الطرف الثاني في بيان مستوفيه . 
فإن كان المحدود حرا ، فالمستوفي الإمام  ، أو من فوض إليه كما سبق ، هذا هو المذهب والمنصوص وبه قطع الأصحاب ، وحكي عن  القفال  رواية قول : إنه يجوز للآحاد استيفاؤه حسبة ، كالأمر بالمعروف ، وليس بشيء . 
وإن كان مملوكا ، فلسيده إقامة الحد عليه ، وله تفويضه إلى غيره ، ولا يحتاج إلى إذن الإمام فيه ، وسواء العبد والأمة ، وخرج   ابن القاص  قولا في العبد كأنه ألحقه بالإجبار على النكاح ولم يوافق عليه ، بل قطع الأصحاب بأن له إقامته عليهما ، ويجوز للإمام أيضا إقامته على الرقيق ، ومن بدر إليه منهما وقع الموقع ، وهل الأولى للسيد أن يقيمه بنفسه ليكون أستر ، أم الأولى تفويضه إلى الإمام ، ليخرج من خلاف  أبي حنيفة  في إلحاقه بالحر ؟ وجهان نقلهما الشيخ  أبو خلف الطبري     . 
 [ ص: 103 ] قلت : أصحهما الأول لثبوت الحديث فيه ، ولا يراعى الخروج من خلاف يخالف السنة . والله أعلم . 
ولو تنازع في إقامته الإمام والسيد  ، فأيهما أولى ؟ فيه احتمالات للإمام ، أظهرها : الإمام لعموم ولايته ، والثاني : السيد لغرض إصلاح ملكه ، والثالث : إن كان جلدا فالسيد ، وإن كان قتلا أو قطعا ، فالإمام ; لأن إعمال السلاح بصاحب الأمر أليق ، والعبد المشترك يقيم حده ملاكه ، وتوزع السياط على قدر الملك ، فإن حصل كسر ، فوض المنكسر إلى أحدهم ، وهل يغربه السيد إن قلنا بتغريب العبد ؟ وجهان ، أصحهما : نعم ; لأنه بعض الحد ، والمدبر وأم الولد والمعلق عتقه كالقن ، والمكاتب كالحر على الصحيح ، وعن   ابن القطان  كالقن ، ومن بعضه حر لا يحده إلا الإمام ، وهل إقامة السيد الحد بالولاية على ملكه ، كولاية التزويج ، أم تأديبا وإصلاحا ، كمعالجته بالفصد والحجامة ؟ وجهان . 
فرع 
فيما يقيمه السيد على رقيقه من العقوبات  ، أما التعزير ، فله ذلك في حقوق الله تعالى ، كما يؤدبه لحق نفسه ، وفيه وجه ضعيف ; لأن التعزير غير مضبوط فيفتقر إلى اجتهاده ، وأما الحدود ، فله الجلد في الزنا والقذف والشرب ، وفي الشرب وجه ; لأن للسيد في بضع أمته وعبده حقا ، فإنه لا يتزوج إلا بإذنه بخلاف الشرب ، وقياس هذا الفرق مجيء الوجه في جلد القذف ، وهل له قطعه في السرقة والمحاربة ، وقتله في الردة ؟ وجهان ، الأصح المنصوص : نعم ، لإطلاق الخبر ، ومنهم من جزم بجواز القطع ، وأجرى  ابن الصباغ  وجماعة هذا الخلاف في القطع والقتل قصاصا ، وفي " التهذيب " أن الأصح أن القطع والقتل إلى الإمام . 
 [ ص: 104 ] فرع 
في أحوال السيد إن جمع شروط الولاية أقام الحد  ، وإن كان السيد امرأة ، فهل تقيمه هي أم السلطان أم وليها ؟ فيه أوجه ، أصحها الأول ، وللفاسق والمكاتب والكافر إقامته على رقيقهم على الأصح بناء على أن سبيله سبيل الإصلاح ، وفي كتاب   ابن كج  أن السيد لا يحد عبيد مكاتبه على المذهب ، وإن قلنا : يحدهم المكاتب إذ لا تصرف له فيهم ، وفيه أنه ليس لكافر أن يحد عبده المسلم بحال ، وهل يقيم الأب والجد والوصي والقيم الحد على رقيق الطفل ؟ وجهان ، وقيل : لا يجوز لغير الأب والجد وفيهما الوجهان ، ويشبه أن يقال : إن قلنا : الحد إصلاح ، فلهم إقامته ، وإن قلنا : ولاية ، ففيه الخلاف ، وهل يجوز كون السيد جاهلا ؟ وجهان بناء على أنه إصلاح أم ولاية ؟ ويشترط كونه عالما بقدر الحد وكيفيته . 
فرع 
العقوبة التي يقيمها السيد على عبده ، يقيمها إذا أقر العبد عنده بموجبها  ، فلو شاهده السيد ، فله إقامتها على الأصح ، وله سماع البينة بذلك على الأصح ; لأنه يملك إقامة هذا الحد ، فيسمع بينته كالإمام ، وعلى هذا ينظر تزكية الشهود ، ويشترط كونه عالما بصفاتهم ، وأحكام الحدود ، وقيل : ليس له سماعها ، وإنما يحده بعد ثبوته عند الإمام . 
فرع 
قذف رقيق زوجته الرقيقة ، هل يلاعن بينهما  السيد كما يقيم الحد ؟ وجهان ، ولو قذف العبد سيده ، فله إقامة الحد عليه ، ولو قذف   [ ص: 105 ] السيد عبده ، فله رفع الأمر إلى القاضي ليعزره ، ولو زنى ذمي ، ثم نقض العهد واسترق ، لم يسقط عنه الحد ، ويقيمه الإمام لا السيد ; لأنه لم يكن مملوكا يومئذ ، ولو زنى عبد ، فباعه سيده ، فإقامة الحد إلى المشتري اعتبارا بحال الاستيفاء . 
فرع 
من قتل حدا بالرجم وغيره ، غسل وكفن ، وصلي عليه ، ودفن في مقابر المسلمين    . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					