[ القول في مشاورة القضاة ] :
مسألة : قال
الشافعي - رضي الله عنه - : " ويشاور قال الله عز وجل
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=38وأمرهم شورى بينهم [ الشورى : 38 ] . وقال لنبيه - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=159وشاورهم في الأمر [ ص: 48 ] [ آل عمران : 159 ] . قال
الحسن إن كان النبي - صلى الله عليه وسلم - عن مشاورتهم لغنيا ولكنه أراد أن يستن بذلك الحكام بعده .
قال
الماوردي : أما
nindex.php?page=treesubj&link=20249المشاورة فمندوب إليها في الأمور المشتبهة لما أورده
الشافعي من كتاب الله تعالى وتفسير
الحسن ولسنة نبيه وهو ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال "
المستشير معان والمستشار مؤتمن " وقد شاور رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه في أسرى
بدر فأشار
أبو بكر بالفداء وأشار
عمر بالقتل فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برأي
أبي بكر وفادى فأنزل الله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=67ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض [ الأنفال : 67 ] . الآية ، والتي بعدها فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "
لو نزل عذاب من السماء لما نجا منه إلا عمر بن الخطاب " وشاور رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل
المدينة يوم الخندق في أمرين :
أحدهما : في حفر الخندق حتى اتفقوا عليه .
والثاني : في صلح الأحزاب على ثلث ثمار
المدينة فقالوا إن كان الله أمرك بهذا فالسمع والطاعة لأمر الله ، وإن كان غير ذلك فلا تطمعهم فينا فإنهم في الجاهلية لم يكونوا يصلون إلى ثمره إلا بشراء أو قرى فامتنع وشاور
أبو بكر - رضي الله عنه - الصحابة في الجدة أم الأم ، وشاور
عمر في الجدة أم الأب حتى فرضا لكل واحدة منهما السدس . وشاور
عمر في دية الجنين وفي التي أجهضت ما في بطنها ، وشاور
عثمان في الأحكام ، وكان
علي بن أبي طالب قليل الاستشارة فيها فقيل لأنه لم يبق في عصره عديل يشاوره وقيل لأنه قد كان شاهد استشارة قرينه فاكتفى بها ، وأما استشارة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد كان يشاور في أمور الدنيا ومصالحها .
واختلفوا في استشارته في الدين والأحكام على حسب اختلافهم هل كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجتهد رأيه فيه فقال بعضهم : ما استشار في الدين ولا في الأحكام لأن الله تعالى يقول : وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى [ النجم : 3 - 4 ] . وهذا قول من زعم أنه لم يكن له أن يجتهد رأيه فيها وقال آخرون قد استشارهم في الدين
[ ص: 49 ] والأحكام فمنه ما شاورهم في علامة تكون لأوقات صلواتهم فأشار بعضهم بالناقوس فقال ذلك مزمار النصارى ، وأشار بعضهم بالقرن فقال ذاك مزمار اليهود وأشار بعضهم بالنار فقال ما تصنعون بالنهار وأشار بعضهم بالراية فقال ما تصنعون بالليل حتى أخبره عبد الله بن زيد بما رآه في المنام من الأذان فأخذ به وعمل عليه . وشاور أصحابه في حد الزاني والسارق فقالوا : الله ورسوله أعلم فقال : "
هن فواحش وفيهن عقوبات " حتى أنزل الله تعالى فيهما ما أنزل وهذا قول من جعل له اجتهاد رأيه فيها .
فأما غير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من صحابته ومن بعدهم من سائر أمته فمشاورتهم تعم في مصالح الدنيا وأحكام الدين فما اختص عنها بالدنيا ندب إليه عقلا وما اختص منها بالدين ندب إليه شرعا .
[ الْقَوْلُ فِي مُشَاوَرَةِ الْقُضَاةِ ] :
مَسْأَلَةٌ : قَالَ
الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : " وَيُشَاوِرُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=38وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ [ الشُّورَى : 38 ] . وَقَالَ لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=159وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ [ ص: 48 ] [ آلِ عِمْرَانَ : 159 ] . قَالَ
الْحَسَنُ إِنْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ مُشَاوَرَتِهِمْ لَغَنِيًّا وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَسْتَنَّ بِذَلِكَ الْحُكَّامُ بَعْدَهُ .
قَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ : أَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=20249الْمُشَاوَرَةُ فَمَنْدُوبٌ إِلَيْهَا فِي الْأُمُورِ الْمُشْتَبِهَةِ لِمَا أَوْرَدَهُ
الشَّافِعِيُّ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَفْسِيرِ
الْحَسَنِ وَلِسُنَّةِ نَبِيِّهِ وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ "
الْمُسْتَشِيرُ مُعَانٌ وَالْمُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ " وَقَدْ شَاوَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْحَابَهُ فِي أَسْرَى
بَدْرٍ فَأَشَارَ
أَبُو بَكْرٍ بِالْفِدَاءِ وَأَشَارَ
عُمَرُ بِالْقَتْلِ فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَأْيٍ
أَبِي بَكْرٍ وَفَادَى فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=67مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ [ الْأَنْفَالِ : 67 ] . الْآيَةَ ، وَالَّتِي بَعْدَهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
لَوْ نَزَلَ عَذَابٌ مِنَ السَّمَاءِ لَمَا نَجَا مِنْهُ إِلَّا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ " وَشَاوَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ
الْمَدِينَةِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فِي أَمْرَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : فِي حَفْرِ الْخَنْدَقِ حَتَّى اتَّفَقُوا عَلَيْهِ .
وَالثَّانِي : فِي صُلْحِ الْأَحْزَابِ عَلَى ثُلُثِ ثِمَارِ
الْمَدِينَةِ فَقَالُوا إِنْ كَانَ اللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا فَالسَّمْعُ وَالطَّاعَةُ لِأَمْرِ اللَّهِ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا تُطْمِعْهُمْ فِينَا فَإِنَّهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَمْ يَكُونُوا يَصِلُونَ إِلَى ثَمَرِهِ إِلَّا بِشِرَاءٍ أَوْ قِرًى فَامْتَنَعَ وَشَاوَرَ
أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الصَّحَابَةَ فِي الْجَدَّةِ أُمِّ الْأُمِّ ، وَشَاوَرَ
عُمَرُ فِي الْجَدَّةِ أُمِّ الْأَبِّ حَتَّى فَرَضَا لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا السُّدُسَ . وَشَاوَرَ
عُمَرُ فِي دِيَةِ الْجَنِينِ وَفِي الَّتِي أَجْهَضَتْ مَا فِي بَطْنِهَا ، وَشَاوَرَ
عُثْمَانُ فِي الْأَحْكَامِ ، وَكَانَ
عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَلِيلَ الِاسْتِشَارَةِ فِيهَا فَقِيلَ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ فِي عَصْرِهِ عَدِيلٌ يُشَاوِرُهُ وَقِيلَ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ شَاهَدَ اسْتِشَارَةِ قَرِينِهِ فَاكْتَفَى بِهَا ، وَأَمَّا اسْتِشَارَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ كَانَ يُشَاوِرُ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا وَمَصَالِحِهَا .
وَاخْتَلَفُوا فِي اسْتِشَارَتِهِ فِي الدِّينِ وَالْأَحْكَامِ عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِهِمْ هَلْ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَجْتَهِدَ رَأْيَهُ فِيهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ : مَا اسْتَشَارَ فِي الدِّينِ وَلَا فِي الْأَحْكَامِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [ النَّجْمِ : 3 - 4 ] . وَهَذَا قَوْلُ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ رَأْيَهُ فِيهَا وَقَالَ آخَرُونَ قَدِ اسْتَشَارَهُمْ فِي الدِّينِ
[ ص: 49 ] وَالْأَحْكَامِ فَمِنْهُ مَا شَاوَرَهُمْ فِي عَلَامَةٍ تَكُونُ لِأَوْقَاتِ صَلَوَاتِهِمْ فَأَشَارَ بَعْضُهُمْ بِالنَّاقُوسِ فَقَالَ ذَلِكَ مِزْمَارُ النَّصَارَى ، وَأَشَارَ بَعْضُهُمْ بِالْقَرْنِ فَقَالَ ذَاكَ مِزْمَارُ الْيَهُودِ وَأَشَارَ بَعْضُهُمْ بِالنَّارِ فَقَالَ مَا تَصْنَعُونَ بِالنَّهَارِ وَأَشَارَ بَعْضُهُمْ بِالرَّايَةِ فَقَالَ مَا تَصْنَعُونَ بِاللَّيْلِ حَتَّى أَخْبَرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ بِمَا رَآهُ فِي الْمَنَامِ مِنَ الْأَذَانِ فَأَخَذَ بِهِ وَعَمِلَ عَلَيْهِ . وَشَاوَرَ أَصْحَابَهُ فِي حَدِّ الزَّانِي وَالسَّارِقِ فَقَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَقَالَ : "
هُنَّ فَوَاحِشُ وَفِيهِنَّ عُقُوبَاتٌ " حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمَا مَا أَنْزَلَ وَهَذَا قَوْلُ مَنْ جَعَلَ لَهُ اجْتِهَادَ رَأْيِهِ فِيهَا .
فَأَمَّا غَيْرُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ صَحَابَتِهِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ سَائِرِ أُمَّتِهِ فَمُشَاوَرَتُهُمْ تَعُمُّ فِي مَصَالِحِ الدُّنْيَا وَأَحْكَامِ الدِّينِ فَمَا اخْتَصَّ عَنْهَا بِالدُّنْيَا نُدِبَ إِلَيْهِ عَقْلًا وَمَا اخْتَصَّ مِنْهَا بِالدِّينِ نُدِبَ إِلَيْهِ شَرْعًا .