مسألة : قال
الشافعي : " فإن رأى صورا ذات أرواح لم يدخل إن كانت منصوبة ، وإن كانت توطأ فلا بأس ، فإن كان صور الشجر فلا بأس ، وأحب أن يجيب أخاه ، وبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
لو أهدي إلي ذراع لقبلت ولو دعيت إلى كراع لأجبت " .
قال
الماوردي : وهذا صحيح
nindex.php?page=treesubj&link=17496_17497_23993_18317_11435_11436وإذا كان في الوليمة صور فهي ضربان :
أحدهما : أن يكون صور شجر ونبات ، وما ليس بذي روح فلا تحرم ؛ لأنها كالنقوش التي تراد للزينة ، وسواء كانت على مسدل من بسط ووسائد أو كانت على مصان من ستر أو جدار ، ولا يعتذر بها المدعو في التأخر .
والضرب الثاني : أن تكون صور ذات أرواح من آدمي أو بهيمة ، فهي محرمة وصانعها عاص ؛ لما
nindex.php?page=hadith&LINKID=925848روي عن النبي صلى الله عليه وسلم لعن المصور ، وقال : ويؤتى به يوم القيامة ، فيقال له : انفخ فيه الروح ، وليس بنافخ فيه أبدا .
وقد حكي عن
عكرمة في تأويل قول الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=57إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة [ الأحزاب : 57 ] أنهم أصحاب التصاوير ، وإذا عملها محرم على صانعها ، فالكلام في تحريم استعمالها وإباحته معتبر بحال الاستعمال ، فإن كانت
[ ص: 564 ] مستعملة في منصوب مصان عن الاستبدال كالحيطان فهي محرمة ، يسقط معها فرض الإجابة ، لما روي :
nindex.php?page=hadith&LINKID=925849عن علي بن أبي طالب رضوان الله تعالى عليه ، أنه قال : صنعت طعاما ، ودعوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما دخل البيت ، رجع ، فقلت : يا رسول الله : ما رجعك ؟ قال : رأيت صورة ، وإن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة أو كلب .
وروى
جابر nindex.php?page=hadith&LINKID=925850أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة عام الفتح أمر عمر أن يمحو كل صورة في الكعبة ، فلما محيت دخلها .
ولأن الصور كانت السبب في عبادات الأصنام ، حكي : أن
آدم لما مات افترق أولاده فريقين : فريق تمسكوا بالدين والصلاح ، وفريق مالوا إلى المعاصي والفساد ، ثم اعتزل أهل الصلاح ، فصعدوا جبلا ، وأخذوا معهم تابوت
آدم ، ومكث أهل المعاصي والفساد في الأرض ، فكانوا يستغوون من نزل إليهم من أهل الجبل ، واستولوا على تابوت
آدم فصور لهم إبليس صورة
آدم ؛ ليتخذوها بدلا من التابوت فعظموها ، ثم حدث بعدهم من رأى تعظيمها ، فعبدها ، فصارت أصناما معبودة ، فلذلك حرم استعمال الصور فيما كان مصانا معظما .
وقال
أبو سعيد الإصطخري : إنما كان التحريم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لقرب عهدهم بالأصنام ومشاهدتهم بعبادتها ؛ ليستقر في نفوسهم بطلان عبادتها وزوال تعظيمها ، وهذا المعنى قد زال في وقتنا لما قد استقر في النفوس من العدول عن تعظيمها ، فزال حكم تحريمها ، وحظر استعمالها ، وقد كان في الجاهلية من يعبد كل ما استحسن من حجر أو شجر ، فلو كان حكم الحظر باقيا لكان استعمال كل ما استحسن حراما .
وهذا الذي قاله خطأ ؛ لأن النص يدفعه ، وإن ما جانس المحرمات تعلق به حكمها ، ولو ساغ هذا في صور غير مجسمة لساغ في الصور المجسمة ، وما أحد يقول هذا ففسد به التعليل .
مَسْأَلَةٌ : قَالَ
الشَّافِعِيُّ : " فَإِنْ رَأَى صُوَرًا ذَاتَ أَرْوَاحٍ لَمْ يَدْخُلْ إِنْ كَانَتْ مَنْصُوبَةً ، وَإِنْ كَانَتْ تُوطَأُ فَلَا بَأْسَ ، فَإِنْ كَانَ صُوَرُ الشَجَرِ فَلَا بَأْسَ ، وَأُحِبُّ أَنْ يُجِيبَ أَخَاهُ ، وَبَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
لَوْ أُهْدِيَ إِلَيَّ ذِرَاعٌ لَقَبِلْتُ وَلَوْ دُعِيتُ إِلَى كُرَاعٍ لَأَجَبْتُ " .
قَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ
nindex.php?page=treesubj&link=17496_17497_23993_18317_11435_11436وَإِذَا كَانَ فِي الْوَلِيمَةِ صُوَرٌ فَهِيَ ضَرْبَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ صُوَرُ شَجَرٍ وَنَبَاتٍ ، وَمَا لَيْسَ بِذِي رُوحٍ فَلَا تَحْرُمُ ؛ لِأَنَّهَا كَالنُّقُوشِ الَّتِي تُرَادُ لِلزِّينَةِ ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ عَلَى مُسْدَلٍ مِنْ بُسُطٍ وَوَسَائِدَ أَوْ كَانَتْ عَلَى مُصَانٍ مِنْ سَتْرٍ أَوْ جِدَارٍ ، وَلَا يَعْتَذِرُ بِهَا الْمَدْعُوُّ فِي التَّأَخُّرِ .
وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ تَكُونَ صُوَرَ ذَاتِ أَرْوَاحٍ مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ بَهِيمَةٍ ، فَهِيَ مُحَرَّمَةٌ وَصَانِعُهَا عَاصٍ ؛ لِمَا
nindex.php?page=hadith&LINKID=925848رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعْنُ الْمُصَوِّرِ ، وَقَالَ : وَيُؤْتَى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيُقَالُ لَهُ : انْفُخْ فِيهِ الرُّوحَ ، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ فِيهِ أَبَدًا .
وَقَدْ حُكِيَ عَنْ
عِكْرِمَةَ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=57إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ [ الْأَحْزَابِ : 57 ] أَنَّهُمْ أَصْحَابُ التَّصَاوِيرِ ، وَإِذًا عَمَلُهَا مُحَرَّمٌ عَلَى صَانِعِهَا ، فَالْكَلَامُ فِي تَحْرِيمِ اسْتِعْمَالِهَا وَإِبَاحَتِهِ مُعْتَبَرٌ بِحَالِ الِاسْتِعْمَالِ ، فَإِنْ كَانَتْ
[ ص: 564 ] مُسْتَعْمَلَةً فِي مَنْصُوبٍ مُصَانٍ عَنِ الِاسْتِبْدَالِ كَالْحِيطَانِ فَهِيَ مُحَرَّمَةٌ ، يَسْقُطُ مَعَهَا فَرْضُ الْإِجَابَةِ ، لِمَا رُوِيَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=925849عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ ، أَنَّهُ قَالَ : صَنَعْتُ طَعَامًا ، وَدَعَوْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا دَخَلَ الْبَيْتَ ، رَجَعَ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ : مَا رَجَعَكَ ؟ قَالَ : رَأَيْتُ صُورَةً ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ أَوْ كَلْبٌ .
وَرَوَى
جَابِرٌ nindex.php?page=hadith&LINKID=925850أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ أَمَرَ عُمَرَ أَنْ يَمْحُوَ كُلَّ صُورَةٍ فِي الْكَعْبَةِ ، فَلَمَّا مُحِيَتْ دَخَلَهَا .
وَلِأَنَّ الصُّوَرَ كَانَتِ السَّبَبَ فِي عِبَادَاتِ الْأَصْنَامِ ، حُكِيَ : أَنَّ
آدَمَ لَمَّا مَاتَ افْتَرَقَ أَوْلَادُهُ فَرِيقَيْنِ : فَرِيقٌ تَمَسَّكُوا بِالدِّينِ وَالصَّلَاحِ ، وَفَرِيقٌ مَالُوا إِلَى الْمَعَاصِي وَالْفَسَادِ ، ثُمَّ اعْتَزَلَ أَهْلُ الصَّلَاحِ ، فَصَعِدُوا جَبَلًا ، وَأَخَذُوا مَعَهُمْ تَابُوتَ
آدَمَ ، وَمَكَثَ أَهْلُ الْمَعَاصِي وَالْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ ، فَكَانُوا يَسْتَغْوُونَ مَنْ نَزَلَ إِلَيْهِمْ مَنْ أَهْلِ الْجَبَلِ ، وَاسْتَوْلَوْا عَلَى تَابُوتِ
آدَمَ فَصَوَّرَ لَهُمْ إِبْلِيسُ صُورَةَ
آدَمَ ؛ لِيَتَّخِذُوهَا بَدَلًا مِنَ التَّابُوتِ فَعَظَّمُوهَا ، ثُمَّ حَدَثَ بَعْدَهُمْ مَنْ رَأَى تَعْظِيمَهَا ، فَعَبَدَهَا ، فَصَارَتْ أَصْنَامًا مَعْبُودَةً ، فَلِذَلِكَ حُرِّمَ اسْتِعْمَالُ الصُّوَرِ فِيمَا كَانَ مُصَانًا مُعَظَّمًا .
وَقَالَ
أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ : إِنَّمَا كَانَ التَّحْرِيمُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ لِقُرْبِ عَهْدِهِمْ بِالْأَصْنَامِ وَمُشَاهَدَتِهِمْ بِعِبَادَتِهَا ؛ لِيَسْتَقِرَّ فِي نُفُوسِهِمْ بُطْلَانُ عِبَادَتِهَا وَزَوَالُ تَعْظِيمِهَا ، وَهَذَا الْمَعْنَى قَدْ زَالَ فِي وَقْتِنَا لِمَا قَدِ اسْتَقَرَّ فِي النُّفُوسِ مِنَ الْعُدُولِ عَنْ تَعْظِيمِهَا ، فَزَالَ حُكْمُ تَحْرِيمِهَا ، وَحَظْرُ اسْتِعْمَالِهَا ، وَقَدْ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَنْ يَعْبُدُ كُلَّ مَا اسْتَحْسَنَ مِنْ حَجَرٍ أَوْ شَجَرٍ ، فَلَوْ كَانَ حُكْمُ الْحَظْرِ بَاقِيًا لَكَانَ اسْتِعْمَالُ كُلِّ مَا اسْتُحْسِنَ حَرَامًا .
وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ خَطَأٌ ؛ لِأَنَّ النَّصَّ يَدْفَعُهُ ، وَإِنَّ مَا جَانَسَ الْمُحَرَّمَاتِ تَعَلَّقَ بِهِ حُكْمُهَا ، وَلَوْ سَاغَ هَذَا فِي صُوَرٍ غَيْرِ مُجَسَّمَةٍ لَسَاغَ فِي الصُّوَرِ الْمُجَسَّمَةِ ، وَمَا أَحَدٌ يَقُولُ هَذَا فَفَسَدَ بِهِ التَّعْلِيلُ .