[
nindex.php?page=treesubj&link=22031أقسام القياس ] :
والقياس : قياسان ؛ قياس معنى وقياس شبه :
واختلف أصحابنا في
nindex.php?page=treesubj&link=22049_22032الفرق بين قياس المعنى وقياس الشبه على وجهين :
أحدهما : أن قياس المعنى ما أخذ حكم فرعه من معنى أصله ، وقياس الشبه ما أخذ حكم فرعه من شبهه بأصله .
والوجه الثاني : أن قياس المعنى ما لم يكن لفرعه إلا أصل واحد أخذ حكمه من معناه ، وقياس الشبه ما تجاذبته أصول ألحق بأقواها شبها فصار قياس المعنى أقوى من قياس الشبه على الوجهين .
[
nindex.php?page=treesubj&link=22032قياس المعنى ] :
فأما قياس المعنى : فينقسم قسمين جلي وخفي .
أما
nindex.php?page=treesubj&link=22036القياس الجلي : فيكون معناه في الفرع زائدا على معنى الأصل .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=22043القياس الخفي : فيكون معناه في الفرع مساويا لمعنى الأصل .
[
nindex.php?page=treesubj&link=22037أقسام القياس الجلي ] :
والقياس الجلي على ثلاثة أضرب :
أحدها :
nindex.php?page=treesubj&link=22038ما عرف معناه من ظاهر النص بغير استدلال ، ولا يجوز أن يرد التعبد فيه بخلاف أصله ، وذلك مثل قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=23فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما [ الإسراء : 22 ] . فدل تحريم التأفيف ببديهة النص على تحريم الضرب والشتم ، فلا يجوز أن يحرم التأفيف ويحل الضرب والشتم ، فصار تحريم الضرب والشتم مأخوذا من تحريم التأفيف قياسا ، ومثله قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=7فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره [ الزلزلة : 7 - 8 ] . فلا يجوز أن يجازي على قليل الطاعة ولا يجازي على كثيرها ويعاقب على قليل المعصية ولا يعاقب على كثيرها
[ ص: 145 ] ومثله قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=75ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك [ آل عمران : 75 ] . فالأمين على القنطار هو على الدينار آمن ، والخائن في الدينار هو في القنطار أخون .
وهذا الضرب من القياس هو أقرب وجوه القياس إلى النصوص لدخول فروعها في النصوص .
وأنكر نفاة القياس أن يكون هذا الضرب . قياسا .
وجعله بعضهم نصا وجعله آخرون تنبيها .
وأنكر كثير من مثبتي القياس أن يكون هذا قياسا . وسماه بعضهم مفهوم الخطاب وسماه آخرون منهم فحوى الكلام .
وأنكروا على
الشافعي تسميته قياسا .
قالوا : لأن القياس ما خفي حكم المسكوت عنه حتى عرف بالاستدلال من المنصوص عليه ، فما خرج عن الخفاء ولم يحتج إلى الاستدلال فليس بقياس وهذا الإنكار خطأ من وجهين :
أحدهما : أن النص ما عرف حكمه من اسمه ، والقياس ما عرف حكمه من اسم غيره ، وهذا موجود هاهنا : لأن اسم التأفيف لا ينطلق على الضرب والشتم كما لا ينطلق اسم الضرب على التأفيف ، لأن كل واحد من الاسمين ينطلق على غير ما ينطلق عليه الآخر فصار تحريم الضرب مأخوذا من معنى التأفيف لا من اسمه . فإن امتنعوا أن يسموه قياسا فقد سلموا معنى وخالفوا في اسمه ، والمخالفة في الاسم مع تسليم المعنى مطرحة .
والثاني : أن المعاني تتنوع : فيكون بعضها جليا تسبق بديهته إلى الفهم من غير استدلال وبعضها خفيا لا يفهم إلا بالفكر والاستدلال ، كما أن الأسماء تتنوع فيكون بعضها واضحا تعرفه الخاصة والعامة ، وبعضها غامضا تعرفه الخاصة دون العامة ، كنهيه - صلى الله عليه وسلم - أن يصلي الرجل وهو زناء وقوله - صلى الله عليه وسلم - في الزكاة : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=922129لا جلب ولا جنب ولا خلاط ولا وراط ونهى عن بيع الملاقيح والمضامين ، فلما لم يكن اختلاف الأسماء في الوضوح والغموض مانعا من أن تكون جميعها نصوصا لزم أن يكون اختلاف المعاني في الجلاء والخفاء ليس بممتنع من أن تكون جميعها قياسا .
فإذا صح أن هذا قياس فلا يختلف أصحابنا في جواز تخصيص العموم به .
واختلفوا في جواز
nindex.php?page=treesubj&link=22086النسخ به على وجهين .
[ ص: 146 ] أحدها : وهو قول أكثرهم : لا يجوز النسخ به لأن القياس فرع النص فلم يجز أن يكون ناسخا للنص .
والوجه الثاني : وهو قول
أبي علي بن أبي هريرة وحكاه عن بعض من تقدمه أنه يجوز أن ينسخ به النص ، لأنه لما لم يجز أن يرد التعبد في فرعه بخلاف أصله صار الفرع كالنص فجاز به النسخ .
فإن كان أصله نصا في القرآن جاز أن ينسخ به القرآن دون السنة ، وإن كان أصله نصا في السنة جاز أن تنسخ به السنة دون القرآن .
والضرب الثاني :
nindex.php?page=treesubj&link=22039ما عرف معناه من ظاهر النص بغير استدلال لكن يجوز أن يرد التعبد فيه بخلاف أصله .
وذلك مثال نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الأضحية بالعوراء البين عورها والعرجاء البين عرجها فكانت العمياء قياسا على العوراء ، والقطعاء قياسا على العرجاء ، وإن جاز أن يرد التعبد بتحريم العوراء والعرجاء وإباحة العمياء والقطعاء .
ومثله " نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - المحرم أن يلبس ثوبا مسه ورس أو زعفران فكان العنبر والمسك قياسا على الورس والزعفران ، وإن جاز أن يرد التعبد بتحريم الورس والزعفران وإباحة المسك والعنبر .
وهذا مما اختلف نفاة القياس فيه فاقتصر بعضهم على تحريم النص وإباحة ما عداه فحرم التضحية بالعوراء والعرجاء ، وأباحها بالعمياء والقطعاء ، وحرم ما مسه ورس أو زعفران ، وأباح ما مسه عنبر أو مسك .
وأثبت بعضهم تحريم جميعه بالتنبيه دون النص .
فهذا الضرب يجوز تخصيص العموم بمثله ، ولا يجوز به النسخ بوفاق أصحابنا لجواز ورود التعبد في الفرع بخلاف أصله .
والضرب الثالث :
nindex.php?page=treesubj&link=22040ما عرف معناه من ظاهر النص باستدلال ظاهر ويعرف بمبادئ النظر .
وذلك مثل قول الله تعالى في زنا الإماء :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=25فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب [ النساء : 25 ] . فجعل حدهن نصف حد الحرائر ، ولم يكن المعنى فيه إلا نقصهن بالرق ، فكان العبيد قياسا عليهن في تنصيف الحد إذا زنوا لنقصهم بالرق .
ومثله قول النبي - صلى الله عليه وسلم - "
nindex.php?page=hadith&LINKID=925543من أعتق شركا له في عبد وكان موسرا قوم عليه " فكانت الأمة قياسا على العبد .
[ ص: 147 ] ومثله قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=9إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع [ الجمعة : 9 ] . فكان معنى نهيه عن البيع أنه شاغل عن حضور الجمعة ، فكانت عقود المناكح والإجارات وسائر الأعمال والصنائع قياسا على البيع ، لأنه شاغل عن حضور الجمعة . فهذا الضرب لا يجوز به النسخ .
ويجوز تخصيص العموم به عند أكثر أصحابنا ، وإن منع منه بعضهم لخروجه عن الجلاء بالاستدلال وليس بصحيح : لأنه قد صار بجلاء الاستدلال كالجلي بغير استدلال .
فهذه ثلاثة أضرب هي ضروب القياس الجلي ، يجوز أن ينعقد بها الإجماع وينقض بها حكم من خالف من الحكام .
[
nindex.php?page=treesubj&link=22031أَقْسَامُ الْقِيَاسِ ] :
وَالْقِيَاسُ : قِيَاسَانِ ؛ قِيَاسُ مَعْنًى وَقِيَاسُ شَبَهٍ :
وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي
nindex.php?page=treesubj&link=22049_22032الْفَرْقِ بَيْنَ قِيَاسِ الْمَعْنَى وَقِيَاسِ الشَّبَهِ عَلَى وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ قِيَاسَ الْمَعْنَى مَا أُخِذَ حُكْمُ فَرْعِهِ مِنْ مَعْنَى أَصْلِهِ ، وَقِيَاسُ الشَّبَهِ مَا أُخِذَ حُكْمُ فَرْعِهِ مِنْ شَبَهِهِ بِأَصْلِهِ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّ قِيَاسَ الْمَعْنَى مَا لَمْ يَكُنْ لِفَرْعِهِ إِلَّا أَصْلٌ وَاحِدٌ أُخِذَ حُكْمُهُ مِنْ مَعْنَاهُ ، وَقِيَاسُ الشَّبَهِ مَا تَجَاذَبَتْهُ أُصُولٌ أُلْحِقَ بِأَقْوَاهَا شَبَهًا فَصَارَ قِيَاسُ الْمَعْنَى أَقْوَى مِنْ قِيَاسِ الشَّبَهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ .
[
nindex.php?page=treesubj&link=22032قِيَاسُ الْمَعْنَى ] :
فَأَمَّا قِيَاسُ الْمَعْنَى : فَيَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ جَلِيٌّ وَخَفِيٌّ .
أَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=22036الْقِيَاسُ الْجَلِيُّ : فَيَكُونُ مَعْنَاهُ فِي الْفَرْعِ زَائِدًا عَلَى مَعْنَى الْأَصْلِ .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=22043الْقِيَاسُ الْخَفِيُّ : فَيَكُونُ مَعْنَاهُ فِي الْفَرْعِ مُسَاوِيًا لِمَعْنَى الْأَصْلِ .
[
nindex.php?page=treesubj&link=22037أَقْسَامُ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ ] :
وَالْقِيَاسُ الْجَلِيُّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ :
أَحَدُهَا :
nindex.php?page=treesubj&link=22038مَا عُرِفَ مَعْنَاهُ مِنْ ظَاهِرِ النَّصِّ بِغَيْرِ اسْتِدْلَالٍ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرِدَ التَّعَبُّدُ فِيهِ بِخِلَافِ أَصْلِهِ ، وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=23فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا [ الْإِسْرَاءِ : 22 ] . فَدَلَّ تَحْرِيمُ التَّأْفِيفِ بِبَدِيهَةِ النَّصِّ عَلَى تَحْرِيمِ الضَّرْبِ وَالشَّتْمِ ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحَرَّمَ التَّأْفِيفُ وَيَحِلَّ الضَّرْبُ وَالشَّتْمُ ، فَصَارَ تَحْرِيمُ الضَّرْبِ وَالشَّتْمِ مَأْخُوذًا مِنْ تَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ قِيَاسًا ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=7فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [ الزَّلْزَلَةِ : 7 - 8 ] . فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجَازِيَ عَلَى قَلِيلِ الطَّاعَةِ وَلَا يُجَازِيَ عَلَى كَثِيرِهَا وَيُعَاقِبَ عَلَى قَلِيلِ الْمَعْصِيَةِ وَلَا يُعَاقِبَ عَلَى كَثِيرِهَا
[ ص: 145 ] وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=75وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ [ آلِ عِمْرَانَ : 75 ] . فَالْأَمِينُ عَلَى الْقِنْطَارِ هُوَ عَلَى الدِّينَارِ آمَنُ ، وَالْخَائِنُ فِي الدِّينَارِ هُوَ فِي الْقِنْطَارِ أَخْوَنُ .
وَهَذَا الضَّرْبُ مِنَ الْقِيَاسِ هُوَ أَقْرَبُ وُجُوهِ الْقِيَاسِ إِلَى النُّصُوصِ لِدُخُولِ فُرُوعِهَا فِي النُّصُوصِ .
وَأَنْكَرَ نُفَاةُ الْقِيَاسِ أَنْ يَكُونَ هَذَا الضَّرْبُ . قِيَاسًا .
وَجَعَلَهُ بَعْضُهُمْ نَصًّا وَجَعَلَهُ آخَرُونَ تَنْبِيهًا .
وَأَنْكَرَ كَثِيرٌ مِنْ مُثْبِتِي الْقِيَاسِ أَنْ يَكُونَ هَذَا قِيَاسًا . وَسَمَّاهُ بَعْضُهُمْ مَفْهُومَ الْخِطَابِ وَسَمَّاهُ آخَرُونَ مِنْهُمْ فَحْوَى الْكَلَامِ .
وَأَنْكَرُوا عَلَى
الشَّافِعِيِّ تَسْمِيَتَهُ قِيَاسًا .
قَالُوا : لِأَنَّ الْقِيَاسَ مَا خَفِيَ حُكْمُ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ حَتَّى عُرِفَ بِالِاسْتِدْلَالِ مِنَ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ ، فَمَا خَرَجَ عَنِ الْخَفَاءِ وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى الِاسْتِدْلَالِ فَلَيْسَ بِقِيَاسٍ وَهَذَا الْإِنْكَارُ خَطَأٌ مِنْ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ النَّصَّ مَا عُرِفَ حُكْمُهُ مِنِ اسْمِهِ ، وَالْقِيَاسُ مَا عُرِفَ حُكْمُهُ مِنِ اسْمِ غَيْرِهِ ، وَهَذَا مَوْجُودٌ هَاهُنَا : لِأَنَّ اسْمَ التَّأْفِيفِ لَا يَنْطَلِقُ عَلَى الضَّرْبِ وَالشَّتْمِ كَمَا لَا يَنْطَلِقُ اسْمُ الضَّرْبِ عَلَى التَّأْفِيفِ ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الِاسْمَيْنِ يَنْطَلِقُ عَلَى غَيْرِ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الْآخَرُ فَصَارَ تَحْرِيمُ الضَّرْبِ مَأْخُوذًا مِنْ مَعْنَى التَّأْفِيفِ لَا مِنِ اسْمِهِ . فَإِنِ امْتَنَعُوا أَنْ يُسَمُّوهُ قِيَاسًا فَقَدْ سَلَّمُوا مَعْنًى وَخَالَفُوا فِي اسْمِهِ ، وَالْمُخَالَفَةُ فِي الِاسْمِ مَعَ تَسْلِيمِ الْمَعْنَى مُطْرَحَةٌ .
وَالثَّانِي : أَنَّ الْمَعَانِيَ تَتَنَوَّعُ : فَيَكُونُ بَعْضُهَا جَلِيًّا تَسْبِقُ بَدِيهَتُهُ إِلَى الْفَهْمِ مِنْ غَيْرِ اسْتِدْلَالٍ وَبَعْضُهَا خَفِيًّا لَا يُفْهَمُ إِلَّا بِالْفِكْرِ وَالِاسْتِدْلَالِ ، كَمَا أَنَّ الْأَسْمَاءَ تَتَنَوَّعُ فَيَكُونُ بَعْضُهَا وَاضِحًا تَعْرِفُهُ الْخَاصَّةُ وَالْعَامَّةُ ، وَبَعْضُهَا غَامِضًا تَعْرِفُهُ الْخَاصَّةُ دُونَ الْعَامَّةِ ، كَنَهْيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ وَهُوَ زَنَاءُ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الزَّكَاةِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=922129لَا جَلَبَ وَلَا جَنَبَ وَلَا خِلَاطَ وَلَا وِرَاطَ وَنَهَى عَنْ بَيْعِ الْمَلَاقِيحِ وَالْمَضَامِينِ ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنِ اخْتِلَافُ الْأَسْمَاءِ فِي الْوُضُوحِ وَالْغُمُوضِ مَانِعًا مِنْ أَنْ تَكُونَ جَمِيعُهَا نُصُوصًا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ اخْتِلَافُ الْمَعَانِي فِي الْجَلَاءِ وَالْخَفَاءِ لَيْسَ بِمُمْتَنِعٍ مِنْ أَنْ تَكُونَ جَمِيعُهَا قِيَاسًا .
فَإِذَا صَحَّ أَنَّ هَذَا قِيَاسٌ فَلَا يَخْتَلِفُ أَصْحَابُنَا فِي جَوَازِ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِهِ .
وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ
nindex.php?page=treesubj&link=22086النَّسْخِ بِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ .
[ ص: 146 ] أَحَدُهَا : وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ : لَا يَجُوزُ النَّسْخُ بِهِ لِأَنَّ الْقِيَاسَ فَرْعُ النَّصِّ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ نَاسِخًا لِلنَّصِّ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : وَهُوَ قَوْلُ
أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَكَاهُ عَنْ بَعْضِ مَنْ تَقَدَّمَهُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُنْسَخَ بِهِ النَّصُّ ، لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَرِدَ التَّعَبُّدُ فِي فَرْعِهِ بِخِلَافِ أَصْلِهِ صَارَ الْفَرْعُ كَالنَّصِّ فَجَازَ بِهِ النَّسْخُ .
فَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ نَصًّا فِي الْقُرْآنِ جَازَ أَنْ يُنْسَخَ بِهِ الْقُرْآنُ دُونَ السُّنَّةِ ، وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ نَصًّا فِي السُّنَّةِ جَازَ أَنْ تُنْسَخَ بِهِ السُّنَّةُ دُونَ الْقُرْآنِ .
وَالضَّرْبُ الثَّانِي :
nindex.php?page=treesubj&link=22039مَا عُرِفَ مَعْنَاهُ مِنْ ظَاهِرِ النَّصِّ بِغَيْرِ اسْتِدْلَالٍ لَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَرِدَ التَّعَبُّدُ فِيهِ بِخِلَافِ أَصْلِهِ .
وَذَلِكَ مِثَالُ نَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْأُضْحِيَةِ بِالْعَوْرَاءِ الْبَيِّنِ عَوَرُهَا وَالْعَرْجَاءِ الْبَيِّنِ عَرَجُهَا فَكَانَتِ الْعَمْيَاءُ قِيَاسًا عَلَى الْعَوْرَاءِ ، وَالْقَطْعَاءُ قِيَاسًا عَلَى الْعَرْجَاءِ ، وَإِنْ جَازَ أَنْ يَرِدَ التَّعَبُّدُ بِتَحْرِيمِ الْعَوْرَاءِ وَالْعَرْجَاءِ وَإِبَاحَةِ الْعَمْيَاءِ وَالْقَطْعَاءِ .
وَمِثْلُهُ " نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُحْرِمَ أَنْ يَلْبَسَ ثَوْبًا مَسَّهُ وَرَسٌ أَوْ زَعْفَرَانٌ فَكَانَ الْعَنْبَرُ وَالْمِسْكُ قِيَاسًا عَلَى الْوَرَسِ وَالزَّعْفَرَانِ ، وَإِنْ جَازَ أَنْ يَرِدَ التَّعَبُّدُ بِتَحْرِيمِ الْوَرَسِ وَالزَّعْفَرَانِ وَإِبَاحَةِ الْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ .
وَهَذَا مِمَّا اخْتَلَفَ نُفَاةُ الْقِيَاسِ فِيهِ فَاقْتَصَرَ بَعْضُهُمْ عَلَى تَحْرِيمِ النَّصِّ وَإِبَاحَةِ مَا عَدَاهُ فَحَرَّمَ التَّضْحِيَةَ بِالْعَوْرَاءِ وَالْعَرْجَاءِ ، وَأَبَاحَهَا بِالْعَمْيَاءِ وَالْقَطْعَاءِ ، وَحَرَّمَ مَا مَسَّهُ وَرَسٌ أَوْ زَعْفَرَانٌ ، وَأَبَاحَ مَا مَسَّهُ عَنْبَرٌ أَوْ مِسْكٌ .
وَأَثْبَتَ بَعْضُهُمْ تَحْرِيمَ جَمِيعِهِ بِالتَّنْبِيهِ دُونَ النَّصِّ .
فَهَذَا الضَّرْبُ يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْعُمُومِ بِمِثْلِهِ ، وَلَا يَجُوزُ بِهِ النَّسْخُ بِوِفَاقِ أَصْحَابِنَا لِجَوَازِ وُرُودِ التَّعَبُّدِ فِي الْفَرْعِ بِخِلَافِ أَصْلِهِ .
وَالضَّرْبُ الثَّالِثُ :
nindex.php?page=treesubj&link=22040مَا عُرِفَ مَعْنَاهُ مِنْ ظَاهِرِ النَّصِّ بِاسْتِدْلَالٍ ظَاهِرٍ وَيُعْرَفُ بِمَبَادِئِ النَّظَرِ .
وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فِي زِنَا الْإِمَاءِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=25فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ [ النِّسَاءِ : 25 ] . فَجُعِلَ حَدُّهُنَّ نِصْفَ حَدِّ الْحَرَائِرِ ، وَلَمْ يَكُنِ الْمَعْنَى فِيهِ إِلَّا نَقْصَهُنَّ بِالرِّقِّ ، فَكَانَ الْعَبِيدُ قِيَاسًا عَلَيْهِنَّ فِي تَنْصِيفِ الْحَدِّ إِذَا زَنَوْا لِنَقْصِهِمْ بِالرِّقِّ .
وَمِثْلُهُ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "
nindex.php?page=hadith&LINKID=925543مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ وَكَانَ مُوسِرًا قَوَّمَ عَلَيْهِ " فَكَانَتِ الْأَمَةُ قِيَاسًا عَلَى الْعَبْدِ .
[ ص: 147 ] وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=9إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ [ الْجُمُعَةِ : 9 ] . فَكَانَ مَعْنَى نَهْيِهِ عَنِ الْبَيْعِ أَنَّهُ شَاغِلٌ عَنْ حُضُورِ الْجُمُعَةِ ، فَكَانَتْ عُقُودُ الْمَنَاكِحِ وَالْإِجَارَاتِ وَسَائِرِ الْأَعْمَالِ وَالصَّنَائِعِ قِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ ، لِأَنَّهُ شَاغِلٌ عَنْ حُضُورِ الْجُمُعَةِ . فَهَذَا الضَّرْبُ لَا يَجُوزُ بِهِ النَّسْخُ .
وَيَجُوزُ تَخْصِيصُ الْعُمُومِ بِهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا ، وَإِنْ مَنَعَ مِنْهُ بَعْضُهُمْ لِخُرُوجِهِ عَنِ الْجَلَاءِ بِالِاسْتِدْلَالِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ : لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ بِجَلَاءِ الِاسْتِدْلَالِ كَالْجَلِيِّ بِغَيْرِ اسْتِدْلَالٍ .
فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ هِيَ ضُرُوبُ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ ، يَجُوزُ أَنْ يَنْعَقِدَ بِهَا الْإِجْمَاعُ وَيُنْقَضَ بِهَا حُكْمُ مَنْ خَالَفَ مِنَ الْحُكَّامِ .