قال الشافعي ، رحمه الله : " الوليمة التي تعرف : وليمة العرس ، وكل دعوة على إملاك أو نفاس أو ختان أو حادث سرور ، فدعي إليها رجل ، فاسم الوليمة يقع عليها ، ولا أرخص في تركها ، ومن تركها لم يبن لي أنه عاص ، كما يبين لي في وليمة العرس ؛ لأني لا أعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك الوليمة على عرس ، ولا أعلمه أولم على غيره ، وأولم على صفية رضي الله عنها في سفر بسويق وتمر ، وقال لعبد الرحمن أولم ولو بشاة .
قال الماوردي : وأما الوليمة ، فهي إصلاح الطعام واستدعاء الناس لأجله ، والولائم ست :
وليمة العرس : وهي الوليمة على اجتماع الزوجين .
ووليمة الخرس : وهي الوليمة على ولادة الولد .
ووليمة الإعذار : وهي الوليمة على الختان .
ووليمة الوكيرة : وهي الوليمة على بناء الدار . قال الشاعر :
كل الطعام تشتهي ربيعة الخرس والإعذار والوكيره
ووليمة النقيعة : وهي وليمة القادم من سفره ، وربما سموا الناقة التي تنحر للقادم نقيعة ، قال الشاعر :إنا لنضرب بالسيوف رءوسهم ضرب القدار نقيعة القدام
فإن خص بالوليمة جميع الناس سميت جفلى ، وإن خص بها بعض الناس ، سميت نقرى ، قال الشاعر :
نحن في المشتاة ندعو الجفلى لا ترى الآدب فينا ينتقر
فأما وليمة العرس فقد علق الشافعي الكلام في وجوبها ؛ لأنه قال : " ومن تركها لم يبن لي أنه عاص ، كما يبين لي في وليمة العرس " .
فاختلف أصحابنا في وجوبها على وجهين ، ومنهم من خرجه على قولين :
أحدهما : أنها واجبة ؛ لما روي : أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على عبد الرحمن بن عوف أثر الخلوق ، فقال له : مهيم - أي ما الخبر - ؟ قال : أعرست ، فقال له : أولمت ؟ قال : لا ، قال : أولم ولو بشاة . وهذا أمر يدل على الوجوب ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم ما أنكح قط إلا أولم في ضيق أو سعة ، وأولم على صفية في سفره بسويق وتمر ، ولأن في الوليمة إعلان للنكاح ؛ فرقا بينه وبين السفاح ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالدف ، ولأنه لما كانت إجابة الداعي إليها واجبة ، دل على أن فعل الوليمة واجب ؛ لأن وجوب المسبب دليل على وجوب السبب ، ألا ترى أن وجوب قبول الإنذار دليل على وجوب الإنذار .
والثاني - وهو الأصح - : أنها غير واجبة ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم ليس في المال حق سوى الزكاة ؛ ولأنه طعام لحادث سرور ، فأشبه سائر الولائم .
ولأن سبب هذه الوليمة عقد النكاح وهو غير واجب ، ففرعه أولى أن يكون غير واجب .
ولأنها لو وجبت لتقدرت كالزكاة والكفارات ؛ ولكان لها بدل عند الإعسار ، كما يعدل المكفر في إعساره إلى الصيام ، فدل على عدم تقديرها وبدلها على سقوط وجوبها .
[ ص: 557 ] ولأنها لو وجبت لكان مأخوذا بفعلها حيا ، ومأخوذة من تركته ميتا كسائر الحقوق ، وكان بعض أصحابنا يتوسط في وجوبها مذهبا معلولا ، ويقول هي من فروض الكفايات إذا أظهرها الواجد في عشيرته أو قبيلته ظهورا منتشرا سقط فرضها عمن سواه ، وإلا خرجوا بتركها أجمعين ، وهذا فاسد من ثلاثة أوجه :
أحدها : أن ما وجب من حقوق النكاح ، تعين كالولي والشاهدين .
والثاني : أن ما تعلق بحقوق الأموال الخاصة ، عم وجوبه كالزكوات ، أو عم استحبابه كالصدقات .
والثالث : أن فروض الكفاية مختص بما عم سنته كالجهاد ، أو ما تساوى فيه الناس كغسل الموتى ، وهذا خاص معين فلم يكن له في فروض الكفاية مدخل .


