الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الشرط الرابع : الذكورة ، فلا جزية على امرأة وخنثى ، فإن بانت ذكورته ، فهل تؤخذ منه جزية السنين الماضية ؟ وجهان .

                                                                                                                                                                        قلت : ينبغي أن يكون الأصح الأخذ . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        ولو جاءتنا امرأة حربية ، فطلبت عقد الذمة بجزية ، أو بعثت بذلك من دار الحرب ، أعلمها الإمام أنه لا جزية عليها ، فإن رغبت مع ذلك في البذل ، فهذه هبة لا تلزم إلا بالقبض ، وإن طلبت الذمة بلا جزية ، أجابها الإمام ، وشرط عليها التزام الأحكام . ولو حاصرنا قلعة ، فأرادوا الصلح على أن يؤدوا الجزية عن النساء دون الرجال ، لم يجابوا ، فإن صولحوا عليه ، فالصلح باطل ، وإن لم يكن فيها إلا النساء فطلبن عقد الذمة بالجزية ، فقولان نص عليهما في " الأم " أحدهما : يعقد لهن ، لأنهن يحتجن إلى صيانة أنفسهن عن الرق ، كما يحتاج الرجال للصيانة عن القتل ، فعلى هذا يشترط عليهن أن تجرى عليهن أحكام الإسلام ، ولا يسترققن ، ولا يؤخذ منهن شيء ، وإن أخذ الإمام مالا ، رده ، لأنهن دفعنه على اعتقاد أنه واجب ، فإن دفعنه على علم ، فهو هبة ، والحكم على هذا القول كما ذكرنا في حربية بعثت من دار الحرب تطلب الذمة ، والقول الثاني : لا تعقد لهن ، ويتوصل الإمام إلى الفتح بما أمكنه ، وإن عقد لم يتعرض لهن حتى يرجعن إلى القلعة ، فإذا فتحها ، سباهن ، لأن الجزية تؤخذ لقطع الحرب ، ولا حرب في النساء والصبيان ، ولأنهن قد قربن من مصيرهن غنيمة فلا يعرض عنهن بعد تحمل التعب والمؤنة ، والقولان متفقان على أنه لا يقبل منهن جزية ، ولا يوجد أحد إلزام ، هذا ما نقله الأصحاب في جميع طرقهم ، وشذ عنهم الإمام فنقل في الخلاف وجهين وجعلهما في أنه هل يلزم قبول الجزية وترك إرقاقهن ؟

                                                                                                                                                                        [ ص: 303 ] وضعف وجه اللزوم ، وذكر الروياني الطريقة المشهورة ، ثم حكى ما ذكره الإمام عن بعض الخراسانيين ، ولعله أراد به الإمام ، ثم قال : وهو غلط ، ولو كان في القلعة رجل واحد ، فبذل الجزية ، جاز ، وصارت النساء تبعا له في العصمة ، هكذا أطلقه مطلقون ، وخصه الإمام والغزالي بما إذا كن من أهله ، وهذا أحسن .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        عقد الذمة يفيد الأمان للكافر نفسا ومالا وعبيده من أمواله ، قال الإمام : وليس له أن يستتبع من النساء والصبيان والمجانين من شاء ، لأنه يخرج عن الضبط ، ولكن لا بد من تعلق واتصال ، فيستتبع من نسوة الأقارب وصبيانهم ومجانينهم من شاء ، بأن يدرجهم في العقد شرطا ، وسواء المحارم وغيرهم ، فإن أطلق ، لم يتبعوه . ومن له مصاهرة من النساء والصبيان والمجانين لهم حكم الأقارب على الأصح ، وقيل : كالأجانب ، وفي دخول الأولاد الصغار في العقد عند الإطلاق وجهان ، أصحهما : الدخول اعتمادا على القرينة ، والزوجات كالأولاد الصغار ، وقيل : كنساء القرابة .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا بلغ الصبي ، أو أفاق المجنون ، أو عتق العبد ، زالت التبعية ، ولزمتهم الجزية وابتداء الحول من حين حدثت هذه الأحوال ، فإن اتفق ذلك في نصف حول أهلهم الذميين مثلا ، فإذا تم حول أهلهم ، ورغب هؤلاء في أن يؤدوا نصف الجزية ، فذاك ، وإلا فإن شاء الإمام أخذ جزيتهم عند تمام حولهم ، وإن شاء أخر حتى يتم حول ثان لأهلهم ، فيأخذ منهم جزية سنة ونصف لئلا تختلف الأحوال .

                                                                                                                                                                        [ ص: 304 ] فرع

                                                                                                                                                                        لو دخلت حربية دارنا بغير تبعية ولا أمان ولا طلب أمان ، جاز استرقاقها ، وكذا الحكم في الصبي ، كما يجوز قتل الكافر إذا دخل ، كذلك قال الإمام ، وكل حكم بجزية في القتال بجزية فيمن يظفر به من غير ذمة ولا أمان .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        عن نصه إذا صالحنا قوم على أن يؤدوا الجزية عن صبيانهم ومجانينهم ونسائهم سوى ما يؤدون عن أنفسهم ، فإن شرطوا أن يؤدوا من مال أنفسهم ، جاز ، وكأنهم قبلوا جزية كثيرة ، وإن شرطوه من مال الصبيان والمجانين ، لم يجز أخذه .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية