[ ص: 338 ] كتاب البيع
باب ما يصح به البيع
. ويعتبر في صحته ثلاثة أمور . البيع : مقابلة مال بمال أو نحوه
الأول : ، وهي الإيجاب من جهة البائع ، كقوله : بعتك أو ملكتك ونحوهما . وفي ملكتك وجه ضعيف . والقبول من المشتري ، كقوله : قبلت ، أو ابتعت ، أو اشتريت ، أو تملكت . ويجيء في " تملكت " ذلك الوجه ، وسواء تقدم قول البائع : بعت ، أو قول المشتري : اشتريت ، فيصح البيع في الحالين ، ولا يشترط اتفاق اللفظين ، بل لو الصيغة ، أو قال البائع : ملكتك . فقال : اشتريت ، صح ؛ لأن المعنى واحد . قال البائع : بعتك ، أو اشتريت ، فقال المشتري : تملكت
فرع :
المعاطاة ، ليست بيعا على المذهب . وخرج ابن سريج قولا من الخلاف في مصير الهدي منذورا بالتقليد : أنه يكتفى بها في المحقرات ، وبه أفتى الروياني وغيره . والمحقر ، كرطل خبز وغيره ، مما يعتاد فيه المعاطاة . وقيل : هو ما دون نصاب السرقة . فعلى المذهب في ، وجهان . حكم المأخوذ بالمعاطاة
أحدهما : أنه [ ص: 339 ] إباحة لا يجوز الرجوع فيها ، قاله القاضي أبو الطيب . وأصحهما : له حكم المقبوض بعقد فاسد ، فيطالب كل واحد صاحبه بما دفعه إن كان باقيا ، أو بضمانه إن تلف . فلو كان الثمن الذي قبضه البائع مثل القيمة ، قال في الإحياء : هذا مستحق ظفر بمثل حقه ، والمالك راض ، فله تملكه لا محالة . وقال الشيخ الغزالي أبو حامد : لا مطالبة لواحد منهما ، وتبرأ ذمتهما بالتراضي ، وهذا يشكل بسائر العقود الفاسدة ، فإنه لا براءة وإن وجد التراضي . وقال مالك - رضي الله عنه - : ينعقد بكل ما يعده الناس بيعا ، واستحسنه ابن الصباغ .
قلت : هذا الذي استحسنه ابن الصباغ ، هو الراجح دليلا ، وهو المختار ؛ لأنه لم يصح في الشرع اشتراط لفظ ، فوجب الرجوع إلى العرف كغيره من الألفاظ . وممن اختاره : المتولي والبغوي وغيرهما . والله أعلم .
فرع :
لو . إن قال بعده : اشتريت ، أو قبلت ، انعقد قطعا ، وإلا ، انعقد على الأصح . وقيل : على الأظهر . وقيل : ينعقد قطعا . ولو قال : اشتر مني ، فقال : اشتريت ، قال في " التهذيب " : هو كالصورة السابقة . وقال بعضهم : لا ينعقد قطعا . ولو قال : أتبيعني عبدك بكذا ، أو قال : بعتني بكذا ، فقال : بعت ، لم ينعقد ، حتى يقول بعده : اشتريت . وكذا لو قال البائع : أتشتري داري ؟ أو اشتريت مني ؟ فقال : اشتريت ، لا ينعقد حتى يقول بعده : بعت . قال : بعني ، فقال : بعتك
[ ص: 340 ] فرع :
كل تصرف يستقل به الشخص ، كالطلاق والعتاق والإبراء ، ينعقد بالكناية مع النية كانعقاده بالصريح .
وما لا يستقل به ، بل يفتقر إلى إيجاب وقبول ، ضربان :
أحدهما : ما يشترط فيه الشهادة كالنكاح وبيع الوكيل إذا شرط الموكل الإشهاد ، فهذا لا ينعقد بالكناية ؛ لأن الشاهد لا يعلم النية .
والثاني : ما لا يشترط فيه ، وهو نوعان :
أحدهما : ما يقبل مقصوده التعليق بالغرر ، كالكتابة ، والخلع ، فينعقد بالكناية مع النية . والثاني : ما لا يقبل ، كالبيع والإجارة وغيرهما . وفي انعقاد هذه التصرفات بالكناية مع النية ، وجهان . أصحهما : الانعقاد كالخلع .
ومثال الكناية في البيع ، أن يقول : خذه مني ، أو تسلمه بألف ، أو أدخلته في ملكك ، أو جعلته لك بكذا وما أشبهها . ولو قال : سلطتك عليه بألف ، ففي كونه كناية وجهان .
أحدهما : لا ، كقوله : أبحتكه بألف .
قلت : الأصح : أنه كناية . والله أعلم .
فرع :
لو كتب إلى غائب بالبيع ونحوه ، ترتب ذلك على أن الطلاق ، هل يقع بالكتب مع النية ؟ إن قلنا : لا ، فهذه العقود أولى أن لا تنعقد ، وإلا ، ففيها الوجهان في انعقادها بالكنايات . فإن قلنا : تنعقد ، فشرطه أن يقبل المكتوب إليه بمجرد اطلاعه على الكتاب على الأصح .
قلت : المذهب : أنه ينعقد لحصول التراضي ، لا سيما وقد قدمنا أن الراجح انعقاده بالمعاطاة . وقد صرح البيع بالمكاتبة الرافعي بترجيح صحته بالمكاتبة في كتاب [ ص: 341 ] الطلاق ، وستأتي هذه المسائل كلها مبسوطة فيه إن شاء الله تعالى . واختار في الفتاوى : أنه ينعقد ، قال : وإذا قبل المكتوب إليه ، ثبت له خيار المجلس ، ما دام في مجلس القبول ، ويتمادى خيار الكاتب أيضا إلى أن ينقطع خيار المكتوب إليه ، حتى لو علم أنه رجع عن الإيجاب قبل مفارقة المكتوب إليه مجلسه ، صح رجوعه ، ولم ينعقد البيع . والله أعلم . الغزالي
ولو ، فإن منعناه في الغيبة ، فهنا أولى ، وإلا ، فوجهان . وحكم الكتب على القرطاس ، والرق ، واللوح ، والأرض ، والنقش على الحجر والخشب - واحد ، ولا أثر لرسم الأحرف على الماء والهواء . قال بعض أصحابنا تفريعا على صحة البيع بالمكاتبة . تبايع حاضران بالمكاتبة
لو ، انعقد البيع ؛ لأن النطق أقوى من الكتب . قال إمام الحرمين : والخلاف المذكور ، في أن البيع ونحوه ، هل ينعقد بالكناية مع النية هو فيما إذا عدمت قرائن الأحوال ، فإن توفرت وأفادت التفاهم ، وجب القطع بالصحة ، لكن النكاح لا يصح بالكناية وإن توفرت القرائن . وأما البيع المقيد بالإشهاد ، فقال في " الوسيط " : الظاهر انعقاده عند توفر القرائن . قال : بعت داري لفلان وهو غائب ، فلما بلغه الخبر قال : قبلت
قلت : قال في الفتاوى : لو قال أحد المتبايعين : بعني ، فقال : قد باعك الله ، أو بارك الله لك فيه ، أو قال في النكاح : زوجك الله بنتي ، أو قال في الإقالة : قد أقالك الله ، أو قد رده الله عليك ، فهذا كناية ، فلا يصح النكاح بكل حال . وأما البيع والإقالة ، فإن نواهما ، صحا ، وإلا ، فلا . وإذا نواهما ، كان التقدير : قد أقالك الله لأني قد أقلتك . والله أعلم . الغزالي
[ ص: 342 ] فرع :
لو باع مال ولده لنفسه ، أو مال نفسه لولده ، فهل يفتقر إلى صيغتي الإيجاب والقبول ، أم تكفي إحداهما ؟ وجهان سيأتيان إن شاء الله تعالى بفروعهما في باب الخيار .
فرع :
يشترط أن لا يطول ، وأن لا يتخللهما كلام أجنبي عن العقد ، فإن طال ، أو تخلل ، لم ينعقد ، سواء تفرقا عن المجلس ، أم لا . ولو الفصل بين الإيجاب والقبول ، فالأصح : المنع . وقال مات المشتري بين الإيجاب والقبول ، ووارثه حاضر ، فقبل الداركي : يصح .
فرع :
يشترط . فلو قال : بعت بألف صحيحة ، فقال : قبلت بألف قراضة ، أو بالعكس . أو قال : بعت جميع الثوب بألف ، فقال : قبلت نصفه بخمسمائة ، لم يصح . ولو قال : بعتك هذا بألف ، فقال : قبلت نصفه بخمسمائة ، ونصفه بخمسمائة ، قال في " التتمة " : يصح العقد ؛ لأنه تصريح بمقتضى الإطلاق ، وفيه نظر . وفي فتاوى موافقة القبول الإيجاب القفال : أنه لو قال : بعتك بألف درهم ، فقال : اشتريت بألف وخمسمائة ، صح البيع ، وهو غريب .
[ ص: 343 ] فرع :
لو قال المتوسط للبائع : بعت كذا ؟ فقال : نعم ، أو بعت . وقال للمشتري : اشتريت بكذا ؟ فقال : نعم ، أو اشتريت ، انعقد على الأصح ، لوجود الصيغة والتراضي . والثاني : لا ، لعدم تخاطبهما .
فرع :
لو قال : بعتك بألف ، فقال : قبلت ، صح قطعا ، بخلاف النكاح ، يشترط فيه على رأي أن يقول : قبلت نكاحها ، احتياطا للأبضاع . ولو قال : بعتك بألف إن شئت ، فقال : اشتريت ، انعقد على الأصح ؛ لأنه مقتضى الإطلاق .
فرع :
يصح بالإشارة والكتابة . بيع الأخرس وشراؤه
فرع :
جميع ما سبق ، هو فيما ليس بضمني من البيوع . فأما البيع الضمني فيما إذا قال : أعتق عبدك عني على ألف ، فلا تعتبر فيه الصيغ التي قدمناها ، بل يكفي فيه الالتماس والجواب قطعا .