فصل : [
nindex.php?page=treesubj&link=20229السبب المؤدي إلى معرفة الأصول الشرعية ] .
فإذا ثبت وجوب النظر في الأصول الشرعية فالسبب المؤدي إلى معرفتها والعمل بها شيئان :
أحدهما : علم الحق وهو العقل : لأن حجج العقل أصل لمعرفة الأصول إذ ليس تعرف صحة الأصول إلا بحجج العقول . ولذلك لم يرد الشرع إلا بما أوجبه العقل أو جوزه ولم يرد بما حظره العقل وأبطله قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=43وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون [ العنكبوت : 43 معناه وما يعقلها إلا العاقلون لقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=54إن في ذلك لآيات لأولي النهى [ طه : 54 ] . يعني أولي العقول .
فصارت حجج العقول قاضية على حجج السمع ومؤدية إلى علم الاستدلال ، ولذلك سمى كثير من العلماء العقل أم الأصول .
والسبب الثاني في معرفة الأصول الشرعية
nindex.php?page=treesubj&link=22252معرفة لسان العرب :
وهو معتبر في حجج السمع خاصة ، قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=4وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم [ إبراهيم : 4 ] . لأنه لا يخاطبهم إلا بما يفهم عنه ليكون حجة عليهم ولهم ، وقد قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=103لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين [ النحل : 103 ] . فاحتاج الناظر إلى معرفة لسانهم ، وموضوع خطابهم ، ليفرق بين الحقيقة والمجاز ، وبين الإثبات والنفي ، وبين المطلق والمقيد ، وبين العام والخاص ، وبين المفسر والمجمل ، وبين الناسخ والمنسوخ ، ويفرق بين الفاعل والمفعول ، ويعرف صيغة الأوامر والنواهي .
فإن قصر عنها لم يصح منه النظر .
ولسنا نعني أن يكون عالما بجميع لغتهم وإعراب كلامهم ، لأن التشاغل به يقطعه عن علم ما سواه ، وإنما نريد أن يكون عالما بموضوع كلامهم ومشهور خطابهم وهو
[ ص: 55 ] مشتمل على أربعة وجوه : أمر ونهي وخبر واستخبار .
فأما من لا يقصد النظر المؤدي إلى العلم فالذي يلزمه من معرفة العربية ما يجب أن يتلوه في صلاته من القرآن والأذكار دون غيره .
nindex.php?page=treesubj&link=22252_22255فإذا جمع الناظر بين هذين الشيئين من علم الحواس ولسان العرب صح منه النظر في الأصول وكانا أصلين في العلم بها .
وقد اختلف في العبارة عن
nindex.php?page=treesubj&link=21712_21717الأصل والفرع ، فقال بعضهم : الأصل ما دل على غيره ، والفرع ما دل عليه غيره . فعلى هذه العبارة يجوز أن يقول في الكتاب أنه فرع لعلم الحس ، لأنه الدال على صحته .
وقال آخرون : الأصل ما تفرع عنه غيره ، والفرع ما تفرع عن غيره فعلى هذا لا يجوز أن يقال في الكتاب أنه فرع لعلم الحس ، لأن الله تعالى تولاه وجعله أصلا دل العقل عليه .
فَصْلٌ : [
nindex.php?page=treesubj&link=20229السَّبَبُ الْمُؤَدِّي إِلَى مَعْرِفَةِ الْأُصُولِ الشَّرْعِيَّةِ ] .
فَإِذَا ثَبَتَ وُجُوبُ النَّظَرِ فِي الْأُصُولِ الشَّرْعِيَّةِ فَالسَّبَبُ الْمُؤَدِّي إِلَى مَعْرِفَتِهَا وَالْعَمَلِ بِهَا شَيْئَانِ :
أَحَدُهُمَا : عِلْمُ الْحَقِّ وَهُوَ الْعَقْلُ : لِأَنَّ حُجَجَ الْعَقْلِ أَصْلٌ لِمَعْرِفَةِ الْأُصُولِ إِذْ لَيْسَ تُعْرَفُ صِحَّةُ الْأُصُولِ إِلَّا بِحُجَجِ الْعُقُولِ . وَلِذَلِكَ لَمْ يَرِدِ الشَّرْعُ إِلَّا بِمَا أَوْجَبَهُ الْعَقْلُ أَوْ جَوَّزَهُ وَلَمْ يَرِدْ بِمَا حَظَرَهُ الْعَقْلُ وَأَبْطَلَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=43وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ [ الْعَنْكَبُوتِ : 43 مَعْنَاهُ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَاقِلُونَ لِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=54إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى [ طه : 54 ] . يَعْنِي أُولِي الْعُقُولِ .
فَصَارَتْ حُجَجُ الْعُقُولِ قَاضِيَةً عَلَى حُجَجِ السَّمْعِ وَمُؤَدِّيَةً إِلَى عِلْمِ الِاسْتِدْلَالِ ، وَلِذَلِكَ سَمَّى كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْعَقْلَ أُمَّ الْأُصُولِ .
وَالسَّبَبُ الثَّانِي فِي مَعْرِفَةِ الْأُصُولِ الشَّرْعِيَّةِ
nindex.php?page=treesubj&link=22252مَعْرِفَةُ لِسَانِ الْعَرَبِ :
وَهُوَ مُعْتَبَرٌ فِي حُجَجِ السَّمْعِ خَاصَّةً ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=4وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ [ إِبْرَاهِيمَ : 4 ] . لِأَنَّهُ لَا يُخَاطِبُهُمْ إِلَّا بِمَا يُفْهَمُ عَنْهُ لِيَكُونَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ وَلَهُمْ ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=103لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ [ النَّحْلِ : 103 ] . فَاحْتَاجَ النَّاظِرُ إِلَى مَعْرِفَةِ لِسَانِهِمْ ، وَمَوْضُوعِ خِطَابِهِمْ ، لِيُفَرِّقَ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ ، وَبَيْنَ الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ ، وَبَيْنَ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ ، وَبَيْنَ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ ، وَبَيْنَ الْمُفَسَّرِ وَالْمُجْمَلِ ، وَبَيْنَ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ ، وَيُفَرِّقَ بَيْنَ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ ، وَيَعْرِفُ صِيغَةَ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي .
فَإِنْ قَصُرَ عَنْهَا لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ النَّظَرُ .
وَلَسْنَا نَعْنِي أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِجَمِيعِ لُغَتِهِمْ وَإِعْرَابِ كَلَامِهِمْ ، لِأَنَّ التَّشَاغُلَ بِهِ يَقْطَعُهُ عَنْ عِلْمِ مَا سِوَاهُ ، وَإِنَّمَا نُرِيدُ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِمَوْضُوعِ كَلَامِهِمْ وَمَشْهُورِ خِطَابِهِمْ وَهُوَ
[ ص: 55 ] مُشْتَمِلٌ عَلَى أَرْبَعَةِ وُجُوهٍ : أَمْرٌ وَنَهْيٌ وَخَبَرٌ وَاسْتِخْبَارٌ .
فَأَمَّا مَنْ لَا يَقْصِدُ النَّظَرَ الْمُؤَدِّيَ إِلَى الْعِلْمِ فَالَّذِي يَلْزَمُهُ مِنْ مَعْرِفَةِ الْعَرَبِيَّةِ مَا يَجِبُ أَنْ يَتْلُوَهُ فِي صَلَاتِهِ مِنَ الْقُرْآنِ وَالْأَذْكَارِ دُونَ غَيْرِهِ .
nindex.php?page=treesubj&link=22252_22255فَإِذَا جَمَعَ النَّاظِرُ بَيْنَ هَذَيْنِ الشَّيْئَيْنِ مِنْ عِلْمِ الْحَوَاسِّ وَلِسَانِ الْعَرَبِ صَحَّ مِنْهُ النَّظَرُ فِي الْأُصُولِ وَكَانَا أَصْلَيْنِ فِي الْعِلْمِ بِهَا .
وَقَدِ اخْتَلَفَ فِي الْعِبَارَةِ عَنِ
nindex.php?page=treesubj&link=21712_21717الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : الْأَصْلُ مَا دَلَّ عَلَى غَيْرِهِ ، وَالْفَرْعُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ غَيْرُهُ . فَعَلَى هَذِهِ الْعِبَارَةِ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ فَرْعٌ لِعِلْمِ الْحِسِّ ، لِأَنَّهُ الدَّالُّ عَلَى صِحَّتِهِ .
وَقَالَ آخَرُونَ : الْأَصْلُ مَا تَفَرَّعَ عَنْهُ غَيْرُهُ ، وَالْفَرْعُ مَا تَفَرَّعَ عَنْ غَيْرِهِ فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ فَرْعٌ لِعِلْمِ الْحِسِّ ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَوَلَّاهُ وَجَعَلَهُ أَصْلًا دَلَّ الْعَقْلُ عَلَيْهِ .