فصل 
في الميقات المكاني 
أما المقيم بمكة  مكيا كان أو غيره  ، ففي ميقاته للحج وجهان . وقيل : قولان . أصحهما : نفس مكة    . والثاني : مكة  وسائر الحرم . فعلى الأول : لو فارق بنيان مكة  وأحرم في الحرم ، فهو مسيء يلزمه الدم وإن لم يعد كمجاوزة سائر المواقيت . 
وعلى الثاني : حيث أحرم في الحرم ، فلا إساءة . أما إذا أحرم خارج الحرم ، فمسيء قطعا ، فيلزمه الدم ، إلا أن يعود قبل الوقوف بعرفة إلى مكة  على الأصح أو الحرم على الثاني . 
ثم من أي موضع أحرم من مكة  ، جاز . وفي الأفضل : قولان . أحدهما : أن يتهيأ للإحرام ، ويحرم من المسجد قريبا من البيت . 
وأظهرهما : الأفضل أن يحرم من باب داره ، ويأتي المسجد محرما . وأما غير المقيم بمكة  ، فتارة يكون مسكنه فوق الميقات الشرعي ، ويسمى هذا الأفقي ، وتارة يكون بينه وبين مكة    . 
والمواقيت الشرعية  خمسة . 
أحدها : ذو الحليفة  ، وهو ميقات من توجه من المدينة  ، وهو على نحو عشر مراحل من مكة    . 
الثاني : الجحفة  ، ميقات المتوجهين من الشام  ومصر  والمغرب    . 
الثالث : يلملم  ، وقيل : ألملم ، ميقات المتوجهين من اليمن    . 
الرابع : قرن  ، وهو ميقات المتوجهين من نجد اليمن  ، ونجد الحجاز    . 
 [ ص: 39 ] والخامس : ذات عرق  ، ميقات المتوجهين من العراق  وخراسان    . 
والمراد بقولنا : يلملم  ميقات اليمن  ، أي : ميقات تهامته ، فإن اليمن  يشمل نجدا  وتهامة    . 
والأربعة الأولى نص عليها النبي - صلى الله عليه وسلم - بلا خلاف . وفي ذات عرق  وجهان . أحدهما وإليه مال الأكثرون : أنه منصوص كالأربعة . والثاني : أنه باجتهاد   عمر بن الخطاب     - رضي الله عنه - . والأفضل في حق أهل العراق    : أن يحرموا من العقيق  وهو واد وراء ذات عرق  مما يلي المشرق . 
فرع 
إذا انتهى الأفقي إلى الميقات وهو يريد الحج والعمرة أو القران  ، حرم عليه مجاوزته غير محرم . فإن جاوزه ، فهو مسيء ويأتي حكمه إن شاء الله تعالى ، وسواء كان من أهل تلك الناحية ، أم من غيرها كالشامي يمر بميقات أهل المدينة    . 
فرع 
إذا مر الأفقي بالميقات غير مريد نسكا  ، فإن لم يكن على قصد التوجه إلى مكة  ، ثم عن له قصد النسك بعد مجاوزة الميقات ، فميقاته حيث عن له . وإن كان على قصد التوجه إلى مكة  لحاجة ، فعن له النسك بعد المجاوزة ، فإن قلنا : من أراد دخول الحرم لحاجة  يلزمه الإحرام ، فهذا يأثم بمجاوزته غير محرم ، وهو كمن جاوزه غير محرم على قصد النسك . وإن قلنا : لا يلزمه ، فهذا كمن جاوز غير قاصد دخول مكة    . 
 [ ص: 40 ] فرع 
من مسكنه بين الميقات ومكة  ، فميقاته القرية التي يسكنها  ، أو الحلة التي ينزلها البدوي . 
فرع 
يستحب لمن يحرم من ميقات شرعي  ، أو من قريته ، أو حلته ، أن يحرم من طرفه الأبعد من مكة    . فلو أحرم من الطرف الآخر جاز لوقوع الاسم عليه . والاعتبار بالمواقيت الشرعية ، بتلك المواضع ، لا بالقرى والأبنية ، فلا يتغير الحكم لو خرب بعضها ، ونقلت العمارة إلى موضع قريب منه وسمي بذلك الاسم . 
فرع 
لو سلك البحر أو طريقا في البر لا ينتهي إلى شيء من المواقيت المعينة  ، فميقاته محاذاة المعين . فإن اشتبه تحرى . وطريق الاحتياط لا يخفى . ولو حاذى ميقاتين طريقه بينهما ، فإن تساويا في المسافة إلى مكة  ، فميقاته ما يحاذيهما . وإن تفاوتا فيها ، وتساويا في المسافة إلى طريقه ، فوجهان . أحدهما : يتخير ، إن شاء أحرم من المحاذي لأبعد الميقاتين ، وإن شاء لأقربهما . وأصحهما : يتعين محاذاة أبعدهما . وقد يتصور في هذا القسم محاذاة ميقاتين دفعة واحدة ، وذلك بانحراف أحد الطريقين والتوائه ، أو لو عورة وغيرها ، فيحرم من المحاذاة . وهل هو منسوب   [ ص: 41 ] إلى أبعد الميقاتين ، أم إلى أقربهما ؟ وجهان حكاهما الإمام ، قال : وفائدتهما ، أنه لو جاوز موضع المحاذاة بغير إحرام ، وانتهى إلى موضع يفضي إليه طريقا الميقاتين ، وأراد العود لرفع الإساءة ، ولم يعرف موضع المحاذاة ، هل يرجع إلى هذا الميقات أم إلى ذاك ؟ ولو تفاوت الميقاتان في المسافة إلى مكة  وإلى طريقه ، فالاعتبار بالقرب إليه ، أم إلى مكة  ؟ وجهان . أصحهما : الأول . 
فرع 
لو جاء من ناحية لا يحاذي في طريقها ميقاتا  لزمه أن يحرم إذا لم يبق بينه وبين مكة  إلا مرحلتان . 
				
						
						
