القسم السابع ، والقصد منه التأكيد [ ص: 50 ] وهذا إنما يجيء عند اختلاف اللفظ ; وإنما يحسن بالواو ، ويكون في الجمل كقوله : عطف أحد المترادفين على الآخر أو ما هو قريب منه في المعنى أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى ( القيامة : 34 - 35 ) .
ويكثر في المفردات كقوله : فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا ( آل عمران : 146 ) .
وقوله : فلا يخاف ظلما ولا هضما ( طه : 112 ) ، لا تخاف دركا ولا تخشى ( طه : 77 ) .
وقوله : ثم عبس وبسر ( المدثر : 22 ) .
وقوله : إنما أشكو بثي وحزني إلى الله ( يوسف : 86 ) .
وقوله : لا تبقي ولا تذر ( المدثر : 28 ) .
وقوله : وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ( النساء : 171 ) .
وقوله : لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ( طه : 107 ) قال الخليل : العوج والأمت بمعنى واحد .
وقيل : الأمت أن يغلظ مكان ويرق مكان ، قاله ابن فارس في " المقاييس " ، وهو راجع لما قاله الخليل .
وقوله : أنا لا نسمع سرهم ونجواهم ( الزخرف : 80 ) .
وقوله : لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ( المائدة : 48 ) .
وقوله : إلا دعاء ونداء ( البقرة : 171 ) .
[ ص: 51 ] وفرق الراغب بين النداء والدعاء بأن النداء قد يقال إذا قيل " يا " أو " أيا " ونحوه ، من غير أن يضم إليه الاسم ، والدعاء لا يكاد يقال إلا إذا كان معه الاسم ; نحو : " يا فلان " .
وقوله : إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا ( الأحزاب : 67 ) .
وقوله : وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ( الأحزاب : 12 ) .
وقوله : لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب فإن " نصب " مثل " لغب " وزنا ومعنى ومصدرا .
وقوله : أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة ( البقرة : 157 ) على قول من فسر الصلاة بالرحمة ، والأحسن خلافه ، وأن الصلاة للاعتناء وإظهار الشرف ، كما قاله الغزالي وغيره ، وهو قدر مشترك بين الرحمة والدعاء والاستغفار ، وعلى هذا فهو من عطف المتغايرين .
وقال في قوله تعالى : الزمخشري والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك ( البقرة : 4 ) إنهم هم المذكورون أولا ، وهو من عطف الصفة على الصفة .
واعترض عليه بأن شرط عطف الصفة على الصفة تغاير الصفتين في المعنى ; تقول : " جاء زيد العالم والجواد والشجاع " أي : الجامع لهذه المعاني الثلاثة المتغايرة ، ولا تقول : " زيد العالم والعالم " فإنه تكرار ، والآية من ذلك ; لأن المعطوف عليه قوله تعالى : الذين يؤمنون بالغيب ( البقرة : 3 ) والمعطوف قوله تعالى : والذين يؤمنون بما أنزل إليك ( البقرة : 4 ) ، والمنزل هو الغيب بعينه .
[ ص: 52 ] ويحتمل أن يقال : المعطوف عليه مطلق الغيب ، والمعطوف غيب خاص ، فيكون من عطف الخاص على العام .
وجعل منه بعضهم قوله تعالى : وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير ( فاطر : 25 ) فإن المراد بالكتاب المنير هو الزبور ، ونقله عن إجماع المفسرين لما تضمنه من النعت ، كما تعطف النعوت بعضها على بعض ; وهذا يرده تكرار الباء فإنه يشعر بالفصل ; لأن فائدة تكرار العامل بعد حرف العطف إشعار بقوة الفصل من الأول والثاني ، وعدم التجوز في عطف الشيء على نفسه .
والذي يظهر أنه للتأسيس ; وبيانه وجوه : أحدها : أن قوله تعالى : جاءتهم يعود الضمير فيه على المكذبين للنبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى الذين من قبلهم فيكون النبي - صلى الله عليه وسلم - داخلا في المرسلين المذكورين والكتاب المنير هو القرآن ، وقوله تعالى : ثم أخذت الذين كفروا ( فاطر : 26 ) معطوف على قوله تعالى : فقد كذب الذين من قبلهم أي : كذبوا ، ثم أخذتهم بقيام الحجة عليهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير ( فاطر : 25 ) وجاء تقديم قيام الحجة عليهم قبل العطف ; اعتراضا للاهتمام به ، وهو من أدق وجوه البلاغة ، ومثله في آية آل عمران قوله تعالى : فقد كذب رسل من قبلك ( آل عمران : 184 ) وقوله : ( جاءوا ) انصراف من الخطاب إلى الغيبة ، كأنه قال : " جاء هؤلاء المذكورون " فيكون النبي - صلى الله عليه وسلم - داخلا في الضمير ، وهو في موضع " جئتم بالبينات " فأقام الإخبار عن الغائب مقام المخاطب ، كقوله تعالى : ( جرين بهم ) [ ص: 53 ] ( يونس : 22 ) وفيه وجه من التعجب ; كأن المخاطب إذا استعظم الأمر رجع إلى الغيبة ; ليعم الإخبار به جميع الناس ، وهذا موجود في الآيتين .
والثاني : أن يكون على حذف مضاف ; كأنه قيل : " الكتاب المنير " يعني القرآن فيكون مثل قوله : ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد ( الصف : 6 ) وهذا وجه حسن .
تنبيهات الأول : أنكر هذا النوع ، ومنع عطف الشيء على مثله ; إذ لا فائدة فيه ، وأول ما سبق باختلاف المعنيين ; ولعله ممن ينكر أصل الترادف في اللغة المبرد كالعسكري وغيره .
الثاني : ما ذكرناه من تخصيص هذا النوع بالواو هو المشهور ، وقال ابن مالك : وقد أنيبت " أو " عنها ، كما في قوله تعالى : نشوزا أو إعراضا ( النساء : 128 ) ومن يكسب خطيئة أو إثما ( النساء : 112 ) .
قال شيخنا : وفيه نظر ; لإمكان أن يراد بالخطيئة ما وقع خطأ ، وبالإثم ما وقع عمدا قلت : ويدل له قوله تعالى قبل ذلك : ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه ( النساء : 111 ) .
وجعل منه بعضهم قوله - صلى الله عليه وسلم - : . اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك ، سميت به نفسك ، [ ص: 54 ] أو أنزلته في كتابك ، أو علمته أحدا من خلقك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك
قلت : ما ذكره ابن مالك قد سبقه به ثعلب ، فيما حكاه في " المحكم " ; فقال ابن سيده ثعلب في قوله تعالى : عذرا أو نذرا ( المرسلات : 6 ) : العذر والنذر واحد .
قال اللحياني وبعضهم : يثقل .
وعن الفراء : أنه يجرى في العطف بثم ، وجعل منه قوله : ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه ( هود : 52 ) قال : معناه : وتوبوا إليه ; لأن التوبة الاستغفار .
وذكر بعضهم أنه قد تجرد عن العطف ، وجعل منه قوله تعالى : وغرابيب سود ( فاطر : 27 ) والغرابيب هي السود سبلا فجاجا ( نوح : 20 ) الرحمن الرحيم ( الفاتحة : 3 ) وغير ذلك .
الثالث : مما يدفع وهم التكرار في مثل هذا النوع ، أن يعتقد أن مجموع المترادفين [ ص: 55 ] يحصل معنى لا يوجد عند انفراد أحدهما ، فإن التركيب يحدث معنى زائدا ، وإذا كانت كثرة الحروف تفيد زيادة المعنى فكذلك كثرة الألفاظ .