الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ أفعال الرسول - صلى الله عليه وسلم - ] .

                                                                                                                                            وأما أفعال الرسول - صلى الله عليه وسلم - فضربان :

                                                                                                                                            أحدهما : ما لا يتعلق بالديانات كمأكله ومشربه وملبسه ومنامه فيدل فعله على الإباحة دون الوجوب ، لأن أفعاله تتردد بين الحسن والجائز ولا يفعل ما يقبح في العقل أو يكره في الشرع ، فيكون التأسي به أبرك من المخالفة له ، قال الله تعالى : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة [ الأحزاب : 21 ] . إلا أن يقوم دليل على اختصاصه بالإباحة كما خص في المناكح بما حظره على غيره فلا يجوز اتباعه فيه .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : ما اختص بالديانات فله فيها ثلاثة أحوال :

                                                                                                                                            إحداها : أن يأمر باتباعه فيها كما قال " صلوا كما رأيتموني أصلي وقال في الحج : خذوا عني مناسككم فيكون اتباعه فيها فرضا لاقتران أمره بفعله .

                                                                                                                                            والحال الثانية : أن ينهى عن اتباعه فيها كما نهى عن الوصال في الصيام فانتهى الناس ثم واصل فواصلوا فقال : " أما إني كنت نهيت عن الوصال " فقالوا : رأيناك واصلت فواصلنا فقال : إني لست مثلكم إني أطعم وأسقى " فلا يجب علينا اتباعه فيه لنهيه عنه .

                                                                                                                                            وهو على ثلاثة أضرب :

                                                                                                                                            أحدها : ما كان له مباحا وعلينا محظورا كالمناكح .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : ما كان له مستحبا ولنا مكروها كالوصال .

                                                                                                                                            والضرب الثالث : ما كان عليه فرضا وعلينا ندبا كما قال : " فرض علي السواك ولم يفرض عليكم " .

                                                                                                                                            والحال الثالثة : أن تتجرد أفعاله عن أن يأمر بها أو ينهى عنها ، فاتباعه فيها ندب ، واختلف فيها هل تكون فرضا أو مستحبة ؟ فيه وجهان :

                                                                                                                                            [ ص: 101 ] أحدهما : وهو قول الأكثرين أنها مستحبة وليست بفرض إلا أن يقترن بها أمر لأنه كان - صلى الله عليه وسلم - يستسر بكثير من أفعاله ولو كان اتباعه فيها فرضا لأظهرها كما أظهر أقواله ليكون البلاغ بهما عاما .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أن اتباعه فيها فرض ما لم ينه عنه لقول الله تعالى في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - : فليحذر الذين يخالفون عن أمره [ النور : 63 ] . والأمر ينطلق على الفعل كانطلاقه على القول كما قال تعالى : وما أمر فرعون برشيد [ هود : 97 ] . أي فعل فرعون وكما قال الشاعر :


                                                                                                                                            لها أمرها حتى إذا ما تبوأت بإخفافها بتنا نبوئ مضجعا



                                                                                                                                            يعني بالأمر أفعال الإبل في سيرها .

                                                                                                                                            وقد روي أن رجلا أرسل امرأة إلى أم سلمة - رضي الله عنها - ليسألها عن قبلة الصائم فقالت أم سلمة : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد قبل وهو صائم . فقال الرجل : لسنا كرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر . وأعاد زوجته لتسأل فذكرت أم سلمة ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : هلا أنبأتها فقالت قد فعلت . فقالت : لسنا كرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إني لأرجو أن أكون أتقاكم لله وأعلمكم بحدوده " .

                                                                                                                                            فدل على وجوب اتباعه في أفعاله .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية