فصل 
في بيان العقود التي يثبت فيها خيار المجلس  والتي لا تثبت فيها العقود ، ضربان . 
أحدهما : العقود الجائزة ، إما من الجانبين ، كالشركة ، والوكالة ، والقراض ، والوديعة ، والعارية ، وإما من أحدهما ، كالضمان ، والكتابة ، فلا خيار فيها ، وكذا الرهن ، لكن لو كان الرهن مشروطا في بيع وأقبضه قبل التفرق ، أمكن فسخ الرهن ، بأن يفسخ البيع ، فينفسخ الرهن تبعا . 
وحكي وجه : أنه يثبت الخيار في الكتابة والضمان ، وهو شاذ ضعيف . 
الضرب الثاني : العقود اللازمة ، وهي نوعان : واردة على العين ، وواردة على المنفعة . 
فالأول : كالصرف ، وبيع الطعام بالطعام ، والسلم ، والتولية ، والتشريك ، وصلح المعاوضة ، فيثبت فيها جميعا خيار المجلس ، وتستثنى صور . 
إحداها : إذا باع ماله لولده أو بالعكس ، ففي ثبوت خيار المجلس وجهان : أصحهما : يثبت . 
فعلى هذا ، يثبت خيار للأب ، وخيار للولد والأب نائبه . فإن ألزم البيع لنفسه وللولد ، لزم . وإن ألزم لنفسه بقي الخيار للولد ، إذا   [ ص: 436 ] فارق المجلس ، لزم العقد على الأصح . 
والثاني : لا يلزم إلا بالإلزام ؛ لأنه لا يمكن أن يفارق نفسه وإن فارق المجلس . 
الثانية : لو اشترى من يعتق عليه ، كأبيه وابنه ، قال جمهور الأصحاب : يبنى ثبوت خيار المجلس على أقوال الملك في زمن الخيار . فإن قلنا : إنه للبائع ، فلهما الخيار ، ولا نحكم بالعتق حتى يمضي زمن الخيار . 
وإن قلنا : موقوف ، فلهما الخيار . وإذا أمضينا العقد ، تبينا أنه عتق بالشراء . 
وإن قلنا : الملك للمشتري ، فلا خيار له ، ويثبت للبائع . ومتى يعتق ؟ وجهان . 
أصحهما : لا يحكم بعتقه حتى يمضي زمن الخيار ، ثم نحكم يومئذ بعتقه من يوم الشراء . 
والثاني : نحكم بعتقه حين الشراء . 
وعلى هذا ، هل ينقطع خيار البائع ؟ وجهان كالوجهين في ما إذا أعتق المشتري العبد الأجنبي في زمن الخيار ، وقلنا : الملك له . 
قال في " التهذيب " : ويحتمل أن نحكم بثبوت الخيار للمشتري أيضا ، تفريعا على أن الملك له ، وأن لا يعتق العبد في الحال ؛ لأنه لم يوجد منه الرضا إلا بأصل العقد . هذه طريقة الجمهور . 
وقال إمام الحرمين : المذهب ، أنه لا خيار . 
وقال  الأودني     : يثبت ، وتابع   الغزالي  إمامه على ما اختاره ، وهو شاذ ، والصحيح ما سبق عن الأصحاب . 
الثالثة : الصحيح : أن شراء العبد نفسه من سيده جائز . 
وفي ثبوت خيار المجلس وجهان حكاهما  أبو حسن العبادي  ، ومال إلى ترجيح ثبوته ، وقطع   الغزالي  وصاحب " التتمة " بعدم ثبوته . 
الرابعة : في ثبوت الخيار في شراء الجمد في شدة الحر وجهان ؛ لأنه يتلف بمضي الزمان . 
الخامسة : إن صححنا بيع الغائب ، ولم نثبت خيار المجلس مع خيار الرؤية ، فهذا البيع من صور الاستثناء . 
 [ ص: 437 ] السادسة : إن باع بشرط نفي خيار المجلس ، فثلاثة أوجه سنذكرها قريبا إن شاء الله تعالى . 
أحدها : يصح البيع والشرط ، فعلى هذا تكون هذه الصورة مستثناة ، هذا حكم المبيع بأنواعه . 
ولا يثبت خيار المجلس في صلح الحطيطة ، ولا في الإبراء ، ولا في الإقالة إن قلنا : إنها فسخ ، وإن قلنا : إنها بيع ، ففيها الخيار . 
ولا يثبت في الحوالة إن قلنا : إنها ليست معاوضة ، وإن قلنا : معاوضة ، فكذا أيضا على الأصح ، لأنها ليست على قواعد المعاوضات . 
ولا يثبت في الشفعة للمشتري ، وفي ثبوته للشفيع وجهان . فإن أثبتناه فقيل : معناه أنه بالخيار بين الأخذ والترك ما دام في المجلس مع تفريعنا على قول الفور . 
قال إمام الحرمين : هذا غلط ، بل الصحيح : أنه على الفور . 
ثم له الخيار في نقض الملك ورده . 
ومن اختار عين ماله لإفلاس المشتري ، فلا خيار له ، وفي وجه ضعيف : له الخيار ، ما دام في المجلس . 
ولا خيار في الوقف كالعتق ، ولا في الهبة إن لم يكن ثوابا . 
فإن كان ثوابا مشروطا ، أو قلنا : يقتضيه الإطلاق ، فلا خيار أيضا على الأصح ؛ لأنه لا يسمى بيعا ، والحديث ورد في المتبايعين . 
ويثبت الخيار في القسمة ، إن كان فيها رد ، وإلا فإن جرت بالإجبار فلا خيار ، وإن جرت بالتراضي فإن قلنا : إنها إقرار فلا خيار ، وإن قلنا : بيع فكذا على الأصح . 
النوع الثاني : العقد الوارد على المنفعة ، فمنه : النكاح ولا خيار فيه ، ولا خيار في الصداق على الأصح . 
فإن أثبتناه ففسخت وجب مهر المثل . 
وعلى هذين الوجهين ثبوت خيار المجلس في عوض الخلع ، ولا تندفع الفرقة بحال . 
ومنه : الإجارة ، وفي ثبوت خيار المجلس فيها ، وجهان 
أصحهما عند صاحب " المهذب " وشيخه  الكرخي     : يثبت ، وبه قال  الإصطخري  وصاحب " التلخيص " ، وأصحهما عند الإمام وصاحب " التهذيب " والأكثرين : لا يثبت ،   [ ص: 438 ] وبه قال  أبو إسحاق   وابن خيران     . 
قال  القفال  في طائفة : الخلاف في إجارة العين . أما الإجارة على الذمة ، فيثبت فيها قطعا كالسلم ، فإن أثبتنا الخيار في إجارة العين ، ففي ابتداء مدتها وجهان . 
أحدهما : من وقت انقضاء الخيار بالتفرق . فعلى هذا لو أراد المؤجر أن يؤجره لغيره في مدة الخيار ، قال الإمام : لم يجزه أحد فيما أظن ، وإن كان محتملا في القياس . 
وأصحهما : أنها تحسب من وقت العقد . فعلى هذا على من تحسب مدة الخيار ؟ إن كان قبل تسليم العين إلى المستأجر ، فهي محسوبة على المؤجر ، وإن كانت بعده فوجهان ، بناء على أن المبيع إذا هلك في يد المشتري في زمن الخيار من ضمان من يكون ؟ الأصح : أنه من ضمان المشتري فعلى هذا ، يحسب على المستأجر ، وعليه تمام الأجرة . 
والثاني : من ضمان البائع . فعلى هذا يحسب على المؤجر ، ويحط من الأجرة قدر ما يقابل تلك المدة . 
وأما المساقاة  ، ففي ثبوت خيار المجلس فيها طريقان . 
أصحهما : على الخلاف في الإجارة . والثاني : القطع بالمنع ، لعظم الغرر فيها ، فلا يضم إليه غرر الخيار . 
والمسابقة ، كالإجارة إن قلنا : إنها لازمة ، وكالعقود الجائزة إن قلنا : جائزة . 
فرع 
لو تبايعا بشرط نفي خيار المجلس  ، فثلاثة أوجه : أصحها : البيع باطل ، والثاني : أنه صحيح ولا خيار ، والثالث : صحيح ، والخيار ثابت ولو شرط نفي خيار الرؤية على قول صحة بيع الغائب فالمذهب : أن البيع باطل ، وبه قطع الأكثرون . وطرد الإمام   والغزالي  فيه الخلاف . 
وهذا الخلاف يشبه الخلاف في شرط البراءة من العيوب . 
ويتفرع على نفي خيار المجلس ما إذا قال لعبده : إن بعتك فأنت حر ، ثم باعه بشرط نفي الخيار ، فإن قلنا : البيع   [ ص: 439 ] باطل أو صحيح ولا خيار لم يعتق . 
وإن قلنا : صحيح والخيار ثابت ، عتق ; لأن عتق البائع في مدة الخيار نافذ . 
				
						
						
