الركن الرابع : المكان القابل للتقرير بلاد الإسلام  حجاز  وغيره ، فالحجاز  مكة  والمدينة  واليمامة  ومخاليفها أي : قراها ، قال الإمام : قال الأصحاب : الطائف  ووج  ، وهو واد بالطائف  ، وما يضاف إليهما منسوبة إلى مكة  معدودة من أعمالها ، وخيبر  من مخاليف المدينة    . ثم الحجاز  ضربان : حرم مكة  وغيره ، أما غيره ، فيمنع الكفار من الإقامة به ، وفي منعهم من الإقامة في الطرق الممتدة في بلاد الحجاز  وجهان حكاهما الإمام ، الصحيح وهو مقتضى إطلاق الجمهور : نعم ، لأنها من الحجاز  ، والثاني : لا ، لأنها ليست مجتمع الناس ، ولا موضع إقامة ، ولا يمنعون من ركوب بحر الحجاز  ، لأنه ليس موضع إقامة ، ويمنعون من الإقامة في سواحله في الجزائر المسكونة في البحر ومتى دخل كافر الحجاز  بغير إذن الإمام  ، أخرجه وعزره إن علم أنه ممنوع من دخوله ، وإن استأذن في دخوله ، أذن له إن كان في دخوله مصلحة للمسلمين ، كرسالة أو عقد هدنة أو ذمة ، أو حمل متاع يحتاج إليه المسلمون ، وإن كان دخوله لتجارة ليس فيها كثير حاجة للمسلمين ، لم يأذن له إلا بشرط أن يأخذ من تجارته شيئا ، هكذا أطلقه جماعة ، وحكوه   [ ص: 309 ] عن النص ، وفي " التهذيب " أنه يشرط عليه شيئا ، وهو إلى رأي الإمام ، ولعله أراد أن قدر المشروط إلى رأي الإمام ، لا أصل الشرط فلا يخالف ما أطلقه غيره . 
قلت : هذا الاحتمال هو مراده من غير ترديد ، وهو مقتضى عبارته . والله أعلم . 
ولا يمكن من دخل بالإذن  أن يقيم أكثر من ثلاثة أيام ، ويشرط عليه ذلك عند الدخول ، ولا يحسب من الثلاثة يوم الدخول والخروج ، ولو كان له ديون ، حصلت بمعاملاته بعد الدخول ، أو من وجه آخر ولم يمكن قبضها في الحال ، أمر أن يوكل مسلما بقبضها ، وأخرج هو ، ولو كان ينتقل من قرية إلى أخرى ويقيم في كل واحدة ثلاثة أيام ، لم يمنع وأما حرم مكة   زاده الله شرفا ، فيمنع الكافر من دخوله ، ولو كان مجتازا ، فإن جاء برسالة والإمام في الحرم   ، بعث إليه من يسمعه ، ثم يخبر الإمام ، أو خرج إليه الإمام ويتعين عليه ذلك إذا قال الكافر : لا أؤدي الرسالة إلا مشافهة ، وإن جاء كافر ليناظره ليسلم ، خرج إليه من يناظره ، وإن حمل ميرة ، خرج إليه الراغبون في الشراء ، وإن كان لذمي مال في الحرم  ، أو دين  ، وكل مسلما ليقبضه ويسلمه إليه ، وإن بذل الكافر على الدخول مالا ، لم يجبه إليه ، فإن فعل ، فالصلح فاسد ، فإن دخل ، أخرج وثبت العوض المسمى بخلاف الإجارة الفاسدة ، فإنه إنما تثبت فيها أجرة المثل ، لأنه هنا استوفى المعوض وليس لمثله أجرة ، وإن دخل ولم ينته إلى الموضع المشروط ، وجبت الحصة من المسمى ، ولو دخل كافر بغير إذن الإمام  ، أخرج وعزر إن كان علم ، فلو مات فيه ، لم يدفن فيه ، فإن دفن ، نبش وأخرج ، فإن تقطع ، ترك ، وفي " البحر " وجه أنه تجمع عظامه إن أمكن وتخرج ، وبهذا قطع الإمام ، وبالأول قال الجمهور ،   [ ص: 310 ] ولو مرض فيه ، لم يمرض فيه ، بل ينقل وإن خيف من النقل موته ، ولو مرض كافر في الحجاز  خارج الحرم   ، قال : إن أمكن نقله بلا مشقة عظيمة عليه ، كلف الانتقال ، فإن خيف عليه الموت ، ترك حتى