الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 513 ] باب عفو المهر وغير ذلك ، من الجامع ، ومن كتاب الصداق ، ومن الإملاء على مسائل مالك

                                                                                                                                            قال الشافعي رحمه الله : " قال الله تعالى : فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح ، ( قال ) : والذي بيده عقدة النكاح الزوج ، وذلك أنه إنما يعفو من ملك ، فجعل لها مما وجب لها من نصف المهر أن تعفو ، وجعل له أن يعفو بأن يتم لها الصداق ، وبلغنا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه : أن الذي بيده عقدة النكاح الزوج ، وهو قول شريح وسعيد بن جبير ، وروي عن ابن المسيب وهو قول مجاهد ، ( قال الشافعي ) رحمه الله : فأما أبو البكر وأبو المحجور عليه ، فلا يجوز عفوهما كما لا تجوز لهما هبة أموالهما " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وأصل هذا قول الله تعالى : وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة [ البقرة : 237 ] . وهذا خطاب للأزواج في طلاق النساء قبل الدخول ، وهو أولى الطلاقين لمن كان قبل الدخول كارها .

                                                                                                                                            ثم قال : وقد فرضتم لهن فريضة ، يعني : سميتم لهن صداقا ، فنصف ما فرضتم ، فيه تأويلان :

                                                                                                                                            أحدهما : فنصف ما فرضتم لكم تسترجعونه منهن .

                                                                                                                                            والثاني : فنصف ما فرضتم لهن ليس عليكم غيره لهن .

                                                                                                                                            ثم قال : إلا أن يعفون أو يعفو ، وهذا خطاب للزوجات عدل به بعد ذكر الأزواج إليهن وندبهن فيه إلى العفو عن حقهن من نصف الصداق ؛ ليكون عفو الزوجة أدعى إلى خطبتها ، وترغيب الأزواج فيها .

                                                                                                                                            ثم قال : أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح وفيه قولان للشافعي :

                                                                                                                                            أحدهما - وهو قوله في القديم - : أن الذي بيده عقدة النكاح هو الولي أبو البكر الصغيرة أو جدها ؛ لأنه لما ندب الكبيرة إلى العفو ، ندب ولي الصغيرة إلى مثله ؛ ليتساويا في ترغيب الأزواج فيهما .

                                                                                                                                            [ ص: 514 ] وهو في الصحابة قول ابن عباس ، وفي التابعين قول الحسن ، ومجاهد ، وعكرمة ، وطاوس .

                                                                                                                                            وفي الفقهاء قول ربيعة ، ومالك ، وأحمد بن حنبل .

                                                                                                                                            والقول الثاني - وهو قوله في الجديد - : أن الذي بيده عقدة النكاح هو الزوج ، ندبه الله تعالى إلى العفو كما ندبها ، ليكون عفوه ترغيبا للنساء فيه ، كما كان عفوها ترغيبا للرجال فيها .

                                                                                                                                            وبه قال من الصحابة علي بن أبي طالب وجبير بن مطعم .

                                                                                                                                            ومن التابعين : شريح ، وسعيد بن جبير ، وسعيد بن المسيب ، والشعبي .

                                                                                                                                            ومن الفقهاء : قول سفيان الثوري ، وابن أبي ليلى ، وأبي حنيفة .

                                                                                                                                            ثم قال : وأن تعفوا أقرب للتقوى [ البقرة : 237 ] . وفي المقصود بهذا الخطاب قولان لأهل التأويل :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه خطاب للزوج والزوجة . وهو قول ابن عباس .

                                                                                                                                            فيكون العفو الأول خطابا للزوجة ، والعفو الثاني خطابا للزوج ، والعفو الثالث خطابا لهما .

                                                                                                                                            والقول الثاني : أنه خطاب للزوج وحده ، وهذا قول الشعبي ، فيكون العفو الأول خطابا للكبيرة ، والعفو الثاني خطابا لولي الصغيرة ، والعفو الثالث خطابا للزوج وحده . وفي قوله : أقرب للتقوى تأويلان :

                                                                                                                                            أحدهما : أقرب لاتقاء كل واحد منهما ظلم صاحبه .

                                                                                                                                            والثاني : أقرب إلى اتقاء أوامر الله تعالى في ندبه .

                                                                                                                                            ثم قال : ولا تنسوا الفضل بينكم أي تفضل كل واحد من الزوجين على صاحبه بما ندب إليه من العفو ونبه على استعمال مثله في كل حق بين متخاصمين .

                                                                                                                                            فهذا تأويل الآية .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية