الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            قسم الطعام وغيره

                                                                                                                                            فصل : وأما قسم الطعام : فكل مطعوم طعام ، وفي المطعوم ربا ، وهو على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون مما يجوز بيع بعضه ببعض ، كالحنطة والشعير فيجوز قسمه إجبارا واختيارا .

                                                                                                                                            فإن قيل : إن القسمة إفراز حق جاز قسمه كيلا أو وزنا ، وجاز أن يفترقا فيه قبل التقابض .

                                                                                                                                            وإن قيل : إن القسمة بيع ، وجب قسمه كيلا ، ولم يجز قسمه وزنا : لأن أصله الكيل ، ووجب إن تقابضا قبل الافتراق .

                                                                                                                                            وتدخل القرعة في قسمه إجبارا ، ولا تدخل في قسمه اختيارا .

                                                                                                                                            وإن كان مما لا يجوز بيع بعضه ببعض ، كرطب ، والعنب ، والفواكه الرطبة ، فإن قيل : إن القسمة إفراز حق ؛ جاز قسمه إجبارا واختيارا بكيل أو وزن .

                                                                                                                                            وفي جواز قسمه بالخرص في نخله وشجره ، قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : جوازه .

                                                                                                                                            والثاني : بطلانه .

                                                                                                                                            وأصح من إطلاق هذين القولين أن يمنع منه بالخرص في قسمة الإجبار ، لأن المقصود بها التحقيق المعدوم في الخرص ، ويجاز بالخرص في قسمة الاختيار لأنها محمولة على التراضي ، هذا إذا قيل إن القسمة إفراز حق .

                                                                                                                                            فأما إن قيل إن القسمة بيع ، لم تجز قسمة الثمار الرطبة كما لم يجز بيعها ، فلا يدخلها قسم الإجبار ولا قسم الاختيار .

                                                                                                                                            وأما قسم الدراهم والدنانير ، فيجوز إجبارا واختيارا .

                                                                                                                                            وهل يعتبر في قسمها تقابضهما قبل الافتراق على قولين :

                                                                                                                                            أحدهما : لا يعتبر إن قيل : إن القسمة إفراز حق .

                                                                                                                                            والثاني : يعتبر إذا قيل إنها بيع .

                                                                                                                                            [ ص: 269 ] فأما قسمة الحديد والنحاس فإن كان غير مصنوع جاز قسمه إجبارا واختيارا ولم يعتبر فيه التقابض قبل الافتراق .

                                                                                                                                            وإن كان مصنوعا ، أواني أو سيوفا فإن اختلفت وتفاضلت ، قسمت اختيارا ولم تقسم إجبارا .

                                                                                                                                            وإن تشابهت وتماثلت ، ففي قسمها إجبارا وجهان كالحيوان والثياب .

                                                                                                                                            وأما قسمة الدين فلا يخلو أن يكون على غريم واحد أو على غرماء .

                                                                                                                                            فإن كان على غريم واحد ، فقسمته فسخ الشركة فيه .

                                                                                                                                            فإذا فسخت انقسم الدين في ذمة الغريم وصار لكل واحد من الشركاء قدر حقه منه ، ويجوز أن ينفرد باقتضائه وقبضه .

                                                                                                                                            ولو كانت الشركة باقية على حالها لم تفسخ لم يجز لأحد الشركاء فيه أن ينفرد باقتضائه وقبضه منه ، وكان ما قبضه مشتركا بينهم أن قبضه عن غير إذنهم .

                                                                                                                                            وإن أذنوا له في قبض حقه منه جاز ، وكان إذنه له في قبض حقه فسخا لشركته .

                                                                                                                                            ولا وجه لمن خرجه على قولين ، كالمكاتب إذا أدى إلى أحد الشريكين مال كتابته بإذن شريكه ، أنه على قولين ، لوقوع الفرق بينهما ، بثبوت الحجر على المكاتب ، وعدمه في الغريم .

                                                                                                                                            وإن كان الدين على جماعة غرماء ، فيختص كل واحد من الشريكين بما على كل واحد من الغرماء ، لم يجز قسم ذلك إجبارا ، لأن الغرماء قد يتفاضلون في الذمم واليسار .

                                                                                                                                            وفي جواز قسمه اختيارا قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : يجوز ، إذا قيل إن القسمة إفراز حق .

                                                                                                                                            والثاني : لا يجوز إذا قيل إن القسمة بيع .

                                                                                                                                            ووجه صحتها على هذا القول ، أن يحيل كل واحد منهم لأصحابه بحقه على الغريم الذي لم يختره ، ويحيلوه بحقوقهم على الغريم الذي اختاره ، فيتعين ذلك بالحوالة دون القسمة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية