الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        [ ص: 7 ] الشرط الخامس : أن لا تتناقض دعواه ، فلو ادعى على شخص تفرده بالقتل ، ثم على آخر تفرده بالقتل أو مشاركته ، لم تسمع الثانية ، ولو لم يقسم على الأول ، ولم يمض حكم ، فلا يمكن من العود إليه ; لأن الثانية تكذبها ، ولو صدقه الثاني في دعواه الثانية فوجهان ، أحدهما ، ليس له مؤاخذته ; لأن في الدعوى على الأول اعترافا ببراءة غيره ، وأصحهما : له مؤاخذته ; لأن الحق لا يعدوهما ، ويحتمل كذبه في الأولى وصدقه في الثانية ، ولو ادعى قتلا عمدا فاستفصل ، فوصفه بما ليس بعمد ، نقل المزني أنه لا يقسم ، والربيع أنه يقسم ، قال الأكثرون : في المسألة قولان ، أحدهما : تبطل الدعوى ولا يقسم ; لأن في دعوى العمد اعترافا ببراءة العاقلة ، فلا يمكن من مطالبتهم بعده ; ولأن فيه اعترافا بأنه ليس بمخطئ فلا يقبل رجوعه عنه ، وأظهرهما : لا تبطل ; لأنه قد يظن الخطأ عمدا ، فعلى هذا يعتمد تفسيره ويمضي حكمه ، ومنهم من قطع بهذا وتأول نقل المزني على أنه لا يقسم على العمد . ويجري الطريقان فيمن ادعى خطأ وفسر بعمد ، وكذا فيمن ادعى شبه عمد وفسر بخطأ ، وقيل : يقبل تفسيره قطعا ; لأن فيه تخفيفا عن العاقلة ورجوعا عن زيادة ادعاها عليهم .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        ادعى قتلا ، فأخذ المال ، ثم قال : ظلمته بالأخذ ، وأخذته باطلا ، أو ما أخذته حرام علي ، سئل ، فإن قال : كذبت في الدعوى وليس هو قاتلا ، استرد المال منه ، وإن قال : أردت أني حنفي لا أعتقد أخذ المال بيمين المدعي لم يسترد ; لأن النظر إلى رأي الحاكم واجتهاده ، لا إلى مذهب الخصمين ، وذكروا للمسألة نظائر .

                                                                                                                                                                        [ ص: 8 ] منها : مات شخص ، فقال ابنه : لست أرثه ; لأنه كان كافرا ، فسئل عن كفره ، فقال : كان معتزليا أو رافضيا ، فيقال له : لك ميراثه وأنت مخطئ في اعتقادك ; لأن الاعتزال والرفض ليس بكفر ، هكذا قاله القفال والبغوي والروياني وغيرهم .

                                                                                                                                                                        قال الفوراني : ومن شيوخنا من يكفر أهل الأهواء ، فعلى هذا يحرم الميراث .

                                                                                                                                                                        قلت : هذا الوجه خطأ ، والصواب المنصوص والذي قطع به الجمهور : أنا لا نكفرهم .

                                                                                                                                                                        ومنها : قضى حنفي لشافعي بشفعة الجوار ، فأخذ الشقص ، ثم قال : أخذته باطلا ; لأنني لا أرى شفعة الجوار لا يسترد منه .

                                                                                                                                                                        ومنها : مات عن جارية أولدها بنكاح ، فقال وارثه : لا أتملكها ; لأنها صارت أم ولد له بذلك ، وعتقت بموته ، فيقال له : هي مملوكتك ولا تصير أم ولد بالنكاح .

                                                                                                                                                                        واعلم أن جميع هذا فيما يتعلق بظاهر الحكم ، أما الحل باطنا إذا حكم القاضي في مواضع الخلاف لشخص على خلاف اعتقاده ، كحكم حنفي لشافعي بشفعة جوار ، ففي ثبوته خلاف ، وميل الأئمة هنا إلى ثبوته ، وسنذكره إن شاء الله تعالى في كتاب الأقضية . ولو قال : أردت بقولي ، حرام أنه مغصوب ، فإن عين المغصوب منه ، لزمه تسليمه إليه ، ولا رجوع له على المأخوذ منه ; لأن قوله لا يقبل عليه ، وإن لم يعين أحدا ، فهو مال ضائع ، وفي مثله خلاف مشهور ، والجواب في " الشامل " أنه لا يلزمه رفع يده عنه ، ولو قال بعد ما أقسم : ندمت على الأيمان ، لم يلزمه بهذا شيء .

                                                                                                                                                                        [ ص: 9 ] فرع

                                                                                                                                                                        ادعى القتل على رجل ، وحلف وأخذ المال ، فجاء رجل وقال : أنا قتلت مورثك ، ولم يقتله الذي حلف عليه ، فإن لم يصدقه الوارث لم يؤثر قوله فيما جرى ، وإن صدقه ، لزمه رد ما أخذ ، وهل له الدعوى على الثاني ومطالبته ؟ فيه قولان ، وهما نظير الوجهين السابقين في أول هذا الشرط .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية