ويشبه هذا ، فعنه ثلاث روايات : أوسطها جواز ذلك للحاجة ، كما تفعل الطائفة الأولى في صلاة الخوف ، وكما فعل الذي طول عليه مفارقة المأموم إمامه قبل السلام معاذ صلاة العشاء الآخرة لما شق عليه طول الصلاة ، والرواية الثانية : المنع مطلقا ، كقول ، والرواية الثالثة : الجواز مطلقا كقول أبي حنيفة ؛ ولهذا جوز الشافعي أحمد في المشهور عنه أن المرأة تؤم الرجال لحاجة مثل أن تكون قارئة وهم غير قارئين ، فتصلي بهم التراويح ، كما لأم ورقة أن تؤم أهل دارها ، وجعل لها مؤذنا ، وتتأخر خلفهم وإن كانوا مأمومين بها ، للحاجة ، وهو حجة لمن يجوز تقدم المأموم لحاجة ، هذا مع ما روي عنه صلى الله عليه وسلم من قوله : " أذن النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 120 ] " ، وأن المنع من لا تؤمن امرأة رجلا قول عامة العلماء . إمامة المرأة بالرجال
ولهذا الأصل استعمل أحمد ما استفاض عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله في الإمام : " " وأنه علل ذلك بأنه يشبه قيام الأعاجم بعضهم لبعض ، فسقط عن المأمومين القيام لما في القيام من المفسدة التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم من مخالفة الإمام والتشبه بالأعاجم في القيام له ، وكذلك عمل أئمة الصحابة بعده لما اعتلوا فصلوا قعودا والناس خلفهم قعود كأسيد بن الحضير . إذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون
ولكن كره هذا لغير الإمام الراتب ؛ إذ لا حاجة إلى نقص الصلاة في الائتمام به ؛ ولهذا كرهه أيضا إذا مرض الإمام الراتب مرضا مزمنا ؛ لأنه يتعين حينئذ انصرافه عن الإمامة ، ولم ير هذا منسوخا بكونه صلى الله عليه وسلم في مرضه صلى في أثناء الصلاة قاعدا وهم قيام ؛ لعدم المنافاة بين ما أمر به وبين ما فعله ؛ ولأن الصحابة فعلوا ما أمر به بعد موته مع شهودهم لفعله ، فيفرق بين القعود من أول الصلاة والقعود في أثنائها ، إذ يجوز الأمران جميعا ؛ إذ ليس في الفعل تحريم للمأمور به بحال ، مع ما في هذه المسائل من الكلام الدقيق الذي [ ص: 121 ] ليس هذا موضعه ، وإنما الغرض التنبيه على قواعد الشريعة التي تعرفها القلوب الصحيحة التي دل عليها قوله تعالى ( فاتقوا الله ما استطعتم ) وقوله صلى الله عليه وسلم : " " وأنه إذا تعذر جمع الواجبين قدم أرجحهما ، وسقط الآخر [ بالعجز ] الشرعي ، والتنبيه على ضوابط من مآخذ العلماء [ رضي الله عنهم ] . إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم