فصل 
الرد بالعيب على الفور  ، فيبطل بالتأخير بلا عذر . ولا يتوقف على حضور الخصم وقضاء القاضي . والمبادرة إلى الرد معتبرة بالعادة ، فلا يؤمر بالعدو والركض ليرد . ولو كان مشغولا بصلاة أو أكل أو قضاء حاجة ، فله التأخير إلى فراغه   [ ص: 479 ] وكذا لو اطلع حين دخل وقت هذه الأمور فاشتغل بها ، فلا بأس . وكذا لو لبس ثوبا أو أغلق بابا . ولو اطلع ليلا ، فله التأخير إلى الصباح . وإن لم يكن عذر ، فقد ذكر   الغزالي  فيه ترتيبا مشكلا خلاف المذهب . 
واعلم أن كيفية المبادرة وما يكون تقصيرا وما لا يكون ، إنما نبسطه في كتاب " الشفعة " ، ونذكر هنا ما لا بد منه ، فالذي فهمته من كلام الأصحاب : أن البائع إن كان في البلد ، رد عليه بنفسه أو بوكيله ، وكذا إن كان وكيله حاضرا ، ولا حاجة إلى المرافعة إلى القاضي . ولو تركه ، ورفع الأمر إلى القاضي ، فهو زيادة توكيد . وحاصل هذا تخييره بين الأمرين . وإن كان غائبا عن البلد رفع إلى القاضي . قال القاضي  حسين  في فتاويه : يدعي شراء ذلك الشيء من فلان الغائب بثمن معلوم ، وأنه أقبضه الثمن وظهر العيب ، وأنه فسخ ، ويقيم البينة على ذلك في وجه مسخر ينصبه القاضي ، ويحلفه القاضي مع البينة ؛ لأنه قضاء على غائب ، ثم يأخذ المبيع منه ويضعه على يد عدل ، ويبقى الثمن دينا على الغائب ، فيقضيه القاضي من ماله . فإن لم يجد له سوى المبيع ، باعه فيه . وإلى أن ينتهي إلى الخصم أو القاضي في الحالين ، لو تمكن من الإشهاد على الفسخ ، هل يلزمه ؟ وجهان . قطع صاحب " التتمة " وغيره ، باللزوم . ويجري الخلاف فيما لو أخر بعذر مرض ، أو غيره . ولو عجز في الحال عن الإشهاد ، فهل عليه التلفظ بالفسخ ؟ وجهان . 
أصحهما عند الإمام ، وصاحب " التهذيب " : لا حاجة إليه . وإذا لقي البائع فسلم عليه ، لم يضر . فلو اشتغل بمحادثته ، بطل حقه . 
 [ ص: 480 ] فرع 
لو أخر الرد مع العلم بالعيب  ، ثم قال : أخرت لأني لم أعلم أن لي الرد ، فإن كان قريب عهد بالإسلام ، أو نشأ في برية لا يعرفون الأحكام ، قبل قوله ، وله الرد ، وإلا فلا . ولو قال : لم أعلم أنه يبطل بالتأخير ، قبل قوله ؛ لأنه يخفى على العوام . 
قلت : إنما يقبل قوله : لم أعلم أن الرد على الفور ، وقول الشفيع : لم أعلم أن الشفعة على الفور ، إذا كان ممن يخفى عليه مثله ، وقد صرح   الغزالي  وغيره بهذا في كتاب " الشفعة " . والله أعلم . 
فرع 
حيث بطل الرد بالتقصير ، بطل الأرش .  
فرع 
ليس لمن له الرد ، أن يمسك المبيع ويطالب بالأرش ، وليس للبائع أن يمنعه من الرد ، ويدفع الأرش . فلو رضيا بترك الرد على جزء من الثمن ، أو مال آخر ، ففي صحة هذه المصالحة وجهان ، أصحهما : المنع ، فيجب على المشتري رد ما أخذ . وهل يبطل حقه من الرد ؟ وجهان . 
أصحهما : لا ، والوجهان إذا ظن صحة المصالحة . فإن علم بطلانها ، بطل حقه قطعا . 
 [ ص: 481 ] فرع 
كما أن تأخير الرد مع الإمكان تقصير ، فكذا الاستعمال والانتفاع والتصرف ، لإشعارها بالرضا    . فلو كان المبيع رقيقا ، فاستخدمه في مدة طلب الخصم أو القاضي ، بطل حقه . وإن كان بشيء خفيف ، كقوله : اسقني أو ناولني الثوب أو أغلق الباب ، ففيه وجه : أنه لا يضر ؛ لأنه قد يؤمر به غير المملوك ، وبه قطع  الماوردي  وغيره . والأصح الأشهر : أنه لا فرق . 
قلت : قال  القفال  في شرح " التلخيص " : لو جاءه العبد بكوز ماء ، فأخذ الكوز ، لم يضر لأن وضع الكوز في يده ، كوضعه على الأرض . فإن شرب ورد الكوز إليه ، فهو استعمال . والله أعلم . 
ولو ركب الدابة لا للرد ، بطل حقه ، وإن ركبها للرد أو السقي ، فوجهان . 
أصحهما : البطلان أيضا ، كما لو لبس الثوب للرد ، فإن كانت جموحا يعسر سوقها وقودها ، فهو معذور في الركوب . ولو ركبها للانتفاع فاطلع على العيب ، لم تجز استدامة الركوب وإن توجه للرد . وإن كان لابسا ، فاطلع على عيب الثوب في الطريق فتوجه للرد ولم ينزع ، فهو معذور ; لأن نزع الثوب في الطريق لا يعتاد ، قال  الماوردي     . ولو علف الدابة أو سقاها أو حلبها في الطريق ، لم يضر . ولو كان عليها سرج أو إكاف ، فتركه عليها ، بطل حقه ؛ لأنه انتفاع ، ولولا ذلك لاحتاج إلى حمل أو تحميل . ويعذر بترك العذار واللجام ؛ لأنهما خفيفان لا يعد تعليقهما على الدابة انتفاعا ، ولأن القود يعسر دونهما . ولو أنعلها في الطريق ، قال الشيخ  أبو حامد     : إن كانت تمشي بلا نعل بطل حقه ، وإلا فلا . ونقل  الروياني  وجها في جواز الانتفاع في الطريق مطلقا ، حتى روى عن أبيه جواز وطء الجارية الثيب . 
 [ ص: 482 ] قلت : لو اشترى عبدا فأبق قبل القبض ، فأجاز المشتري البيع ، ثم أراد الفسخ ، فله ذلك ما لم يعد العبد إليه . وذكره الإمام  الرافعي  في آخر المسائل المنثورة في آخر كتاب الإجارة وسأذكره إن شاء الله تعالى هناك . والله أعلم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					