يبرأ ، وإن لم يخف الموت ، ولكن تناله مشقة عظيمة ، فالأصح تكليفه الانتقال ، وجواب جمهور الأصحاب أنه لا ينقل مطلقا ، فلو مات في الحجاز  وتعذر نقله  ، دفن فيه ، ولفظ الإمام أنا نواريه مواراة الجيف ، وإن كان في طرف الحجاز  ، نقل لسهولته ، وأطلق أكثرهم أنه يدفن فيه ، وقالوا : إذا جاز تركه في الحجاز  للمرض ، فللموت أولى ، وذكر  البغوي  تفصيلا جيدا وهو أنه إن أمكن نقله قبل أن يتغير ، نقل ولم يدفن فيه ، وإن خيف عليه التغير ، دفن للضرورة ، وإذا دفن حيث لا يؤذن فيه ، هل ينبش ويخرج عند التمكن ؟  وجهان حكاهما الإمام ، والصحيح : المنع ، وبه قطع الجمهور ، فعلى هذا قال الإمام : لا يبعد أن لا يرفع نعش قبره ، وأما حرم المدينة   فلا يلحق بحرم مكة  فيما ذكرنا ، لكن استحسن  الروياني  أن يخرج منه إذا لم يتعذر الإخراج ويدفن خارجه ، أما غير الحجاز  ، فيجوز تقرير الكفار فيه بالجزية ولكل كافر دخوله بالأمان ، وإذا استأذن كافر في الدخول ، لم يؤذن له إلا لحاجة ، لأنه لا يؤمن أن يجس ، أو يطلع على عورة ، ويتولد من اطلاعه فساد ، أو يفتك بمسلم ، ويؤذن له إذا كان في دخوله مصلحة للمسلمين ، كرسالة وعقد ذمة أو هدنة ، وإن كان يدخل لتجارة ، فللإمام أن يأذن له إذا رأى ذلك ، ويأخذ من تجارته شيئا كما سيأتي إن شاء الله تعالى . وإذا دخل لبعض هذه الأغراض فليكن مكثه بقدر الحاجة ، وليس لكافر أن يدخل مساجد هذه البلاد بغير إذن ، ولا يؤذن له في دخولها لأكل ولا نوم ، لكن يؤذن لسماع القرآن أو الحديث والعلم ، قال  الروياني     : وكذا لحاجته إلى مسلم ، أو حاجة مسلم إليه ، وإذا دخل بلا إذن  إن كان جاهلا فمعذور ويعرف ، وإن كان عالما ، عزر ، وقيل : لا يعزر إلا أن   [ ص: 311 ] يشرط عليه أن لا يدخل بلا إذن ، وجلوس القاضي في المسجد إذن للكافر في الدخول ، وإذا كان له خصومة . وهل يفرق بين كونه جنبا وغيره ؟ وجهان سبقا في كتاب الصلاة ، والصحيح الأشهر أنه يكفي إذن آحاد المسلمين في دخول كل المساجد ، وقال  الروياني     : لا يكفي في الجامع إلا إذن السلطان ، وفي مساجد القبائل والمحال وجهان ، أحدهما : يشترط إذن من له أهلية الجهاد ، وأصحهما : يكفي إذن من يصح أمانه ، وإذا قدم وفد من الكفار ، فالأولى أن ينزلهم الإمام في دار مهيأة لذلك ، أو في فضول مساكن المسلمين ، فإن لم يتيسر ، فله إنزالهم في المسجد ، ويجوز تعليمهم القرآن  إذا رجي إسلامهم ، ولا يجوز إذا خيف استخفافهم ، وكذا القول في تعليم أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - والفقه والكلام ، ولا يمنعون من الشعر والنحو ، قال  الروياني     : ومنعه بعض الفقهاء ، لئلا يتطاولوا به على مسلم لا يحسنه . 
قلت : قال أصحابنا : لا يمنع الكافر من سماع القرآن ، ويمنع من مس المصحف ، ولا يجوز تعليمه القرآن إن لم يرج إسلامه ويمنعه التعليم على الأصح ، وإن رجي ، جاز تعليمه على الأصح . والله أعلم . 
فرع 
من دخل منهم لتجارة أو رسالة لم يمكن من إظهار خمر  ولا خنزير ، ولا يأذن له الإمام في حملها إلى دار الإسلام . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					