الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      مسألة اتفق القائلون بالمستند عليه إذا كان دلالة ، واختلفوا فيما إذا كان أمارة على مذاهب . أحدها : الجواز مطلقا سواء كان جلية أو خفية ، كالدلالة . ونص عليه الشافعي في الرسالة " ، وجوز الإجماع عن قياس ، وهو قول الجمهور . قال الروياني : وبه قال عامة أصحابنا ، وهو المذهب . وقال ابن القطان : لا خلاف بين أصحابنا في جواز وقوع الإجماع عنه في قياس المعنى على المعنى والشرط ، وأما قياس الشبه فاختلفوا فيه على وجهين ، وإذا وقع عن الأمارة ، وهي المفيدة للظن وجب أن يكون الظن صوابا للدليل الدال على العصمة ، ومن هنا قيل : ظن من هو معصوم عن الخطأ مقطوع بصحته . ومن فروع المسألة : اتفاق الصحابة على أحد القولين بعد الخلاف . والثاني : المنع مطلقا ، وبه قال الظاهرية ، ومحمد بن جرير الطبري . [ ص: 400 ]

                                                      فالظاهرية منعوه لأجل إنكارهم القياس وأما ابن جرير ، فقال : القياس حجة ، ولكن الإجماع إذا صدر عنه لم يكن مقطوعا بصحته ، هكذا حكاه الأستاذ أبو منصور . قال : وبه قال بعض القدرية ، وهو جعفر بن مبشر . ثم اختلفت الظاهرية ، فمنهم من أحاله ، ومنهم من سلم الإمكان ، ومنع الوقوع ، وادعوا أن العادة تحيله في الجمع العظيم . وحكى القاضي في التقريب " عن ابن جرير أنه منع منه عقلا ، وقال : لو وقع لكان حجة ، غير أنه منع وقوعه ; لاختلاف الدواعي والأغراض وتفاوتهم في الذكاء والفطنة . واحتج ابن القطان على ابن جرير بأنه وافق على وقوعه في خبر الواحد ، وهم مختلفون فيه ، فكذلك القياس ، ولا يقال خبر الواحد أجمعت عليه الصحابة بخلاف القياس ; لأنا نقول : كلاهما سواء في إجماعهم على القول به . ومن السنة أن إمامة الصديق - رضي الله عنه - ثبتت بالقياس ، لقول عمر رضي الله عنه : رضيناه لديننا أفلا نرضاه لدنيانا . ثم اعترض بإجراء مثل ذلك في عبد الرحمن بن عوف ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خلفه ، وأجاب بالفرق ، وهو أن الصديق أمره النبي عليه السلام ، وعبد الرحمن وجده يصلي ، فصلى خلفه ، وكذلك صدقة البقر ثبت [ الحكم ] فيها بالنص ، ثم ثبت الحكم في الجواميس بالإجماع بالقياس على البقر ، وكذلك أجمعوا على ميقات ذات عرق ولم يقع النص . قال : وفيه نظر ; لأن فيه أخبارا عن النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 401 ] أنه وقته لأهل المشرق . قال : وقد أدخل في هذا أصحابنا ما ليس منه ، كصدقة الذهب وفيها أحاديث .

                                                      وكذلك قوله : { ( من أعتق شركا له في عبد ) } ، والأمة في معناه ، مع قولهم : إن العبد اسم لكل رقيق ، ذكرا كان أو أنثى . قال : ومن أجوده أن الله ذكر ميراث الإخوة والأخوات ، ولم يذكر شيئا أنه من بعد الوصية والدين ، والحكم فيه من طريق القياس كذلك . ا هـ . والمذهب الثالث : التفصيل في الأمارة بين الجلية ، فيجوز انعقاد الإجماع عنها ، دون الخفية . حكاه ابن الصباغ ، وكذا صاحب الكبريت الأحمر " عن بعض أصحابنا . قال : وهو ظاهر مذهب أبي بكر الفارسي من الشافعية . قال : ولذلك اشترط في الخبر الذي انعقد عن الإجماع كونه مشهورا . والمذهب الرابع : أنه لا يجوز في القياس إلا عن أمارة ، ولا يجوز عن دلالة للاستغناء بها عنه ، حكاه السمرقندي في " الميزان " عن بعض مشايخهم ، وهو غريب قادح في إطلاق نقل جماعة الإجماع على جوازه عن دلالة .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية