الثالثة : الدار إن كانت منفصلة عن العمارات ، بأن كانت في بادية  ، أو في الطرق الخراب من البلد ، أو في بستان ، فليست بحرز إن لم يكن فيها أحد ، سواء كان الباب مفتوحا أو مغلقا ، فإن كان فيها صاحبها ، أو حافظ آخر ، نظر إن كان نائما والباب مفتوح ، فليست حرزا ، وإن كان مغلقا فوجهان ، الذي أجاب به الشيخ  أبو حامد  ومن تابعه : أنه محرز ، والذي يقتضيه إطلاق الإمام  والبغوي  خلافه . 
قلت : الذي قاله  أبو حامد  أقوى ، وجزم  الرافعي  في " المحرر " بأنه غير محرز . والله أعلم . 
 [ ص: 124 ] وإن كان من فيها متيقظا ، فالأمتعة فيها محرزة ، سواء كان الباب مفتوحا أو مغلقا ، لكن لو كان ممن لا يبالى به وهو بعيد عن الغوث ، فالحكم على ما ذكرناه في الملحوظ بعين الضعيف في الصحراء ، وإن كانت الدار متصلة بدور أهله ، نظر إن كان الباب مغلقا وفيها صاحبها ، أو حافظ آخر ، فهي حرز لما فيها ليلا ونهارا متيقظا كان الحافظ أو نائما ، وإن كان الباب مفتوحا ، فإن كان من فيها نائما لم يكن حرزا ليلا قطعا ، ولا نهارا في الأصح ، وقيل : حرز نهارا في زمن الأمن من النهب وغيره ، وإن كان من فيها متيقظا لكنه لا يتم الملاحظة بل يتردد في الدار ، فتغفله إنسان فسرق ، لم يقطع على الأصح المنصوص للتقصير بإهمال المراقبة مع فتح الباب ، ولو كان يبالغ في الملاحظة بحيث يحصل الإحراز بمثله في الصحراء ، فانتهز السارق فرصة ، قطع بلا خلاف . 
ولو فتح صاحب الدار بابها ، وأذن للناس في الدخول كشراء متاعه ، كما يفعله من يخبز في داره فوجهان ; لأن الزحمة تشغل ، فأما إذا لم يكن فيها أحد ، فالمذهب وبه قطع  البغوي     : أنه إن كان الباب مغلقا ، فهو حزر بالنهار في وقت الأمن ، وليس حرزا في وقت الخوف ولا في الليل ، وإن كان مفتوحا ، لم يكن حرزا أصلا ، ومن جعل الدار المنفصلة عن العمارات حرزا عند إغلاق الباب فأولى أن يجعل المتصلة بها عند الإغلاق حرزا ، وإذا ادعى السارق أن صاحب الدار : نام ، أو ضيع ما فيها وأعرض عن اللحاظ ، فقال   الغزالي     : يسقط القطع بمجرد دعواه ، كما في دعوى الملك ، ويجيء فيه الوجه المذكور هناك . 
واعلم أن الأمر في كل هذا مبني على العادة الغالبة في الإحراز ، وعلى هذا الأصل ، قال الأصحاب : النقد والجوهر والثياب لا تكون محرزة إلا بإغلاق الباب عليها  ، وأمتعة العطارين والبقالين والصيادلة إذا تركها على باب الحانوت ونام فيه ، أو غاب عنه ، فإنه ضم بعضها إلى   [ ص: 125 ] بعض وربطها بحبل ، أو علق عليها شبكة ، أو وضع لوحين على باب الحانوت مخالفين ، كفى ذلك إحرازا في النهار ; لأن الجيران والمارة ينظرونها ، وإن تركها مفرقة ولم يفعل شيئا مما ذكرناه ، لم تكن محرزة ، وأما بالليل ، فلا تكون محرزة إلا بحارس . 
قال  الروياني     : والبقل والفجل قد يضم بعضه إلى بعض ، ويطرح عليه حصير ، ويترك على باب الحانوت وهناك حارس ينام ساعة ويدور ساعة ، فيكون محرزا ، وقد يزين العامي حانوته أيام العيد بالأمتعة النفيسة ، ويشق عليه رفعها ليلا ، فيتركها ، ويلقي عليها نطعا ، وينصب حارسا ، فتكون محرزة  بخلاف سائر الأيام ; لأن أهل السوق يعتادون ذلك ، فيقوى بعضهم ببعض ، والثياب على باب حانوت القصار والصباغ ، كأمتعة العطارين ، هذا فيما ينقل في العادة إلى داخل بناء ويغلق عليه باب ، فأما الأمتعة الثقيلة التي يشق نقلها ، كالحطب ، فهي محرزة بأن يشد بعضها إلى بعض ، وكذلك الخزف والقدور تحرز بالشرائح التي تنصب على وجه الحانوت ، وإن تركت متفرقة لم تكن محرزة ، وفي وجه لا يكفي الشد ، بل يشترط أن يكون عليها باب مغلق ، أو يكون على سطح محوط ، والأول أصح حيث جرت العادة به ، وكذا الطعام في الغرائر في موضع البيع محرزا إذا شد بعضها إلى بعض بحيث لا يمكن أخذ شيء منه إلا بحل الرباط ، أو فتق بعض الغرائر ، نص عليه   الشافعي  رحمه الله ، والحطب والقصيل على السطح المحوط محرزان ، والأجذاع الثقال على أبواب المساكين محرزة ، وقال  البغوي     : متاع البقال في الحانوت في الليل محرز  في وقت الأمن إذا كان الباب مغلقا ، وفي غير وقت الأمن لا بد من حارس ، ومتاع البياع والبزار ، لا يكون محرزا إلا بالحارس ، وإن الكدس في الصحراء والبذر المستتر بالتراب ، والزرع والقطن ،   [ ص: 126 ] قصيلا كانا أو اشتد الحرب وخرج الجوزق ليست محرزة إلا بحارس . 
وفي " جمع الجوامع "  للروياني  أن الزرع في المزارع محرز  وإن لم يكن حارس ، وفي تعليقة الشيخ  إبراهيم المروذي  أن الزرع إذا كان قصيلا لا يحتاج إلى حارس ; لأنه يحفظ مثله في العادة ، وهذا يجري في البذر المستتر ، ولو كانت هذه الأشياء في محوط فهي كالثمار في البساتين ، والثمار على الأشجار إن كانت في برية لا تكون محرزة إلا بحارس  ، وفي الكرم والبساتين المحوطة كذلك إن كانت بعيدة عن الطرق والمساكن ، وإن كانت متصلة بها ، والجيران يراقبونها في العادة ، فهي محرزة ، وإلا فيحتاج إلى حارس ، والأشجار في أفنية الدور محرزة  ، وفي البرية تحتاج إلى حارس ، والحنطة في مطامير المفازة ، والتبن في المتبن ، والثلج في المثلجة ، والجمد في المجمدة في الصحراء غير محرزة إلا بحارس ، وباب الدار والحانوت والمغلاق والحلقة على الباب محرزة بالتركيب والتسمير ، وكذا الآجر إذا سرق من صحن الدار ، أو استخرجه من الجدار داخلا أو خارجا ، ليلا أو نهارا  ، وجب القطع ، والشرط في كونها محرزة أن تكون الدار بحيث تحرز ما فيها ، ولو كان باب الدار مفتوحا ، فدخل داخل ، وقلع باب بيت وأخرجه ، فعن  أبي إسحاق  أنه لا قطع ، كما لو أخذ متاعا منها ، وقال الأكثرون : يقطع ، والباب محرز بالتركيب كباب الدار ، والقفل على الباب محرز كالباب والحلقة ، وقال  ابن سلمة     : ليس بمحرز ; لأنه للإحراز به لا لإحرازه ، والأول أصح . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					