نكاحه بعيب استرجع جميعه ، ولم يمنع أن تكون مالكة لما استرجعه ، وكما يسترجع المشتري الثمن إذا رد بعيب ، ولا يمنع أن يكون البائع مالكا له .

                                                                                                                                            وأما اختلاف الصداق والبضع في التأجيل والتنجيم ، فلا يقتضي اختلافهما في التمليك ، كما أن بيوع الأعيان يجوز التأجيل والتنجيم في أثمانها ، ولا يجوز فيها ، ولا يمنع من تساويهما في أنهما قد ملكا بنفس العقد .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية