القول في كاتب القاضي .
مسألة : قال
الشافعي : "
nindex.php?page=treesubj&link=15165_20247ولا ينبغي أن يتخذ كاتبا حتى يجمع أن يكون عدلا عاقلا ويحرص أن يكون فقيها لا يؤتى من جهالة نزها بعيدا من الطبع .
قال
الماوردي : وهذا صحيح : لا يستغني قضاة الأمصار والولاة على الأعمال عن كاتب ينوب عنهم في ضبط الأمور ليتشاغل الولاة بالنظر ، ويتشاغل الكاتب بالإثبات ، وإنشاء الكتب .
قد كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتاب ، منهم
علي بن أبي طالب وهو الذي كتب القضية بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين
قريش عام الحديبية ، ومنهم
زيد بن ثابت .
وروى
ابن عباس : أنه
كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - كاتب ، يقال له السجل .
وروي
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لزيد بن ثابت : تعرف السريانية ؟ قال : لا قال : " فإنهم يكتبون إلي ولا أحب أن يقرأ كتبي كل أحد فتعلم السريانية قال زيد فتعلمتها في نصف شهر .
ولفضل الكتابة في الصحابة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما فادى أسرى
بدر شرط على من لم يكن معه فداء أن يعلم عشرة من أهل
المدينة الكتابة ، فكان
زيد بن ثابت من جملة من تعلم منهم .
وقد كان للخلفاء الأربعة - رضي الله عنهم - كتاب مشهورون وكذلك لمن بعدهم .
[ ص: 199 ] ولأن تشاغل الولاة بالكتابة يقطعهم عن النظر المختص بهم ، وإذا كان كذلك فالقضاة ولاة لا يستغنون عن كتاب .
nindex.php?page=treesubj&link=15165صفات كاتب القاضي .
وصفة كاتب القاضي ما ذكره
الشافعي من أوصافه وهي أربعة :
أحدها : العدالة : لأنه مؤتمن على إثبات الإقرار والبينات وتنفيذ الأحكام فافتقر إلى صفة من تثبت به الحقوق كالشهود .
والثاني : أن يكون عاقلا ، وليس يريد ما يتعلق به التكليف ، وإنما يريد أن يكون جزل الرأي ، سديد التحصيل ، حسن الفطنة حتى لا يخدع . أو يدلس عليه .
والثالث : أن يكون فقيها ، ليعلم صحة ما يكتب من فساده ، فإن لم يكن فقيها بالأحكام الشرعية لزم أن يكون فقيها بأحكام كتابته ، وما يختص بالشروط ، من المحاضر والسجلات ، واستعمال الألفاظ الموضوعة لها ، والتحرز من الألفاظ المحتملة ، ويختار أن يكون واضح الخط ، فصيح اللسان .
والرابع : أن يكون نزيها بعيدا من الطمع ليؤمن أن يرتشي فيحابي .
فإذا ظفر القاضي بمن تكاملت فيه هذه الأوصاف الأربعة وأرجو أن يظفر به جاز أن يستكتبه .
ولا يجوز أن يستكتب عبدا ، وإن أكملها : لأن الحرية شرط في كمال العدالة .
ولا يجوز أن يستكتب ذميا وإن كان كافيا : لأنهم خرجوا بفسقهم في الدين عن قبول قولهم فيه .
وقد قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة [ الممتحنة : 1 ] .
وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=51لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض [ المائدة : 51 ] .
وروى
الزهري عن
أبي سلمة عن
أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=925573ما بعث الله من نبي ، ولا استخلف من خليفة ، إلا كان له بطانتان : بطانة تدعوه إلى الخير وتحضه عليه ، وبطانة تدعوه إلى الشر وتحضه عليه ، والمعصوم من عصمه الله .
[ ص: 200 ] وهذا صحيح ، وقد جاء كتاب الله تعالى بمثل معناه وهو قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=118لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا [ آل عمران : 118 ] .
وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=925574لا تستضيئوا بنار المشركين . أي لا ترجعوا إلى آرائهم ، ولا تعولوا على مشاورتهم .
وروي أن
أبا موسى الأشعري قدم على
عمر بن الخطاب ومعه كاتب نصراني ، فأعجب
عمر بخطه وحسابه ، فقال
لأبي موسى أحضر كاتبك ، ليقرأه فقال
أبو موسى : إنه نصراني لا يدخل المسجد فزبره
عمر وقال " لا تأمنوهم وقد خونهم الله ، ولا تدنوهم وقد أبعدهم الله ، ولا تعزوهم وقد أذلهم الله " .
وقال
الشافعي في الأم : ما ينبغي لقاض ولا وال أن يتخذ كاتبا ذميا ، ولا يضع الذمي في موضع يفضل به مسلما ، ويعز المسلمين أن تكون لهم حاجة إلى غير أهل دينهم ، والقاضي أهل الناس في هذا عذرا .
الْقَوْلُ فِي كَاتِبِ الْقَاضِي .
مَسْأَلَةٌ : قَالَ
الشَّافِعِيُّ : "
nindex.php?page=treesubj&link=15165_20247وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَّخِذَ كَاتِبًا حَتَّى يَجْمَعَ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا عَاقِلًا وَيَحْرِصُ أَنْ يَكُونَ فَقِيهًا لَا يُؤْتَى مِنْ جَهَالَةٍ نَزِهًا بَعِيدًا مِنَ الطَّبْعِ .
قَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ : لَا يَسْتَغْنِي قُضَاةُ الْأَمْصَارِ وَالْوُلَاةُ عَلَى الْأَعْمَالِ عَنْ كَاتِبٍ يَنُوبُ عَنْهُمْ فِي ضَبْطِ الْأُمُورِ لِيَتَشَاغَلَ الْوُلَاةُ بِالنَّظَرِ ، وَيَتَشَاغَلَ الْكَاتِبُ بِالْإِثْبَاتِ ، وَإِنْشَاءِ الْكُتُبِ .
قَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُتَّابٌ ، مِنْهُمْ
عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَهُوَ الَّذِي كَتَبَ الْقَضِيَّةَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيْنَ
قُرَيْشٍ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ ، وَمِنْهُمْ
زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ .
وَرَوَى
ابْنُ عَبَّاسٍ : أَنَّهُ
كَانَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَاتِبٌ ، يُقَالُ لَهُ السِّجِلُّ .
وَرُوِيَ
أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ : تَعْرِفُ السُّرْيَانِيَّةَ ؟ قَالَ : لَا قَالَ : " فَإِنَّهُمْ يَكْتُبُونَ إِلَيَّ وَلَا أُحِبُّ أَنْ يَقْرَأَ كُتُبِي كُلُّ أَحَدٍ فَتَعَلَّمِ السُّرْيَانِيَّةَ قَالَ زَيْدٌ فَتَعَلَّمْتُهَا فِي نِصْفِ شَهْرٍ .
وَلِفَضْلِ الْكِتَابَةِ فِي الصَّحَابَةِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا فَادَى أَسْرَى
بَدْرٍ شَرَطَ عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ فِدَاءٌ أَنْ يُعَلِّمَ عَشَرَةً مِنْ أَهْلِ
الْمَدِينَةِ الْكِتَابَةَ ، فَكَانَ
زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ تَعَلَّمَ مِنْهُمْ .
وَقَدْ كَانَ لِلْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كُتَّابٌ مَشْهُورُونَ وَكَذَلِكَ لِمَنْ بَعْدَهُمْ .
[ ص: 199 ] وَلِأَنَّ تَشَاغُلَ الْوُلَاةِ بِالْكِتَابَةِ يَقْطَعُهُمْ عَنِ النَّظَرِ الْمُخْتَصِّ بِهِمْ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْقُضَاةُ وُلَاةٌ لَا يَسْتَغْنُونَ عَنْ كُتَّابٍ .
nindex.php?page=treesubj&link=15165صِفَاتُ كَاتِبِ الْقَاضِي .
وَصِفَةُ كَاتِبِ الْقَاضِي مَا ذَكَرَهُ
الشَّافِعِيُّ مِنْ أَوْصَافِهِ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ :
أَحَدُهَا : الْعَدَالَةُ : لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ عَلَى إِثْبَاتِ الْإِقْرَارِ وَالْبَيِّنَاتِ وَتَنْفِيذِ الْأَحْكَامِ فَافْتَقَرَ إِلَى صِفَةِ مَنْ تَثْبُتُ بِهِ الْحُقُوقُ كَالشُّهُودِ .
وَالثَّانِي : أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا ، وَلَيْسَ يُرِيدُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّكْلِيفُ ، وَإِنَّمَا يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ جَزْلَ الرَّأْيِ ، سَدِيدَ التَّحْصِيلِ ، حَسَنَ الْفَطِنَةِ حَتَّى لَا يُخْدَعَ . أَوْ يُدَلَّسَ عَلَيْهِ .
وَالثَّالِثُ : أَنْ يَكُونَ فَقِيهًا ، لِيَعْلَمَ صِحَّةَ مَا يَكْتُبُ مِنْ فَسَادِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَقِيهًا بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ فَقِيهًا بِأَحْكَامِ كِتَابَتِهِ ، وَمَا يَخْتَصُّ بِالشُّرُوطِ ، مِنَ الْمَحَاضِرِ وَالسِّجِلَّاتِ ، وَاسْتِعْمَالِ الْأَلْفَاظِ الْمَوْضُوعَةِ لَهَا ، وَالتَّحَرُّزِ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْمُحْتَمَلَةِ ، وَيَخْتَارُ أَنْ يَكُونَ وَاضِحَ الْخَطِّ ، فَصِيحَ اللِّسَانِ .
وَالرَّابِعُ : أَنْ يَكُونَ نَزِيهًا بَعِيدًا مِنَ الطَّمَعِ لِيُؤْمَنَ أَنْ يَرْتَشِيَ فَيُحَابِيَ .
فَإِذَا ظَفِرَ الْقَاضِي بِمَنْ تَكَامَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الْأَوْصَافُ الْأَرْبَعَةُ وَأَرْجُو أَنْ يَظْفَرَ بِهِ جَازَ أَنْ يَسْتَكْتِبَهُ .
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَكْتِبَ عَبْدًا ، وَإِنْ أَكْمَلَهَا : لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ شَرْطٌ فِي كَمَالِ الْعَدَالَةِ .
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَكْتِبَ ذِمِّيًا وَإِنْ كَانَ كَافِيًا : لِأَنَّهُمْ خَرَجُوا بِفِسْقِهِمْ فِي الدِّينِ عَنْ قَبُولِ قَوْلِهِمْ فِيهِ .
وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ [ الْمُمْتَحَنَةِ : 1 ] .
وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=51لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [ الْمَائِدَةِ : 51 ] .
وَرَوَى
الزُّهْرِيُّ عَنْ
أَبِي سَلَمَةَ عَنْ
أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=925573مَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ نَبِيٍّ ، وَلَا اسْتَخْلَفَ مِنْ خَلِيفَةٍ ، إِلَّا كَانَ لَهُ بِطَانَتَانِ : بِطَانَةٌ تَدْعُوهُ إِلَى الْخَيْرِ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ ، وَبِطَانَةٌ تَدْعُوهُ إِلَى الشَّرِّ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ ، وَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ .
[ ص: 200 ] وَهَذَا صَحِيحٌ ، وَقَدْ جَاءَ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى بِمِثْلِ مَعْنَاهُ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=118لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا [ آلِ عِمْرَانَ : 118 ] .
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=925574لَا تَسْتَضِيئُوا بِنَارِ الْمُشْرِكِينَ . أَيْ لَا تَرْجِعُوا إِلَى آرَائِهِمْ ، وَلَا تُعَوِّلُوا عَلَى مُشَاوَرَتِهِمْ .
وَرُوِيَ أَنَّ
أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ قَدِمَ عَلَى
عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَمَعَهُ كَاتِبٌ نَصْرَانِيٌّ ، فَأُعْجِبَ
عُمَرُ بِخَطِّهِ وَحِسَابِهِ ، فَقَالَ
لِأَبِي مُوسَى أَحْضِرْ كَاتِبَكَ ، لِيَقْرَأَهُ فَقَالَ
أَبُو مُوسَى : إِنَّهُ نَصْرَانِيٌّ لَا يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ فَزَبَرَهُ
عُمَرُ وَقَالَ " لَا تَأْمَنُوهُمْ وَقَدْ خَوَّنَهُمُ اللَّهُ ، وَلَا تُدْنُوهُمْ وَقَدْ أَبْعَدَهُمُ اللَّهُ ، وَلَا تُعِزُّوهُمْ وَقَدْ أَذَلَّهُمُ اللَّهُ " .
وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ : مَا يَنْبَغِي لِقَاضٍ وَلَا وَالٍ أَنْ يَتَّخِذَ كَاتِبًا ذِمِّيًّا ، وَلَا يَضَعَ الذِّمِّيَّ فِي مَوْضِعٍ يَفْضُلُ بِهِ مُسْلِمًا ، وَيُعِزُّ الْمُسْلِمِينَ أَنْ تَكُونَ لَهُمْ حَاجَةٌ إِلَى غَيْرِ أَهْلِ دِينِهِمْ ، وَالْقَاضِي أَهْلُ النَّاسِ فِي هَذَا عُذْرًا .