الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        [ ص: 66 ] فرع

                                                                                                                                                                        لو تمتع بالعمرة إلى الحج ، فطاف للحج طواف الإفاضة ، ثم بان له أنه كان محدثا في طواف العمرة ، لم يصح طوافه ذلك ، ولا سعيه بعده ، وبان أن حلقه وقع في غير وقته ويصير بإحرامه بالحج مدخلا الحج على العمرة قبل الطواف ، فيصير قارنا ، ويجزئه طوافه وسعيه في الحج عن الحج ، وعليه دمان ، دم القران ، ودم الحلق . وإن بان أنه كان محدثا في طواف الحج ، توضأ وأعاد الطواف والسعي ، وليس عليه إلا دم التمتع إذا استجمعت شروطه . فلو شك في أي الطوافين كان حدثه ، فعليه إعادة الطواف والسعي . فإذا أعادهما ، صح حجه وعمرته ، وعليه دم ؛ لأنه قارن أو متمتع ، وينوي بإراقته الواجب عليه ، ولا تعين الجهة . وكذا لو لم يجد الدم فصام . والاحتياط : أن يريق دما آخر ، لاحتمال أنه حالق قبل الوقت . فلو لم يحلق في العمرة ، وقلنا : الحلق استباحة محظور ، فلا حاجة إليه . وكذا لا يلزمه عند تبين الحدث في طواف العمرة ، إلا دم واحد . ولو كانت المسألة بحالها ، لكن جامع بعد العمرة ، ثم أحرم بالحج ، فهذه المسألة تفرع على أصلين .

                                                                                                                                                                        أحدهما : جماع الناسي ، هل يفسد النسك ويجب الفدية كالعمد ؟ فيه قولان .

                                                                                                                                                                        الثاني : إذا أفسد العمرة بجماع ، ثم أدخل الحج عليها ، هل يدخل ويصير محرما بالحج ؟ وجهان . أصحهما عند الأكثرين : يصير محرما بالحج ، وبه قال ابن سريج ، والشيخ أبو زيد . فعلى هذا ، هل يكون الحج صحيحا مجزئا ؟ وجهان . أحدهما : نعم ، لأن المفسد متقدم . وأصحهما : لا . فعلى هذا ، هل ينعقد فاسدا ، أو صحيحا ثم يفسد ؟ وجهان . أحدهما : ينعقد صحيحا ثم يفسد ، [ ص: 67 ] كما لو أحرم مجامعا . وأصحهما : ينعقد فاسدا . ولو انعقد صحيحا ، لم يفسد ، إذ لم يوجد بعد انعقاده مفسد . فإن قلنا : ينعقد فاسدا ، أو صحيحا ثم يفسد ، مضى في النسكين وقضاهما . وإن قلنا : ينعقد صحيحا ولا يفسد ، قضى العمرة دون الحج . وعلى الأوجه الثلاثة : يلزمه دم القران ، ولا يجب للإفساد إلا بدنة واحدة ، كذا قاله الشيخ أبو علي . وحكى الإمام : وجهين آخرين ، إذا حكمنا بانعقاد حجه فاسدا . أحدهما : يلزمه بدنة أخرى لفساد الحج . والثاني : يلزمه البدنة للعمرة ، وشاة للحج ، كما لو جامع ، ثم جامع .

                                                                                                                                                                        إذا عرفت هذين الأصلين ، فانظر ، إن كان الحدث في طواف العمرة ، فالطواف والسعي فاسدان ، والجماع واقع قبل التحلل ، لكن لا يعلم كونه قبل التحلل ، فهل يكون كالناسي ؟ فيه طريقان .

                                                                                                                                                                        أحدهما : نعم ، وبه قطع الشيخ أبو علي . والثاني : لا . فإن لم تفسد العمرة به ، صار قارنا وعليه دم للقران ، ودم للحلق قبل وقته إن كان حلق كما سبق . وإن أفسدنا العمرة ، فعليه للإفساد بدنة ، وللحلق شاة .

                                                                                                                                                                        وإذا أحرم بالحج ، فقد أدخله على عمرة فاسدة ، فإن لم يدخل ، فهو في عمرته كما كان ، فيتحلل منها ويقضيها . وإن دخل وقلنا بفساد الحج ، فعليه بدنة للإفساد ، ودم للحلق قبل وقته ، ودم للقران ، ويمضي في فاسدهما ثم يقضيهما . وإن قال : كان الحدث قبل طواف الحج ، فعليه إعادة الطواف والسعي ، وقد صح نسكاه ، وليس عليه إلا دم التمتع . وإن قال : لا أدري في أي الطوافين كان ، أخذ في كل حكم باليقين ، فلا يتحلل ما لم يعد الطواف والسعي ، لاحتمال أن حدثه كان في طواف الحج ، ولا يخرج عن عهدة الحج والعمرة ، إن كانا واجبين عليه ، لاحتمال كونه محدثا [ ص: 68 ] في طواف العمرة ، وتأثير الجماع في إفساد النسكين على المذهب ، فلا تبرأ ذمته بالشك . وإن كان متطوعا فلا قضاء ؛ لاحتمال أن لا فساد ، وعليه دم إما للتمتع إن كان الحدث في [ طواف ] الحج . وإما للحلق إن كان في طواف العمرة . ولا تلزمه البدنة لاحتمال أنه لم يفسد العمرة ، لكن الاحتياط ذبح بدنة وشاة إذا جوزنا إدخال الحج على العمرة الفاسدة ؛ لاحتمال أنه صار قارنا بذلك . هذا آخر المقدمة .

                                                                                                                                                                        فإذا تعذرت معرفة إحرام زيد ، فطريقان .

                                                                                                                                                                        أحدهما : يكون عمرو كمن نسي ما أحرم به . وفيه القولان : القديم والجديد . والطريق الثاني وهو المذهب ، وبه قال الأكثرون : لا يتحرى بحال ، بل ينو القران . وحكوه عن نصه في القديم . والفرق أن الشك في مسألة النسيان وقع في فعله ، فله سبيل إلى التحري ، بخلاف إحرام زيد .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        هذا الذي ذكرناه من الأحوال الثلاثة لزيد ، هو فيما إذا أحرم عمرو في الحال بإحرام كإحرام زيد . أما لو علق إحرامه فقال : إذا أحرم زيد ، فأنا محرم ، فلا يصح إحرامه ، كما لو قال : إذا جاء رأس الشهر ، فأنا محرم . هكذا نقله صاحب " التهذيب " وغيره . ونقل في المعتمد في صحة الإحرام المعلق بطلوع الشمس ونحوه وجهين . وقياس تجويز تعليق أصل الإحرام بإحرام الغير تجويز هذا ؛ لأن التعليق موجود في الحالين إلا أن هذا تعليق بمستقبل ، وذلك تعليق بحاضر ، وما يقبل التعليق من العقود ، يقبلهما جميعا .

                                                                                                                                                                        [ ص: 69 ] قلت : قال الروياني : لو قال أحرمت كإحرام زيد وعمرو ، فإن كانا محرمين بنسك متفق ، كان كأحدهما . وإن كان أحدهما بعمرة ، والآخر بحج ، كان هذا المعلق قارنا ، وكذا إن كان أحدهما قارنا . قال : ولو قال : كإحرام زيد الكافر ، وكان الكافر قد أتى بصورة إحرام ، فهل ينعقد له ما أحرم به الكافر ، أم ينعقد مطلقا ؟ وجهان ، وهذا ضعيف أو غلط ، بل الصواب انعقاده مطلقا . قال الروياني : قال أصحابنا : لو قال : أحرمت يوما أو يومين ، انعقد مطلقا كالطلاق . ولو قال : أحرمت بنصف نسك ، انعقد بنسك كالطلاق . وفيما نقله ، نظر . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية